إشارة :
سلمان داود محمّد – وببساطة شديدة جدا ولكن معقّدة – هو “عاهة إبليس” في المشهد الشعري الراهن ؛ العراقي – وحتى العربي لو هيّأ له الأخوة النقّاد “الأعدقاء” فرص الانتشار. وكمحاولة في إشاعة فهم بصمة روحه الشعرية المُميزة الفذّة التي طبعها على خارطة الشعر ، ارتأت أسرة موقع الناقد العراقي الاحتفاء به عبر هذا الملف الذي تدعو الأحبة الكتاب والقرّاء إلى إغنائه بالدراسات والمقالات والصور والوثائق.. تحيةلسلمان داود محمد.
عن سلمان داود محمد رجاءً …
الشعر بوصفه إستشعاراً وكلاماً لايشبه الكلام بشئ ..
خضير ميري
لا يترك الشاعر يده تكتب بحرية، بل هو غالباً ما يكتب الحرية لإسترداد يديه،سهواً عن القصيدة ،إنثيالات هيامها، وطنها الحر الشقي، وانعدام موازينها الصارمة فهل يمكن لنا أن نقرأ سلمان داود محمد دون أن نشعر بأننا لا نقرأ معه بل نكتب ما نقرأه (كنت قد كتبت عنه عموداً في العراق ،أقصد عمودي الثقافي الذي أشبعوه اختلافاً وشيعهوه في هذا الوطن المسروق ……..
كتبت عن سلمان داود محمد لكي أراه مرة أخرى يكتب ما نعرفه جيداً ونسكت عنه”غلاسة” هو شاعرنا الغريب بوجهه الأملس وشفتيه الناريتين وسيجارته الأبدية ورفعة مستواه عن الحب الصداقي العابر، دون أن يتكلم مع الحداثة بثرثرة معلوماتية، كان يفضل بالأحرى كتابتها دفعة واحدة وعلى هواه، ثم يشهد خيانتها من جديد، ماهي الخيانة التي أقصد وهل تكون شيئاً آخر سوى خيانة المرجعيات ؟
نعم إنها خيانة المرجعيات، وأرسال الشعر إلى أرض الواقع وتحويل سياق الكلمة الى كلمة السياق ، ليس هذا فحسب، فأن سلمان داود محمد كائن ضد الشعر، لأنه لا يفضل أن يذهب إليه من مصادر الخطاب بل من كمائن المخاطبة من اللثغة اللغوية من شرود الشئ الى الكلمة والكارثة الى اللا إكتراث من الرسم البياني للمفردة الساقطة سهواً في فضاء الشعر اللا شعري ، من الجمال المجمّد من الوجه القارص من كل شئ يسقط بيده سهواً أو يراه من قفاه عادة، وهو يعترض سبيل الفهم ويفضل عليه الكلام الصريح الذي يقطر شعراً دون أن يحشوه خيالاً فلا حاجة الى خيال !
كان سلمان داود محمد ومازال شاعراً مؤجلاً لا بمزاج التاريخ بل بمزاجه الشعري الذي يرغب بالبحث عن الشعر طويلاً بين طيات سريره، تحت قدميه، داخل فوهة مسدس مغشوش أو في تأملات حمار صادق، المهم أن يكون الشعر في بغداد وليس في إي مكان آخر، وأن يكون سلمان هو الذي يتهجاه دون أن يرغب به لذاته، كان قد ضرب لي موعداً في حدائق إتحاد الأدباء في العراق يوم صار مزاجناً كحولياً قال :
– أنا أعرف بأنني شاعر بسيط ..
ضحكت وقلت :
– وهل هذا قليل ..
رمقني من خلف سيجارته الأبدية
وقال :
– أنت تعرف بإنني لا أحب الشعر كله …
وكنت على دراية بفنه لايحب شيئاً بقدر أن يكون الشعر نحن أن يكون الكلام هو الوجود كما هو وأن تكون اللغة نفسها متطفلة عليه وهو لا يرغب بالذات الشعرية التي تتمنطق شعراً بل كما كان فاليري يقول أن يمشي الشعر معنا جنباً إلى جنب وأن لايكون كتاباً أو مجرد كتابة وأن لايكون الشاعر أكبر حجماً من قصيدة ولا أقل حجماً من الحياة ..
مناسبة كلامي هذا هو قلة القراءات النقدية لتجربة سلمان داود محمد وأنا أفهم الحيرة حوله هل هو شاعر جاد ؟ هل مايقوله يشبه السلالات الأولى وأين هو من غيره؟
وأنا بالطبع لا أريد التغرير بالنقد الميتاشعري أو البعد – أعلامي أو الطبقي النفعي، بل ببساطة أن أراه متمرداً على نوعه ،مجبولاً على فهم النقص الضروري لكتابة منتهية غير مرتش بالمدارس الشعرية ولا يضع علامات فارقة على شعره سوى علامته الفارقة فحسب، صحيح أن شعره غير مصاغ كما يجب لا يغترف من متون معززة بالصفات الكبرى ليس معنياً بالتجريد الصوري أو التنصيص الدوري بل العبارة والمقطع ورد غطاه، الصورة والمقولة، اللقطة والتعليق، الذات والمشاهدة، لكنه لايريد أكثر من هذا شعراً يراه، لواقع يراه ،هو من طراز الشعراء الشيئين والأنسين والأنسانين الكبار لا يرتقى إلى مصاف التهويل إلا بدرجة الغربة في ماهو جمالي ودربته أعلى في المفارقة الضدية والقطع الدهشي وسينما القصيدة هل هذا لايكفي؟
ربما …
لكننا نبقى نرغب فيه نعرف مايكتبه ولا نعرف كيف ؟ هو أذن شاعر الكينونة بفجاجتها أو بلا شعريتها الزائدة عن الشعر هو مجرد رجل بنى بيته بيديه فثقب له نافذة ثم راح يتكلم بصوت مسموع مفعولاً به كان أم مجرد فاعل؟!! لايهم في النهاية يبقى السر هو العالم المضاء بالشعر سواء أكان ذلك دليلاً إليه أم تنكيلاً به ولكن مالذي يجعل الكلام شعراً ؟ اين يصبح الجمال إنموذجاً ؟ ولماذا نكتب القصائد ولا نهتدي اليها؟
كل هذا يأتي بمناسبة سلمان داود محمد بمناسبة فيضه الشعوري وأستعاراته النابية’ بمناسبة تنصله عن المهام الجسام للمعنى الشعري برفقة الشعر نفسه دون إذن يذكر من شعراء اللغة الكبرى
سعياً إلى البداية الحقة للكلمة الأمية الصادقة التي علمتنا الأسماء كلها.