إشارة:
في إصدار اليوم من نصوص موقع “الناقد العراقي” سوف يجد القارىء الكريم نصا قصصياً قصيراً – كان من الممكن أن يكون رواية – للروائي “حميد الحريزي” ونصاً نقدياً للناقد “جمعة عبد الله” عن النص نفسه. وحين قرأتُ مقالة الأستاذ جمعة اعتقدت أنّه قد “انفعل” بنص عراقي مؤثر كعادته المُحببة في الانتصار للنصوص العراقية المهمة. لكن قراءتي لنص الحريزي جعلتني “أنفعل” أنا أيضا وأشارك جمعة في الوقوف تحية للحريزي في نصه القصير لكن الكبير الذي يمكن وبكل ثقة اعتباره نص الأخ الكبير وقطيع “ويل سميث” في رائعة “جورج أورويل” “1984” لكنها الآن – وكما وصفها جمعة – تعزف على أوتار سود عراقية وعربية تمزّق الروح – وأكرّر: الآن – بأظفارها الباشطة. تحية للرائعين حميد الحريزي وجمعة عبد الله.
المقایضة
روایة قصیرة جدا
حمید الحریزي
في كل إرجاء المعمورة شاعت أخبار مملكة ((ملك الزمان ))، حیث تمر عقود
وتتلوها عقود من السنین ، تذهب أجیال ، ترثها أجیال ، والحكم ثابت والآباء
یورثون الحكم للأولاد والأحفاد ، شعب یطیع ملوكه حد العبادة ، فله الأرض
والثروة ، وله على الأرواح والأملاك السیادة …
أثار هذا الأمر العجیب والحال الغریب احد صحفي العالم الدیمقراطي المتطفلین
ومن محبي المغامرة وطلب الدخول الي المملكة منفذا وملتزما بالشروط المطلوبة
منه وهي:-
أن یكون ملزما بارتداء جلبابٍ خاصٍ یغطي جسده بكامله ابتداء من رقبته حتى
أخمص قدمیه ، وان لا یخلعه أبدا طوال وجوده في المملكة وإلا سیكون رأسه
ثمنا لخرق التعلیمات .
ان یراقب ، یرى ویسمع ولكن لا یعترض ولا یختلط بمواطني المملكة ، اثناء
تجواله ووجوده بینهم في الأماكن العامة او الخاصة …
في المنطقة الحدودیة استقبلته شلة من الأشخاص ضخام القامة متجهمي الوجوه ،
أیدیهم على الزناد ، ابرز لهم وثیقة السماح بالمرور بعد ان لبس الجلباب قبل
رؤیتهم ، اصطحبوه في عربة خاصة ، مضللة الزجاج ، اغرب ما شاهده ان
لهؤلاء ذیولا طویلة یجرونها ورائهم ، واضح ان رئیسهم أطولهم ذیلا ، ففسر
ذلك بكونه زي خاص یتوجب على قوات الحرس ارتدائه ، فبدلا من وضع ریشة
طاووس ملونة مثبتة في خوذ حراس بعض الدول والممالك ، تقرر وضع ذیول
2
في مؤخرات هؤلاء الحراس وفق نظام هذه المملكة ،سارت السیارة لما یزید
على أربع ساعات ، توقفت ، فتح له الباب لیلج دار تبدو غیر مسكونة ، الا من
بعض أشخاص كان یبدو أنهم من الخدم الخاصین بضیوف الدار ، دار بینهم
حدیث لم یتمكن من حل ألغازه ولكنه یبدو توصیات خاصة به …
تم حمل أمتعته وحقائبه وإیصالها الي غرفة معدة بشكل جید لنوم وراحة شخص
واحد ، مزینة جدرانها بصورٍ للملك وإخوانهِ وأبنائهِ وأحفادهِ وقسم من حاشیتهِ
، في هذه الدار أیضا لاحظ ان للخدم ذیولٍ مختلفة من حیث الطولِ واللونِ ، فلم
تكن ردة فعله تختلف عما شاهده لدى الحراس فلازال ضمن حرس وحاشیة الملك
بمعنى إنها ضمن الأزیاء الرسمیة لموظفي الدولة ولا غرابة في ذلك .
كان یلاحظ ان الخدم بین حین وآخر یرددون عبارة كأنها هتاف ، تبین له من
خلال سؤال مرافقه ، أنهم كغیرهم من موظفي الدولة یلهجون دوما بالهاتف
بحیاة الملك والعائلة المالكة قبل وبعد أداء إي عمل من إعمالهم الیومیة ،الغریب
ان هؤلاء الأشخاص كانوا یرددون هذه الهتافات حتى مع عدم وجود الرقیب ،
یرددونها بنفس النغمة ونفس وقفة الخضوع والترجي والرجاء یرددها معهم دلیله
ومرافقه أیضا ، ومن كثرة تكرارها كاد الصحفي ان یحفظها على ظهر قلب
حتى انه اخذ یتوقع أوقات تردیدها بشكل تلقائي كما آلة تسجیل وفق تسجیل و
توقیت مسبق .
لم یلاحظ وجود أكثر من قناة واحدة في التلفاز تعرض خطب ومؤتمرات
ومحاضرات ونصائح الملك الى رعیته ، جولاته ، طریقة كلامه ولبسه ونوع
وطریقة تناوله لطعامه ، والكثیر من مفردات حیاته ألیومیه ، الجمیع یجلسون
یستمعون ویشاهدون بدهشة كبیرة كل ما یعرض في التلفاز …
أمضى لیلته الأولى في هذا المنزل ، لیستیقظ مبكرا طالبا من دلیله ان یقوم بجولة
في شوارع وأسواق وساحات المدینة كان له ذلك ، وكانت أول ملاحظة لفتت
نظره ان كل الناس البالغین رجالا ونساء تبرز من مؤخراتهم ذیولا مختلفة
الألوان ومختلفة الأطوال ، وكان صاحب الذیل الأطول یمشي وهو یختال فخرا
، كما تتباهى وتفتخر الفتاة الحسناء بطول ضفائرها ، فسأل مرافقه حول هذه
الظاهرة التي تبدو غریبة فلم یرى ولم یسمع حول جنس بشري بذیل :-
فأجابه مرافقه إننا نفتخر بهذه الذیول ، فالذیل هو علامة الإخلاص والطاعة
لملكنا العظیم ، وإخلاص المواطن لملكه تتناسب طردیا مع طول الذیل ، لذلك
3
قرب وبعد الفرد عن الملك تقاس بطول ذیله ، ستشاهد ان وزراء وحاشیة وقادة
الجیوش تم اختیارهم لأنهم الأطول ذیلا بین رعایا المملكة فرئیس الوزراء مثلا
هو الأطول ذیلا بین جمیع الوزراء وفترة بقائه في منصبه مرتبط باحتفاظه بهذه
المیزة فان ظهر من هو أطول ذیلا منه فسیحل محله فورا وهو ینزل الي مستوى
أدنى …طبعا لكل طبقة او شریحة اجتماعیة لون ذیل محدد یمیزها عن سواها ،
یمنع اختلاطها ، ویمنع تزاوجها مع الفئات والطبقات من الألوان الأخرى ،
تحصل عادة حالة تنقل بین هذه الفئات وفقا لمتغیرات الذیل ، فقد یرفع احدهم الي
طبقة أرقى إذا بلغ ذیله معدل طول أذیالهم ، وبذلك تجري له مراسیم خاصة
لتبدیل لون ذیله ، وكذا هو الحال بالنسبة لمن یصاب ذیله بالقصر حیث ینزل الي
مرتبة أدنى وبنفس المراسیم …حتى الزوجین یتم انفصالهم الفوري في حالة
اختلاف طول ذیلیهما ، لیقترن كل منهما بشریك آخر له نفس طول الذیل …
وهل یولد الإنسان عندكم بذیل ؟؟؟
طبعا لا ، فنحن لازلنا كبقیة البشر من حیث الموالید ، تجري الآن بحوث علمیة
متطورة ومتخصصة لتكون الذیول اعضاءا تولد مع المولود منذ یومه الأول
إي ان تكون الذیول علامة الطاعة للملك خاصیة جینیة ولیست مكتسبة كما نحن
الآن وقد تعاقدت مملكتنا مع علماء أجانب من مختلف دول العالم من اجل
الأشراف على هذه الأبحاث والتجارب في معهد الأبحاث الخاص وقد وضعت لهم
میزانیة مفتوحة غیر مقیدة من اجل تتویج بحوثهم بالنجاح … الأسرة لدینا ترقب
بفارغ الصبر ظهور برعم الذیل للمولود منذ سنواته الأولى إي بعد نمو أسنانه
الدائمیة وبدایة فطامه عن صدر امه ،حیث تجري مراسیم احتفالیة خاصة وتكریم
من قبل الأسرة ذات الاطفال الذین تنمو وتظهر ذیولهم بوقت مبكرا أي تظهر
ذیولهم قبل ظهور أسنانهم اللبنیة ، وهناك احتفال خاص وممیز لمن یولد بذیل ،
تصدر المراسیم الملكیة باعتبارهم من أفراد الصف الأول ضمن حراسات وحاشیة
الملك ویخصص لهم رواتب وعنایة خاصة ویخصص لهم زیا خاصا بهم
یمیزهم عن سواهم ، لا یحق لغیرهم حضور دیوان الملك او الاقتراب من موكبه ،
وإما من لم یظهر له ذیل حتى عند بلوغه سن الرشد ، فأما ان یقتل من قبل
عائلته لأنه عار علیها ومؤشر خطیر على عدم ولائها وإخلاصها وعدم تكریسها
وقتا لتربیته وترویض طباعه حتى لا یكون شاذا ، وإما ان یسلم للسلطات
المختصة ویكون تحت رعایة ((التیوس)) وهم أصحاب اللحى والذیول الطویلة
ذات اللون الأزرق الغامق، لیقوموا بإعادة تربیته وغسل دماغه وتطبیعه لعدة أشهر
4
فان لم یظهر ذیله ، یرسل الي مكان خاص لا یعلمه احد ،ویتم عزله تماما عن
الرعیة … وما یجب الإشارة إلیه:-
لا یسمح لكائن من كان ان یطلق لحیته لیكون من التیوس ، فهؤلاء طبقة خاصة
یتم اختیارهم من قبل مقربي الملك استنادا لطول ولون ذیولهم وتاریخ أسرهم
لعدد من الأجیال السابقة تثبت عدم وجود ولو فرد واحد من أجیالهم من
((الشواذ))، وان سلالتهم نقیة الذیول واضحة المیول والإخلاص للملك المعظم …
هؤلاء هم الوحیدون اللذین یسمح لهم لقاء الملك المعظم وأسرته في قصره المعظم
، مرة واحدة في السنة هي تاریخ میلاد الملك ، حیث یلقي بهم كلمة هي حزمة من
الوصایا والإرشادات ، یلقیها من خلال كرسیه الذهب المطعم بالجواهر والدرر
والأحجار الكریمة ، تحف به أسرته التي لا یعلم احد عددها ولا أعمار أفرادها ،
تتكاثر وتتزاوج فیما بینها لا تأخذ ولا تعطي مع بقیة أفراد الرعیة ، حتى ان الملك
یظهر لهم كل عام ولألف عام بنفس الهیئة والشكل والعمر ، یذكر بان الملك لا
یموت ، لذلك یحتفل بیوم محدد من كل عام هو الأول من نیسان كعید میلاد للملك
تحتفل به عموم المملكة من أقصاها الي أقصاها فتعطل الدوائر الرسمیة والمعامل
وتعطل كافة الأعمال في المملكة لیوم واحد …
الشواذ أقلیة قلیلة جدا نسبة الي مجموع رعایا المملكة ، فالطفل منذ ولادته ،
یخضع لتعالیم مشددة ، یتعلم عدم الجدل ، عدم رفض إي أمر یوجه إلیه ، لا
یعترض على أكل او شراب او ملبس یرتدي ، یحفظ عن ظهر قلب خطب
ومقولات الملك المعظم ، یهتف تلقائیا بحیاة الملك ودوام ملكه ، لا یسیر الا مع
الجماعة ،لا یقرأ الا ما یقرره معلمیه ومربیه ، وهي لا تزید عن تاریخ الأسرة
المالكة ومعجزاتها ووجوب تقدیسها وتمجیدها ، وبمرور السنوات الأولى یلاحظ
الصبي نمو وتبرعم ذیله فیعم العائلة الفرح والسرور ، یقیم الأهل احتفالا خاصا
بهذه المناسبة شبیه باحتفالات الختان للصبیان في بعض المجتمعات ، توزع
الحلوى وتذبح الذبائح وتقام دبكات جماعیة تمجد الملك والأسرة المالكة ، وعندها
یتم تنسیبه الي إحدى القطعان تحت رعایة احد رعاة الملك من ذوي الذیول
الطویلة وهناك تجري عملیة مراقبة نمو ذیل كل فرد فجر كل یوم وقیاس الطول
بالملیمتر والسنتمتر وتثبیتها في سجل خاص وعبر بطاقة خاصة تعلق في رقبة
الفرد ذكرا كان او أنثى ، ووفق ذلك یتم فرز الأفراد ومنحهم علامات ومراتب
تعبر عن مدى ولائهم للملك المعظم ،تشكل من هؤلاء فرق مهمتها الأخبار عن كل
من لا ذیل له ،فلهذه الفرق حق قتل مثل هذا الشخص إذا حاول الإفلات من
5
قبضتهم ، فلا حیاة لمن لا ذیل له في المملكة مصیره إما الموت او العزل التام
عن المجتمع …
ولفت نظره وجود صالونات فخمة في اغلب الساحات والشوارع متخصصة في
تزیین وتلوین والعنایة بالذیول ، تشبه صالونات الحلاقة والتجمیل في بقیة أرجاء
العالم
كما لاحظ وجود أطباء مختصین بصحة وسلامة ونمو الذیول لمختلف الأعمار
وللنساء والرجال ..
لوحات إعلانات ضوئیة كبیرة الحجم في اغلب الساحات كداعیة لأنواع من المراهم
والحبوب والإعشاب التي تساعد على نمو وصحة الذیل ، كما یوزع قسما منها
مجانا في الأماكن العامة ، ویجبر طلبة الابتدائیة على تناولها إجباریا مع وجبات
الطعام
على حین غرة یتوقف كل شيء عن الحركة وأخذت الأفواه تردد الهتاف نفسه
في كل مكان ، وقد لاحظ الصحفي ان مثل هذا الطقس یتردد ثلاث مرات یومیا ،
عند الفجر والظهیرة وفي المساء ، الدلیل موضحا ان هذا الطقس یمارس في البر
والبحر ، في المعامل ، في المدارس، في المزارع ، في المحلات الخاصة ..الخ
فتضج المملكة بهذا الهتاف الموحد .
لاحظ زمر او ما سمیت قطعان ((الكلاب النابحة)) مهمتها تردید التهم والشتائم
للأعداء كما یشخصهم الملك ، وهناك قطعان (( القردة)) مهمتها ان تلهج باسم
الملك تتدرب وتدرب الناس على أسالیب الخضوع واستجداء عطف الملك
وإسعاده وإضحاكه ، وهناك قطیع ((الثعالب))، و ((الخیول))، وال((ذئاب))، الخ
إما قطیع ((الأسود)) یتوزعون كقادة لكل هذه القطعان ، ولاحظ وزارة التدجین
والتدریب ومهمتها كما قال الدلیل القیام بتأهیل وإكساب مهارة القیام بالواجب
للفرد وحسب حاجة الملك لینظم الي احد القطعان وهنا تعطى حریة نسبیة للفرد
لاختیار القطیع الذي یناسبه طبعا یجب ان یحظى هذا الخیار بموافقة قطیع
((التیوس))، وهناك قطیع (( الغزلان)) وهن من أجمل نساء المملكة مهمتهن
إسعاد الملك وأسرته وتلبیة رغباتهم وطلباتهم في إي وقت وفي إي مكان لهم
وحدهم لا شریك لهم ، وهناك قطعان العاملین في الزراعة والصناعة والصید
والتعلیم وغیرها من الخدمات العامة لإدامة الحیاة ، هؤلاء لاحق لهم بالمطالبة
6
بحقوق خاصة لهم الا ما یدیم حیاتهم الیومیة فلا وقت للعمل ولا تحدید للراتب
…
لم یجد للناس بیوتا بالمعنى المتعارف علیه في بلدان العالم وإنما هناك مساكن
جماعیة لكل قطیع حسب صفته ومهمته ، فكل شيء من اجل الملك ، النساء
والأولاد والغایة من الإنجاب ، والتعلم ، وحتى الأثاث ووسائل العمل .
شعارهم إنا روحا وجسدا أحیا وأعیش من اجل الملك وهذا هو الكسب العظیم …
صور الملك لا تخلو منها دار ولا مؤسسة ولا شارع ولا ساحة ، وكل فرد
صغیر او كبیر یحمل على صدره باجا خاصا لصورة الملك المعظم …صورة
الملك حاضرة أمامه ومعه دوما رغم انه لا یحلم برؤیته او مجالسته یوما ، الا من
كان ذو حظ عظیم …
وجبات الأكل مواعیدها موحدة في كل المملكة لكل ((قطیع)) وجبته الغذائیة ،
وحسب ما متیسر ولا یحق لأحد الاعتراض ولیس له الخیار والمفاضلة بین
أنواع الأطعمة .
كان الصحفي مثار تساؤل ومحل ریبة من قبل (( القطعان )) ، فهو لا یشبه ولا
یسیر مع احدها ، كانت كامیرته توثق ، ودماغه یضج بالكثیر من الأسئلة ، اخذ
الخوف یدب الي نفسه فربما سینظم الي احد هذه القطعان لو طال مكوثه هنا ،
فاخبر دلیله بأنه ینوي الرحیل ، ولكن لیس قبل تحقیق رغبته بزیارة قلعة
المنبوذین ، التي شاهد بالصدفة قطعة تشیر نحوها …
سارت بهم السیارة مسافة طویلة حتى بانت من بعید قلعة وسط ارض موحشة ،
محاطة بحرس من قطیع ((الذئاب)) وفصیلا من قطیع الكلاب ، دخل القلعة
وأتیحت له فرصة لقاء من كان في داخلها ، وكانت الملاحظة الأولى أنهم بلا ذیول
، ومن رافضي الالتحاق بأي قطیع من القطعان ، وجد العدید منهم من ذوي
الفكر الفلسفي ، والأدباء والشعراء ، وعقول تعشق الابتكار والتجدید وترفض
التقلید ، ممن لم یتمكنوا من الانسجام مع تقالید مجتمعهم ، كما لاحظ وجود قطعة
صغیرة معلقة على صدر كل واحد منهم كتب علیها رقم بالدولار …
اخبره الدلیل ان بإمكانه اختیار إي عدد من هؤلاء المنبوذین مقایضة بكمیة من
البضائع تعادل السعر المثبت على صدره ، فلا حاجة للمملكة بأمثالهم، اتصل
الصحفي ببعض الشركات في بلاده عارضا على مالكیها الاختصاصات
7
المعروضة للبیع في مملكة الذیول مع قائمة بالأسعار لبیان الحاجة ، وقد أتاه الرد
سریعا ، بالموافقة على جلبهم جمیعا وبدون استثناء وسیحصل مقابل ذلك على
مكافئة سخیة وقد كانت المنافسة شدیدة بین الشركات للفوز بالصفقة ، وعدوا
الصحفي بمكافئة مغریة لو تمكن ان یعقد مع سلطات مملكة الذیول اتفاقیة طویلة
الأمد لتصدیر ((المنبوذین)) إلیهم مقابل ما یحتاجون إلیه من حاجة .
استبشر الدیوان الملكي ورحب كثیرا بالاتفاقیة عارضا على الصحفي واحدة من
قطیع ((الغزلان)) كهدیة له من الملك مقابل خدمته للملكة ، مما اضطره الي
رفضها لأنها تتعارض مع حقوق الإنسان في بلده ، وسط استغراب مرافقیه .
طلبت من مرافقي ان یقدم لي طلب للموافقة على حصولي بإذن دخول دیوان الملك
ان كان ذلك ممكنا … وعلى الرغم من استغرابه الشدید لهذا الطلب الذي یعتبر من
المستحیل الموافقة علیه ، ولكنه مأمور بتلبیة كل طلباتي بأمر من الجهات العلیا ،
فأرسل الطلب الي مراجعه، وقد جاءت الموافقة بعد وقت قصیر وكمكافئة لي لأني
تمكنت من استغفال (( الشواذ)) في دولتي بعقد اتفاقیة مقایضة شواذ مملكة الذیول
بسلع من بلدان دول ((الشواذ)) كما كانوا یسمون من لا ذیول لهم في العالم
الآخر …
رافقني عدد من الحراس الي باب القصر المهیب ،باب بالغ الضخامة محروس
بعدد من رؤوس الأسود الذهبیة ، ومرصع بمختلف أنواع وألوان الجواهر ،
محكمة أقفاله الكترونیا ویتم التحكم بها عن بعد من داخل القصر …
سلمني هؤلاء الحراس الي عدد من التیوس الأشداء اللذین تخط الأرض ذیولهم
ولحاهم الزرقاء ،ما ان دخلت حتى رأیت العجب العجاب ، أبواب تلیها أبواب وفي
كل باب صف من الحراس المدججین بالسلاح ، بعد الباب السابع ، دخلت جنة الله
في الأرض حیث الأشجار دانیة القطوف ، وأشكال وأنواع من الطیور لم تر مثلها
عیوني في كل مكان ، بحیرات متراصة ونافورات ملونة تعمل على مدار الساعة ،
تربض بین خمائلها الغزلان والطواویس ، والحمام والبلابل ووو…
بعد ان اجتزنا عدة كیلو مترات من الریاض والجنان باذخة الجمال وفائقة الخیال ،
تم استقبالي ولوجدي هذه المرة من قبل كردوس من أجمل الفتیات كوصف
الحواري في جنان الخلد ، تمت قیادتي من قبلهن الي باب ضخمة من الزجاج
السمیك قیل انه ضد الكسر حتى من قبل قذائف مدافع الدبابات ، فتح هذا الباب
كلمحة البصر ، سحبت من دون ان اعلم الي الداخل ولوحدي طبعا … فشهدت ما
8
لا تراه عین ، قصر من الزجاج الشفاف والمعتم وبمختلف الألوان ، ترقد عند
بواباتها المضللة بالورود فتیات باذخات الجمال ولكنهن أیضا بذیول من صنف
((الغزلان )) ذیولهن تخط خلفهن ، فتح لي الباب الأول فاستقبلت بالموسیقى
وبأصوات مهللة مرحبة بضیف الملك المعظم ، ومرددة هتافات المجد والحیاة
لعظمته ،كنت أسیر على أرضیة مكسوة بالذهب والفضة لا تشعر وأنت تسیر في
دهالیزها لا بالحر لا بالبرد ، كانت تسیر أمامي سهام من ضوء تدلني على متابعة
طریقي صوب الملك المعظم ،ولا اعرف كیف أحسست ان اذرع عملاقة رفعتني
عالیا ،حملتني وبعد وقت قصیر وضعتني أمام كرسي بالغ الضخامة قوائمه من
الذهب المطعم باللؤلوء والزمرد والجواهر البراقة التي لم ار مثیلا لها في حیاتي ،
یجلس خلفه رجل مهیب الطلعة تشع الصحة والعافیة من خدوده ، بریق عینیته
یكاد یغشى عیوني ، یرتدي لباسا من الحریر الأبیض ، وعلى رأسه تاج لا
یمكنني وصفه لأنه یتموج بألوان وإشعاعات مختلفة ، یقف في كل جانب
سبعة فتیان،لهم صفات الملائكة یبد لي أنهم لم یروا نور الشمس طیلة حیاتهم ،
ومن أهم ما لفت نظري ، ان الملك ومرافقیه ومن یحف بیه من الأمراء
والأمیرات جمیعهم بلا ذیول ….
ابتسم ألملك وكأنه فهم ما اضمر من أسئلة ، وما أصابني من الاستغراب ، قائلا :-
– یكفیك ما شاهدت وما سمعت ، ولا تسأل عن المزید ، فلا غرابة ان نكون
بلا ذیول ، فالحاكم لیس له ذیل ، الذیول للرعیة فقط ، ومن یظهر له ذیل
من الطبقة الحاكمة یقتل فورا وبلا سؤال … والآن عد من حیث أتیت ،
شاكرین لك ما قمت به من جهد وتخلیصنا من شواذ مملكتنا .
– ما ان لفظ لفظه هذا حتى تلاقفتني الأكف واذرع العملاقة ولم اشعر الا وآنا
مرمیا أمام الباب الأول وبانتظاري الحرس المذیل الذي جلبني أول مرة
ومعه مرافقي ومترجمي الذي واصل حدیثه السابق حول ظاهرة الذیول
قائلا :-
ظهرت على شاشات التلفاز بشارة لرعایا المملكة بعقد اتفاقیة طویلة المدى لمقایضة
شواذ مملكة ((الذیول)) مع ممالك ((الشواذ)) في العالم ببضائع تسد حاجة الملك
المعظم .
فلتحتفل كل القطعان بهذا المنجز العظیم وخلاصهم من الشواذ أول بأول من الآن
فصاعدا .. .
9
حمید الحریزي : المقایضة (روایة قصیرة جدا)
تعليقات الفيسبوك