* ضوء نقدي
براءة النص
اكتسبت مقولة (ليس هنالك نص بريء ) شيوعها والأخذ بها كمعيار للنص المؤدلج من خلال ظهور السرديات الكبرى في القرن التاسع عشر وعدت مفاهيم الهوية الانسانية الشاملة واحدا من مرتكزات فكر الحداثة ، ولعل الفكر الماركسي والفكر البرجوازي كانا من أعمدة تلك السرديات التي تعرضت للتفكيك والنفي من قبل فكر مابعد الحداثة الذي وجه انتقادات لفشل المشروع الغربي البرجوازي في اقامة المجتمع العادل والمروج للمساواة وحقوق الانسان ، وبسط السيطرة على الطبيعة واستثمار الثورة التنكلوجية والصناعية لصالح الانسان ، الا ان اقحام الشعوب في حربين عالميتين والمجازر العرقية والدينية التي حصلت اثر انتهاء الحرب العالمية الثانية التي استخدمت فيها التقنيات المتطورة لإبادة الشعوب والتجمعات البشرية الدينية والعرقية استثمارا لموجهات الهوية الانسانية الشاملة الرأسمالية في شكلها الكولنيالي تحديدا ، الأمر الذي ادى الى ظهور الأفكار المكرسة لوجود التباين والإختلاف بين الهويات وضرورة احترام والتحاور السلمي بين هذه الهويات وتجدر الإشارة في هذا المقام الى جهود المفكر الاجتماعي الفرنسي (لوتيار) في اشاعة مفاهيم الهويات المختلفة والعدول عن فكرة الهوية الانسانية عبر النقد الذي وجهه الى تلك السرديات الكبرى وحلول مفاهيم التباين والأخذ بنظر الاعتبار الإختلافات الهوياتية لإقامة مجتمع انساني ينعم فيه الجميع بالتعايش السلمي دون التمحور حول الذات واقصاء الآخر المختلف ، ولعل في وجهة النظر هذه ماينفع مجتمعاتنا التي تشهد احترابا داخليا بسبب من الاعتقاد بصحة افكار طرف على حساب الاطراف الأخرى التي تتعرض للإقصاء وصل حد تهديد الوجود البشري وعلى مستويات دينية وعرقية واثنية وقومية وحتى طبقية ، لذا فإن استثمار هذه المفاهيم على مستوى اقامة المجتمع المتعايش يعد من الحلول الناجعة التي يبثها فكر مابعد الحداثة ، وإزاء ذلك فانا أجد أن المقولة التي أشرت اليها في صدر المنشور بحاجة الى اعادة صياغة نتيجة لتطور الأفكار وظهور ما ينقضها وماينفع التوجهات الجديدة للمجتمعات البشرية ، ففي الوقت الذي كان فيه النص ليس بريئا للحمولة الأيدلوجية التي شكلت وجهة نظر او رؤية النص انحيازا وتكريسا لوجهة نظر أحادية ، فإن براءة النص عندنا وفق المفاهيم الجديدة هو النص الذي لايخلو من الآيدلوجية الا انه لايتمحور حول ذاته ليقصي الآخر وإنما يتعايش معه .
ومن الآن فصاعدا سيكون النص البريء هو النص الذي ينفتح على فكر الآخر وفق الإقرار بوجود الإختلاف والتباين وعلى كافة المستويات ، اما النص غير البريء فهو النص الذي يتمحور حول ذاته ويدعو الى وجهة نظر احادية تؤدي الى اقصاء الآخر ، ولاشك بأننا حين نطرح مفهوما جديدا انما بفعل التطور الحاصل في البنية الإجتماعية والذي يدعو باستمرار الى مراجعة المفاهيم القارة في البنية الفكرية للمجتمع .
عبد علي حسن
23/2/2019