هشام القيسي : فصول تعرف كل هذا
(3) إقامة في الصدمة

إقامة في الصدمة
*******

الجوع منذ البداية تنفتح له الآلام ويغني كالمعتاد مثلما الرأسمالية تغني في بلاد الآخرين غارسة مخالبها بأبطء ما يكون في أجساد الفقراء وماضية كل يوم في شركها بشهيق مكفول وفنادق مشبوهة لا تخفي إرثها.
الفقر يرتهن اليوم ويرتهن الغد، والسترة القديمة على مشهد مهدد بالإفلاس بعد حصار طويل التهم الأعشاب في كل خطوة خطاها. هنا تعلم كيف يسهر في أحلام بائسة تعرفها الأسوار جيدا.

تعلن في كل مرة نشوتها الفارغة إزاء بطون تطلق أوجاعها كي تنام تحت محطات تنحر فيها العلامات. هنا يبدأ الجاز وراعي البقر والكلاب السائبة تناول الوجبات الجاهزة في كل أمسية تعزف على فريسة مكتنزة تذكرها الكلمات عبر أبواب سرية مارقة.
تشم في كل المدن رائحة السائل الداكن المعتاد. في كل لحظة بعد حريق انتظار تدنو إليه ثم تبدأ بتدخين السيجار عبر مسار لا يتقاعس وسط حانات غائمة ورؤى لا تكف عن شراراتها.

تستفز حتى الصخر، فهي منذ البداية في حانة وحركة وبئر تجري من خلاله كالمعتاد فقد باتت الآبار مفاتيح في حقائبها غير آبهة بالإنسان.عبر هذا المشهد المثقوب تبقى البهجة في عزلة محكمة وراء سور يواجه كل شيء.
في طريقها الأول دخلت كل المدن التي رسبت في الامتحان، فهي لا تسلم أمرها إلا لمخالبها وكلما هربت من مدينة تركت حريقا يسعر في كل اتجاه. وكلما استعرت فيها الرغبة عرفت كيف تناجي فهي بشجار مغامر تهجر عبره الأسعار لتجثم بهمة أكبر وتقيم مراث جديدة وراء زجاج شفيف من خلال حانة وروليت وصدى يغني للمسار.
إنها لا تغادر أحشاءها . لا أحد يعرف مدى لهجتها القانطة ولا مدى حدها المفتوح على شكل طريق نهم وألم عنيد يطال الحدائق ويوزع الآلام. هي تتملص دون أن تتقاعس في أداء مهامها، ومن وقت وكلام ملغوم تومض مقدما كي تتجول في شهوة تقودها أغنيات تحرق الأسوار.

في أطراف نائية تفترش التل فيما الدخول إلى عوالمها قد لا يتعلل فانتفاخ البطن يقدح حسابات محددة تحت أفياء لم تعد في مصاف أحاسيس تدرك الإشارة.
فقدت صبرها وبأشد ما يكون فالغنيمة ستكون الشرارة التالية حتى الشوط الأخير، لهذا باتت تتسلل من لحظة إلى أخرى علها لا تصعد من وراء أفق لا يخفق.
في مثل هذا الوقت المتأخر تخرج من عتمة دون احتفال، بيد أن نومها يجعلها تحلم بما رأته إلى الأبد.
في كل إثم مرت عليه تجد نفسها مطلة على ماض يستقبلها وجها لوجه بلهيب وذكريات، عندها تسمح للذة بالاستيقاظ في مدار حتى الشوط الأخير.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| حسن سالمي : “منطق الطّير” وقصص أخرى قصيرة جدّا .

لعنة الدّمّ      اشتعل الضّوء الأخضر فانطلقت العربات تجري عبر خطوط متوازية، باستثناء خطٍّ واحد …

| حسن سالمي : صديقتي.. جِنيّة وقصص أخرى قصيرة جدّا .

صديقتي.. جنيّة كان لا يملك شروى نقير… صادف أن مرّ في الصّحراء وحيدا حينما عثر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *