ليث الصندوق : إسكاتُ المعلنَ ، أم استنطاقُ المخفيّ في رواية (سرير الأستاذ)

إسكاتُ المعلنَ ، أم استنطاقُ المخفيّ
في رواية ( سرير الأستاذ )
ليث الصندوق
تتحقق رواية ( سرير الأستاذ ) لمحمد مزيد سردياً من خلال استعادة الماضي وفق منظور يتجاوز الخطاب المموه بثورية صاخبة إلى نواته المخبوءة في المسكوت عنه من الممارسات السرية للسلطة القامعة . والمفردتان ( السرير ) و ( الأستاذ ) هما علامتان سيميولوجيتان تتشكل دلالتهما من علاقة إعتباطية ما بين داليهما ومدلوليهما ، ولعل ارتباطهما معاً في صيغة المعرّف بالإضافة قد وسّع من أفق دلالتهما فصارا يحيلان إلى فضاء سياسي محدد ، وإلى سرير بوظيفة محددة لا علاقة لها بالنوم ، وإلى شخصية نافذة محددة ارتبطت بوظيفة السرير – تلك – تحديداً . ولعلها لم تكن مصادفة أن تتضافر مفردة ( السرير ) في العنونة مع اللون الأحمر الطاغي على لوحة الغلاف ليشكلا معاً موجهاً أولياً قاد المعنى باتجاهين ، الأول هو الجنس ، والثاني هي القسوة ، وهذا المعنى المزدوج يشكل الملمح الأول لشخصية ( الأستاذ ) . وعند هذه المعطيات تكون مستقبلات القراءة قد تزودت بأولى احتمالات النص ، وشحذت أفق التوقع بما يمهّد لامتصاص صدمة القراءة ، وهي صدمة تختلف حدتها من قاريء بكر ، إلى آخر عاش داخل قفص الضباع .
يتولى مهمة السرد راوٍ مفارق وعليم ، لكنه لا ينفرد بدوره دائماً إذ يتعاقب على المهمة أحياناً كريم الفنان التشكيلي الهارب من الخدمة العسكرية في جبهة الحرب ، أو ناجي عباس ( ضابط الأمن ) ، ومن الطبيعي أن يُنهي كل منهما الطبيعة العليمة للراوي الأول ليتسم السرد مع كل منهما بكونه خارجياً ، فلكل واحد من الإثنين فضاءه المكاني المحدد لحركته ، وكذلك منظوره السردي المعني بتبئيره .
عبر منفذين سرديين منفصلين تتدرج الإحداث وصولاً إلى سرير الأستاذ . ألمنفذ الأول سلكته فائزة طواعية بعكس كريم الذي سلك المنفذ الثاني مجبراً ، وفائزة هي فتاة بصرية حسناء على قدر كبير من الثقة والاعتداد بالنفس ، سبق أن تعرضت للاغتصاب على يد الأستاذ في إحدى زياراته لمدينتها ثمّ جاءت إلى بغداد تبحث عن عمل في المؤسسة الغامضة التابعة لإتحاد النساء في العلن ، وللإستاذ في السر . وعبر هذا المنفذ تتكشّف أساليب الإيقاع بالنساء ، والاعتداءات الجسدية والجنسية عليهنّ . بينما المنفذ الثاني سلكه كريم بعد إلقاء القبض عليه من قبل أتباع الأستاذ ، وعبر هذا المنفذ تتكشف صور من أساليب القمع والتصفيات الجسدية للمعارضين من الذكور . وإن كان المنفذ الأول هو منفذ أنثوي بامتياز ، والمنفذ الثاني هو منفذ ذكوري بامتياز ، إلا أن الشخصيتين الذكوريتين المحوريتين ( الأستاذ وتابعه عليان ) يظهران بصورة نمطية واحدة ، صورة المتفكك الدموي في كلا المنفذين في دلالة على أن مصدر القمع واحد مهما اتخذ من أشكال ، ومهما تذرع من ذرائع . ومن الواضح أن صورة الأستاذ هذه ، والتي تتكشف بدءاً من الفصل الأول من الرواية ( المكونة من سبعة وعشرين فصلاً ) هي نقيض لصفة الأستاذية ، وتلك مفارقة أوجدها النظام للتغطية على ممارسات رموزه . هذه الإفتتاحية الكاشفة والمتمثلة في عملية اغتصاب تحاشى الراوي المفارق والعليم الدخول في تفاصيلها الدقيقة مكتفياً بتلميحات مجتزأة ومبتورة منها ستكون مفتاح المنفذ الأول ، الذي سيمهد للدخول إلى المنفذ الثاني ، كما أن تلك التلميحات ستكون اللبنات الأولى التي سيشكل القاريء منها أفق توقعاته بعد أن كانت قد زودته بالعناصر الوصفية التي منها سيحدد ويرسم أبعاد شخصية الأستاذ .
وبمجيء الفصل الثاني تتوسع حدود التلميح وتنجلي بعض التفاصيل التي أخفاها الراوي في الفصل الأول حين تستدعي ذاكرة الضحية ( فائزة ) شخصية ( عليان ) تابع الأستاذ ، وهي شخصية تحكمت الصدفة في انتقالها مع فائزة من موقع الإغتصاب – على يد الأستاذ – خلال إحدى زياراته إلى البصرة ، إلى موقع البحث عن فرصة عمل في بغداد . ويبدو ان انتقالة فائزة في المكان هي من الوجهة الثانية انتقالة سردية تعمدها الراوي لإيجاد مسوغ منطقي لتعقب أثر الإستاذ ، أو لتمكين ضحاياه من كشف خباياه ، وخبايا المنظمة السرية التي يخفي وراء أهدافها العامة المعلنة مخططاته السرية .
واللافت أن الأستاذ ظل طوال الفصول الثمانية الأولى متوارياً ، وحتى بعد ظهوره لم يهيمن تماماً على الشهد السردي إلا أن ذلك لم ينقص ذلك من فعالية دوره باعتباره المحرك المحوري الذي تدور من حوله الشخصيات الأخرى مما يجعل من افعالها البائنة ردود أفعال لأفعاله المحتجبة ، وتلك مفارقة أخرى ذكية لإعادة تشكيل الصورة الضائعة – أو المضيعة – للأستاذ من خلال الشخصيات الرئيسية التي تؤدي بمجموعها دور المرايا العاكسة لتكشف الملامح المحتجبة للاستاذ وتفاصيل مخططاته الشاذة من دون أن الإضطرار لاستدعائه بشكل مباشر . وتلك الشخصيات تكشف ملامح شخصية الأستاذ من خلال تناقضها أو تماهيها مع بعضها من جهة ، ومن جهة أخرى من خلال تناقضها أو تماهيها مع شخصية الأستاذ ، وتلك التناقضات أو التماهيات المركبة هي الصورة المصغرة لصورة التناقض أو التماهي مع النظام . في مقابل هذه الصورة المتطرفة ( التناقض / التماهي ) تظل حالة الحياد في العلاقة مع النظام مقصورة على الشخصيات الثانوية أو الهامشية ، فكأنما اراد الكاتب أن يقول بأن الحياد في العلاقة مع نظام يمثله الأستاذ لا يمكن أن يتحقق فعلياً إلا مع اشخاص غير فاعلين . بيد أن دوافع الحياد لا تبدو مفهومة دائماً :
– فبينما يبدو حياد مصففة الشعر عفاف والرفيقتين أمينة ووصال ، وكاتبة الطابعة هند غريباً ، لاسيما أنهنّ جميعاً يعملن في ذات المنظمة النسوية المتورطة بالإيقاع بضحايا الأستاذ ، بل أنّ الثانية والثالثة منهنّ رفيقتان حزبيتان .
– إلا أنّ حياد نضال شريكة رغد في السكن بشقة واحدة يبدو مرتبطاً بطبيعة شخصيتها المستكينة والإنعزالية ، وبيأسها جراء إحساسها بالضعف من إمكانية الإنتقام ممن دفعها للسقوط .
– أما حياد شقيقة كريم وأمه فهو نتيجة لكونهما ربتا بيت تفتقدان إلى الوعي الكافي لتفسير ما يجري من الأحداث .
– هذا ، ولم يتح السرد الفرصة الكافية لاستجلاء موقف أحلام ( صديقة فائزة ) ، إلا أنّ كونها شقيقة لشهيد يمكن أن يدفع باتجاه تأويل يحتمل أكثر من وجه .
ومن بين الشخصيات الثانوية أو الهامشية تشذّ أم هاشم ( الفراشة في اتحاد النساء ) عن مسلك الحياد ، إذ يتجسّد انحيازها من خلال تجسسها على الموظفات لصالح مسؤولة الفرع ( الرفيقة فاتن ) بما يُفسّر على أنه انخراط في التآمر لصالح الأستاذ ، أو تماهٍ مع مخططاته باعتبار أن فاتن إحدى أدواته .
بدءاً من الفصل التاسع يتولى كريم مهمة الراوي ليتحدث عن نفسه من داخل محبسه السري في حديقة أو بستان بيت الأستاذ . ولأول مرة يبدو أن السرد صار على مبعدة خطوات منه ، أو هكذا يوحي خطاب السجان ( تناول فطورك ، صعُب حالك على الأستاذ . ص 63 ) ويمكننا أن نستبق الأحداث ونتأوّل المخفي من الصورة التي ينقلها كريم بأن السجن هو أحد سجون الأستاذ ، وأنّ السجانون أتباعه ، والتهمة الجاهزة المعدة للصق بكريم هي من تلفيقاته . ومع ذلك يظل الأستاذ محتجباً لا يدل على وجوده سوى الرعب الذي يخلفه هو وزبانيته على ضحاياه ، أو الذي يخلفه هو وحده على الزبانية والضحايا في وقت واحد . ولكن بعد تلقي كريم الدفعة الأولى من التعذيب ، وهي الدفعة النوعية الأولى التي تؤكد حقيقة الحضور الإفتراضي للأستاذ ، تحين فرصة تجليه لكريم الذي فوجيء أن ( لم يكن الأستاذ مشهوراً كما يجب في وسط الأساتذة المعروفين الذين يظهرون في التلفاز . ص / 77 ) والوجوب الذي يعنيه كريم هو بالتأكيد حجم الضرر الذي يمكن أن يخلفه على الضحايا أستاذ مشهور ومعروف ، عن حجم الضرر الذي يخلفه آخر محتجب .
وبينما يستمر كريم في إداء دور الراوي من داخل فضاء السجن الضيق ، حيث تنعدم الفرصة للبحث عن منفذ لإطلاق الأحداث وتفعيلها في ضوء محدودية العناصر السردية وجمود الزمن ، فليس أمام كريم سوى حل واحد لإتمام مرويته سوى تنشيط الذاكرة ، وكسر قالب الزمن المستقيم الذي إتسمت به الرواية بدءاً من فصلها الأول وحتى التاسع عوداً إلى الوراء بومضات ورائية سريعة إلى زمن الدعة والأمان . ومع هذه الإستعادة ستحضر شخصية صديقه تاجر اللوحات ( سوزوكي ) وزميلته أيام الدراسة في أكاديمية الفنون نوال . ولعل استدعاء هاتين الشخصيتين ( سازوكي ونوال ) كلما ضاقت فسحة الأمل له مسوغاته ، مثلما له دلالاته ، فنوال هي حب كريم الأول الضائع ، وهي التي كانت فرصته الأولى لممارسة الحرية وتحدي ضغوطات المجتمع ، وأن انفصالها أو إبعادها عن من أحبها وأحبته يمثل واحداً من أنماط المصائر الثلاثة التي انتهت إليها بطلات الرواية :
– ألنمط الأول : تمثله نوال التي انتهت علاقة حبها بكريم زوجة لضابط أغراها بما يُغدقه النظام على ضباطه من امتيازات .
– ألنمط الثاني : تمثله أم رغد التي عانت من فضاضة زوجها الضابط في الجبهة ، وتلك الفضاضة هي ردة فعل نفسية لما كان يشهده من تفريط القائد الضرورة وكبار قادته بأرواح الجنود في معارك فاشلة ، فكان في إجازاته الدورية يعاقر الخمر ليصاب بعدها بحالة من الهستيريا تدفعة للتجاوز على زوجته بالضرب المبرح ، وبأقذع وأمرّ السباب والشتم . فهربت من البيت ، ولم يعثروا لها على أثر .
– ألنمط الثالث : تمثله كل ضحايا سرير الأستاذ من النساء الأخريات ، وكذلك ضحايا أعوانه وأتباعه ، إضافة إلى ضحايا رجال المؤسسات الأمنية التابعة للنظام .
ومن الواضح أنّ النمطين الأولين هما بعض إفرازات العلاقات غير المتكافئة التي أشاعها نظام الأستاذ ونظرته الدونية للمرأة . أو بمعنى آخر أن النمطين المذكورين ليسا سوى انعكاس لشيوع النمط الثالث . ووفق هذا المنظور يربط كريم – وهو يستعيد ذكرى لوحة سريالية قديمة له – ما بين زواج نوال من الضابط الذي أغراها بالسيارة التي وهبها له النظام ، وبين تدنيس طهارة أم سيف ( زوج الشهيد ) على سرير الأستاذ ( كانت الغيوم نفسها التي سرقت محبوبته فأخذتها صاعدة إلى القرد صاحب السيارة السوبر . ص / 345 ) .
أما بالنسبة لاسترجاع ذكرى سوزوكي ، فهي ترتبط بولع كريم المفرط بالفن التشكيلي ، والفن التشكيلي أنقذ كريم من المحنة مرتين ، في الأولى حين تجسدت المحنة بالفاقة والعوز اللذين عاناهما خلال فترة هروبه من الجيش ، وكان الفن التشكيلي فيها هو معينه عليها وهو مصدر الرزق الوحيد له ولعائلته ، وفي الثانية أنقذه الفن التشكيلي – إلى حين – من سكرات غضب الأستاذ النزقة بعد إلقاء القبض عليه . إلا أن دور سوزوكي – أو موقفه – في المرحلة الأولى تجاه موهبة كريم كان النظير المخفف لدور الأستاذ – أو موقفه – من تلك الموهبة في المرحلة الثانية . فكلاهما استثمر موهبة كريم استثماراً مجحفاً ، مع فارق في طبيعة الشخصيتين جعل من الأول أخف وطأة على كريم من الثاني ( الأستاذ ) فقد انعكست طبيعة شخصية الأول التجارية على طريقة استثماره ، فاتسمت بالجشع ، بعكس الثاني الذي اتسمت شخصيته بالقسوة والنزق وطبعت طريقة استثماره بالإذلال والمهانة والتهديد في كل لحظة بالموت .
وللقمع في الرواية مظاهر شتى ضمن هيكل تراتبي يقف الأستاذ منه في القمة ليوجه آلة القمع في مظهره الجنسي ، وهو مظهر مخصوص به ، أما مظاهر القمع الأخرى التي تكشفت من خلال المنفذين فهي تجليات فرعية لمنظومة القمع الجنسي التي يوزع فيها الأستاذ الأدوار على أدواته من النساء أو الرجال . وإن كانت أدوات القمع هذه هي بدورها مقموعة بشكل مباشر من قبل الأستاذ ( أي من الأعلى ) ، إلا أنها معرضة للوشايات والتآمر ( وهما وجهان للقمع غير المباشر ) من قبل بعضها بعضاً ( أي من قبل المستوى الواحد ) ، أو من قبل المستويات الأدنى . فكل واحد في بؤرة الخراب هذه هو آلة للتآمر على زملائه الآخرين من أجل إسقاطهم الذي يعني بالنتيجة صعوده هو . وفي الوقت ذاته هو معرض لمؤامرات الآخرين من أجل إسقاطه الذي سينجم عنه صعودهم . كل تلك الحبائل هي من أجل نيل مكافآت الأستاذ ، أو من أجل التهرب من نتائج غضبته ، وبالنتيجة فليس هناك من هو خارج دائرة القمع والوشايات سوى الأستاذ الذي يدير اللعبة المهلكة من قصره المنيف .
وعوداً إلى المنفذين السابقين ، فقد اقتصرت مظاهر القمع والقسوة – في المنفذ الثاني – على العنصر الرجالي – كما سبق تبيينه – وفيما يلي تدليل على ذلك :
– الأستاذ يقمع عليان
– عليان يقمع الآخرين الذين ربما لا يعرفهم ثأراً لكرامته التي يذلها الأستاذ ( هذا الشعور بالذل لا بدّ أن يُفرّغ ، صحيح أنه صفع في الصباح رجلاً كان يدفع عربته التي اعترضت سيارته ، غير أنّ تلك الصفعة لم تُشفِ غليله . ص / 110 ) أو ( كان يشعر بالراحة كلما ضرب إنساناً ، أو أودع بريئاً في السجن . ص / 110 ) .
– تعرّض كريم للتعذيب
– تصفية تسعة من الشبان بإلقائهم طعاماً لكلاب الأستاذ الجائعة
– تعذيب ثلاثة من طلاب الجامعة تعذيباً مهيناً
أما أساليب القمع والقسوة ضد النساء فلم تتضح بجلاء في هذا المنفذ حتى اقتراب الرواية من ثلثها الأخير ، فقد كانت عمليات الأغتصاب تتم وراء الأبواب المغلقة ولا يشهدها سوى الأستاذ ومصوره الخاص ( النطاط ) ، وبما أن كريم قد تولى مهمة الراوي في أغلب حلقات هذا المنفذ ، واقتصر سرده على ما يجري أمام عينيه وفي حدود سمعه ، ولأن حركته كانت محدودة في محبسه بقصر الأستاذ فمن الطبيعي أن يعصى على حواسه تبئير ما كان يدور في غرف الأستاذ المغلقة . ومع ذلك فأن حضور كريم مجبراً للإحدى حفلات الأستاذ الماجنة مكنه من رؤية مشهد يمكن أن يؤوّل على أنه إقدام على عملية إغتصاب ، حتى جاءت اللحظة المحبطة ليجد نفسه عارياً في إحدى غرف قصر الأستاذ في مواجهة أم سيف التي سيقت إلى القصر مكرهة .
أما بالنسبة للمنفذ الأول فتتمثل مظاهر القمع والقسوة فيه على عمليات الإغتصاب والتآمر للإيقاع بالنساء من قبل الأستاذ أو زبانيته أو عناصر المؤسسات الأمنية ، إضافة إلى تآمر النسوة للإيقاع ببعضهنّ أو للإيقاع بآخرين من الرجال ، ولا يخلو هذا المنفذ من عمليات قمع ذكورية – ذكورية :
– فاتن تكيد لعليان
– عليان يقمع فاتن وسوسن
– فاتن كادت لرغد وسندس ونضال .
– رغد تتآمر على فاتن وعليان . ومع اتساع دائرة القسوة ، تتسع وتتعاظم شهوة الإنتقام لدى رغد ، فهي لا تكتفي بالكيد للانتقام من فاتن وعليان فحسب ، بل تريد الإنتقام أيضاً ( من قائد الفرقة الذي أصاب والدها بالجنون وتسبب بطرد أمها في تلك الليلة المأساوية . ص / 287 )
– عليان تكفل بالانتقام لرغد وقتل قائد الفرقة
– والد سوسن الحزبي يقمع شبان منطقته ويقتادهم للموت في قواطع الجيش الشعبي
– سامر ( ضابط الأمن ) يقمع والد سندس ويلقي به في سجن لن يعود منه حياً
– سامر يكيد لسوسن
– ناجي عباس ( ضابط الأمن ) يوقع بجميلة زوج صديقه غسان
– جميلة توقع بجارها في قبضة جهاز الأمن
– مقتل رغد بظروف غامضة ليس من العسير تتبع خيوطها وتأويل دوافعها .
– تحرّش ضابط الأمن بطران بفاتن
– قتل فاتن في ظروف شبيهة بمقتل رغد .
وللأستاذية في الرواية تراتبية فهمها عقل فاتن المتمرس على التآمر ، وميّز ضمنها مستويين : ألكبير والصغير ، وإن كان المستوى الثاني يضم كثيرين ، أو حسب تعبير فاتن ( هم كثر في جمهورية الخوف . ص / 143 ) ومن بين هؤلاء الكثر الأستاذ المروي عنه ، إلا أن المستوى الأول مخصص لواحد فقط سواه ، وتبعاً لوحدانية ذاك في مستواه ، ولفرادته في الموقع الذي يهيمن منه على أساتذة المستوى الأصغر ، فهو يستحق إذن من الصيد النسويّ ما لا يستحقونه ، ولذلك تخطط فاتن لتقديم صيدها الأثمن فائزة هدية له ، وبهذا الصيد ستطيح بالأستاذ الأصغر – المعني بالرواية – وتابعه عليان ( … وأنا التي خططت وجهزت كل أدواتي لأقربها للأستاذ الأكبر الذي بإمكانه أن يسحق عليان وأستاذه بحذائه . ص / 137 ) . ولأن مفهوم الأصغر والأكبر نسبيان ، فالأستاذ الذي بدا في موقع المفاضلة هذا صغيراً ، سيكون حين يتسيّد المشهد كبيراً في مقابل الآخرين الذين يبدون بالنسبة إليه صغاراً ، وتتجلى هذه التراتبية النسبية في خطاب الراوي وهو يرصد أحدهم وهو يحاول أن يستولي على صيد الأستاذ ( كان ضمن المتجمهرين يجلس الأستاذ الصغير ، قريب الأستاذ الكبير . ص / 339 ) ولعل المقصود بالمقبوس من خطاب الراوي هو أحد إخوانه وليس أحد أقربائه ، لأن الأستاذ لم يكن ليعبأ بالقرابة ، ولم يكن ليسمح لأقربائه أن يتبسطوا معه ، أو يتجاوزوا محددات مناصبهم معه ، فأغلب رجال حمايته – ومنهم عليان – هم من أقربائه وكان يعاملهم عند اقتضاء الضرورة بصف وإذلال ، بل هو يصف العاملين بإمرته – أي قرابته – وصفاً مهيناً ( كل الذين يعملون معي حمير وكلاب . ص / 354 ) . وفي موضع آخر تتوضح المقارنة ما بين هذين الأخيرين ( الصغير والكبير ) على لسان فاتن التي تحاول ترجيح ميزان الأفضلية لصالح الأستاذ – المروي عنه – بقولها وهي تُزيّن السقوط لفائزة ( هذا الأستاذ الكبير ، وأخباره غير ما تسمعين عن ذاك الصغير ، أنه حنون ولطيف عزيزتي . ً / 341 ) .
وبمقتل فاتن الغامض لمن يقرأ النص من خارجه – على طريقة إسكات المعلن التي أشاعتها آلة الخوف – تكون المنظومة السرية قد ابتلعت واحدة من رعاتها بنفس الطريقة التي تبتلع بها أي فرد من القطيع ( رغد نموذجاً ) . ومرّت الجريمة دون أن يجرأ أحد على نبش باطن النص الذي كتبه هذه المرة ( بطران ) القاتل لأن دوافع القتل مبررة دائماً ( سمعتها تشتم الرئيس . ص / 362 ) .
وعلى العكس من كريم ، شقت فائزة طريقها عبر المنفذ الأول طواعية ودونما إكراه من أحد طمعاً في بلوغ هدف لم تُفصح عنه لأحد ، بل أنه ظل خافياً حتى على عِلم الراوي العليم الذي اكتفى بالتلميح إليه ( … ألمهم أنّ لديها هدف البقاء واكتشاف المزيد من الأسرار . 305 ) وحتى السطر الأخير من الرواية ظل ذلك الهدف مجهولاً ، بيد أن رغبة الإكتشاف تلك قادتها إلى ما لم تكن لترضاه مختطفة وأسيرة في محبس الأستاذ ، حالها كحال إبن خالتها كريم .
وبينما كان المنفذان السرديان المنفصلان والمستقلان عن بعضهما يتجهان مع مؤشر الزمن نحو الأمام مدفوعين برغبة سالكيهما ( كريم وفائزة ) بالإذعان لإرادة الحب التي ستؤدي في النهاية إلى التقاء المنفذين في نقطة واحدة ، غير أن هذا الإلتقاء هو لقاء الخاتمة ، إذ لن ينجم عنه منفذ واحد يواصل اتجاهه نحو المستقبل ، ذلك لأن ثمة إرادة أخرى هي إرادة الكراهية التي يمثلها الأستاذ ستعوّق الإتحاد ، وتعوّق المواصلة . ففي نوبة انتقام همجية نزقة سيدفع بكلابه الجائعة إلى الغرفة التي التقى فيها كريم وفائزة عاريين ليعلنا التقاء المنفذين السرديين على سرير نوم واحد .
وبعد ، فالرواية تنطوي على مضامين جريئة ، ولا يقلل من جرأتها زوال أسباب الريبة والحذر ، لاسيما أن الكثيرين من الكتاب ما زالوا بالرغم من انتهاء فترة الصمت الإجباري يخشون لفظ ألسنتهم التي أجبروا على ابتلاعها ، وذلك امتياز يحسب للكاتب ، ولكن مايؤاخذ عليه هو عدم العناية الكافية باللغة ، فقد انطوت الرواية على كمّ هائل من الأغلاط النحوية والإملائية والأسلوبية واستخدام المفردات الأجنبية مع وجود مرادفها العربي الأنسب كاستخدام ( التيبل لامب ) بدل ( المصباح المنضدي ) و ( فلاش لذر ) بدل ( الواقي الذكري ) أو استخدام المفردات الأعجمية أو الدارجة من دون اضطرار مثل استخدام ( صفن ) بدل ( وجم ) أو ( سهم ) واستخدام ( أتكات ) بدل ( غلائل ) جمع ( غلالة ) أو ( أشعِرة ) جمع ( شِعار ) واستخدام ( تُفركش مخططاتي ) بدل ( تحبطها ) وسواها الكثير حتى بدت بعض الجمل مفككة أو عصية على الفهم . يضاف إلى ذلك الأغلاط في استخدام الأفعال وبشكل يُربك زمنية الأحداث فليس من المعقول أن يُسرد حدث مضى وانتهى بصيغة المضارع . ويبدو أن الأغلاط في التزمين انسحبت على عمر سمر التي كانت في العاشرة ( ص / 242 ) وصارت بموضع آخر في السابعة ( ص / 322 ) .
وهناك الأخطاء في أسماء الشخصيات :
– ف ( منيف ) أحد عناصر حماية الأستاذ أصبح أسمه ( سفيان ) . ص / 150
– وعمة سوسن الثرية التي وردت كنيتها ( أم أحمد ) كما في ( ص / 277 ) ، صار لها أسم – وليس كنية – في موقع آخر ( ص / 284 ) وهو شكرية ، وقد يكون هذا التباين طبيعياً ولكنه – من أجل أن يُقبل – كان يتطلب توضيحاً وهذا لم يحدث ، وعدا ذلك فأن الذي لا يبدو طبيعياً ولا يقبل التفسير هو أن تكون كنية زوجها ( أبو غايب ) ، وكان من المفترض منطقياً أن تتوافق مع كنية الزوجة فتكون ( أبو أحمد ) .
– وناجي عباس ( ضابط الأمن ) كما في ( ص / 241 ) أصبح أسمه ( ناجي عبد الله ) في ( ص / 311)
وهناك أخطاء سردية كتداخل صوت المتكلم ( ناجي عباس ) مع صوت الراوي المفارق وهو يتحدث بضمير الغائب ( ص / 246 ) . وكذلك تداخل صوت المتكلم ( كريم ) مع صوت الراوي المفارق وهو يتحدث بضمير الغائب ( ص / 256 ) .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| جمعة الجباري : قراءة الدلالات الشعرية عند الشاعر صلاح حمه امين في ديوانه “عقارب الساعة التاسعة”.

* صلاح الدين محمد أمين علي البرزنجي المعروف بالاسم الحركي صلاح حمه أمين،  شاعر وفنان …

| اسماعيل ابراهيم عبد : على هامش ذاكرة جمال جاسم امين في الحرب والثقافة – تحايثاً بموازاة عرضه .

الكاتب جمال جاسم أمين معروف بين المثقفين العراقيين باتساع نتاجه وتنوعه كمّاً وجودة , فضلاً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *