( تأرجُح وإخفاق النص الادبي )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رغم تباين الجودة في النصوص الأدبية المنشورة ورقياً ، او اليكترونياً على صفحات التواصل الاجتماعي ، الا اننا لايمكن بخس الجهد المبذول من قبل أصحابها هواة كانوا أم محترفين ، لكن تبقى هذه النصوص متأرجحة ، بعضها بين درجات الركاكة وبعضها بين درجات الابداع ، وبعضها ينحو نحو الإخفاق والفشل .
هذا التأرجح والاخفاق سببه تذبذب قابليات وقدرات ومَلَكات المؤلفين من ناثرين وشعراء ، واعتماد البعض على تاريخه الحافل دون التفكير في الابداع والابتكار الموازي .
أقدمتُ على كتابة هذا المقال لسببين :
1- ان أُقدِّم النصيحة لغرض التنوير والانعاش .
2- أن أُقَدِّم ولو حفنة من العون والمؤازرة والدعم لأقلام هاوية كانت أو ممن وفقَّهم الله للوصول الى عتبات الابداع للتهيؤ الى انطلاقات جديدة .
من خلال الاستطلاع الميداني على مساحة الفضاء الزمني الممتد موازيا لأعمارنا الأدبية ، وجدنا ظاهرة تستحق الإشارة اليها ، وهي أفول نجومية بعض المؤلفين واندثار سمعتهم الأدبية بل وحتى المحترفين ممن تتصدَّر أسماؤهم عناوين الادب ولهم مالهم من الشهرة والمكانة الادبيه والمجد الإعلامي ، حيث تبدأ مادة الخيلاء والغرور والاعجاب بالنفس تغزو نفوسهم ، مما تؤدي الى تحجيم فكرهم وجعل مَلَكَتهم الإبداعية تعيش في سُبات وهجوع ، ويبقى المتلقي ـ وللأسف ـ يتابع هذا القلم بنفس الطاقة والثبات ، بسبب ابتعاده عن القراءة التحليلية .
هذه الظاهرة ستجعل القلم بعيدا عن الأمانة الفكرية ، لأنه لايجهد ذاته لتقديم الأفضل ، بل يبقى معتمداً على تراكم تلال السمعة والشهرة ، ويبقى الاعجاب مستمراً بكتاباته حتى لو كانت هزيلة تافهة . وهذه الأمر قد أشار اليه الكثير من النقاد الكبار على مستوى الادب العالمي عموما والعربي خصوصاَ.
وللأسف نجد حتى أصحاب الاعلام الورقي من صحف ومجلات او أصحاب المطابع ومنابر الاعلام المتنوعة السمعية والمرئية تتابع هؤلاء ، بل وتكيل لهم المديح والثناء ، والمقابلات الشخصية ، والهدف هو كسب المال ، أو ملء الفراغ الاعلامي ، أو فتح باب من الثراء على حساب ذوق المتلقي السليم ، مستغلين جهل وحمق وبلاهة بعض الجمهور.
هنا يبدأ معول الدك والهدم والتخريب بالعمل ، وتبدأ محطة المَلَكَة التاليفية للكاتب والشاعر بالانهيار والتصدّع والخراب ، بعد أن كان في يومٍ ما عَتَبَة يُشار لها في بناء الهيكل الادبي وثقافة المجتمع ، فإذا بنا نخسر جزءً من هذا البناء إضافة الى الخسارة الفكرية التي كان المتلقي يتعهدها ويحتضنها ويتابعها بشغف ونَهَم .
إذا لابد من جهد متواصل ، وتعب وكد وتفكير ابداعي ، كي لايفقد الكاتب توازنه ، ولكي لا يدور في حلقة مفرغة معتمداً على زاده الادبي القديم ، وثروته اللغوية والأدبية التي يتصور بانها مازلت بركانا ثائراً لايخمد .
والكاتب الجيد هو الذي يضع نصب عينيه هذه الفائدة وهذه النصيحة .
فإعجاب الجمهور لايعني شيئاً ، ولا يشكل درجة نتائجية ، بل عليه ان يقسو على ملكته التاليفية في إعتصار ماهو مُبتَكر ومفيد ، وعليه ان يكون ناقدا صادقاً اميناً لذاته ونصوصه ، ومراقباً متفحصاً لنتاجاته قبل تفحّصها من قبل أقلام النقاد واهل الخبرة .
وعلى المؤلف أن يفهم ويدرك ان التفكير وحده هو مشقة غير اعتيادية ، وترجمة الفكرة بعبارات مدهشة وصور بلاغية مثيرة وجاذبة هو العسير والصعب ، بل والأكثر اجهادا من الفكرة .
فالنسج الساذج البسيط ماهو إلا مادة انشائية معدومة البلاغة والبديع ، بسبب الابتعاد عن التفكير الذي يجبر روح الشعر او جمال النثر الحضور ـ بكل اركانهما ـ في حضرة الكاتب ، ليشرق النص ويتلألأ ذاتياً بعد صقله وتنميقه وتهذيبه .
فالاديب ان كان ناثرا او شاعرا ، والذي لايثير فينا نشوة المتعة الأدبية ، ولايجذب ذائقتنا ، ولايتغلغل الى جزئيات وحيثيات حياتنا بكافة مفاصلها فهو أديب بائس ، وفقير الابداع ، يستحق الشفقة والرِثاء .
ــــــــــــــــــــ
كريم القاسم : تأرجُح وإخفاق النص الادبي
تعليقات الفيسبوك