قمرٌ يبحثُ عن سَماء
عبد الجبار الجبوري
1- ما للطريق يطول إليها..!. .
أُقلب طَرفيَ في التِيّهِ، عَلنّي أُراها أو أرى من يُشابهها من غزلان الليل، وأسمعُ صوتَها المبحُوحَ ،فلا أرى غيرَظِلٍّ ،ظَلَّ يوقظني في سُهادي ، ويؤرِّقُ ليلَ بَعادي، ماللطريق يطولُ إليّها،ما لحواسي الخَمْس تلهَّجُ بإسمها ، ها هي ترتجفُ ألآن ،أُحدثُكم عن إمرأة يصافح كَفّي كَفَها، وحَرفي حرفَها، وقلبي قلبَها ، ودمعتي دمعتَها، وشفاهي شفاهَها،فمالها إذن، الطريقُ تطولُ إليهّا، وأنا أُغنية يابسةٌ على شفاهِها،مالي أُزاعلُ نَفْسي إذا غابَ طيفُها، وأفلَ قمرُها، وهاجرتْ نجمتُها عن سَمائي أو بَعُدتْ،ما لشالِها ألأحمر لايلوّحُ لي ،وحُبُّها مدفونٌ بأعماقِ قصائدي، ووجَعي شتلةٌ مزروعةٌ على شفاهِها،مثلَ جُرح لايندّمل،حين يُضلُّ طريقهُ بريدُ القُبَلِ، هذا قَلبي يتفطُّرُ حُباًّ، ويتشَّظى على عُتبة شفتيّها،لا ، هذا ليسَ قَلْبي، هذا طِفلُها المُدّللُ، أعرفُ حين أهيم ببحة صوتها، يخذُلُني لساني،ويُطأطيءُ رأسَهُ خَجلاً، كُلمّا تَنمو على كفيِّها زهرةُ الأماني،أُبصرُها الآنَ تهربُ مِنّي على صَهوةِ غيمةٍ،تأخذني الى البحر، تمشّطُ شَعرَ قصيدتي هُناك،وتُدخِلُني الى معبدِها، لأُصلِّي ركعتي عشق، لطولِها الفارع، وأُنوثتِها الكافرة، وأهمُسُ لقلبي المَجروح، الذي ينعمُ بالهذيان، ها أنا أُعمّدهُ كلَّ يَوم، بماءِ الكلام، وشَبقِ الظَلام، أعمّدهُ بليلٍ يطولُ،وأُغسّلُهُ بمياهِ الغِياب،يااااااه ما لِحرفي بعيدٌ، وقَلبي حَزينْ، هيَ الآن تهربُ الى البَحر مِنِّي،تأخذُني كُلّي إليّها، هناك أرسمُها على رملِ القصيدة، بعينينِ واسعتينْ ، وشفتّينِ من كرزِ السماء،وقامةً كنخلةِ المَطر ، ونِهديّن هاربيّن في صحراء فَمي، وأرسمُ لها وجَعاً يُشبِهُ وجَعي، وشوقاً يُشبهُ شَوقي، وقمراً يُشبهها،وأرسمُ فرحاً يتراقصُ فوق حُلمتيّها،أعرفُ إنها لاتجيءُ، ولكنَّها ستأتِي، وتنثر عِطرَ إبطيَّها ببسّتانِ فَمي، أعرفُ أنَّ طريقَها يطولُ، ما للطريقِ يطولُ إليها …!!
2- الفارعةُ ترّفلُ بِحزنِها
إغلقيْ نافذة البحرِخَلفكِ، وآتبعِيني عند شِفةِ الكَلام،فلا دمعٌ في المُقَلِ،ولاشهقةٌ في صَباحاتِ القُبَلِ ،أعرفُ قهوتَكِ باردةً، والناسُ نيامٌ ، الساعةُ واحدةٌ إلاّ أنتِ، لم تهدأ عاصفةُ الشوقِ ،مذ أطلقتِ الغيمةُ ضحكتَها، وبُحَّ صوتُ الرِّيحِ ،وهو ينادي للشجرِ تَعالَ ولا تأتِ، وكُنتِ متعبةً ، وحزينةً مِثلي،وكان الليلُ طويلاً قالت لها الرِّيحُ،كيفَ تُزهِرُ حقولُ خديّكِ ، وزيتونُةُ نهديّك،وكيفَ تحصدُ مناجلُ الشفاهِ عُشبةَ إبطيّك المُعطرتيِّنِ برائحةِ الشَّبقْ ، دِعي الليّلَ وحيداً يصهِلُ، كخيولِ الأسى ،ويهربُ من ثقوبِ الظلام، ودَعي النوافذَ مشرعةً ،كي يطلعَ القمرُمِن بينَ عينيكِ، ودعي النهود الغافية عند نافذة الألم، تشقُّ عُبابَ الليّلِ الى فَمي، ونادي على خيلِ الأسى، تقودُ رَتّلَ الماءِ الى فَمِ الصباح ،شهقةٌ أخرى وتَهطُل الحروفُ ،مُدناً مزروعةً على شفتيًك ،إفتحيْ النوافذَ كُلَّها للصَّباحْ ، ودَعي الليلَ يَصّببُّ لنا قَهوتَهُ المُهيّلة بالشوّق، والشِّفاهُ الظَمأى لرّشفِ ألقُبَلِ، دَعي أصابعَ روحي، تعبث بأحمرَ شِفاهِكِ ، وترسمُ عليّها دوائرَمن عَسلِ المَطر، دعي قلبي يعزف لشالك الأحمر أغنية فيروز من عز النوم بتسرقني– (بتطُلّْ بيوقع مِنّي الكأس ،وحّدي اللي بشوفك من هالناس، ومِن بين الكلِّ بتسرقني،وبثلج الماضي تحرقني)، ها أنا أحترقُ حباً ،بثلج ماضيكِ الجميل، وأقودُ خيليَ التَّعبّى الى مراعيكِ البعيدة ،وأصيحُ بالغيمة، إنكسري فوق رعشةِ الروحْ، وإنتظري الليلَ الجريحْ ، إبتسمي أيتها الفارعة ،كي يهطلَ على شفاهكِ المطرُ، وإنتظريني عند تخومِ العِناقْ….
.. 3 – كأنّنَا إفترّقنا ألفَ عام
يجيئُني صوتُها المَبحُوّح من كُثر الأسى، مُبلَّلاً بالحُزنِ والنّدى، قالت (كِيفكْ أنتَ ملاّ أنتَ)، ويشهّقُ قلبي بالبُكا فرحاً،ويتلعّثم صَوتي،ياإلهيَ كمْ أقدّسُ هذا الصوتَ الذي يملؤُني وجعاً، ويُعيدُ لي روحي، وهي رميم،لستِ لي، أيها الصوتُ المنقوشُ على حروفِ قَصائدي، لم أكنْ حينها وحدي ،لكننّي كنتُ وحْدي، حينما رَنّ هاتفُها، كان الصباحُ يُشبهُ وجْهَها، وكانتْ القهوةُ ساخنةٌ كنبضاتِ قلبي، وكنتُ سعيداً، وأكاد أسمع شُهيقةَ صوتِها التي يلفّها وجعُ السنيّن، (كيفك إنتَ) كرّرتها مرتينِ وقالتْ مُشتاقيّن( وأرادتْ تقولُ يا روحي فمنعَها الخَجلُ اللعيّن)، وسمعتُ قلبها يُّردّدُّ بَلى وعندنا لوعةٌ، كانتْ عينّاها واسعتانِ وسع البحر،لكنّ وقتَها ضيّق،وأنا طفلٌ أعمى وأحبو بينَ يديّها،وخدّاها شالانِ أحمرانِ يرقصان على كتفيها ،ويلوّحانِ لي مِن بعيد بَعيد، وشفتّاها من كرزِ الشوّق، يقطُرانِ عسلاً مِن شَبق الغَيّم، كأنّنا إفترقنا ألفَ عامْ قالتْ، وتاهَ صوتُها المبحوّحُ وسْطَ الزِّحام،حينَ إلتقيّنا كأنّنا إفترقّنا ألفَ عامْ …
4 – قَمرٌ يبحثُ عن سماء
تختلّط الاشياءُ لديَّ،وتتشّابكُ الايّامُ، وتغيبُ الأقمارُ كّلها بين يديها، إلاَّ قَمري الوحيد ، يظلُّ ساهراً على نافذتِها، أُناجيه وأشكو له وجَعي، حتى يبزغَ من بين عينيّه فجرُ الندى، ليطلَّ وجههُا ،فيجهشُ قلبي بالُبكا،فأحتمي بهِ ، وأرتبكُ يا إلهي أهذا وجهُها أم وجهُ الصَباحِ، أهذه قامتُها أمْ نخلةُ الله ، أهذهِ ضحكتُها المرمّرية أمْ ضحكةُ ملائكةِ الارض،حقيقةٌ يرتبّكُ ويختّضُّ كلُّ شيءٍ فيَّ حتى عَقلي، فلا أفرِّقُ بين وجهِها ووجهِ الصّباح، لكنّني أعرفُ صوتَها المبحوحَ حزينا يأتيني ، ملفعاً ببّردةِ الفرح، لا أدري لماذا كُلمّا نلتَقي تتسّمر رُوحي أمامها، ويأخذنُي الخَجلُ من ياقتي الى البحر، أكادُ أُمسكُ خَجلي، وهو يهرعُ للهروبِ من بين يدي، آهٍ من غصنِ قَلبي،كُلمّا إتكأتُ عليه إنكسرْ، وآهٍ من إعوجاجِ ضِلعها المزروعِ بشفةِ الخوف ،متى يستقيم..؟، وهل يستقيمُ ضلعٌ كسرَهُ الوَزْنِ ، أعرفُ (ينهّدم حِيلي كلْ ما يُمرْ طاريك)، وإنَّ الوردةَ تذبّلُ على شفتيك، والقبلةَ تيّبسُ على شفتيّك، والليلَ ينامُ على شفتيّك، والفرحَ يموتُ على شفتيّك،أعرفُ كيفَ يرحلُ الفرحُ يوميّاً عن خديّك، وتهطلُ أمطارُهُ وجَعاً على راحتيك، فأدفنُ قَلبي في غيمتِكِ المَاطرة، علَّ رياحُ اليأسِ يوماً تُمطرُ قُبَلاً على شفتيّك، أعرفُ باعدتْنا الدروبُ، مذ شهق الصباحُ خِلسةً ،وإحمرَّتْ وجنتا نجمةُ المَدى، ولاندى على شِفاهكِ الغرقى ، ها أنا مازلتُ أبحثُ عنكِ في روحي،وأبحثُ عن سماءٍ تُخرجُ قمري من بئر أوجاعي، وعن قمرٍ يُضيءُ حِلكة أيّامي، ويُعيدُ بهجةَ قلمي، مازلتُ أُسمّيكِ الَقدَرَ المُنطفيءَ بعمقِ صباحي، ولا جراح سِواكِ، يا كلَّ كُلِّيْ، وظِلَّ ظِلِّي، ودمعةَ أَحرُفي، وشمسَ ظلامي، ووجعَ قصائدي وماءَ كلامي …
الموصل
1/آذار/2019