نصوص للشاعر الدنمركي إيفان مالينوفسكي
ترجمة الدكتور زهير ياسين شليبه
إيفان مالينوفسكي 1926- 1989
أصدر كتابه الأول “شيء” في شبابه عام، 1945 لكنه مسحه من حياته الإبداعية فأصدر فيما بعد مجموعة قصصية ” الطريق ” عام 1954 كتبها بأسلوب وجودي ومكرسة لموضوعات وحدة الإنسان والشعور بالغربة.
صدر ديوانه الأول ” مهلة الشنق ” 1958 حيث اظهر إهتماما باللغة بإعتبارها عنصراً هاماً من عناصر فهم العمل الأدبي، إذ إنها تتميز بالتجريبية والرمزية والمجازية و”الإنقسام او التشتت” حيث تحتمل المفردة عدة تفاسير ومعان، كما هو الحال مثلاً في عنوانها، أو عدة مفردات ذات معان متقاربة. يمكن هنا ملاحظة الأمل الواضح والارتباط في عناد ثابت، هذا الديوان تجديدي واضح.
مالينوفسكي شاعر سياسي ملتزم لكنه من أوائل المجددين في الستينات من خلال الجمع بين النضال ضد الإستبداد ولقطات ثاقبة فلسفية من جمال الطبيعة بلغة حداثوية تعبيرية مكثفة كما هو واضح في مجموعتيه “نقد الصمت”1974 و ” poetmatic ” التي تحتوي على 110 تعابير لغوية مكثفة بدون عناوين تتضمن إقتباسات متنوعة من فرانز كافكا وغاندي.
في أشعاره الأولى ركز إيفان مالينوفسكي على موضوعات استمر في تناولها مثل: الشوق للانسجام على عكس التشتت والدمار الموجود في العالم والأمل والثورة. إيفان مالينوفسكي من كوبنهاجن لكنه انتقل إلى السويد أثناء الحرب العالمية الثانية بسبب نشاطه غير القانوني.
التقى في السويد باللاجئين اليهود والشيوعيين من كل أوروبا ونشط سياسيًّا من أجل دعمهم، و أصبحت أفكار التضامن والنضال ضد الاضطهاد أهم موضوعاته الفنية. درس اللغات السلافية وترجمَ تشيخوف وباسترناك وبريخت ونيرودا.
سافر الكاتب كثيرًا إلى مختلف بقاع العالم واستمد كتاباته من تجاربه الشخصية.
ثم أصدر ديوانه ” مَسانِدٌ خالية من تماثيلها” و” الشعريات ” 1965 المستلهم من كتابة الهايكو الشعرية.
إنتقد مالينوفسكي المجتمع الرأسمالي وأصحاب السلطة. ديواناه ” قلب الشتاء ” 1980 و”الريح في العالم ” يتضمنان موضوعات عامة ومتنوعة.
نقد اللغة I-XIX
• إذا رأيتَ لافتةً كُتِبَ عليها: ” فيل”، معلّقة على قفص فيه جاموسة، فلا تصدق عينيك•
مثل روسي
I
لم يستطيعوا اليوم أن
يقصفوا هناك. السبب
المزعوم عدم ملاءمة
الأحوال الجوية، بكلماتٍ
أخرى : ملائمة .
II
من يتحدث عن الديمقراطية القريبة
يكون بعيدًا عن الشعب
لدرجة أنه لا يمكن له أن يتصور
حكومته، أي الديمقراطية
III
” الدولة ” تعني ” الدائم ”
إن الدائم نادرًا جداً
ما يدوم طويلاً، هذا
ما يبينه التاريخ
IV
” إيطاليا مهددة بإضرابات عمال السكك الحديدية ”
هذا ما أسمعه.
هل هذا حقاً صحيح؟
إيطاليا كلّها؟
V
” هناك في خارج أوساط الشعب ” يقولون
من اي داخل هذا؟
VI
” العقلنة ” كلمة لاتينية الأصل ” راتيو ”
تعني العقل. القاموس يتعمّق:
إعادة توزيع الإنتاج أو الشركة
بحيث يمكن الحصول على أكبر
نتائج بأقل قدر ممكن من التكاليف”
لمن؟ لأولئك الذين يجعلون المصنع
يعمل؟ تكاليف مَن؟ من يُنتج؟ أخيراً يبقى العقل
باللاتينية “راتيو” : يعيش العقل !
VII
” هناك نزعة بارزة
لتقسيم المصنع
إلى مجموعتين، الرؤساء
والمرؤوسين، لكن هذا
أمرٌ غبي ومستهجَنٌ ”
هذا ما يكتبه ربيب الرؤساء إرهارد ياكوبسين . إذن
فالتقسيم ذكي وضروري
VIII
كون الخسائر لم تكن ” لتستحق الذكر ”
لا يعني أن أهالي المتوفين
لا يرون سببًا لذكر أسماء موتاهم
IX
” أموريكا ” هذا ما يقوله، كأنه يمضغَ
بَضَرَ العذراء المقدسة
في فمه. ما يُلمحُ إليه هو:
مناطق مسروقة في الشطر الشمالي
من أرض فسيحة ” أُكتُشِفتْ ” كما ُيسميها
آخرون على شاكلته وكانوا أذكياء للغاية لدرجة
أنهم اعتقدوا أنها كانت الهند، اليوم الولايات المتحدة الأميركية
دولةٌ مريضةٌ سوطٌ على الشعوب
بمن فيهم ” الشعب الأمريكي ”
X
لكن عندما تُغتصب بنتٌ قاصر وتُقتل
فلا أحد يتحدث عن
” الأطراف المتنازعة ”
” الأزمة في شارع ستينجاذه ”
“النزاع في مدخل القبو
XI
” عامل ”
إنها كلمة جيدة، تَصفُ
ما يعمله الآخرون
XII
من سايجون يخبرنا
يورجين شليمان
بأنه يمكن أن يتوقع هجوماً إرهابيًّا
من FNL. “إرهاب” 4
يعني رعب. لكن
من هو الأكثر رعبًا
شليمان أم FNL
XIII
” على إمتداد الطريق “5
هذا ما يقوله زعيم البلاد
للأسف لا
أي طريق
XIV
لماذا ُيسمى شيءٌ أخّاذ بإسم مملٍّ
وبعضها بأسماء مملة للغاية مثل ” ترتيب المياومة المرضيّة ”
أو بتعويض ضرائب الفيلا “؟ لأنها
لا يجب أن تكون شائقة بل
مملة وبالتالي أصلا
شبه غير مفهومة
XV
إطعام الآخر شيء جميل
لكن ” قطاع التغذية “6
عَلَقَةٌ لا مُرضِعةٌ
XVI
الشعوب تسمي نفسها بفخر
الألمان، الأينوتيون، الغرينلانديون، الروم، العرب
يعني ” أُناس ”
قاموس الأسياد يحتقر الشعب
أساسهم، أصلَ كلّ شيء
هذا ما تبينه عبارات مثل ” مبتذل ”
” دهماوي “، ” جمهور رث ”
– على العكس- ” نبيل ”
يالها من سخرية !
XVII
الربيع في تشيلي والخريف في فنلنده
ليس بينهما شيء مشترك غير
اسم في التقويم: ” سبتمبر ”
هل ” العالم الحر ” عامل مشترك
لكل شيء من تركيا حتى تايوان؟
هل توحد ” السوق الاوربية المشتركة ”
بارونَ الصلب وعامل المناجم؟ دقّقْ! و
اكشفْ النقاب عن اللغة، التي تحجب
الاختلافات الأساسية
XVIII
السياسيون يتحدثون بلغة الإرصاديين
ألإرصاديون
يتكهّنون على الأقل بالأحوال الجوية
أنا أفضّل
الإرصاديين
XIX
بعد إستماع لثماني عشرة ساعة
أسمعُ يوميًّا
حقيقةً واحدةً في راديو الدنمارك
امرأة تقولُ
صفر صفر وصفر.
إذن يمكنني أن أنام
—
من ديوان: نقد الصمت، دار نشر بورجين 1974
1- يسخر مالينوفسكي هنا من استخدام المفردات منتقدًا اليمينيين من خلال منطلقاته اليسارية فإن ماهو غير ملائم بالنسبة للطيارين بسبب سوء الطقس، ملائمٌ للشعوب حيث لم يحصل القصف الجوي. ويرى أن اليمينيين يتحدثون عن الديمقراطية لكنهم بعيدون عنها. ونفس الأمر في رقم 4 حيث يعتبر أن الإضرابات أمر مفرح.
2- – إرهارد ياكوبسن سياسي كان عضوًا في حزب الديمقراطية الإجتماعية ثم خرج عليهم وأسّسَ حزبًا جديدًا يعتبر برجوازيًّا يمينيًّا في الساحة السياسية الدنماركية.
3- – شارع ستينجاذه يقع في منطقة نوربرو المعروفة بمشاكلها الاجتماعية (المشكلة في مدخل القبو) وتقطنها في الوقت الحاضر نسبة كبيرة من مواطنين من خلفيات عرقية متنوعة. والشاعر يقصد هنا أنه من الضروري تحسين الأوضاع المزرية قبل الحديث عن نتائجها.
4- FNL جبهة التحرير الوطني، يورجين شليمان صحفي دنماركي موال للأميركان.
5- على إمتداد الطريق أوعلى الطريق، بالتدريج، يمكن تفسيرها هنا: إتبعوني، الشاعر يتلاعب بالكلمات فيسخر من الزعيم: أي طريق توجهنا إليه؟
6- قطاع التغذية: في الأصل: حياة التغذية: كلمة نادرة اليوم، الحياة المغذية، تعني ايضاً حياة العمل، المقصود بها القطاع الخاص حسب منظري الراسمالية.
الممر
أبعَد إلى حد بعيد من ُصور
أولئك الأطفال المحترقين في فيتنام
سأتذكّرُ صورةً شاهدتُها
لشخصٍ كان يمكن أن يكون جلادهم:
طيار أميركا، شاب في تايلنده.
خِدمتُه القذرة “في الخارج ” 1
قامَ بها في الليل، على ارتفاع كبير
تنتظره زوجته كلّ صباح
فتاة تايلندية، بعينين مونغوليتين
في قاربهم المنزلي في بانكوك.
كان يحبها، كانَ
متأثراً للغاية عند مشاهدته جثة،
كان يبدو عليه انسانيا، كان يفتقر
إلى خيال صعب، لدرجة أنه
يبدو بريئاً شخصيًّا.
انتصار قتلة الشعب
كورتيث هاوٍ! هتلر- هاوٍ!
من عتمة البيت الأبيض
ترمى الشعوب بعضها ضد بعض
في مكائن عالية سريعة تجعلُ الحربَ
غير منظورة غير شخصية، نظيفة مرتبة.
الثلاثون من نيسان قد مرَّ من هنا،
بنظامهم هذا
في فيتنام، استُبدلَ
بفوضى الشعب اليائسة
في المناطق الخالية من إطلاق النار
كان السكون هناك كالمقبرة
أشجار منزوعة الأوراق تخضر بعشوائية2
وبلا أدنى احترام
لنتائج فنِّ الحرب
ردموا حُفرَ القنابل بالتراب
هدموا القرى الإستراتيجية 3
(مسورة بصعوبة
لحماية الفيتنامين من الفيتناميين)
وبدأ المرء في كلًّ مكانٍ
بالحرث وصيد السمك والبناء والحب
كما لو أن المرء يتمنى أبناءً
كما لو أن الأبناء يلزمهم الطعام
كما لو أن الأبناء يلزمهم المساكن
تمامًا
كما لو أنه كان هناك مستقبل.
لولا فيتنام، لولا صُوَرِ
ديين بيين فو، هجوم تيت4
دربُ هو شي منه،
نجوين فان تروي المكبل اليدين، الصامد
وأطفال عمالقة بابل المهزومين 5
هَربُ موظفي السفارة المذعورين
لولا هذه الصور، تلك الخبرات
لكان الدنمارك مختلفًا
ولكانت الحياة أصعب فيه.
أما العمال
فلأضربوا لكن بعد
تفكير مليّ، ولكان اسهل قليلا
إستعباد التلاميذ والطلاب، ولصارت الرجعية
أوقحَ ونضال النساء
أقل إنتصاراً قليلاً. وهكذا
فإن هذه الانتصارات الفيتنامية هيّ أيضًا لَنا. الممر
لا يختفي تحت النباتات حتى الآن، الآن
سيراه المرء حالاً في كل أصقاع العالم
يسود فيها الإضطهاد.
من ديوان: قلب الشتاء، دار نشر بورجين 198
———-
1- يستخدم الشاعر كلمة rakkeالتي تعني قذر مثل لم القمامة وتقطيع جثث الحيوانات وتجميعها ومساعدة الجلادين في تنفيذ أحكام الإعدام وخدمات دنيئة لايقدم عليها أي شخص إلا من الفئات الرثة.
2- الأشجار المنزوعة الأوراق بسبب الحرب صارت بعد التحرير تنمو بعشوائية وتغطي الممرات في الغابات وفي اي مكان.
3- بعد انتصار الفيتكونك هُدمت القرى الإستراتيجية، كعلامة لحياة جديدة.
ا
الحرب هي الحرب
أنا أفهمُ الحربَ
أنا لا أرى شيئًا آخرَ غير
الحرب في المدرسة
في السرير في الشارع
الحرب في الملعب
في السياسة وحياة التغذية
من الأفضل بعدالة وبسلام
وفقط عند الحالات الاضطرارية والقصوى
بالشرطة والنابالم
نبني على الحرب
نعيشُ عن الحرب
فقط في المنافسة يزدهرُ
الحبُّ الفن
التجارة والمعرفة
الحربُ ليست
درع العالم الحر
الحرب هي الحرية
حيث يصمد الأقوياء
يتطور النوع
السلامُ ركودٌ
اقتصاديًّا وبايلوجيًّا
يُوقفُ وشيعة المغزل
يُعكر المفاهيم
الحربُ تصفي الأشياء
بالحرب
من أجل الانتعاش الشخصي
فيتنام هي
حياة الغرب اليومية بالقلم العريض
هذا بالضبط مالا أمل فيه.
• من ديوان: أنطولوجيا كلمة عن فييتنام، دار نشر جولديندال 1967