(15)
تتلامحان أنت وطيرٌ رمادي على شجرة يوكالبتوس كل ليلة أحد في حديقة الأمة التي لاوجود لها في كورنيش شط العرب. سحقتها دباباتٌ سحقت انتفاضة 1991 ولا وجود للطير إلا في حلمك الأسبوعي ..طيرٌ من أجله قصدت مزرعة الحسن البصري ، ويممت شطر ابن سيرين فأنتشلته من حيرته بين المحاميد الثلاثة : البروف الأقتصادي محمود الحبيب ومحمود البريكان ومحمود عبد الوهاب… وحين عدت خائبا غمرتك مياه جوفية ومنها ناداك صوت ٌ بليل : ما حاجتك لابن سيرين؟! أو حبة أسبرين هل استكثرت عليّ ومضة حلم في كل أسبوع فإذا كانت البداية هكذا، متى نصل البداية ؟
(17)
مَن أجلسني على علو الكونكريت في يوم ريح. غصون الأشجار جواشن تصفع وجهي وظهري .مِن ذاكرتي ينبجس نمرٌ، فأصيره على الحافة، ومثل أي نمر ٍ أقفز على شجرة ٍ كانت غصونها تصفعني وبكل وحشيتي أصرخها فتخنس الشجرة .أنخسها بهدير نمر غير مصنّع محليا فتكون الشجرة مهرتي وأنا فارسها نتهادى في الفضاء الرحب . على الأرض أرى ظلَ فارسٍ شعره أخضر أخضر أطول من ذيول جياد تركمان أو جياد غجر ..
(19)
البقاء للريح ..فتية ٌ دوما وراقصة للأبد ولا تستحي ..لا تستحي، تتسلى بمصائرنا بسفائننا يستفزها كبرياء الشجر يغيضها الكونكريت متسربلا بجهامته، يغضبها الضوء . النهار يجردها من ملابسها الداخلية .تتصفح مكتبات الأرصفة والشوارع وتقرأها دفعة واحدة لتكتبها النار ..ثمة من يتحالفون ضد الريح بنسج الشباك، يلغمون الفضاء، يفتحون باب الأساطير لتدخله ثم يوثقونها بوثاق من ظلام الأراشيف المغبرة ولا يستعملونها عند الضرورة . هل تعود الريح حديقة من ذلك الفجر الصغير..حيث المجامر تتضوع اللبان والمرّ ولحاء الجاوي ..وثمة امرأة أغطي شفتيها بشفتيّ وأصابعها بأصابعي ..ولا تستيقظ الذكرى من حليب اللوز ؟ هل كانت الريح ربة الهمج في ذاكرات خذلناها ؟ والنجوم …؟ هل النجوم عيون أميرات أشتقن هبوطاً للتشافي من التعالي العقيم؟