الجزء العشرون
جالسة في الصالة واضعة رجل على رجل تشاهد التلفاز لكنها جالسة جسداً أمام التلفاز وعقلاً دائم التفكير بأمور العائلة ثم اخذت تكلم نفسها ، لمَ لا أتكلم مع والدتي بخصوص الحمل نعم لابد ان أكلمها وأقول لها لا تتهربي مني يا أمي من الإجابة عن أسألتي لأني عرفت كل المسألة من مروة ، وليس من العدل ولا الإنصاف ان تخفي عليّ وأنا أبنتكِ الوحيدة ويجب أن أكون مستودع أسراركِ وهمومكِ وإلاّ فأنا لست أبنتكِ ، وبينما هي على هذه الحال .. أتت أمها .. ثم جلست لمشاهدة التلفاز أيضاً .. لكن يبدو عليها الضيق والضجر .. قالت أيار في نفسها وهي تصوب نظراتها بين الحين والآخر لها وهي بالطبع تحسُ منها ذلك .. حتى سألتها وهي تتظاهر بإبتسامة خفيفة .. ما بكِ ؟ أحسُ إنكِ تخفين وراء نظراتكِ هذه .. كلام .. تُرى ما هو .
أيار : أ.. ثم نهضت وجلست بالقرب منها الصراحة يا أمي فعلاً لدي كلام أخفيه وراء نظراتي لكِ كما قلتي.
أميمة : ماذا حدث يا أيار قولي .
أيار : تنهدت ثم اعتدلت في جلستها كعادتها عندما تريد الحديث بموضوع مهم .. أنا حائرة .. بل على درجة من الحيرة تتولد الكلمات في داخلي .. هجاءً .. وأطراءً .. تنفجر ذاتي على ذاتي .. أريد أن أكلمكِ .. لكن عندما يصل الكلام الى فمي ينتحر قبل خروجه .
الأم وقد بدت عليها علامات الإرتباك والقلق .. لم أفهم شيئاً من كلامكِ .. انه متشتت .. لكن .. لما تنتحر الكلمات .. على لسانكِ حال البوح بها إلي ..بُنيتي .. أعلمي أنكِ ابنتي الوحيدة التي أكن إليها حباً كبيراً .. كبير جداً .. حتى يتجاوز حبي لنفسي لذا .. أعلمي أن صدري رحب أمامكِ .. وكُلي أذان صاغية لسماع أي كلمة تتفوهين بها .. وأن كانت قاسية على الأسماع ، لذلك أريدكِ الآن ان تكوني شجاعة ، وان تخرجي كل الكلام الذي أراه محبوساً في نظراتكِ .. ولكِ مني الأمان ..فأحست أيار بالإرتياح كثيراً وكأن حملاً كبيراً زال عن فكرها وكاهلها أبتسمت ثم قالت : عديني .. بأن تكوني صادقة في كل كلامكِ معي .. استغربت الأم .. وأحست أحساساً كبيراً بأنها عرفت حقيقة الأمر .. لذا قالت : بالطبع .. أعدكِ بذلك .. والأيام ستُأكد .
أيار : أتذكرين يا أمي عندما سألتكِ عن غرابة الأحداث التي تجري في البيت ، لماذا؟ كذبتِ علي وقلتي أنها أحداث عابرة واتهمتني بالظن السيء ، أشتد كلامها مع والدتها وإزداد حدة والأم صامته تسمع فقط .. وفي هذه الأجواء دخل معاذ وقتيبة وقد سمعا كل ما قالت لكنهما بقيا واقفين قرب الباب ويداهما وراء ظهريهما ، وهي مستمرة في حديثها الإنفعالي .. ألستُ انا أبنتكِ ها .. إنطقي يا أمي .. ألست إبنتكِ .. أليس لي الحق بمعرفة ما يحدث لكِ .. ألست أنا أحق بمعرفة مسألة الحمل .. من الأخريات .. وددت لو اني عرفتهُ منكِ عندما سألتكِ سابقاً وكذبتي علي .. ترى وهل ترين في الأمر من حرج .. وإذا كان كذلك .. لماذا أوقعت نفسكِ فيه وبعد ذلك تريدين التخلص منه ها ؟ قولي .. تُريدين التخلص منه .. لمَ هذه الزيادة ؟ والزيادة كالنقصان يا أمي الزيادة كالنقصان .. لماذا ؟ لقد سببتي لي أياماً عصيبة عشتها وأنا أبحث عن حقيقة الأحداث الغريبة التي تجري في البيت .. حتى دراستي لم انتبه لها .. دائماً تريني شاردة الذهن .. سارحة البال .. أفكر .. بهذا الشخص الذي تهددين بقتله .. وبابا المسكين .. يحاول اقناعكِ .. وعدم قتله .. أتعرفين كم سبب لي من الأذى كلامكِ هذا ؟ ثم ابتسمت مستهزئة .. وفي نهاية مطافي وبحثي عن اسمه .. وجريمته النكراء.. التي دفعتكِ الى النيل منه اجده جنيناً في بطنكِ .. يا لها .. من مهزلة .. المجرم الذي أبحث عنه .. أجده في بطن أمي .. ثم وضعت يدها على خدها قائلة : تُرى وهل حضرتي له اسماً جميلاً يتناسق مع أسماء الأربعة (وهي تجر الكلام جراً) حال انتهاء حديثها تنهدت الأم قائلة : كفاك كفاك .
أيار : لم اكتفِ بعد .. لدي كلام كثير وأهات كثيرة سببتها لي .
معاذ مستغربا داخلاً على الخط : هل صحيح ما سمعنا يا أمي .
قتيبة مبتسماً متنهداً : ولماذا لم تخبرينا يا غالية… والله أنا مسرور … ويجب عليك الإعتناء بصحتك ويجب علينا ان نعتني بك ولا تتأثري بأراء الأخرين .
أيار : مسرور … وعلى ماذا ؟
قتيبة : مسرور من رزق السماء لعائلتنا التي ستزداد عنصراً جديداً ؟
معاذ ممازحاً : اتمنى ان يكون ولداً … لأعلمه الموسيقى والرسم .
الأم مبتسمة : الحمد لله … على هدية السماء .
ام سالم مطلة عليهم : هل أجلب لكم الشاي .
قتيبة : لا بل … فرقي العصير .
أم سالم مبتسمة : والله المناسبة تستحق .
أيار مستغربة : ماذا ماذا وما هي المناسبة يا أم سالم التي تستحق ؟
أم سالم : أنا أعرف بحمل والدتك … يسر الله تعالى ولادتها .
أيار متوترة : الله … حتى الغرباء يعرفون بأسرارك ونحن ابناؤك وكأننا غرباء لا نعرف عنك شيئاً والمشكلة الحمل بادي عليك فكيف لك اخفاء ذلك علينا .
أم سالم متأثرة مستأذنة : اسمحوا لي إنصرفت الى المطبخ .
أميمة : أعذروني لأني لم اخبركم … لكني كنت أنتظر الوقت المناسب .
قتيبة مبتسماً : لا يا غالية انت اعذرينا … فلا يحق لنا ان نتدخل بهذا الامر قيد أنملة ، لأنك تحملين نفسك أكثر من طاقتك ، فالأمر لا يستوجب كل هذا العناء والقلق والآن دعينا نتهيأ لإستقبال الطفل الجديد .
أيار مبتسمة بسخرية موجهة كلامها لوالدتها : نعم لابد ان نتهيأ لإستقبال الطفل الجديد أخبريهم نعم أخبريهم … كيف ستتهيئين لإستقبال الطفل الجديد ؟
الأم بتوتر : كفاك هراء يا أيار … لقد تحملتكِ كثيرا … فلا تضغطي على أعصابي.
قتيبة : اتركوا الأمر الآن أخذ منا الجوع مأخذه هيا لنتناول الغداء هيا انهضوا .
أميمة شعرت بالتعب ورقدت في الفراش وسراج الدين جالس على الكرسي قرب سريرها .. يبدل الكمادات على جبينها دون ان يخبر ابناءها ، فسألها : ما الأمر حبيبتي .. تركتكِ في الصباح على أحسن حال ما الذي اصابكِ ؟ اجابته : وهي شاحبة الوجه ذابلة الرموش خافتة الصوت ، أن أبنائي عرفوا بمسألة الحمل ولا سيما أيار أسلوبها فضيع كانت تتكلم معي وكأنها القاضي في المحكمة وأنا المجرم أمامها وهي تكلمني بهذه الطريقة (كيت وكيت) ، اجابها مبتسماً : الحمدُ لله … وأخيراً عرف الجميع فلا داعي للقلق ، اسمحي لي أن أقول لكِ بانكِ انتِ تهولي المسائل .. وتعظمينها .. يا إلهي إنها مسألة عادية وطبيعية ، أجابته: لا تنسَ ان عمري في الأربعين .. أجابها : ولو كُنتِ في الخمسين فلا مبرر لعملكِ هذا أنت الآن امرأة حامل واقتنعتي بأنه رزق الله سبحانه وتعالى وسوف لن تجهضيه ما دام رزقاً من الله سوف تبقيه في بطنكِ الى الولادة أليس كذلك .. اجابته : أنا أعرف بكل الأحكام الشرعية التي ذكرتها لي ، اجابها : لا أقصد شيئاً مما فهمتي يا أميمة .. وأنا أعرف بما تقصدينه لكني أقصد التنبيه فقط لا غير ، فأستمر في كلامه وعند ولادتكِ الطفل في نهاية الصورة التي كُنت رسمتيها لك في حالة عدم معرفة الأولاد بذلك .. تصوري انهم لا يعرفون بمسألة الحمل ولم ينتبه أحدهم لذلك فحال الولادة .. ودخولكِ البيت وانتِ تحملين طفلاً صغيراً .. تُرى .. بالله عليكِ من منهم يصدق ان الطفل هو لكِ بالطبع سينكرون انه اخ لهم حتى لو عاش معهم … وأولهم أيار .. ستصرخ أمام الجميع أنه لقيط .. وهي محقة بذلك .. إذ لم تكن تعرف ان والدتها حامل .. من أين أتى هذا الطفل .. وبذلك تعم مشكلة على رأس الطفل منذ ولادته وينشأون كارهين له ثم قال : مستطرداً .. وما لنا بهذه المشاكل .. لماذا لا نتلافاها من البداية .. أطرقت قليلاً ثم قالت : انت محق يا سراج الدين .
سراج الدين مبتسماً : اذن أيار بشجاعتها حلت هذه المسالة دونما ان تكلفي انتِ نفسكِ بحلها أمام الجميع وها هم قد عرفوا والحمد لله .
أميمة : ولكن … حاكمتني … بإسلوب مقرف … فرفعت صوتي عليها لولا قتيبة بدد توتري ، لا سيما توجيهها الاسئلة بإسلوب غير مؤدب … وقد احرجت ام سالم .
سراج الدين : لهم الحق … لأنك أخفيتي عليهم مسألة مهمة هم جزء منها ، ولكن لم تسردي لي رأي أنس عندما سمع الخبر ؟ ماذا قال هل فرح ؟
أميمة : أوه … يا سراج … عندما دار الحديث .. كان أنس في المدرسة … لكني سأخبره غداً ان شاء وعلى انفراد وليس أمام أخوته تجنباً للتدخلات واللوم المزعج … ولا سيما من أيار .
سراج الدين مبتسماً : أحار في أمرك … أراك تتمسكنين وكأنك بسيطة مسكينة وفي حقيقتك لست أمرأة بسيطة ولا مسكينة وسرعان ما تثورين متعصبة ، فكيف تمالكت أعصابك يا ترى وسط هذا الجو المشحون من العتب واللوم والتدخل …
أميمة : والله في البداية شعرت بالخجل … من عتبهم ولومهم … ليس لمسألة إخفاء الخبر لكني شعرت بالتوتر ولا أعرف كيف تحملتُ توجيه التهم من أيار،وكأني مجرم أما محكمتها والمضحك المبكي انها كانت تتصورني مجرمة وقاتلة (كيت وكيت ).
.. يتبع