عبدالله جدعان : صرخة (مونودراما)

صرخة ــ مونودراما
تأليف:عبدالله جدعان
27 ـ 11ـ 2016
الشخصيات:
منير(شاب في الثلاثين من العمر)
صوت الوجه الضاحك والباكي
المنظر[ترفع الستارة،فتظهر غرفة تحتل المسرح كله،جدران الغرفة مطلية بألوان وتناسق هارموني في التباين في اللون والزخرفة على الجدار الواحد للغرفة،هناك شباك واسع وسط المكان،وعلى يمينه مرآة كبيرة تقف على ارجل خشبية،وعلى يساره سرير لشخص واحد غير مرتب،والوسادة واللحاف هما الآخران مبعثرين، وفي قلب المكان منضدة خشبية مستديرة وضعت فوقها بعض الرسومات،وتظهر بشكل واضح عدد من الرسوم على قطع كارتونية لوجوه آدمية منها ما هو ضاحك وآخر باكي،قرصان،داعشي،مصاص دماء،توزعت هنا وهناك،قسم منها معلق بواسطة خيط من اعلى المسرح وهي تتدلى للاسفل،وآخر وضع على حمالة الرسم(ستاند)وآخر فوق المنضدة المستديرة،وآخر متروك على الارض في ركن الغرفة،..المسرح مضاء بشكل واضح]ز
منير[يجوب الغرفة بنظرات من عينيه كمن يبحث عن شيء يكلم نفسه بأسى] كأنني اعيش في سجن داخل الجسد وخارجه،لم تكن هناك ابواب تسد وتغلق!
وهذا الوضع يذكرني بالشاعر البارودي حينما كان داخل السجن،لكن الفرق هو يعرف من سجانه وانا لا اعرف؟!اتذكر حينما اخذ ينشد ويقول:
ــ لا أنيس يسمع الشكوى ولاخبرٌ يأتي
ولا طيفٌ يمر كلما حركَّه السجان صَّرْ
يتعالى سيل السكون الداخلي..احاول هضم اللحظات الصعبة بأسى..تشابكت الافكار في ذهني..هل انا الخائف الوحيد في هذا البلد؟!الوك الصمت والخوف بمرارة.. اشعر أنني تحولت الى جبل جليدي..بل كأنني قطعة من الثلج في نفق الجحيم..ألم
رهيب يأتي بعد هذا السكون..وأصبحت اغط في سكون أكثر عمقاً من سكون الموتى..رحل الأهل والأحبة جميعهم يبحثون عن وطن جديد(كأنه يتذكر)
[يملأ المسرح صوت صخب البحر وأمواجه المتلاطمة] كنا في قارب الموت!! عفواً قارب النجاة او الخلاص بواسطة زورق مطاطي يحمل اشخاصاً صغاراً وكباراً تفوق طاقتة لنبحر بواسطته البحر الأسود حالمين ان تطأ اقدامنا شاطىء الأمان..شاطىء الوطن الجديد المجهول..ابتعدنا الآف الكيلومترات !لكن روحي وقلبي لم استطع أن اخلعهما من المكان الذي عشت وترعرت فيه وجسدت كل الأمكنة من بيوت وأزقة وشواخص بواسطة فرشاتي.كما انني لم استطع ان اعود نفسي على استنشاق هواء تلك البلدان،ولم اعد ارى الاشياء بشكل واضح فقد كانت الرؤيا ضبابية،لذا عدت لأن جُب حنين الوطن صار امامي كطير حملني على اجنحته كي اعود من دون الاهل والاحبة..مرحى لكم ايها المبعدون عني قسراً..فها انا وحدي وقد غلا في صدري طوفان من من الحزن لفراقكم..اريد ان ابكي لكنني لم احسن البكاء خجلاً من قرار العودة بمفردي..الملم ما قد تبعثر مني من بقايا كومة النفس..اشعر بالخوف حيناً وبالأمل بلقياهم حيناً آخر.هذا الهشيم المستمر لكل المسالك بدأ يرعبني،لأن السكون استوطن في اعماقي واشعر ان داخلي يوشك على الجفاف.
[يسمع اصوات قذائف هاون وصواريخ وازير طلقات رشاشات بشكل واضح ليطغى على المسرح،تطفأ الاضاءة المسرحية بشكل تام] ملاحظة(هنا الاضاءة تعتمد على ضوء الشموع،ماعدا صوت القناع الضاحك والباكي بأن يتم تسليط بقعة ضوئية عندما يسمع صوتيهما).
منير:احسب نفسي أنني في ساحة حرب؟!قذائف واطلاقات طائشة[يخرج علبة ثقاب من جيبه ليضيء المكان وهو يبحث عن شمعة لإشعالها]ربما شظية قطعت سلك الكهرباء الموصل للتيار الكهربائي وحل الظلام؟لا يهم مادمت اعيش في ظلام يزحف كجيش لانهاية له!حتى قبل ان يقطع السلك كنت لا ارى في ايامي سوى ظلام يغلفها ويجعلها بائسة..كدت اغوص الى قاع الاشياء..اصبح لاشيء قريب مني سوى الخوف والوحدة..كل الاضواء انطفأت!إلا ضوء المقابر الجماعية أو الفردية.حتى نور الصباح الذي يشرق على مدينتي اغتصبوه..لذا احاول اكتشاف نقطة ضوء في العتمة التي اعيش فيها..فالظلام أخذ يعشعش في روحي وحدي،اطفأ كل ومضة حياة وخنق كل نطفة نور وأحال نهاراتي الى ليالٍ معتمة.
[بقعة ضوء على الوجه الضاحك] صوت الوجه الضاحك:لماذا ياهذا؟
منير:لأنني رسام..والرسام في ظل دولتهم أصبح شيئاً غير مرغوب فيه ولايرضى به الدين أو الشرع.بإختصار حرام في حرام.فأصبح ممنوع الرسم..يا الهي ان ذلك ليحز في نفسي كالسكين..بل ويشق في كبدي جرحاً لن ينسل.ليس هنياً عليَّ ترك الفرشاة واللون والإنسلاخ عن افكاري التي تتصارع فيما بينها،منها علني والآخر خفي،كنت اروم تجسيدها على الورق أو القماش!لكني يداي ترتجفان من الخوف فلم اعد املك زمام السيطرة للتحكم بحركة الفرشاة واللون!!فلم استطع سوى رسوم تلك الوجوه التي تعينني على وحدتي لكي اكلمهم او ربما يكلموني..آه لوكانت لهذه الفرشاة والألوان اذان او السنة لرددته معي.لوحات ولوحات لم تكتمل بعد؟!كيف سأرسمها؟!والأهم من كل هذا يا صديقي الضاحك.
[بقعة ضوء على الوجه الضاحك] صوت الوجه الضاحك[يضحك وهو يخاطب باقي الوجوه] سمعتم..لقد اصبحنا اصدقاء.
[باقي الوجوه تتراقص فرحة في مكانها] صوت الوجه الضاحك:فك لسانك من القيد الذي يمنعك من الكلام ؟
منير:أنارسام. والرسام يفكر ويكتب بالخطوط والظلال لا بالكلمات والحروف!
[بقعة ضوء على الوجه الضاحك] صوت الوجه الضاحك: ما اسوأ حظك ايها الرجل..هل من الممكن ان تكون بهذا
القدر من السوء والتشاؤم؟
[بقعة ضوء على الوجه الباكي] صوت الوجه الباكي:لاتدع اليأس ينخر في روحك يا..
منير: منير.
صوت الوجه الباكي:ربما افرطت في الوهم فأستسلبتك اوهامك يا منير؟
منير:لأنني تحولت من صياد افكار بالألوان والفرشاة الى طريد داخل النفس وخارجها.. كما اصبحت عاجزاً عن التحكم في افكاري وتحديد مسارها!
صوت الوجه الباكي:اخلع عن نفسك كل مايؤرقها..لأن الزمن فلت من يدك ولم
يعد بإستطاعتك عن إدارة الزمن الى الوراء.
منير: تباً لهذا الزمن..فالأيام لاتكف عن الدوار..ونحن نتحطم في داخلها فالأيام
تمضي،تمضغ الأحداث،تهشم الذاكرة،لكنها ابداً لن تمحو الجراح العميقة.
صوت الوجه الباكي:لماذا يا نمير..لماذا؟
منير:ان كل يوم يمر ما هو إلا موت بطيء.هكذا هو ديدن الزمن الفاجر يطرد الأصلاء خارج الوطن ويبقي على الطفيلين الذين غزونا!..زلاادري من أي مستنقع ظهروا؟وكيف نبتوا؟..وتكاثروا؟لا اعلم كم من الايام مضت وانا صامت لا أجيد الكلام؟!كيف سأواجه السواد المطلق الذي يتغذى على جشع الناس وخوفهم وترهيبهم بالموت!ابحث عن ولادة جديدة من رحم الزمن المعجون بالدم والرصاص في اختصار المسافات وإذابة اللحظات الصعبة..صرت اكره الماضي واحقد عليه..تطاير الماضي من رأسي كما يتطاير الغبار!بل ابصق عليه لأن ايامي التي انقضت كانت صامتة وجله كأنها في جنازة.
صوت الوجه الضاحك:في هذه اللحظات يتحتم علينا ان نتبادل فيها الآراء والافكار
منير:منذ ان انعزلت عن العالم الخارجي وثمة افكار كثيرة تلاعب مخيلتي،فما ان احاول ان امسك شتاتها حتى يتلاشى هذا الشتات،كل ما ابغيه ان اعطل دماغي!ان اوقف عقلي!ان اعتقل خيالي!ان الغي ذلك الشيء الذي جعلني في هذا النفق من الوساوس والأوهام..اهرب من نفسي فلا املك شجاعة ولا قوة..مرات اضحك كضحك الأطفال وابكي مثل بكاء المظلومين.
صوت الوجه الضاحك: لماذا ..لماذا؟
منير:لأنني لا اعرف كيف لي ان انصاع الى اوامر مخلوقات نكرة لانعرف حقيقتها
صوت الوجه الباكي:تقصد الطفيلين الذين اشرت اليهم قبل قليل؟
منير:نعم.
صوت الوجه الباكي:من هم؟..اوصافهم؟..ما هي افعالهم؟
منير:لباسهم غريب الى نصف الساق،شعرهم طويل بظفائر الخديعة وزيف الدين،عشاؤهم لحوم البشر،شرابهم دماء الابرياء،فاكتهم الإغتصاب لفتيات من ديانات اخرى من بساتين العفة من بيوتهن وامام الاب والاخ بحجة السبي!مشاهد غزو تتاري تتكرر كل يوم!سيول دماء سالت على الطرقات بالطلقة او بالسيف او الدهس او الحرق او الغرق..على مرأى من الناس الذين تم جمعهم مجبرين على رؤية مشاهد الذبح اليومية!وابشع افعالهم هي سلخ جلد البعض وتم تعليقهم على اعمدة الكهرباء!وبهذا نبت الخوف وشَّبْ في المدينة واصبح يضاهي علو اشجار الكالبتوس والسرو اللتين تشتهر حدائق مدينتيبزراعتهما.هم لايجيدون غير السجون منتجعاً لمن يعصي اوامرهم او يختلف معهم بالرأي حتى من اقرب الناس اليهم!..لذا فهم سجنوا هواء الحياة!قوة ظلمهم سحقت الابرياء.كل شيء جميل اغتصبوه منا،الدروب صارت مسالك للموت!بكيت لأنين المدينة،وحاراتها وشوارعها وجوامعها التي اصبحت اطلالاً،كما اختفت شواهدها التي كانت شامخة عبر الآف السنين!!
صوت الوجه الباكي:هذا شأن الجميع.وأنت؟
منير: انا!..ارتعش كالريشة وسط رياحهم العاتية،تسللوا الى داخلي التي اقتلعت احلامي وآدميتي وإنسانيتي! فقتلوا احلامي والواني،لقد سحقتني ايامهم الوحشية فصرت جباناً بإمتياز..اراهم يلاحقونني اينما ذهبت حتى في منامي واحلامي.
صوت الوجه الضاحك:وهل لك احلام؟
منير:صغر كل شيء امامي وتلاشى،الاحلام،المستقبل،الذكريات،السنون التي حسبتها حلماً سرمدياً،مررت بها فوجدتها سوداء،سكتت الاشياء وتكسرت واصبحت هشيماً،وتحولت الايام في ظل سطوتهم كأنها اخطبوط اسود هائل يمد ارجله نحو رقبتي..لأننا نعيش في عهد المخلب والناب وتحيط بنا اذرع الاخطبوط واعوان الشيطان.ياصديقي لقد مات عندي كل احساس ..ليت كل البشر مثل الآلة بلا عواطف ولامشاعر ولا افكار.الفن.الرسم..ألا لعنة على الفن.
صوت الوجه الضاحك:ان شرار الماضي يوشك ان يثقب ذاكرتك.لكن في العقول تبقى ذكريات واحداث لايمكن محوها،فزمانك المزدحم بكل شيء .يجب ان لاتكون اسير الماضي..بنفس القدر الذي لاينبغي ان تكون ضحية المستقبل.
منير:ماجدوى الحلم حين يعجز ان يستحيل واقعاً!
صوت الوجه الباكي:ليس هناك متسع من الوقت للاحلام والامنيات،هل انتهى رقمك؟..ووجودك كان خطئاً؟ما هو واقعك الآن؟
منير:اختلط الحزن بالحزن،وكبرت الاحزان في نفسي،فصور الخوف والحرمان والعوز بدأت ترمي حبالها حو لي وحول الاخرين!واخشى ان تصيبني قبل ان امسك بسكين الصبر لقطعها.جميع فصول السنة اصبحت خريفية وغيومها لا تمطر! ظلامهم قد اوغل في سواده واصبح كالجدران حاجباً عني كل الالوان الجميلة ومباهج الحياة..تكاد البيوت تتكأ على بعضها البعض خوفاص من الظلام..لأن الظلام استباح المدينة دون استثناء.فانا في دوامة تساؤلاتي المغلقة عنهم وعن صنف جنسهم حيواني أم بشري لا ادري؟!هل اقشر في الصخور عن صوت يوقظ الجميع؟!او ابحث عن ضوء ليبدد السواد الذي خيَّم على مدينتي؟!هل ارتدي جناح التنين بعد الرماد الذي غطى الوجوه والبيوت؟!.في رؤوس صناع الموت كلنا مطاردون بتهمة الحياة،وتحت رحمة رصاصة الغدر .بأي طريقة ساموت؟!احلامي كلها انهارت،كيف الخلاص منهم؟!هل اهرب؟ارحل؟!فقد فشلت في هروبي الاول، والآن اصبح الهروب او الرحيل من دولتهم من الجرائم الكبرى!
انا بين فكي انياب مصاصي الدماءالذين اغتصبوا منا السعادة وشنقوا الابتسامة من شفاهنا.في ساعة من ساعات يأسي الاسود دعوت الله يأخذ روحي لأتخلص من هذا الخوف المطبق على روحي وكياني المشتت.
صوت الوجه الباكي:اعتقد انك تبالغ في الشعور حيال ما يحيط بك.فذلك ما تصنعه لك اوهامك..وان الحياة ليست بهذا السوء..الدنيا ماتزال هي الدنيا.زشمسها تشرق كل صباح وتغيب كل مساء ..والقمر في السماء يبث نور المحبة المشعة على الناس.
منير:على بقاع العالم صحيح.إلا مدينتي،فالموت ينشر عباءته السوداء على كل البيوت،تشم رائحة الموت في كل زقاق وشارع،وعيون القتلة مثل الذئاب الساهرة ترصد تحركات وافواه الابرياء،ما ان يزل لسان او فعل حتى ينال قصاصه.الناس كرهوا كل شيء حتى انفسهم،فالمدينة تنزف بالدماء وتضيق بالوجع والأنين الصامت.اجهضوا الحياة وقتلوا روح المدينة.
صوت الوجه الضاحك:انك تشعر ان الحزن والخوف ممتدين في كل مكان،وانه بدأ يذيب كل ما تفكر فيه،لذا لاتحاول ان تفسير الحياة.حاول ان تغيرها،فذلك اسهل واكثر فائدة من وطأة الظنون والحزن والخوف التي تطاردك على الدوام.
منير:ارزخ تحت كوابيس لاتفارقني ليل نهار،واصبحت فريسة لتلك الكوابيس الشيطانية.اصبحت مشاعرنا متحجرة،احاسيسنا متحجرة،قلوبنا متحجرة،ارواحنا متحجرة،حشود الظلامين وسعوا الخراب في النفوس والبيوت.
صوت الوجه الضاحك:الغرفة مليئة بالوجوه.ارتد واحدةٍ منها يا منير؟
منير[كأن استوته الفكرة،يضع احد الاقنعة على وجهه،يتلمسه ويضحك،ما ان يحس ان هذا الوجه قد استهلك حتى يبعده عن وجهه ويعيده الى مكانه فيستبدل ذلك الوجه بغيره ليعيد الكرة فتتملكه سعادة تملأه ويقترب من المرآة فينظر فيها] عسى ان ارتديت هذا القناع يرمم شيئاً من ذاتي المتكسرة المهمشة.[يرتدي قناعا آخر يمسكه بيده يتلمس وجهه بصورة لا ارادية وهو لازال يقف امام المرآة ثم يرميه بعيداً]انني ادرك ان مجرد رؤية وجهي يوميا على هذه الحالة ما هو الا موت بطيء!كيف لي ان الغي صور الانكسار الكثيرة.اشواك الجفاف تفترشني من الداخل،والظمأ الى الحياة يخشبني،وصحراء حياتي تتسع وتتسع،وسعادتي في سراب،والحب سراب،وكل شيء سراب.اعيش جسدٌ بلا رأس .
صوت الوجه الباكي:لم يتح لاحد ان يعيش جسداً بلا رأس.
منير:العد التنازلي يقرع اجراسه.طوق النجاة اصبح من المستحيل،ليتني اعرف طريق الخلاص؟!ماذا جرى للجميع.هل جرفهم الطوفان؟ الصمت والخوف؟يا الهي متى نفيق؟متى نصحوا من هذا السبات؟اذا لم يكن كابوساً لماذا انا صامت؟!هل تتفوق ملائكة النور على شياطين النار؟يبدو ان لساني فلت مني وخرج عن طوعي..صوتي حزين،وبقايا الفرح ما بين الارض المليئة بروائح البارود التي التهمت الاحياء.تحولت سعادتي الى تعاسة،وفرحي الى حزن،وراحتي الى شقاء،اردت ان اصرخ ..اطلب النجدة.. لكن لامجيب لصرخاتي،لأنني فقدت السيطرة على نفسي،وعجزت عن فعل أي شيء.
صوت الوجه الضاحك:افهم من كلامك..انه لم يعد لديك ما تفعله او تعمله؟
منير:تفسخت افكاري وتبددت احلامي.هل سأكتب عالجدران ام ارسم لوحة صرخات روحي؟!تصرخ كل لغات العالم لأفعالهم!هل استطيع ان اقفز الى خط النهاية؟ اريد ان اتكلم.الصمت يرعبني ..يجرني الى متاهات الألم والحسرة ..الصمت يقذف بي الى مستقبل مجهول،يحرقني في اتونه آه..آه.ارى ان هناك خيطاً من الشبه بيني وبين تلك الوجوه!هل كل ما افعله لايتعدى كونه لعبة؟!!قد اتهم بالجنون والهستريا وربما غير ذلك.
صوت الوجه الضاحك :اتدري ياصديقي الخائف المهزوم ان اصطدام الماضي بالحاضر حتماً سيولد انفجاراً.
منير:انني مندهش لما تقول.
صوت الوجه الضاحك:لاتندهش فانا لست قارىء افكار ولاكاشف نوايا.
منير:كيف؟لو كنت املك سبيلاً للخلاص من كل هذا الوساوس؟!..كيف؟
صوت الوجه الباكي:بالصياح..بالرفض..بالصراخ!فالصراخ تبعث في جسدك المنهك بصيصاً من الامل الذي سيقهر الظلامين.
صوت الوجه الضاحك:وذلك لا يتطلب مقاومة او بطولة خارقة او معركة دامية لم يتطلب منك سوى ان تصرخ صرخة رفض قوية. وبضعة اصوات يمكن ان تكون البشارة الاولى.
صوت الوجه الباكي:لما لاتجرب صوتك.او تبحث عن صوت يوقظ الجميع.كن واثقاً ان الصراخ ما هو إلا وسيلة المستنفذ لكل شيء.
منير: تقصد صراخ رجل مهزوم..فهي كما تقول وسيلة للمهزومين.
صوت الوجه الباكي:ربما نعم..او لا.لكن حاول على الاقل ان تطلق صرخة تقطع بها سكون الظلام الذي عشعش في قلبك وفي غرفتك.
منير[يتحرك صوب قناع لوجه يصرخ فاتح فاه]سأرتدي قناع الشجاعة[يضع القناع على وجهه]احس الآن ان ثمة شجاعة اضيفت لشجاعتي.سأصرخ بكل ما تويت من قوة!صرخة كصرخة الأسد!
صوت الوجه الباكي:يجب ان نتعاون في اسكات صرخة الموت التي تلاحقكم في كل مكان.
منير:الحقيقة يا اصدقائي الوهميين،فانا بالرغم من كل شيء مازلت احب الحياة.
صوت الوجه الضاحك:لا يهم ياصديقي ..هل باستطاعتك ان تغني،فالغناء حين يصل سيبتلع كل السياط والطلقات.
منير:لا اظن ذلك يا اصدقاء،فصرخة الروح هي افضل وسيلة لما نحن فيه.
[يسمع اصواتاً بعيدة تصرخ..تناديه: ــ نمير؟..نمير؟] ((يضاء المسرح اضاءة كاملة))
[الوجوه تتراقص من حول نمير وتتضاحك،يسقط على الارض ثم ينهض من جديد] .
نمير: الوجوه مازالت تعلو[يمسك بيده الاقنعة فيبتئس يحاول ان يرميها فتمنعه يداه،يحاول ثانية فيشعر ان هناك قوة تحول دون تمزيقها]تنقلب كل الاقنعة لتصبح صورة طبق الاصل لوجه الممثل الذي يجسد شخصية منير،تدور الاقنعة من حول نمير دورة كاملة،تضحك بصوت عال ثم تبصق عليه،وتتصاعد واحداً بعد الآخر لتخرج من الشباك].
منير[يتجه صوب المرآة لينظر الى وجه الحقيقي ثم يصرخ بكل قوتة ويتناول شيء ما من قربه ليحطم به المرآة].
((تســــــــــــــــــــــــدل الســـــــــــــتارة ))

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

حــصــــرياً بـمـوقـعــنــــا
| مصطفى محمد غريب : تداعيات مأزق المسرح المغلق* .

المقطع الرابع افاق موسى الساعة السادسة صباحا مثقلاً بكآبة مزدوجة ما بين الكوابيس وحالة التشرد …

| د. ميسون حنا : وكر الأفاعي.

مسرحية شخصيات المسرحية حسب الظهور على المسرح المغامر الثعبان، هو نفسه الزعيم الثعبان الثاني ثعابين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *