لمحة عن الروايات التاريخية
—————————
قرأنا بشغف كبير منذ أيام الشباب روايات عالمية إنضوت تحت لافتة روايات تاريخية كالحرب والسلام لتولستوى وروايات والتر سكوت والكسندر دوما ولمن تقرع الأجراس لهمنكواى والساعة الخامسة والعشرون ل قسطنطين جورجيو الرومانى وتشير الى الأنسان خارج الزمن كالذى يحتضر بالنزع الأخير وهى وثيقة إدانة لما عاناه الانسان البسيط سنوات أشتداد الحرب العالمية الثانية –
ومن الروايات التى عالجت التاريخ السياسى الحديث بأسلوب علمى لماح (درجة 451 فهرنهايت ) لمؤلفها – راى براديرى – أنتجها عام 1957 رداًعلى ممارسات الجنرال الأمريكى مكارثى وأرهابه ضد المفكرين وأهل الرأى وقد عرفت بالحقبة المكارثية بعيد الحرب الثانية –
وما أتحفنا به جرجى زيدان بعطائه الثر وكذلك شجرة الدر والعباسة أخت الرشيد التى بسببها حدثت نكبة البرامكة فى العصر العباسى والمنفلوطى يرحمه الله حين جعلنا نذرف دموعاً سخية بأسلوبه الرومانسى الباذخ وماخطه أحمد أمين من روائع خالدة –
عبد الرحمن الشرقاوى كم كان منصفاً ودقيقاً عندما تناول ملحمة الطف الخالدة –
وحين سلط الضوء على ثورة الزنج أظهر مميزات قائدها الفذ على بن محمد وقد أغوته السلطات العباسية بخمسة دنانير مقابل كل رأس من جيشه الذى أربى عديده على العشرين ألفاً إن تخلى عن أفكاره الثورية ولكنه أبى الأستسلام فمات ميتة الخالدين وهو يقاتل –
وما نشر ستيفان زفايج عن السلطان محمد الفاتح حين تحدى الصعاب ناقلاً السفن الحربية عبر الجبال والتضاريس القاسية ليباغت عدوه بسابقة لم يكن يتوقعها مطلقاً –
ووجدت فى مكتبتى العتيقة رواية بعنوان ( عنبر رقم 6 ) لأنطون تشيخوف وهى تسلط الضوء على مشافى ومصحات روسيا أبان الحكم القيصرى وكيف أنها تفتقر الى أيسط مقومات الحياة –
وماكتبه طه حسين والعقاد وهيكل بهذا السياق كذلك سررنا بقراءة شىء عن ملحمة — الدون الهادىء – لشليخوف وهى تؤرخ نزاع شعب القوزاق وحبه للحرية منذ بداية القرن التاسع عشر-
وكذلك – دومة الجندل – (*) للقاص العراقى جهاد مجيد والقاص أحمد خلف فى تيمور الحزين
وأمتعنا القاص البصرى جابر خليفة جابر فى ” مخيم المواركة ” وهى تتحدث عن المورسيكيين مسلموا الأندلس بعد سقوط غرناطة وكم عانو من محاكم التفتيش الجائرة –
ثم أنتج تباعاً أعدادٍ لايستها ن بها من القصص والروايات بعد التغيير 2003 وشحها مؤلفيها بغلالة التاريخ –
وبين ظهرانينا مؤرخيّن جاديّن وهما د- عبد الرضا عوض فى كتابه الأخير ( دكة عاكف ) التى حدثت فى الحلة المزيدية أبان الحكم العثمانى قبيل أنتهاء الحرب الكونية الأولى وتقاسم ممتلكات الرجل المريض والتى راح ضحيتها عشرات من الأبرياء شنقاً كما هدمت محلتين سكنيتين الكلج والوردية –
ود- سعد الحداد الذى لم يدخر جهداً علمياً موثوقاً إلا وأبانه خدمة للحقيقة –
والرواية التاريخية هى عالم متخيل يستند على بعض حقائق ! تخضع متونها السردية وعتباتها لاشتراطات أهمها :
— البناء الشكلى الموحى بأن المضمون هو لثيمة حدث تأريخية
— أبراز الشخصية المقصودة ( البطل ) كونه متفرد ومتفوق على أقرانه بخصائص مميزة – أقلها القيادة
— العبرة المرجوة من الرواية فلكل شىء غاية وهدف وما عداهما يمسى عبثاً –
مضافا لها شرطىّ الزمان والمكان معززة بديباجة العرض والحبكة –
فالتاريخ هو مجموعة أحداث وقعت فى يوم ما أما أن تكون غارقة فى القدم أو فى العصر المنظور ! يسعى المنشىء من خلالها كشف الأسباب المتحكمة فى تتابع الوقائع ونتائجها غايته – التذكير والحفظ – من الاندثار والتلف بفعل التقادم ؟ أما الرواية فهى خطاب جمالى تتقدم فيه الوظيفة الانشائية على الوظيفه المرجعية.
فكل رواية تاريخية تتوسل بقرائها على أنها وقعت بالفعل – – صحيح أن بعضها يمد خيوط نسيجه لجزء من واقعةٍ حدثت فعلا فيمسك بتلابيبها ( لغرض التنويه بحيثية مقصودة ) ويغض النظر عن أخرى قرينة لها أو يتجاهلها عن عمد ! ويكون فى الحالتين على مقربة من الصدق ؛ وهناك فى بعض المتون الروائية أحداث بثها الرواة ليس لها صله بالحدث التاريخى من قريب أو بعيد وهى خارج السياق ولكنهم أقحموها عنوة ؟! حتى تكون بدرجة رواية –
(*) دومة الجندل قطعة أرض بين سوريا والعراق شهدت لقاء فريقى التفاوض قبل حرب صفين –