قراءة في رواية همس الشبابيك في وسط المنجز السردي الحديث.
ما هي القيمة الأدبية لرواية الكاتب سمير احمد الشريف؟
وهل تجاوزت القيء السردي المعتاد؟
وهل يمكن اعتبارها سردا تاريخيا لفترة زمنية؟
ربما قد أجد بعض الأجوبة من خلال سبر أغوار هذه الرواية و التنقيب عن مكامن قوتها وضعفها من الناحية البنيوية والسردية.
فكرت مليا قبل أن أكتب عن روائي مبدع. لأن العمل تجاوز الكتابة على النمط التراثي العربي القديم بل يرسم نمطا إبداعيا بعيدا عن النسخ حتى لا أقول القيء السردي.
فهذا العمل في حاجة إلى قراءة خاصة، ومعالجة استثنائية لما يمتاز به من قوة إبداعية متشابكة مع الخيوط الشعرية وبلاغتها وصورها.
فالرواية تمثل الملفوف السردي لعنوانها وكأنها مجموعة توثيق قصصية سعى الكاتب بنائها من عالم واقعي.
إن هوس المعرفة لا يخفي رغبته في الغور داخل عالم هذا الروائي الفلسطيني الجذور والأردني الجنسية لفهم عمق الجرح المأساوي الذي يعيشه المغترب داخل وطنه و خارجه. واعتبارا أيضا إن هذا العمل الأدبي جزء من الحقل الثقافي والاجتماعي في منطقة لم تسلم يوما من الصراعات والمآسي المتتالية.
يقول الكاتب
عتبة
(أحاول أن اكتبها، ألوان منفاي بها، غربتي وغموضي عنها، أعوض ما لم أقله بصمتي، يتنازعني خوف وألم وبقايا جدوة هروب،)
شباكه (1)
وحدي
أصوات منسية
أطياف تجتازني
وجوه تستيقظ
تهب من ماض مجهول
تتكسر صورة العالم
تهب الذكريات باهتة
الورق يبعث في قلقا جارحا
ثم يبدأ بتساؤلات. تساءل الحاضر والغائب ويجيب في اللحظة نفسها عن السؤالين معا.
شباكه (2)
لو كنت صادقا مع نفسي، هل أجيب عن سؤال صغير: لماذا ياسمين؟
هي قد واجهت نفسها بالتأكيد وطرحت نفس السؤال واحتفظت بالإجابة، فماذا عنك انت؟
(مشكلتها أنها تختصر شخصك في وسامتك)
فيبدأ مدخل الرواية
(كم رغبت أن تصغي لك، تشرح لها عن ماضيك وعن الحواجز داخلك والمعتقلات التي أطفأت أعقاب سجائرها في كتفك!)
(كم تتمنى أن تسمع منك شيئا عن الأماكن القابعة في وجدانك، عن الناس الذين تغيروا وقايضوا الشعارات بالمال والكرامة بالخيانة، عن النساء اللواتي لم يجدن فيك غير جسد،)
إذا تمعنا في الأعمال الأدبية العالمية المعاصرة تظهر العلاقة بين العمل الأدبي والحياة الاجتماعية بكثير من الوضوح في هذه الأعمال، إذ أصبحت الرواية بشتى أشكالها قيمة إنسانية كاشفة لواقع حال المجتمعات. طارحة عدة إشكالات لا متناهية مع الحداثة المتطورة.
إن لأديب كشخص اجتماعي إذا كان إيجابيا فهو قادر على اختراق القضايا الاجتماعية بجميع أشكالها و إشكالاتها. رغم وجوده الدائم في مرمى النقد القاسي من طرف الأدباء والمثقفين قبل السلطة أو الدولة الموازية التي تحاول دائما الحد من تأثير الثقافة في المجتمع بشتى الوسائل بذكاء وحنكة، إن الكاتب الرصين يكون قادرا على التملص من العوائق بمستوى عال من الحرفية في الإبداع السردي المتسلل… رغم محاولة حصره داخل حلقة مغلقة ملغومة بقداسة المحافظة على التراث والقيم، التي تعتبر حجة من بعض النقاد والأدباء. إذا كان من المعلوم بل ومن المؤكد إن كل شيء متغير ولا شيء ثابت في الكون
فكيف يضيق على الكتابة والأفكار، مع العلم أن اللغة هي الأكثر من اعتراها هذا التغيير والتجديد.
يكفي أن نلقي نظرة على اللهجات العربية القديمة للدكتور إبراهيم السامرائي
وفي صوتيات العربية للدكتور محيي الدين رمضان
وفي اللغات المفقودة لغز كتابات العالم المطلسمة لأندرو روبنسون.
كمثال عن التجديد في الأدب العربي المعاصر قد نجد بعض هذه المواصفات الجادة في رواية همس الشبابيك، إن كتابة هذا النص الروائي يمتاز بالتكتيف في عمق الفكرة مع ثراء اللغة في استعمال الجمل القصيرة التي تحمل دلالات غنية بالمعاني متجاوزة القيء السردي المعتاد. إلا أنها تطرح بعض الأسئلة. هل هذه الرواية تعتبر ضربا من ضروب السرد الغنائي كما يعتبره بعض النقاد؟ أم يمكن اعتبارها قصيدة غنائية متنكرة؟
أم يمكن اعتبارها سردا تاريخيا لوقائع اجتماعية كما ينظر إليها عند البعض؟
لننتبه إذن لما كتب فيها… فالكاتب لا يخمن ولا يفترض بل يلاحظ و يراقب، هو مطلع على دقائق الأمور والمعطيات. وباعتباره مثقفا يستنتج بناء على تحليل معطيات ووقائع دقيقة، وبناء على استحضار التاريخ منطقة الشرق الأوسط وتجارب شعوبها ومسار سياساتها.
إن وجود الدولة العميقة ليس أمرا سلبيا دائما، فقد يكون من الإيجابي في اي ظرف إذا ما تدخلت هذه الدولة العميقة لاستمرار الدولة واستعملت آلياتها للهيمنة المؤقتة، لكن الدولة العميقة لها أيضا جانب سلبي، وربما اكبر من الايجابي، عندما تسعى إلى الهيمنة. فتصبح آنذاك عامل تمرد بل قد تؤدي الى الثورة وليس عامل استقرار واستمرارية الدولة.
إن قراءة شبابيك الرواية ليس سهلا والعيش وسط أحداثها ليس يسيرا كما قد يبدو في أول وهلة، لما لها من اختراقات تقترب صوب الشعرية في الكتابة ولما اعتمده الكاتب من عدة صور بانورامية لكل شباك حيث يحتوي كل واحد منها على صور معرفية تدفع القراء إلى محاولة التحليل الوصف في كل مسلك من مسالك حياة أبطال الرواية.
إن هذا العمل عبارة عن إنجاز قد يدخل في صلب ممارسة شعرية غير واعية أو ربما متعمدة.
فالرواية تجاوزت السرد المعتاد بل اعتمدت على ضمير الغائب في مختلف النوافذ. ولن تكتفي بالحكي في موضوع معين بل إنها متعددة المواضع والوقائع والشخصيات. أن هموم المجتمع عنصر أساسي فيها، و لم تكتفي بهم واحد من هموم المجتمع بل تطرقت لبداية نكسة المجتمعات العربية وبما أصابت الإنسان العربي المغلوب على أمره، تتقاذف به أمواج الحياة الصعبة، لتخلق منه الإنسان ذا المزاج المُتقلب والقلق والحزن والذي لا يتذوق طعم الفرح إلا نادرا. حتى أصبح ذلك الهيكل المنسيّ والمقصي، رأيه مسمر في الهامش.
وتطرح السؤال الأزلي بطريقة ذكية. هل المرأة جسد، أم هي روح، وفكر، وثقافة. غير أن الإشكال يكمن في اختزال قيمة المرأة في شكلها وإهمال جوهر أنوثتها. فإذا كان الرجل معذور في طلب الجمال في المرأة. فالمرأة هي الأخرى معذورة في طلبها.
إلا “أن الجمال الغبي، أقبح من القبح الذكي” كما يقال. لدى الإنسان السوي. لان السوي لا تحركه نزعة الغريزة وحدها بل يطلب من نصفه الآخر درجات من التكامل، بين جمالية الجسد وقدسية الروح.
لكن داخل مجتمع ذكوري. فالرجل يهيمن ويسيطر ويفرض ذاته.
من خلال العلاقة بين الاثنين يرسم لوحة من الألم كواقع مقبول. لأنه نزعة سادية كالدولة الموازية.
وهنا تبدأ اللعبة …
يتبع