كريم الأسدي : في عيدِ الحبِّ نكتبُ اليك(نصٌ نثري)

في عيدِ الحبِّ نكتبُ اليك

نصٌ نثري

كريم الأسدي ـ برلين

في عيد الحبِّ نكتب اليك بمداد الحب ونعود اليك نحن الذين ما ابتعدنا عنك أبدا .. قلائلُ نحن ونادرون ندرة اللؤلؤ في الأصداف بيد اننا موجودون ولا نُباع بثمن مهما على وكان ..في عيد الحب هذا الذي أرَّخ له الآخر نأتي اليك ، ولا يهم ان عيد الحب قد أرَّخ له الآخر ، فأنت علمتنا ان نقبل اقتراح الآخر ، رأيه ، أو ابتكاره طالما كان ذلك جميلاً وجليلاً وخليقاً بالاحترام وهادفاً لرفعة الانسان .. أما أعياد الحب عندك فهي على مدار العام ، وعلى ضفاف انهارك وفي بساتين نخيلك واشجارك وفي مواسم جني المحاصيل وقطاف النخيل يهزج بها الفلاحون وهم يغنون الخيرَ والأرضَ والانسان .. اعيادُك المواكبُ ، واغانيك المهرجانات ، واعراسك الاحتفالات تلك التي لا يحتاج الغريبُ دعوةً لكي يحضرها لأنها للجميع قد انقلبت الآن الى مآتم وأحزان ، وبدَّلَ أهازيجَ الفلاحين وغناء السامرين على الضفاف عويلُ الثكالى ونواحُ الفاقدين : انهم فتيتك هؤلاء الذين تآمر دعاة الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان على شبابهم وحياتهم ، وحدث ـ للأسف المرِّ ـ ان يساعدَ المتآمرين عليك وعلى حياة بنيك أبناءٌ اطعمتهم من حقولك وسقيتهم من نهريك .. نحن الذين ما غادرنا روحك أبداً نعرف هذا وأرَّخنا له وقاومناه أنبلَ المقاومة رغم انهم تكاثروا علينا وعليك ..لقد كنا معك ، ولم نزل ، وسنبقى ، بل وسيزداد حبنا لك ودفاعنا عنك مع الزمن لأنه دفاع عن كينونة الانسان وقيم الانسان ووجود الانسانية التي شيدتَ دعائمَها انت ، ورعيتَ بيتَها وعلَّمتَها اللغةَ والأبجديةَ وأخذتَ بيدِها أخذَ الأبِّ بيدِ ابنه الصغير يعلِّمه المشيَ والنطقَ والأدب .. اذا كان هناك من معنى لكلمة بيت أو وطن فهذا يعنيك أولاً أنت فمنك انطلقتْ هذه الكلمة في رحاب الأرض مثلما انطلقت ـ مثلما أحدس وبقوة ـ كلمةُ حب ، فليس لدي شك ان كلمة حب انطلقت أول ما انطلقت منك فأنت دارُ الديار ومبتدأ اللغات وسرّة الأرض وعاصمة الدنيا ، ولأننا نحن القلائل نعرف هذا كنت أنت همَّنا الكبير ومطمحنا العظيم ومرامنا الجليل ، ولم يكن اصرارُنا في الانتماء لك تعصباً ابداً فما أنت قبيلة أو عشيرة وانما كنهُ الأرض وجوهرُ الانسانية .. سرينا في الليالي المظلمة السود نتسقط ما يقوله الغرباء عنك ونستعلم عما يخططه بعضهم لك ، وفي الطريق التقينا عسساً ومخبرين وأعداءً وحاقدين وصاحبي ثروة ونفوذ ، ولكننا كنا ننتزع كلمة الحق انتزاعاً ونقولها فيك وننتزع تصفيق الجمهور النبيل أو المحايد قويّاً ومدوّياً فنقلب الطاولة على رؤوس المتآمرين عليك وان كانوا

بغداد المحروسة

المنظمين ، ولكن ما ذنبنا ان كنّا القلّة القليلة وهم الكثرة الفادحة ، وما ذنبنا اننا فقراء مال وهم يمتلكون أغلب ثروات العالم ويتحكمون باقتصاد الأرض وينصِّبون هذا و يخلعون ذاك حتى غدا العالم في تسعة أعشاره تحت هيمنتهم المباشرة جداً .. نحن ابناؤك فلترفع هامتك اننا هنا ، وحينما نأتي الى أمسية أدبية عامة ولكثرما تحدثنا عنك في هذه الأماسي قد تقول فتاةٌ جميلةٌ لصديقتها : أتى من يتحدث بجمال عن بلد النهرين !! ونتحدث بجمال وبلاغة عنك ، والغريب العجيب ان اسمك واسم نهريك يهز الآخر الغريب المحايد هزاً حتى لو كان لم يرك في جل حياته ، سوى أعدائك والخائفين منك فاسمك يرعبهم وينزل مثل الصاعقة على اسماعهم .. نعرف الآن في أي دركٍ أنت ولكننا مازلنا قربك ومعك وفي شغافك ونعقد الرهان انك ستكسب الجولة في النهاية بما يعزُّك ويعزُّ الانسان ويشرِّف العالم وبما يتوّج رؤوسنا نحن أبناءَك المخلصين بأكاليل الغار، أما مَن ابتعد عنك ونأى بنفسه عن مقاساتك وعذاباتك طامعاً في الخلاص أو حارب أبناءَك البررة المحبين
حاملين علمك ولواءك ، فليس له الّا العار .. وما بين أكاليل الغار وثآليل العار بونٌ شاسعٌ تعرفه أنت من تجربتك وتاريخك المديد الحافل بمحاولات انهائك واماتتك ، وحيث كنت تخرج بعد كل دهر وحقبة شاباً له حكمة الشيوخ.. تركنا الكثير لأجلك : المال والملذات والبيوت الفارهة والنساء الفاتنات والسفرات الى جزر العالم الساحرة ومدنه الجميلة والمناصب الكبيرة .. فلا يجوز ان تقع أنت وتهوي الى الحضيض ونرتفع نحن ، فما هذا ارتفاع لنا بل خيانة لك وللمسار الإنساني الذي أنطلق في فجر البشرية البعيد من وهادك وسهولك وضفافك .. نحن بنوك الوسيمون ،الذين لوحتهم شموسك فمنحتْهم لون حنطتك ، حاملو الرقاب التي ارتفعت فوق اعناقنا كثيراً لفرط ما نظرنا الى نجومك ورؤوس نخيلك ، نافذو البصر والبصيرة و النظرات ، مربكو الجميلات بجمال الحديث والطلعة ليخرجن في حضراتنا من أطوارهن في دعوة للتمتع بمسرّات الحياة رغم مسحة الحزن النبيل التي ما فارقتنا ، نحن الذين أحصوا علينا حركاتنا وخطواتنا وكلماتنا وأدرجونا في قوائمهم السود ليخربوا حياتنا ويدمروا علاقاتنا ، نحن الذين تعاون ضدنا أعداؤك المخططون لدحرك وأبناؤك الحاسدون لنا أو المتقربون للعدو على حسابنا ، نحن مازلنا على عهد الحبّ معك في عيد الحب و أمس واليوم وغداً ، فاسلم لنا

*******

ملاحظة : زمان ومكان كتابة هذا النص يوم الرابع عشر من شباط 2019 ، والمصادف عيد الحب ، في برلين

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| كريم عبدالله : كلّما ناديتكِ تجرّحتْ حنجرتي.

مُذ أول هجرة إليكِ وأنا أفقدُ دموعي زخّةً إثرَ زخّة أيتُها القصيدة الخديجة الباهتة المشاعر …

| آمال عوّاد رضوان : حَنَان تُلَمِّعُ الْأَحْذِيَة؟.

     مَا أَنْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاهَا الْيَقِظَتَانِ سَوَادَ حِذَائِهِ اللَّامِعِ، حَتَّى غَمَرَتْهَا مَوْجَةُ ذِكْرَيَاتٍ هَادِرَة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *