إشارة :
مرّت الذكرى الرابعة والخمسون لرحيل الفنان العراقي العظيم “جواد سليم” (توفي في المستشفى الجمهوري ببغداد إثر نوبة قلبية يوم 23/1/1961) عابرة وباستذكارات لا تليق بفنان أثبت أن الإبداع يمكن أن يكتب للإنسان الخلود ، وأن المبدع يمكن أن يحفر اسمه في صخرة الوجود حين يلتحم بتراثه وبتراب وطنه المقدّس ويعبّر عن آلام إنسانه المعذّب. تدعو أسرة الناقد العراقي الأخوة الكتاب جميعا إلى المساهمة في هذا الملف الذي سيكون مفتوحاً من الناحية الزمنية حيث لا حدود زمنية للإحتفاء بالإبداع.
أقتصاديات المعرفة في جدارية “نصب الحرية”
الغزالي الجبوري
عن الصينية أكد الجبوري
يذكرنا عمل الفنان والنحات العراقي المهم والمبدع (جواد سليم) من جداريته (نصب الحرية) صمود المعرفة وتقدم العقل العراقي٬ جدارية لمعالم مبهرة٬ الشامخة من صومعتها صريحة في وسط العاصمة العراقية ـ بغداد٬ بتنوع مصادر أقتصاديات المعرفة٬ وتألق آبداع تنظيم فاعليتها المشتركة. مؤشرات ما أنجز ثباته حضاريا وتاريخيا في وجدان الضمير الإنساني والفعل العراقي العام٬ جدارية تؤكد الحقيقة وتفضح الأكاذيب٬ والتي تتعرض فيه لدور مصادر مكانة العقل وصمود التنافسية في الرؤية المستقبلية للبناء المجتمعي٬ وخصوصا نظام بنية التعدد الاستراتيجي من صياغات٬ واختيار البدائل المعرفية٬ والمشروع التشغيلي لتحقيق الاهداف العمرانية لمهارات العقل٬ والخطاب٬ والاتصال مع ثقافة جوهر وحدة هوياته الثقافية المتعددة٬ وسمات تطلعاتها القيادية في دراسة تبيان معلومة صناعة القرار وتنفيذها. هنا٬ الجدارية مؤكدة خصوصا خصوصا ما يتعلق بالأكاذيب التي روجتها إدارات الاحتلال الأميريكي أو من كتب التاريخ المزيف بتصورات ثقافة الإنحطاط (عرب أو أجانب) خلال قراءاتهم المزيفة ولفترات مسمومة ومهينة لفكر وحدة “الأمة العراقية”٬ “أمة سلالة ابناء حضارة وادي الرافدين المجيدة”. فجاء الفنان العراقي٬ النحات المبدع (جواد سليم) مؤكد أن الحقيقة تحظى بمكانة مصادر أقنصاديات المعرفة٬ نمو صمود العقل في صلب آرض العراق٬ صناعة المجد٬ مؤكدا الحرية نصابها تموضعها الصحيح٬ من أدوات تعليمية ومعالم علمية موحدة٬ خصبة٬ بل المسؤولية الاجتماعية أيضا٬ ورجال صناعة قرار في بناء الدولة لطموح حرية وتحرر أبناءه.
على الرغم من خلفية ما أكتبه الأن٬ عليه مأخذ من جانبه النظري٬ لسبب عدم زيارتي للعراق٬ لمشاهدة الجدارية بأم عيني٬ غير أني أطلعت على ما يخص حضارة وتاريخ وادي الرافدي٬ والعراق المعاصر بمعارف متواضعة٬ إلا أن فنونه وادابه الثقافية لها النصيب الأوفر بمسحي عن ما علمته وعرفته ٬ خلال الدراسات والابحاث والقراءات الأخرى٬ وأن كانت خارج اختصاصي الدقيق: الأقتصاد المعرفي والرقمي٬ بالطبع.
بالعودة للموضوع٬ من يطلع عما تفرز الجدارية من رأسمال أجتماعي معرفي موازي٬ لن يستطيع سوى أن يقف على أوجه التماثل الكبير بين الأمس والبارحة٬ بين من خاضوا أروع المكابدة للحضارة ومن نهلوا منها٬ من واجهوا بإرادتهم البهية مقارعة الشر حفاظا على هذه الأرض “المقدسة” بخيرات صانعيها٬ صمود العقل التموزي المتفكر٬ ومن يهددون اليوم بخوض حروب تدميرية جديد لاستبدالها. فلن تعدهم أكاذيبهم كما أوضحتها الجدارية٬ أن نظرت إلى ابعادها الجمالية وخصوبتها المعرفية٬ مجيئا إليها من اليمين قادما٬ أو من اليسار مرحبا٬ أنها إعلان أعلى مراحل حضارة وادي الرافدين الحرية. ومنها تلك التي عبر عنها الفنان٬ بأعتبار ـ الجدارية ـ تجسد روح زعامة حضارة الأمة العراقية٬ ومعقل لوائح الحقوق والعدالة البشرية٬ أعمق وأكثر.
تنبهنا معالم الجدارية باقتصاديات المعرفة العراقية أيضا بالدمار الذي جاء بما يؤثر إعادة بناءه٬ وما خلفته تلك الأكاذيب المستمرة التي راجت حول هذا العمق الحضاري٬ مفكرة بالمحتل الأن ايضا في تدمير مصادر أقتصاديات المعرفة في أستلاب كوامن طاقتها المنشطة للعقل٬ وتدمير امتلاك الهوية العراقية الموحدة٬ مهارة الثقافة الشاملة لجودة الأمة٬ والتي تم بموجب ترويج المحتل و “القطيع من الحلفاء العرب” من تأكيد سحق حرية معارفها وصمود عقلها. الجارية كما نراها بتواضع شديد أمام تساؤلها: هل كان يمكن لصمود اقتصاديات المعرفة العراقية أن تظهر من جديد٬ رسوخ مواجه المحتل٬ معززين وحدة المصادر المعرفية والمسؤولية الاجتماعية لتشييد الحرية٬ وفاء ما ناشدها (جواد سليم) في معالم اقتصادياته المعرفية والاستراتيجية في جماليات تستوعب الإرادة القوية للحياة؟ وتجابه الفهم الفاشي المحتل نفسه أن الحرب لا تستمر٬ ولابد للمحتل مهما استمر سيناريوهاته كحرب مستمرة عليه٬ أن يركع؟
تظهر معالم الجدارية اختيارات البدائل المتعددة في وحدة صناعة اقتصاديات المعرفة٬ خاماتها المعرفية المتجددة٬ صنعة الخلق الاجتماعي٬ رأسماله المتحرك والمتغير الثابت في جوهره٬ أعتماده المعرفة الاستراتيجية الصريحة في نمو رأسمال المشاريع الفكرية٬ وأن الأمر مستمد من الأهداف الصريحة إلى خلق حالة العقلانية الرشيدة في الاستدامة في مواجه اسواق الخصوم بالجديد٬ النضال الدائم للمحتل حتى تكسير جمجمة وعظام سواعد المحتل٬ لنيل الحرية وتحقيق العدالة واتساع تمدد المساواة. طبعا٬ الجدارية٬ عمد السياسيون في الماضي دائما إلى تأويل الوقائع كأقتصاديات المعرفة الصريحة بشكل مختلف٬ من أجل دعم موقفهم٬ لكن الأمر مع مخرجات الانتاج المعرفي الصريح المنافس لا يتعلق بممارسة تأويلية. أن الوضع يذكرنا بالعرض والطلب٬ ليس على النفط ووالخ٬ كما تشيره إليه وسائل الأعلام في استدراكها الاستراتيجي للمعرفة الغامضة٬ مشيرة إلى اتباع الشركات في خلقها اقتصاديات “اسواق المعرفة الهامشية/الميل لااقتصادي للمعرفة الحرجة” التي طل ينظرون إلى معارف صمود العقل العراقي كمخزون يقول الحقيقة ويتحدى٬ كما مصاره المعرفية جلية وواضحة في الجدارية العظيمة٬ ومبدعها الثري المميز٬ متطلع بروز ٬ كما هي٬ متهيمن العقل العراقي صمود منافس٬ بأنها لم تفتقد إلى الاصالة المعرفية لأقتصاديات صريحة.
وفي هذا السياق تؤكد الجدارية معالم اقتصدياتها المعرفية في توديع توزيعها على مساحة الجدارية٬ معارف حقيقية٬ أقتصاديات اجتماعية صريحة٬ لا علاقة لها بـ”رطانة” منظروا الاقتصاديات الواهمة٬ العائمة٬ ما نلاحظه هنا٬ دائما٬ الواقعية المميزة بالأسلوب٬ يريد أن يخلق المصداقية٬ الإبداع بتميز الفنان دقته٬ حتى وأن كانت الوقائع المختلفة بوسائل التعبير عن الحرية الجامعة والمنشودة.
وتلحظ أيضا من جهة أخرى أنه من الوهم الخطاء الأعتقاد أن الفقراء يتموقعون ومن لهم قرب حولهم في أسفل السلم الرقي الانتخابي المعارفي من تصويته للحرية٬ بل إن انسجام وحدة تحليل معلومات الاقتصاد الاجتماعي المعرفي صمود مصادر أقتصاديات٬ قوة لمنظومة متكاملة ومتجانسة٬ ساعية لصالح المعرفة والتضامن التنظيمي الفاعل٬ كما أنها ـ أي الجدارية ـ تشير إلى تكامل الثقافة وتراثها يتجاوز داخلهم “اقتصاديات المعرفة غير الصريحة ـ الجديدة”٬ وأن الجامع التوصيفي للمعالجات ممن ثبتوا نضالهم له تشغيلا مؤتلفا موحدا٬ كما تبرز إضافة قيمة أنصار فكرية عليا للمتلقي٬ البدائل حولها ليس بالضرورة من المهمشين ومن ضحايا انشادها٬ ضد هذا الطرف أو ذاك٬ بل تلاحما صامدا بمواجه الاستلاب.
يعود الفنان في “نصب الحرية” في صمود معارف العقل العراقي٬ وحضارته العريقة٬ لتضرب مثلا من التاريخ الحديث٬ يتمثل في أرتقاء صعود تميزه العلمي إلى دكة المنافسة في معارف تخصصات أبناءه الاكاديمية. فهناك من يعتقد بأن اقتصاديات المعرفة العراقية٬ بإنتاجها التنظيمي للمصادر شكلت أنتقام الدهماء من نخبة “نزاع الهويات”٬ لكن العارفين بالتاريخ المعرفي يدركون أن العديد من الأكاديميين العراقيين أنضموا إلى أصالة بنية الحضارة العراقية المحبوكة بأنسجام وتوافق تعديد مفاصل عضوية أنشطتها الحياتية٬ في مختلف مصنفات الجامعات٬ التخصصات العلمية ولوائح الابداع عالميا٬ سنابل هوياته٬ قمح المستقبل المعرفي وخصوبة مخرجاته وإستدامة تنامي آفاق خطابه الجامع. العارفين بتاريخ العراق يدركون أن العديد من الاكاديميين هم انتماء حقيقي لأبناء من جمعهم الفنان في جداريته٬ صمود تجارب العقل٬ تجربة الصناع للمنجز المحقق٬ حصنا منيعا أمام المغتصب من جهة والنفعية للمحتل من جهة ثانية٬ ولربما تستنشط بتذكرنا تمنهج الخطاب المعرقي الاخلاقي في إنتاج اقتصاديات المعرفة الملموسة بهذا الامر لاجداد وابناء الحضارة٬ لحمورابي العظيم بهذا الامر أكثر من غيره٬ وهو يعيد نحت مسلته٬ في مواجهة “رطانة المتفلاسفة للاحتلال٬ كما أوضحتها سياسات الصداقة المتهافته في نصوصهم.
تتعرض فيها للفرق بين الثقافة التقليدية ومواكبة المعرفة الأصلية. معتبرا أن هذه المعرفة الصريحة تتآسس دائما بجدل دائما٬ وسط تناقضات التفسير والشرح٬ فيها بعد العمق التاريخي لصحيح العقل٬ وأنها ترفض كل شكل من أشكال الجمود٬ لها منها التجديد والتحديث٬ بل تعتبر من معالمها ـ أي الجدارية ـ التنويد وسلطة العقل أصل تربتها٬ ولهذا هي في رأي الفنان أيضا تطرح نموذج العقلانية مترعة بروح مثلها العليا ـ فضيلة قيمها الراسخة في الاخلاق.
لذا تعتبر الجدارية “خطرة” الجذور٬ قيمها المضافة والمتجددة٬ يصعب آغفالها أو نسيانها٬ وتعني تماما بحضور تاريخ اقتصاديات البدائل الاستراتيجية للمعرفة٬ إذ جرى اعتبار الجدارية في النهاية المميزة الممكنة لتاريخ الفنان فائق حسن بعطاءه المثمر الدؤوب٬ وأوضحت كلمة مثل الحرية التشاركية مقبولة من قبل أوساط اليسار أو خلافه٬ لقد نجحت الجمع الثقافي العراقي حرصا في الاحتفاظ بعدم سرقة تاريخه العريق٬ أو تجاوز اللغة المشتركة بالمعرفة وتطوير بدائل اسلوبية تعاطيها مع الوقائع ايضا.

شكلت اعتبارا متميزا ونقدا ذاتيا٬ حين اعتبر لأقتصاديات رأس المال الاجتماعي مبدأه حضور العلمية للمعارف٬ وإنتاج مواكبة تطورها العلمي٬ كما دافعت عن صمود العقل العراقي عنه ما بعد الحداثة٬ لتدعم مواقفه السياسية والصناعية والثقافية بخصوص قضايا واضحة٬ مثل التغير الاجتماعي وخصال أنشطته المحتوى للحرية٬ التي تتسائل دائما عن الحق٬ إن لم يكن كثيرا مما درس للتطبيق٬ كان الفنان واجهة الرقي والابداع لنشر مكانة اقتصاديات المعرفة العراقي٬ عاليا نصب الحرية صادحا وسط عاصمة ابناء الرافدين الأغيار.
وعلاوة على ذلك٬ يعتبر الفنان القدير والنحات المبدع (جواد سليم ـ طيب الله ثراه) مالك النظرة الخطرة في المحدق الآخر بخيرات أمة العراق٬ فجاءت الجدارية صرحا في الاحتجاج الناجع والرافض الفعال في تحليل ومواجهة العلاقة للمثقف العضوي الممارس بين العقل المتربص المستبد القامع ومصادر صمود اقتصادات المعرفة العراقي٬ ربما لأن المعرفة الصريحة والغامضة في اقتصادياته٬ وقع الفنان عليها ما وقعت دراساته البحثيه٬ على وقع تنفيذ استراتيجيات نقدية رائعة ومهمة٬ أختارت معالمها في النهاية النموذج الرافديني كمصدر لحاضر ومستقبل تقدمية رفعة وحدة الوطن.
أكد الجبوري ـ أوكسفورد
1.02.19