باب اليمن مجموعة شعرية للشاعر الحضرمي الدكتور سالم عوض
المقدمة بقلم: أ. د. حسن البياتي

باب اليمن
مجموعة شعرية للشاعر الحضرمي الدكتور سالم عوض رموضة
(مؤسسة العفيف الثقافية – صنعاء 2001)
المقدمة بقلم:
أ. د. حسن البياتي

هذه مجموعة قصائد لشاعر يمني لم يشأ أن يعلن عن اسمه وشاعريته إلا بعد تردد واستحياء واستجابة لالحاح كاتب هذه المقدمة المتواضعة.
اطلعت على مسودات قسم من هذه القصائد أول مرة في شهر اكتوبر من عام 1998 حين زيارتي مقر رئاسة جامعة حضرموت للعلوم والتكنلوجيا في مدينة المكلا ولقائي بالشاعر الدكتور سالم عوض رموضه لقاءً رسمياً بحكم كونه نائباً اكاديمياً لرئيس الجامعة ولأنني أحد المنتدبين للعمل في الجامعة ذاتها. وقد قرأت حين ذاك بعض قصائده التي عرضها عليّ وشجعته على نشرها واستجبت لرجائه بأن أكتب لمجموعة قصائده مقدمة حين إعدادها للنشر في ديوان مطبوع. وفي الثامن عشر من فبراير 1999 التقيت بالشاعر ثانية في مدينة المكلا فسلمني مجموعة تقرب من ثلاثين قصيدة معدة للطبع في ديوان منتظر، جلبتها معي الى مدينة سيئون حيث مقر عملي استاذاً للأدب العربي في كلية التربية. ولم يمهلني القدر في انجاز وعدي بدراسة القصائد وكتابة المقدمة لها، إذ حدث لي حادث في الثاني والعشرين من فبراير 1999 أفقدني نعمة البصر فتأجل الموضوع على أمل أن استعيد وضعي الطبيعي. لكن الأمر طال حتى هذه اللحظة وزاد مع مرور الأشهر عدد قصائد الديوان.
هذا الاستهلال للمقدمة كان لابد منه لكي أعلم القارئ أنني لم أقرأ الا القليل من قصائد هذا الديوان، أما العدد الاكبر منها فقد قُرئ عليّ رغبة مني في الوفاء بالوعد الذي قطعته على نفسي.
إن السمة المميزة لأغلب قصائد هذه المجموعة الشعرية هي البساطة في التعبير ووضوح الفكرة و افراغ التجربة الشعورية بلغة شفافة بعيداً عن التعقيد والتغريب الطاغيين على كثير من الشعر الذي ينشر في هذه الأيام. إن شاعرنا يقدم نفسه مصوراً بارعاً في التقاط الصور التي تعكسها آلته التصويرية التي يحملها معه دائماً، سواء كان في بلدته الحضرمية الصغيرة ومسقط رأسه (الديس الشرقية) أو في المدن اليمنية المختلفة أو خارج وطنه في العديد من المدن العربية والاجنبية التي زارها والتقط منها مادة لمجموعة من قصائده كما يتضح ذلك عبر صفحات الديوان.
وهكذا نرى أن شاعرنا حين يحط قدميه على عتبات باب اليمن لا يتركهما تتسمران في موضعهما، بل انه يلج هذا الباب ليتجول في أركان وخبايا المدينة الأثرية ثم ليخرج منها بحصيلة شعرية يحملها في حقيبته خارجاً من الباب ذاته الى آفاق مدن وعوالم اخرى ومعه آلته التصويرية ذاتها فيلتقط الصور من هنا وهناك ويعرضها على الآخرين، حاملة همومه وآماله وتطلعاته اليمنية والعربية والاسلامية المختلفة. إن شاعرنا الدكتور سالم عوض رموضه لايصور بآلته فحسب بل يرسم بأنامله ايضاً ومن هنا هذا المشهد المعماري الذي يتسم به الشكل الفني للعديد من قصائده. ولن يأخذنا العجب في ذلك إذا ما علمنا أن منشيء هذه الصروح الفنية هو استاذ في علم البناء الهندسي.
وإذا عدنا الى بيان سمتي البساطة والوضوح في شعر الشاعر فسنجد أن اللقطات التصويرية السريعة ذات الانطباع الآني هي السبب المباشر في اتسام البساطة والوضوح في جلّ قصائده. لكأني بالشاعر الذي يعيش أجواء البحر في مدينته المكلا عيشة يومية مباشرة يلقي ببصره على أمواج هذا البحر وسفنه وناسه وأجوائه نظرات فطرية سريعة ثم يسمح لآلته التصويرية بأن تلتقط المشاهد الظاهرية دون الغوص بهذه الآلة في أعماق البحر. ومن هنا ايضاً هذه اللذة الفنية التي يحسها المتلقي عند قراءته أو سماعه هذه القصائد المعبرة عن تجارب المبدع الشعورية التي تعكس ما يحس به آنياً تجاه المشاهد البارزة أمام ناظريه.
وفي الديوان عدة قصائد يعبر فيها الشاعر عن تجربة ذاتية تحمل دفقات من الحزن والألم والأمل الخاص الذي يكاد ينطلق الى آفاق اوسع لما للهموم والمآسي البشرية الذاتية المحضة من وشائج قربى واتصال مع الهموم الانسانية او البشرية العامة والمشتركة، من هذه القصائد: (دمعة على فاطمة) و (دمعة اخرى على فاطمة) و (السقوط الى أعلى) و (بوح حزين) و (يوم الرحيل).
ويستوقفنا في الديوان عدد غير قليل من القصائد ذات التجربة الابداعية التي تحمل طابع الكثافة والبعد عن المط والتسطيح. من امثلة هذه القصائد الناجحة: (شكوى) و (قصر النيل) و (بورسعيد) و (حيرة) و (مأساة على نهر الثلج) و (بركان الغضب) و (سري للغاية) و (أمواج الخيصة) – حيث نلاحظ في هذه القصائد نمواً فنياً الى جانب نضوج التجربة فضلاً عن الابداع الجمالي.
على أن قصيدة (مجرد حلم) جديرة – بما تحمل من أحلام وآمال وعواطف وأحاسيس انسانية تنساب بهدوء من اعماق الشاعر الى آفاق عالمنا الكبير- أن تكون منطلقاً لتجارب ابداعية متفوقة. ويصدق هذا القول ايضاً على قصائد: (يوم لا ينسى) و (القلعة الجديدة) وقصائد اخرى نأمل أن يتحفنا بها الشاعر في الزمن الآتي الذي سيكون قريباً حتماً.
د. حسن البياتي
صنعاء – أواخر آب – سنة 2000

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| جمعة الجباري : قراءة الدلالات الشعرية عند الشاعر صلاح حمه امين في ديوانه “عقارب الساعة التاسعة”.

* صلاح الدين محمد أمين علي البرزنجي المعروف بالاسم الحركي صلاح حمه أمين،  شاعر وفنان …

| اسماعيل ابراهيم عبد : على هامش ذاكرة جمال جاسم امين في الحرب والثقافة – تحايثاً بموازاة عرضه .

الكاتب جمال جاسم أمين معروف بين المثقفين العراقيين باتساع نتاجه وتنوعه كمّاً وجودة , فضلاً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *