قصة للأطفال
ابن آوى
قصة : طلال حسن
كاد النهار ينقضي ، والأسد العجوز لم يصطد شيئاً ، فجاع ، وجاع معه مرافقه ابن آوى ، وقبيل حلول المساء ، اقترب ابن آوى من الأسد العجوز ، وقال هامساً : مولاي ، أنظر هناك .
ونظر الأسد العجوز إلى حيث أشار ابن آوى ، وسرعان ما نهض متمتماً : حمار !
فاعترضه ابن آوى ، وقال : مهلاً ، يا مولاي ، إنه فتيّ ، ولن تصيده .
وتوقف الأسد العجوز ، وقال متذمراً : مازلتُ شاباً .
فقال ابن آوى : طبعاً ، يا مولاي ، طبعاً ، لكن لنلجأ هذه المرة إلى الحيلة .
ولاذ الأسد العجوز بالصمت ، متظاهراً بالغضب ، فتابع ابن آوى قائلاً : الأسود عندما تشبع ، تتمدد على ظهرها ، وترفع قوائمها في الهواء ، و ..
وقاطعه الأسد العجوز ، متظاهراً بالانفعال : أيها اللعين ، تريدني أن أتمدد ، وأرفع قوائمي في ..
ثم رفع قبضته ، ولطم ابن آوى صارخاً : امض ِ وإلا قتلتك .
ومضى ابن آوى متظاهراً باخوف ، وقبع بين الأشجار ، يراقب الأسد العجوز ، واعتدل الأسد العجوز بحذر شديد ، وتلفت يميناً ويساراً ، ثم تمدد على ظهره ، ورفع قوائمه في الهواء .
ثعلوب والثعلب العجوز
جلس الثعلب العجوز تحت شجرة ، يطل أحد أغصانها على الجدول . ورغم شعوره الشديد بالتعب ، لم يغمض عينيه ، فقد سمع ، قبل قليل ، كلب حارس الغابة ، من بعيد .
وتناهى إليه وقع أقدام ، فاعتدل متأهباً للفرار ، لكنه رأى ثعلوب يقبل مسرعاً ، فعاد إلى مجلسه ، ودار ثعلوب حوله ، ولمسه أكثر من مرة ، وهو يقول : صباح الخير ، أيها الثعلب العجوز .
وتابعه الثعلب العجوز في دورانه ، وردّ متحيراً : صباح النور ، يا ..
وقبل أن ينتهي من رده ، انحدر ثعلوب إلى الجدول ، وعبره سباحة ، وتوارى في الضفة الأخرى .
ونهض الثعلب العجوز ، وتلفت متوجساً ، لابد أن في الأمر شيئاً ، فأحدهما لم يكلم الآخر ، منذ أن تخاصما ، قبل عدة أيام ، حول قطعة من العسل .
وشهق مرتعباً ، وقد اتسعت عيناه ، وأسرع يتسلق الغصن المطل على الجدول ، واختبأ بين الأوراق ، وقال في نفسه : اللعين ثعلوب ، لقد دار حولي ليقطع أثر رائحته ، ترى من يطارده ؟
وفي تلك اللحظة ، اندفع كلب ضخم من بين الأشجار ، وحام حول الشجرة ، متشمماً ما حوله ، ثم توقف ، وقال : آه اختفت رائحته .
وعاد الكلب من حيث أتى ، وهو يقول : هذا اللعين ، لن يفلت من عقابي ، حتى لا يتجاسر ثانية ، ويخطف دجاجة أخرى من الحارس .
وتمدد الثعلب العجوز ، فوق الغصن المطل على الجدول ، وقال في نفسه : فلأبقَ هنا ، أخشى أن يعود الكلب ، ويجعلني أدفع ثمن دجاجة لم آكل قطعة منها .
السقاية والثعلب
خرج الثعلب من البيت مبكراً ، وقبل أن يغلق الباب ، ألقى نظرة على ذيله المقطوع ، وقال : ستندم السقاية إذا تصدت لي اليوم .
وتوغل مهرولاً في الغابة ، وإذا السقاية تطل من وراء إحدى الأشجار ، وتصيح : يا مقطوع الذيل .
وتوقف الثعلب ، وقال في نفسه : ها هي قد تصدت لي .
والتفت إليها ، وقال : قلتُ لك مراراً ، إن لي اسماً .
وردت السقاية قائلة : ومراراً وتكراراً قلتُ لك ، إن هذا هو اسمك .
فانقض الثعلب عليها ، وهو يقول : حسن ، سيكون لك اسماً مثل اسمي .
وانتفضت السقاية خائفة ، وسرعان ما لاذت بالفرار ، وقد طرحت ذيلها ، ووقف الثعلب مذهولاً ، يراقب الذيل المتراقص ، ثم قال : عجباً ، إنني لم ألمسها .
وتنهد بارتياح ، بعد أن كفّ الذيل عن التراقص ، وقال : مهما يكن ، لن تتصدى لي ثانية ، فها هي قد أصبحت مثلي .. مقطوعة الذيل .
ولم تغب السقاية طويلاً ، وفوجىء الثعلب بها ، ذات يوم ، تصيح من ورائه : يا مقطوع الذيل .
فتوقف ، وقال : أهلاً بمقطوعة الذيل .
وضحكت السقاية ، وقالت :ما أحمقك ، أنظر إليّ ، إذا كان لك عينان .
والتفت إليها ، وشهق مندهشاً ، فقد رآها تسير مترنمة ، وهي ترقص ذيلها الجديد .
وبدل أن ينقض عليها ، كما فعل في المرة السابقة ، قفل راجعاً إلى البيت ، وهو يقول : يا للحظ ، لقد نما لها ذيل جديد ، آه لو أني مثل السقاية ، لما عيرني أحد بأني .. مقطوع الذيل .
أكبر طائر في الغابة
مرض الثعلب ، وطال مرضه ، حتى لم يعد يقوى على الخروج للصيد ، ونادى صغيره ثعلوب ، ذات يوم ، وقال بصوت واهن : بنيّ ، أكاد أموت من الجوع ، اذهب وأتني بأكبر طائر في الغابة ، لعلي أشبع .
وردّ ثعلوب قائلاً : في الحال ، يا أبتي .
وفي الحال ، ذهب ثعلوب مسرعاً ، ليصيد الطائر ، ويقدمه طعاماً لأبيه ، وسرعان ما توقف ، وقال : فات أبي أن يخبرني ، ما هو أكبر طائر في الغابة ؟ وأين يمكن أن أجده ؟
وهنا أطلّ الوقواق من إحدى الأشجار ، وقد سمع ما قاله ثعلوب ، فأشار إلى شجرة قريبة ، وقال : الطائر الذي يبحث عنه ، يقف هناك مع صغاره ، تحت تلك الشجرة الضخمة .
وانطلق ثعلوب إلى حيث أشار الوقواق ، وهو يقول : أشكرك أيها الوقواق .
وقهقه الوقواق قائلاً : بعد قليل سيطير ثعلوب للمرة الأولى والأخيرة .
وتحت الشجرة الضخمة ، رأى ثعلوب طائراً عملاقاً ، له قائمتان قويتان ، فوقف مذهولاً يتمتم : آه هذا ما أراده أبي .
وابتسم الطائر ساخراً ، وتقدم من ثعلوب ، وهو يقول : أنا ذكر النعامة ، والآن طر إلى أبيك ، وأخبره بأني سأزوره بعد قليل .
فردّ ثعلوب قائلاً : لكني لا أطير ، إنني كما ترى .. ثعلب ، ثعلب صغير .
وقال ذكر النعامة ، وهو يحدق في ثعلوب : ومع ذلك .. ستطير .. ستطير حالاً .
وطار ثعلوب ، طار عالياً ، بعد أن رفسه ذكر النعامة بقائمته القويتين ، وحط متهاوياً قرب أبيه ، وأبلغه بما قال ذكر النعامة ، ثم غاب عن الوعي ، وسرعان ما نسي الثعلب مرضه ، فهبّ من مكانه ، وأطلق سيقانه للريح ، لا يلوي على شيء .
هل جُنّ الثعلب ؟
سار الثعلب العجوز مترنحاً ، يتمتم كالمحموم : أمر غير معقول ، بل جنون صرف ، لكن من يدري ، آه .. سأجن .
وكفّ عن التمتمة ، وتوقف ، حين سمع أحدهم يحييه قائلاً : مرحباً أيها الثعلب .
والتفت متخوفاً ، وإذا هو وجهاً لوجه مع حيوان غريب ، لم يرَ ما يماثله أو يشبهه من قبل ، وحدق فيه ، وقد اتسعت عيناه ، أهو قنفذ أم .. ؟ وابتسم الحيوان الغريب ، وقال : سمعتك تحدث نفسك .
وسارع الثعلب العجوز يقاطعه قائلاً : لستُ مجنوناً ، نعم ، لستُ .. لكن اسمع .. قبل قليل .. رأيتُ حيواناً غريباً .. له منقار بطة .. وهو ليس بطة .. يبيض .. وهو ليس طائراً .. يرضع صغاره .. وهو صدقني .. لستُ ..
وقهقه الحيوان الغريب ، وقال : أصدقك ، هذا صديقي ، خلد الماء ، وأنا لو تعلم مثله ، أبيض ، وأرضع صغاري ، و ..
وانفجر الثعلب العجوز يصيح منفعلاً : لستُ مجنوناً ، لتقول لي ، انك تبيض ، و .. .. أنت قنفذ .
فقال الحيوان الغريب : لا ، لا ، يا صديقي ، أنا نضناض ، ويسمونني أيضاً آكل النمل .
وحدق الثعلب العجوز فيه لحظة ، ثم مضى يسير مترنماً ، وهو يتمتم كالمحموم : يا ويلي ، ماذا يجري لي اليوم ؟ لو قلتُ لزوجتي نفسها ، إني رأيتُ حيوانين يبيضان ويرضعان صغارهما ، لقالت أنت مجنون .. لا .. لستُ .. آه .. من الأفضل أن أصمت .. ولا أنطق بكلمة .. لكن .. آه .. يا إلهي .. سأجن .
القنفذ والثعلب
بدأ الظلام يرخي سدوله ، بعد غروب الشمس ، حتى عمّ الغابة ، فخرجتُ من عشي ، الذي بنيته من الأوراق اليابسة ، ورحتُ أبحث عما آكله ، ومرت بي سراج الليل ، وضوؤها يبدد ما حولها من ظلام ، فتوقفت مرفرفة على مقربة مني ، وقالت : أيها القنفذ ، كن حذراً ، الثعلب في الجوار .
فتلفتُ حولي خائفاً ، وقلت : إنني جائع ، سأصطاد ما يسد رمقي ، ثم أعود مسرعاً إلى العش .
ومضت سراج الليل ، وهي تلوح لي ، وتقول : لا تتأخر ، يا صديقي ، أنت تعرف الثعلب .
وسرتً متمهلاً ، أتشمم ما حولي ، باحثاً عن فريسة أسدّ بها جوعي ، سواء كانت بزاقة أو حشرة أو .. ، وتوقفت كاتماً أنفاسي ، فعلى بعد خطوات مني ، وقفت فأرة صغيرة ، دون أن تنتبه إلى وجودي ، إنها فريسة مناسبة ، تكفيني اليوم ، فلأصطدها ، وأعود بها إلى عشي .
وتحفزت لأنقض على الفأرة ، وإذا الثعلب يقطع عليّ الطريق ، وفي الحال ، التففتُ على نفسي ، واضعاً رأسي بين قائمتيّ الأماميتين ، مشرعاً ريشي الشائك ، في كلّ الاتجاهات .
لم يتجنبني الثعلب ، وهذا يعني في الغالب أنه جائع ، وأخذ ينقرني بمخلبه ، يحاول عبثاً فك التفافي ، وحدث ما أخشاه ، أهي صدفة ؟ لقد دفعني إلى الجدول ، فاضطررت إلى فك التفافي ، لكي أستطيع أن أسبح ، وهنا غطس الثعلب تحتي ، وفتح فمه لينهشني ، وهو يقول : يا للخجل ، أهو أنت ؟ عفواً ، يا صديقي العزيز ، عفواً .
وسرعان ما خرج من الجدول ، ومضى مسرعاً ، لا يلوي على شيء ، ولبثتُ طافياً فوق الماء ، وقد استبد بي الذهول ، لقد تركني ، بعد أن تمكن مني ، بل واعتذر أيضاً ، هذه ليست عادة الثعلب ، آه .. إنه هو .. نعم هو بعينه .. لكن أيعقل هذا ؟
لقد رأيتُ ، قبل أيام ، أفعى شهية ، ويبدو أنها كانت تحاصر الثعلب ، فانقضضتُ عليها ، ويا للصدفة ، آه ما ألذ تلك الأفعى .