فطيمة تامن : أمين الزاوي والبداوة من الانتقاد إلى التهديد

أمين الزاوي والبداوة من الانتقاد إلى التهديد
بقلم: فطيمة تامن باحثة دكتوراه أدب مقارن

يبدو أنّ مقال الدّكتور أمين الزّاوي حول البداوة الإسلاميّة، قد أثار الكثير من الرّدود في الأوساط الثّقافية، بين مؤيّد، ومعارض، وتعدّى الأمر إلى تلقّــيه لتهديدات بوضع حد لحياته.
هل ما قاله يتوجب القصاص فعلا؟ لكأنّي بالجهات المُهَدِّدَة خائفة من كشف حقائق فظيعة! ولتستمر في إخفائها عليها إسكات قائلها للأبد! وبالمقابل أمين الزاوي ليس سوى كاتب ومفكر، إذن هو لا يحمل رشّاشا، بل مجرد شخص مدني يحمل قلما بيده، وأفكارا برأسه، هل نقتل الأفكار بالرّصاص؟
لنحاول النّظر في المقال، “رجاء أوقفوا هذه البداوة الإسلامية التي تهدد مدننا”، إنه يستغيث! يخشى اقتحام الأغنام للعاصمة التي احتضنت مؤتمرا دوليا حول المدن الذكيّة، برأيه هذه البداوة ستعمم، وستمس دكاترة الجامعة يسميهم (les douktours) وستلوث الأنظمة السياسية، يتساءل إن كان هناك يمين ويسار، فحسبه الكل طائش أو يسار. المدينة تحّولت إلى “دوّار” (قرية ريفية صغيرة)، وهذا “الدوار” تحوّل لكابوس، فالوزير، والوالي، ورؤساء، ورئيسات الأحزاب، أساتذة الجامعة، الشاعر، طبيب الأسنان، المؤذّن، المخرج، المصوّر، الموسيقيّ، رئيس الأوركسترا، وعاملة النّظافة، الكل يركض خلف خروفه بعد وزن خصيتيه، وتسجيل موسيقى ثغائه.. أَحَدَثَ هذا فعلا؟ أو خُيِّلَ للكاتب! إن حدث ولم نره فلأنه حدث مع مخلوقات أخرى غير مرئية كالجن مثلا! أم تحوّلت البهجة البيضاء إلى ساحة corrida de toros”” إسبانية؟ إن صارت إحدى ساحات صراع الثيران الإسبانية ونحن لم نفطن بعد، فتلك لعمري طامة كبرى!
يقول؛ أن مدننا واللغة الفرنسية غنيمتا حرب، مع أنه -الزاوي- لا يحب لفظ “غنيمة” (يُذَكِّرُهُ بتاريخ الغزوات الإسلاميّة وتمثّــل المرأة مركز هذه الغنائم!) هل لفظ “غنيمة” ومعناه ظهر في أول حرب للمسلمين مع الكفار؟ فيكون مصطلحا إسلاميًّا! أم هو مصطلح حربيٌّ محض، كان معروفا بين الأمم قبل الإسلام؟
يقول نحن أسوأ أعداء العمران؟ فمنذ أكثر من نصف قرن من الاستقلال، لم نشيّد مدينة واحدة تستحقّ هذا اللّقب، بل شوهنا غنائم حربنا! كل ما استطعنا وما عرفنا بناءه هو “علب سردين”، بدون أي ذائقة، بعد حشر أكبر عدد من الرجال، والنساء، لنسمح لهم بالتزاوج في هدوء في مآوٍ مطلة على الشارع. يحدث هذا رغم امتلاكنا لخمسين جامعة، ومدرسة عليا، تلفظ سنويا آلاف المهندسين المعماريين، ومهندسي الدّيكور، ومسيّرين، وفنّيين، وباعة السّردين، لم نستطع تشييد شارع جميل واحد!
هل يمكننا تغليط الكاتب هنا؟ هل يصف حقيقة العمران الجزائري الخاضع لقلة الذوق؟ أم أنه يشتم الدين والمتدينين!
يقول إن ابن خلدون لم يكن مستعمرا، ولا متعاونا مع حزب فرنسا.. كتب بلغة عربية راقية “كل بلد محتل من العرب هو مُخرّب في القريب العاجل..” (المقدمة). يرى أن عرب الأمس -مخربي التمدن وحماة الفوضى- ليسوا سوى الآباء للبدو-الإسلامويين الّذين يُصلُّون في قاعات الحفلات، ويلحقون أغنامهم بشوارع العاصمة، وهران، أو عنابة.. يطلب ألا نتعجب إن استيقظنا يوما وشاهدنا قطعان الجمال تمسح شوارع العاصمة، فيوم الجِمال ليس بعيدا!
أي نعم مصيبٌ يا أمين الزاوي، ففترة الاستقلال لم تؤت ثمارها، والمؤسسات الجامعية على كثرتها تخرّج كميّات لا كفاءات، لا نمتلك الذّوق العمراني. لكنك غفلت عن كون الشّوارع الكولونياليّة شُيِّدت على أنقاض المدينة القديمة، التي دكّتها مدافع فرنسا ذات صيف 1830! ولم تذكر شارعا واحدا عاصميّا حقا! ولا قلب العاصمة القصبة، باب عزون، باب جديد.. مقام سيدي عبد الرحمان! أين جوامعها الكثيرة؟ لمَ نسمي “جامع كتشاوة” ب”جامع ليهود” حتى يومنا هذا؟ مع أنك تعرف الجواب، ولم تذكر سبب تسمية ساحة الشهداء بهذا الاسم؟ (علما أن أصل التسمية غير موجود بين دفّات كتب التاريخ، بل في ذاكرة مواطن معجون بطينة المدينة!)، ثم تفضّلت علينا -فرنساك المجيدة- ببناء عميرات شارع عبان رمضان، والجويمعة المركزية (أحرقت نصف مليون من كتبها عشية الاستقلال).. هل الإسلاميون السبب؟
تزعجك غنيمات تركض في المدينة، هل نسيت أنّنا أهل المدينة كنا نستخدم الحمير، ونركب عربة الحصان “شريطة والعود يا عمي مسعود!”. وأننا نحن مسلموها تعايشنا مع اليهود، وتعلّمنا منهم الغناء وصناعة الحلي! وأنّهم كانوا يضحّون معنا في عيد الأضحى، ويحضّرون طمّينة المولود “احتفاء بمولد النبي محمّد -عليه الصّلاة والسّلام-“، وما فرّقنا عنهم هو معاهدة كريميو 1870 التي دبّرتها فرنساك المجيدة، كنا نتقاسم الماء لمّا تنشف آبار الدويرات، بعدالة وبتحضر، حينها لم تكن فرنسا قد ردمت “وادي قريش بعد” أتعلم كيف ردمته؟ ربما لا يوجد أيضا شرح ذلك في الكتب.. ومع ذلك اطمئن فليس البدو من فعل..
نسيت أنّ المدن الذكية تنبني على بُنَى تحتية متينة شبكة مواصلات/ اتصالات، طاقة، مياه.. إن الأغنام لم تتسبب يوما في إيقاف القطار، وإنزال ركّابه في أيّ محطة، دون تكفّل،أو تعويض، ولا اعتذار، وليست الأغنام ولا القطط التي سببت أزمة التزويد بالماء.. وليس الحمار الوحشي من يقطع الكهرباء عن المنازل بينما أنوار الشارع مضاءة نهارا ومعطلة ليلا كما تقوم الشركة المسؤولة بقطع التزويد بالكهرباء عن المدن، والمناطق الصحراوية ببداوتها المعجونة بالإنسانية -حيث الحرارة تفوق الخمسين-.. ماذا عن أكوام القمامة ألا تعطل نمو ذكاء مدنك؟ ولم تذكر ما لحق مدينة مزغنة من تشوه جراء تحول لون بناياتها عن الأبيض، فصار الناس – الذين استوطنوها وما عرفوا قيمتها- يصبغون منازلهم كيفما اتفق، لم يذرف مقالك دموعا على عبق الياسمين والخيلي وسلطان الغابة ومسك الليل.. أتُراك لم تلاحظ غياب أريجها عن الشوارع؟ وبتلاتها عن الشرفات؟ لطالما اعتنى بغرسها المسلمون منذ سكنوا لؤلؤة المتوسط، وحافظوا على صنعة الطرز والنحاس، .. وأما ما سيؤدي إلى إبادتها نهائيا، هو انتزاع السكنات القديمة من أبنائها، واستبدالها بالبناءات الدبلوماسية والمؤسسات الاستثمارية من كل الجنسيات. فالعاصمة لم تعد قادرة على استقبال حشود الأثرياء الجدد وهم ينسلون من كل حدب وصوب.
ذكرت أهل البادية وهم يصلون في قاعة الحفلات للتعبير عن رفض العفن المفروض عليهم باسم الفن، ذكرني الموقف بوزير الطاقة الياباني عندما ركع اعتذارا للمواطنين جراء انقطاع الكهرباء، فوجدت موقف هذا الأخير أليق باحتجاج هؤلاء، شكرا علمتني من خلال ملاحظتك كيف أحترم البداوة.
بعد تحليلي المتأني لمقال الزاوي، تعجبت كونه أثار اهتمام جهات متطرفة، لدرجة التهديد بالقتل، فهو لا يزيد عن كونه رأي أحادي النظرة، في ظاهرة تفشّت مؤخرا، ولا يمكننا إنكارها، لكن تركيزه عليها بشدة، إما جعل البعض يظنه متحاملا على الدين كمنظومة معتقداتية وشرائعية وهذا لم يظهر لا تلميحا، ولا تصريحا، ولا لفظا، ولا مضمرا، وإما المقال مجرد ذريعة لتصفية حساب شخصية لا علاقة لها بالمقدسات الدينية.
ومن خلال هذا المقال أدعو مثقفي بلدي من مفكرين، وسياسيين، وعلماء، من كل الديانات، والطوائف، أن يفتحوا الحوار فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم والطبقة الشعبية الواسعة من جهة أخرى، على مستوى راق، جدير بالجزائر التي لا يخاف فيها النصراني لنصرانيته، ولا اليهودي ليهوديته وإنما يخاف فيها الظالم لظلمه، جزائر القديس أوغسطين، والملكة ديليا، لنعد إلى جزائر الأجداد، إلى شعب وبلد لا يستعبده أحد، ولا يظلم عنده أحد.

 

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| مهند النابلسي : سينما ارتجالية وشهرة مجانية وشخصيات سطحية:وصف دقيق لتحفة ترفو”الليلة الأمريكية”-1973/الفيلم الفائز باوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام:1974 .

*يلعب Truffaut نفسه دور مخرج سينمائي يُدعى Ferrand ، الذي يكافح ضد كل الصعاب لمحاولة …

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

2 تعليقان

  1. سامي عادل البدري

    شكراً لمقالك الذكي والذي أتى في وقته. أنا من أصول عراقية وأعيش حالياً في الجزائر، وقد تعجبت لمدى المبالغة في شعيرة الذبح في العيد الكبير، وقد سمعت ممرضة تحكي للطبيب الأخصائي بفخر بأنها هي التي ذبحت الكبش لأن أخيها لم يكن هناك، وسألتني طبيبة أخرى يبدو أنها تشك في إنتمائي الديني، سألتني بحدة إن كنت قد ذبحت أم لا. هذا وبعد ذلك سألني طبيب آخر عن نفس الموضوع وحين أجبته رجع وسألني إن كنت مسلم. وهل أنا سني أم شيعي. يا أختي فعلاً هنالك مبالغة، ثم ما حصل مؤخراً من صلاة جماعية لإلغاء حفلات موسيقية؟ هل تعلمين؟ إن المقالات التي تكتب بالفرنسية في الجزائر واضح أنها أكثر صدقاً، أكثر عمقاً، وأكثر حباً للجزائر، فشتان بين جريدة الوطن بالفرنسي، على سبيل المثال، وبين كل الجرائد الكاتبة بالعربية. شكراً لك ألف مرة، لانك فتحت هذا الموضوع، ولأنك تكتبين بالعربي مملوءة بالاحترام والحب للجزائر، ولما أنت عليه.

  2. فطيمة تامن

    مشكور سيد سامي عادل البدري على القراءة وإبداء الرأي بصراحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *