المتوالية القصصية؛ محاولة لفك اشتباك المصطلحات
د.ثائر العذاري
نشرت ثقافية (المدى) الغراء في عددها الصادر في ٣/٢/٢٠١٩ مقالا للناقدة د.نادية هناوي ردا على مقالي المنشور في الجريدة نفسها يوم ١٥/١/٢٠١٩ الذي حاولت فيه توضيح اللبس الذي سبب الخلاف العلمي بيني وبين الزميلة التي أحمل لها كل التقدير، لكني تفاجأت بإصرارها على الخلط بين مصطلحات لا يربط بينها رابط واستعمال اللغة الاستفزازية ذاتها في المقال وتوظيف كلمات مثل التساجل والتمحل النقدي والمعاندة والأغراض الجانبية والمنفعة الذاتية وتموسوعاته وغير ذلك كثير مما يعطيني الحق في معاتبة الدكتورة هناوي لأن هذا تهجم شخصي لا يمت للعلم بصلة. وفي هذا المقال أحاول إعادة صياغة المفاهيم من غير أن أدخل القراء الكرام في متاهات قوائم الأسماء الغربية والمصطلحات المتشابكة.
ثمة إشارات أرى أنها ضرورية قبل الدخول في المفاهيم والتعريفات:
فأما الأولى فهي أني لم استعمل في أي مقال كتبته في الموضوع مصطلح المتوالية السردية الذي تصر د.هناوي نسبته إلي لأني أعي تماما أن هذا المصطلح التودوروفي إنما هو وصف لتقنية الكتابة السردية كما رآها تودوروف في استعماله مصطلح fiction sequence الذي يقصد به تراتب الصفات والأفعال في نص واحد، وتبعه نقاد آخرون منهم روبرت شولز الذي سببت ترجمة كتابه هذا الخلط، فهذا من مبادئ الدرس السردي.
وأما الثانية فهي أني لم أنكر في أي مقال استعمال الأستاذ جاسم عاصي للمصطلح، لكني لا أرى أنه كان يقصد المتوالية القصصية مدار النقاش ولم يكن عمله متوالية قصصية مستوفية شرائطها كما سأبين لاحقا في هذا المقال، وهذا لا يقلل من أهمية تجربة الأستاذ عاصي خاصة إذا ما وضعت في سياقها التاريخي، فلا شك في أنها تجربة جريئة ومتقدمة في وقتها.
وأما الثالثة فإن اعتماد الدكتورة نادية هناوي على ترجمة الغانمي لكتاب شولز ليس تخمينا مني ولا اتهاما فهذا ما دلت عليه د.هناوي نفسها في المقال حيث اقتبست النص: “إن هذه قصة لأنها متوالية من القضايا التي تتضمن الموضوع نفسه…..” ووضعت في آخر الاقتباس رقم الصفحة (١٥٢) مدفوعة بأمانتها العلمية والنص موجود فعلا في هذه الصفحة من ترجمة الغانمي، أما في النسخة الانكليزية وهي غير متوفرة على النت ولا في المكتبات العراقية، فالنص الذي سبب اللبس يرد في الصفحة ٨٩ كما سبقت الإشارة في مقالي السابق، وقد أرفقت مع المقال صورة للصفحة لم يتسن للجريدة نشرها، ولا أرى أن من العيب الرجوع إلى الترجمة لكن ينبغي التأني في التعامل مع المصطلحات.
وأما الرابعة فهي الإشارة المهمة التي وردت في مقال الدكتورة هناوي حول حيرة النقاد الغربيين أمام تجنيس المتوالية القصصية، ولا أدري لمَ تستكثر الناقدة القديرة على دارس عربي أن يكون له هو الآخر موقف نقدي، على أن حيرة النقاد انتهت منذ عام ١٩٧١ حين أصدر فورست انجرام كتابه.
وأما الخامسة والأخيرة فهي قول د.هناوي أني لم أدل على المضان التي تشير إلى أن المتوالية القصصية جنس أدبي، فالواقع أني كنت أرسل صورا مع كل مقال إلا أن ظروف النشر كما يبدو تحول دون نشرها كلها وأنا أدعو القارئ إلى البحث عن كتاب انجرام Representative Short Story Cycles of the Twentieth Century, Studies in a literary genre, أو في الأقل تأمل عنوانه والتركيز على أداة التنكير a في العنوان الثانوي. وهذا أول كتاب عد المتوالية القصصية جنسا أدبيا بينما كان كتاب جنيفر سميث هو الكتاب الأخير في سلسلة من الكتب والدراسات، وأرجو القارئ الاطلاع على الفصل الأخير من كتاب The American short story cycle الذي عنونته جنيفر سميث Atomic genre وناقشت فيه متوالية قصصية للقاصة الأمريكية جنيفر إيغان لتبين عبرها ملامح التجنيس. ومن المهم الإشارة إلى بحث لوشار المتوالية القصصية كتاب مفتوح في الكتاب الذي حررته سوزان لوهافر وكان عنوانه نظرية القصة القصيرة في مفترق الطرق وأطروحة جنيفر سميث للدكتوراه المعنونة (الواحد والمتعدد) حيث أحصت فيها كما كبيرا من الدراسات التي عدت المتوالية القصصية جنسا أدبيا، وربما تشبهها أطروحة كو لويفن للدكتورا المعنونة The Short Story Cycle in Ireland: From Jane Barlow to Donal Ryan فهي تضم إحالات لدراسات أخرى غير تلك التي كتبت في أمريكا. ومن المهم أيضا الإشارة إلى أن بعض الجامعات تجعل دراسة المتوالية القصصية فصلا دراسيا للدراسات العليا ومثال هذا ما تدرسه البروفيسورة ميرسيدس جارثيا في جامعة سلامانكا الأسبانية التي تقول في تلخيصها للفصل أنها تهدف إلى بيان التعقيد الذي يتسم به هذا الجنس الأدبي منذ مطلع القرن العشرين.
بعد هذا يمكنني الدخول في صلب الخلاف ولأبدأ بمفهوم المتوالية القصصية، فهذا الاسم هو الذي استعمله الكتاب العرب لتجنيس أعمالهم في مقابل short story sequence عند الانكليز و short story cycle عند الأمريكان، وهذه التسميات الثلاثة تدل على مسمى واحد هو ما سنعرفه الآن.
المتوالية القصصية هي كتاب يضم مجموعة من القصص القصيرة ترتبط ببعضها بروابط يحددها الكاتب، فمثلا يمكن أن تحدث القصص جميعا في مكان واحد، أو تتمحور القصص كلها حول شخصية واحدة، أو تشترك القصص جميعا بثيمة محددة….الخ. وكلما ازدادت الروابط بين القصص أصبح الكتاب أكثر اقترابا من كونه مشروعا قصصيا واحدا، ولهذا تقع المتوالية القصصية بين الرواية والقصة القصيرة شأنها في ذلك شأن القصة الطويلة والرواية القصيرة أو النوفيلا، وفي الانكليزية يستعمل بعض النقاد مصطلح (sub genre الجنس الفرعي) لوصف هذه الأجناس السردية.
ولكي يكون العمل متوالية قصصية ينبغي أن تتوفر فيه شروط عدة هي:
• أن تكون المتواية القصصية كتابا يتضمن مجموعة قصص تكون نظاما مغلقا له بداية ونهاية. ولهذا لا يمكن أن نعد عمل الاستاذ جاسم عاصي المهم متوالية قصصية بالمعنى الحالي. فالمتوالية ليست قصتين تنشر في مجلة أو صحيفة تباعا.
• لابد أن تشترك القصص بثلاث سمات أسلوبية توسعت في دراستها جنيفر سميث بطريقة تطبيقية، وهي النغمة التي يقصد بها السمات اللغوية للقصة، كأن تكون لغة ساخرة أو بسيطة أو معقدة أو حزينة أو غير هذا مما يشبهه. والثانية هي الشكل القصصي من حيث التعامل مع الزمن وطريقة الاستهلال والنهاية. والثالثة هي المنظور أو الموقف من العالم والوجود، الذي يجب أن يكون واحدا في كل القصص.
• لابد أن تكون الروابط بين القصص واضحة ومقصودة لكنها لا تخل بكون كل قصة وحدة نصية مستقلة، على أن تؤدي قراءة الكتاب كاملا إلى أثر يختلف عن الأثر الذي تتركه كل قصة منفردة.
تنطبق هذه الشروط على كتاب القاص العراقي محمد الأحمد (زمن ما كان لي) الصادر عن دار الشؤون الثقافية عام ٢٠٠٧، فهو مكتوب بوعي واضح بفكرة التوالي، وسنكتب عنه دراسة مستقلة في مقال آخر.
في عام ١٩١٤ جاء شاب إيرلندي طموح إلى أحد الناشرين يحمل مجموعة تتألف من ١٥ عشر قصة، وبعد أن قرأها الناشر قال له هذه ليست مجموعة قصص بل هي كتاب، ويعرف المختصون أن كلمة كتاب بالانكليزية في ذلك الوقت كان من أحد معانيها رواية، ذلك الشاب هو جيمس جويس وتلك المجموعة هي Dubliners التي ترجمت إلى العربية بعنوان أهالي دبلن، ومنذ ذلك الوقت أثارت المجموعة مشكلة التجنيس حتى أن معظم طبعاتها أغفلت وضع المشير التجنيسي على الغلاف. ومن الطريف أن الطبعة العربية التي ترجمها أسامة منزلجي كتب على غلافها كلمة رواية، بينما تعامل معها النقد وقتها على أنها مجموعة قصصية.
إن ما أتحدث عنه ليس وهما ولا تمحلا كما تتهمني بذلك الناقدة الكبيرة د.نادية هناوي، فعملية (جوجلة) بسيطة عن short story cycle ستظهر للقارئ الكريم مئات النتائج التي تقرن بين هذا الاسم وبين كلمة genre التي تعني جنسا أدبيا.
لاستاذ د. حسين سرمك المحترم
فريق عل الموقع المحترمون
إلى د. ثائر العذاري المحترم و د. هناوي المحترمة
من خلال متابعتي لمقالاتكما ـ ما يخص هذا الموضوع المطروج ـ والمتصل بالمقال اعلاه في “المحاولات”٬ وجدت أن ابين ملاحظاتي وبأختصار شديد٬ وهي: رغم ثبوت وضوحها وجلاء كشفها للعيان عامة وللمتخصص العلمي خاصة٬ جئت أؤكدها وجهة نظري متعلقة بثلاث سمات رئيسية٬ أدلي بها الذي إظهار توكيد التهافت بما جئتم في كليكما إلى هبوط استخدام اساليب الابحاث العلمية ومنهجيتها٬ وسبب مجيئها بنتائج فارطة الاهمية رخوة الإضافة:
١. اولا: انعدام تمييز المعنى لغويا من المصطلح٬ ما جعل الرؤية معدومة تماما. ما جاءت عنه مخلوعة الهدف وبلا هيكل إطار بحثي علمي.
٢. ثانيا: هبوط تقييم اختيار الادبيات السابقة٬ التي تؤثر فرض مدها في الكشف النوعي/الكمي٬ وتوقع نتائج ما هو المطلوب من الهدف بالإسانيد٬ تدعم تدفق استمرارية نجاح عملية “المتواليات” المنهجية العلمية للبحث.
٣ ـ ثالثا والاخير٬ هو انعدام المنهجية: الالتباسات٬ وهنا آقصد انعدام المنهجية العلمية للابحاث الرصينة٬ وهذه الرخاوة العلمية والالتباس في التحقق٬ سفسطة نتائج نقل كلام. وهذا يحدث عند الباحث عندما يصل إلى مرحلة من انعدام إرادة التأهيل العلمي، فيصعب عليه التمييز بين الاهداف البحثية الحقة الأصيلة واهداف الابحاث المتهافتة/الهابطة.
ومن هذا الاختصار: اختتم بالقول:
متمنية لحضرتك بمحاولات جادة صالحة٬ كما إلى د. خناوي متابعة علمية مفيدة.
مع الاحترام
إشبيليا
قد تم ارسال تعليقين في متلاحقين٬ عند إطلاع حضرتكم
أرجو الاعتماد بنشر التعليق الثاني/الاخير
مع الاحترام والتقدير
إشبيليا
الأستاذة اشبيليا مع التحية
أسعد الله صباحك
أولا هذه مقالات مكتوبة في صحيفة وليست أبحاثا علمية والكتابة في الصحف لها أسلوب معروف فهي ليست للمتخصصين بل للقراء عموما
ثانيا إطلاق الكلام على عواهنه بهذه الطريقة ليس سوى تهجم شخصي، فإذا كنت قد أخطأت حددي موقع الخطأ وصوبيه، لأن كل شخص يستطيع اتهام الاخرين بالوهم وضبابية الرؤية، لكن المعول على من يدل على الأخطاء ويصوبها.
ثالثا ان تقويم المراجع له أصول أهمها مقدار ما اقتبست منها الأبحاث الأخرى وهوية الناشر، وأنا اعتمدت المراجع التي تعترف برصانتها المعايير الأكاديمية.
شكرا لمتابعتك
الاستاذ د. حسين سرمك المحترم
فريق عل الموقع المحترمون
إلى د. ثائر العذاري المحترم
عن النقاط لملاحظات حضرتك٬ ابدأ:
١ ـ عن الأولى٬ الحسنا٬ مكتوبة في صحيفة، وبعد ماذا؟… ليس هناك تحامل شخصي (لاسامح الله) وعن ماذا؟؟!!!
٢. بينت لحضرتك بالنقاط التي اشرت إليها ٬ حددت نقاط الضعف….٬
٣ـ زما عن الثالثة ـ من وجهة نظرك مراجع مهمة٬ إلا أنها مراجع معطوبة ٬ غير فاعلة فيها ما يؤخر أكثر مما يفيد ويقدم٬ وأني أؤكد لك٬ ليسن قرأتي عنها نظريا في الدرس الفلسفي العلمي فقط٬ بل من خلال التطبيقات العلمية المختبرية في أنتاج المعرفة وابحاث معلومات سلع وخدمات التكنولوجية المتقدمة. لذا نبهت حضرتك عن فشل اتخاذها اعتمادا مصادر رصينة.
(بالمناسبة هذا الرأي ليس لحضرتك فقط بل هو رآي موجه إليكما إلى حضرتك و د. هناوي) لكما التقدير معا ايضا
وأني سأبعث هذا النقاط إلى مقالتها اليوم٬ وليس(تحامل شخصي)٬ كما كتبت رأي هذا إليها سابقا ٬ لكن ….
متمنية لحضرتك التوفيق٬ والتقدير والاحترام
إشبيليا
الأستاذة اشبيليا مع التقدير
هذا رأيك وأنا أحترمه على الرغم من اختلافي معك
في الحياة الأكاديمية هناك معايير متفق عليها لتقويم المراجع وفي الدراسة الأدبية نعتمد غالبا على الأوراق الأكاديمية المنشورة عبر مؤسسات علمية، فإذا كان عندك طرق أخرى للتقويم فهو غير ملزم لنا، أود أن تعرفي أني قرأ وأتابع دراسات القصة منذ ٣٠ عاما بالعربية والانكليزية والأسبانية وأعرف الدراسة القيمة من غيرها وأنا خبير في أكثر من عشر مجلات علمية أقوم البحوث التي ترسل إليها، لست منعزلا عن العالم ولا أستطيع التمييز بين مرجع رصين ومرجع معطوب كما تسمينه.
محبة
الاستاذ د، حسين سرمك المحترم
فريق عمل الموقع المحترمون
إلى د. ثائر العذاري المحترم
حسنا. هذا امر لطيف سماعه. إذن.!
متمنية لحضرتك التوفيق والنجاح وانت بخير وسلامة
إشبيليا