الدكتور زهير ياسين شليبه : قصيدة بلاد هانس أندرسِن للشاعر الدنمركي الساخر بني أندرسن

الدكتور زهير ياسين شليبه

قصيدة بلاد هانس أندرسِن 

للشاعر الدنمركي الساخر بني أندرسن 1929-2018

– بَني أندَرسن (يُلفظ أنَسِن) Benny Andersen 

كانت عائلته تتوقع له أن يكون حرفيًّا كوالده، وفعلاً ترك الدراسة في الصف السابع ليعمل في مكتب إعلانات، لكنه استطاع فيما بعد أن ينهي الثانوية ويحصل على شهادتها إلا أنه ترك الدراسة ليصبح عازف بيانو. نشر بني أندرسن قصيدته الأولى عام 1952 في مجلة هيريتيكا، التي التف حولها أغلب الكتاب الدَنمركيين. أصدر: ديوانه الأول الحنكليز الموسيقي عام 1960، كاميرا عند مدخل المطبخ 1962، وداخل قبعة بولهارت1964. يلعب بني أندرسن بالكلمات ويصف الغرابة لدى الأنسان الصغير الاعتيادي وركز فيما بعد على قضايا الهوية بين الأنا والمحيط، إما في نزعات المجتمع أو في شكل أغانٍ شعرية تروبادور وجدانية كما هو الحال في قصته الغنائية الساخرة ” أغاني سفانته “1973. 

إزدادت شعبيته للغاية بحيث اصبح يسمى كاتب الشعب، وتم الإحتفال بعيد ميلاده الستين بطريقة شعبية إحتفالية حيث خرج الناس الى الشارع حاملين المشاعل.

بنِي أندرسن شاعر فريد من نوعه، عُرف بأحاسيسه ومفاهيمه اللغوية الفكاهية الهائلة والمفاجئة وبقدرته على الجمع بين الموسيقى والشعر والتلاعب بالمفردات والألفاظ وتعامله مع الكلمات الشعبية واستعاراتها وتشابكها وإكتشاف تعابير جديدة أو إستخدام ألفاظ خاصة به كما يبدو من أغلب عناوين أعماله، والسخرية الإنتقادية الودية لأبناء ملّته الدنمركيين مثل إزدواجيتهم وسوء تعاملهم مع اللاجئين والمغتربين في الثمانينات والتسعينات فملك قلوبهم لأنه جعلهم يتعرفون على أنفسهم وهويتهم ولهذا اعتبروه رمزا وطنيا لهم وشاعرهم الشعبي.

يُعد بني أندرسن بالنسبة للعديد من مواطنيه بأنه دنمركي حقيقي لكن مفهوم “الدَنمَركَةِ” بدأ يختلف عن السابق ويضايقه، فقد تزوج عام 1981 من سيونثيا روسالينا لا تووتشا من باربيودوس, وكتبَ عنها عدة قصائد متأثرا بها مثل “مهاجرة الى قلبي” و “حياتي كمهاجر” إضافة إلى “السويديون المنغلقون” التي ينتقد فيها الدنمركيين.

Benny Andersen 1929-2018

وأصبح موقف بعض الدنمركيين السلبي من الأجانب جزءاً من عالمه الإبداعي فلقد لمس العنصرية بسبب إقامة زوجته الغريبة معه في كوبنهاجن. ظهر هذا التأثر في ديوانه ” كوسموبوليتي من الدَنمَرك، 1995 ” و قصيدته “بلاد هانس كريستيان أندرسن” 1998 المنشورة في صحيفة بوليتيكِن والتي إنتقد فيها إزدراء الغرباء مما زاد حدة رد فعل أتباع الحزب النازي الدنمركي حيث ضايقوه من خلال الإتصالات الهاتفية ثم أرسلوا له كراستهم التي ورد إسمه فيها ضمن قائمة الخونة، لكن هذا الأمر لم يثنه عن التضامن مع اللاجئين. 

 

وصرّحَ في عام 2009 لصحيفة إنفورماشيون أنه يخجل من كونه دنمركيا بسبب لجوء عراقيين إلى كنيسة بروسون، وانتقد مايسمى بقانون الحلى، الذي أصدرته وزيرة الإندماج إنجر ستوينبيرج الذي يقضي بتجريد اللاجئات من ذَهَبهّنَ الذي يتزين به.

 

من الجدير بالذكر أنه صرح لي في مقابلة خاصة معي بعد الرسوم الكاريكاتورية عن الرسول محمد بأن هذا لعب أطفال ووقف ضدها، ونشرت هذا المقال في الصحافة العراقية، واخيراً توج موقفه هذا في إصداره “هكذا يمكن أن يكون الإسلام”. حصل بني أندرسن على عضوية الأكاديمية الدنمركية والعديد من الجوائز التقديرية وتُرجم شعره وأعماله الأخرى إلى عدة لغات بما فيها الصينية.

———

*الدكتور زهير ياسين شليبه، أستاذ جامعي عراقي مقيم في الدنمرك، حائز على جائزة الثقافة في مدينة روسكيلدة عام 2002

 

بلاد هانس أندرسِن*

كانوا في السابق يخفون أنفسهم

كتبوا رسائل مجهولة

جاؤوا يصرخون بإنذاراتٍ مجهولةٍ

مكالمات هاتفية من مجهولين

قاموا بهجمات مجهولة

الآن يجرأون على إماطة اللثام

لديهم الآن أسماء ووجوه

أسماء دَنمَركية جيدة

وجوهٌ دنمَركيةٌ متغضنة 

والآن اكتشفوا بعضهم بعضا

من خلال رسائل القراء

من خلال استطلاعات الرأي العام

 من خلال المذياع والتلفاز

إنهم يشعرون بأنهم يزدادون عدداً

يدّعون أنهم بالفعل

الأكثرية

إنهم غير منظّمين بعد

إنهم لحد الآن لا ينظمون المسيرات بانتظام 

لكن الحزب جاهز

بأذرع مفتوحة

وحدود مغلقةٍ

 

يحدث العديد والكثير 

بتغييرٍات مباغتة

في تشنجات هذا القرن 

 

اللاجؤون

المهاجرون

كلكم أصحاب الشَعر المختلف

الأنف المختلف

لون الجلد المختلف

والعقيدة والتقاليد المختلفة.

 

هذا هو بلد هانس أندرسن

تعلم منه وكُنْ أذكى

المضايقةُ هي الرياضة الوطنية 

الفكاهة مرصوفة بقشور الموز

في المرآة السحرية للوعي العام يُنظر إلى 

الضحايا

كتهديداتٍ،

الإنسانيةُ

كشيء غير دنمركي

 

هنا تُعدُّ فضيلة 

أن يتظاهرحتى المتعلمون 

بأنهم لايجيدون القراءة والحساب

بحيث تصبح بضعة آلاف 

وبلمحة بصر 

هجرةَ شعبٍ

 

إحترسوا عندما يقولُ لكم بعضُهم:

أنا لستُ عنصريا، لكن-

إنها فقط

للقفز إلى الجهة الأخرى 

قبل أن يتقيأوا عليكم.

 

الدَنمَرك

أُحتلَّ مرةً من قبل جرمانٍ مجانين

ويُحتلُّ قريباً من قبل الدَنمَركيين المُحتلين أصلاً *

بلدي تسكنه الظهور  **

بلدي الذي دائما 

يتهافتون فيه على 

أحذية صغيرةٍ جداً***

تم الخلط  بين بلدي ذي الأفق المنكمش

فتصوروه صُرّةَ العالم   

 

الدَنمَرك

بلدي المتَجَهّم

كن راشداً وكبيراً

افتح عينيك الى الأمام

افتح ذراعيك

حتى نستطيع أن نُقوّمَ ظُهورَنَا

بإنتمائنا لك.

 

الدنمرك

لا تقللْ من شأنك

كُنْ  نموذجاً

قُمْ بواجبك في العالم

إجعل عارَنا أكثر عاراً 

بحيث يمكننا أن نجدد سمعتكَ.

 

من ديوان: الزمان واللقلق، المجموعة الكاملة، 1998

*تعني ايضا المسكونون بالجن .

**تسكنه الظهور، يعني الناس الذين يديرون ظهورهم للآخرين إزدراءً لهم.

***التهافت على حذاء صغير جداً أو ضيّق، تعبير مجازي إشارة إلى ضِيق الأفق والإهتمام بأمور تافهة والحصول على شيء مجاني. 

 
تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| كريم الأسدي : مركبُ الأرض ..

قاربٌ يتحطمُ فوقَ الصخورْ  فيغرقُ طفلٌ ويأفلُ في مقلةِ الأُمِّ نجمٌ ونورْ يريدونَ حريةً وحياةْ  …

| عدنان عبد النبي البلداوي : قالوا  وثَـقْـتَ .

لـكـــلِ قــافــيـةٍ عَــزْفٌ ، تــوَلاّهــا وحُسـنُ مضمونها، إشراقُ مَغْـزاهـا أجـواؤها إنْ حَواها الصِدقُ عامـرةٌ وعَـذْبُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *