سعدي الزيدي: سـلالم الدم

وحدها مصطبة المصادفة جمعتنا , على فسحة من دغل ينمو وسط ارض غريبة . لم تكن تلك الارض غير مساحة لركام (جذوع) اشجار اكلت الارضة والديدان خلاياها الحية لتوقف فيها النسغ الصاعد نحو الديمومة ..
/ ليس ثمة مصطبة ولا ارض ينمو فيها الدغل ..!!!/
 التقينا لقاء عدويين او صديقيين باعدت بينهما الاحداث على كره ../ تمتد يدي لمصافحته .. يرتجف جسدي . عيناي تبتلعانه . ومثلما لاحق بعضنا , بعضا” على سلالم ما .. صاعدا” , نازلا” , تتأهب يداه تستل مديه لتقطع شريانا” او تفقأ عينا” لي …!!
•-        تعال نشرب الشاي
•-        حسنا” .. .. استجب له بلا تردد . ولئلا انسى الشاهد كان معي …
  هوذا الرجل امامي لا حاجة الى مطاردة . رجلا” لرجل … اذن لنتباحث او نتساوم على طاولة الشاي هذه و … / اود قتله ../ في اخر مرة التقيتها كان وجهها شاحبا” , فزعا” . متوثبا” . وخزت خاصرتي ونحن في المقعد الاخير من الباص … انظر .. انظر …؟ كان هو يمضغ سجارته بشراهة .. في تلك اللحظة تملكني حقد مرير , نهضت في داخلي زوابع من كراهية – دعيه – قلت لها ذلك , لكنه لم يصعد …/
 تذكرت ذلك اليوم / على طاولة المقهى التي تجمعنا على ضوء مصباح شاحب ولا شيء غير الظلام المحيط …/
 قبل ان نفترق قلت له :- ليس لدي ما اقوله اكثر , لكني سأذكر لك , ان اباك ذلك الشيطان الامرد , اعرفه جيدا” واعرف خوفك منه حد الجنون .. “أبوك” اعرفه تماما” .. اتعرف ؟ جلست معه مرات عديدة , كان في احداها سكرانا” ويلعب بربطة عنقه كالمعتوه …نعم اعرفه وان كان ….!
 حينما افترقنا , لا انسى , اعتذر وعانقني , عانقته مكرها” رغم رائحته العطنة . لا انسى الشاهد كان معي …
 قبل منتصف الليل عدت للمنزل , احمل كيس حلوى وخضار , حلق الاطفال حولي كأطيار ناعمة وانا الفرح يغمرني , سأفرق لهم الحلوى فوق المائدة …
  هذه حلوى , اغمضوا اعينكم , وسأعد الى العشرة .. لنبدأ … واحد .. اثنان … ثلاث … سبع… تسع … عشر … هيا نفتح وفتحت الكيس …
ارتفع الصراخ … الصراخ … الصراخ .. الاطفال يصرخون والام تصرخ وانا اسقطني الاعياء والذهول … ولاذ الصغار بالجدار …
 كان رأس صاحبي في الكيس وليس من حلوى …!!
 
                    *******
 
 لاذ الصغار بالجدار مثل الحمائم الفزعة المذهولة والرأس ما زال على الطاولة . انا الاخر فزعا” مذهولا” , التصق بالمقع الاسفنجي واغرق فيه , عينا الرأس ما زالتا مفتوحتين والدماء لم تجف بعد … وضعت راسي بين كفي , خافيا” وجهي ماذا افعل …؟…
 أنا لا اريد قتله .. ولم اقتله .. القضية حسمت على طاولة في مقهى … عانقته … نعم عانقني واذكر ائحته العطنة ويداه الخشنتين مثل العاقول والشاهد كان معي … يجلس لصقي وكان هو قبالتنا ….
/ في رأسي تنط عشرات العفاريت ../
/ في رأسي تشرأب اسراب من الجراد .. والاشباح , رجال ملثمون , رجال مقنعون , رجال مدججون بالسلاح : حراب وبنادق وسيوف ,سكاكين , خناجر ,”سواطير” , وقواطع …/
/ امام عيني اسراب من الرؤى , تتزاحم في رأسي مثلما الرؤوس المقطوعة من الاجساد تصطف على مائدة الطعام جميعا” مفتوحة الاعين تنظر الي بسكون لا يماثله غير بوردة دم الموت …/ 
 اجد نفسي واقفا” ازاء الرأس , كان معي واحدا” , واختفت تلك النبالة الخابية في عينيه … قررت ان احزم امري وابلغ الشرطة بذلك .. حاولت النهوض من مقعدي , تمالكت جسدي , كان ثقيلا” , اذن سأشرع في الاتصال .. ما ان وصلت الهاتف حتى جلجلت ضحكة قوية في الغرفة ,لا يشبه كركرات اطفالي ولا ضحك زوجتي , المهول في الامر كان الرأس هو الذي اطلق هذه الجلبة .. التفت اليه اقترب منه كان صامتا” , ميتا” , حاولت البصاق … عدت ادراجي الى الهاتف ثانية , وما ان زولت الارقام الاولى حتى انطلقت الضحكة وبوتيرة اطول , اسرعت نحوه .. بين التصديق واللا تصديق , الخوف واللا خوف .. مددت يدي نحو الرأس ونبسته باصبعي , فتح شدقيه يحاول التهام كفي , سحبتها مذعورا”, واخرجت مسدسي , اجد نفسي في حالة دفاع مشروع عن النفس , اردت تهشيم الرأس باطلاقة او اثنتين , لكطني عدلت عن ذلك ….
 ماذا ساقول للشرطة ان الامر يسير …, ها يسير , نعم يسير .. امر مخيف , مقزز ومرعب وانا لا اطيق التورط هكذا دون حساب … ساقول ببساطة : ان راس احدهم , كان في كيس الحلوى , اشتريته من احدى المحلات .. اه .. اذكر بالضبط ذلك المحل , وقد يكون ضابط الشرطة ذاته الذي سيحقق معي قد اقتنى منه ! والاهم لا علاقة للبائع بصاحب الرأس هذا  – صاحبي – لا .. ليس صاحبي , رأس وجدته في كيس – لشخص لا اعرفه .. لا اعرفه …
•-   لا .. بل تعرفني – انا وانت خصمان … (اكاد اجن) بدأ يتاحدث .. يرتعد جسدي , ارتد الى الخلف .. قبعت في زاوية من الغرفة – هنا تذكرت الاطفال وزوجتي .. حاولت الخروج من غرفة المائدة هذه .. لكن الصوت صعقني ثانية اقترب من الراس – لم انا خائف !؟ المسدس بيدي وانا جثة كاملة وهو راس مقطوع , اقتربت منه , صارخا” فيه ايها القميء …
•-        نعم سأتحدث – اقترب مني …
 اقتربت قال : أنا وأنت سيان , الموت قاسمنا المشترك , وأنت بليد جدا” , لا تطاق .
•-        لا أريد منك النصيحة .. أنا لم أقتلك ..
•-   لكنك حملتني وجئت بي إلى هنا … واعدتني إلى محاورتك … الآن فات الأوان عليك ,أتدري ماذا افعل لو كنت مثلي الآن …..؟         
•-        لا .. لا ادري ..
•-   حالما نقطع الرأس أضعه في كيس ونرميه في النهر , عند ذاك ستكون الأسماك في نعيم وأما الجثة فلها خياران أما أن نودعها في بركة آسنة أو نطمرها تحت التراب ..
•-        اللعنة …
•-        لماذا اللعنة … أنت لم تفعل وأصحابك يفعلون , وسيكون لنا النشور العظيم …
لن احتمل , هجمت عليه , أسقطته أرضا” وأسكته ….
   شيئا” ما يتدلى من سقف الغرفة , من جهة الشباك الصغير .., ذعرت , تراجعت إلى الخلف وهيأت المسدس , ما إن انتصبت على ارض الغرفة , حتى كدت اسقط إعياء” , ربتت على كتفي ….
  كانت هي ذات العينين الخضراوين .. بهدوء سحبتني إلى الخلف , اصمت … انسحب معها .. تجلسني مقعدا” قريبا” , تمسح شعري والعرق المتصفد فوق جبيني , لهاثي يتصاعد , استكين قليلا” , أحس كفها الناعم يزرع فوق وجهي الصحراوي دغلا” ناعما” وزهرا” وحندقوق …
•-        كيف  قتلته …؟ (قالت ذلك)
•-        لا … لا .. لم اقتله .. انه وغد حقير , لكني لم اقتله أبدا” (اصرخ بها)
•-        أبدا” …
•-   انأ حذرته وسأقتله مرة أخرى لملاحقته عينيك , انه , يلاحقني الست أنت روحي .. نبض الوجدان , وكل الهواء أنت ..؟
•-        إذن قتلته , بماذا تجيبني عن هذا الرأس ….؟
•-   سحبت يدها اقبلها : أنا لم اقتله , صحيح تمنيت قتله , بكيت لها , عند عينيها . حينما نهضت اتبعها, وقفت إزاء الرأس …
•-        أنت لم تقتله …
– آ … آ … الم اقل لك ذلك ولكنني ..؟
•-        أش .. الرأس ..!
•-        لا ادري
نزعت فوطتها ولفت بها الرأس , أخذت قميصي , خلعته , صار فوطة يغطي رأسها ..
  تنفست بعمق ورحلت مثلما جاءت .. لا ادري من أي باب أو شباك دخلت لكنها كانت معي تمسح بيدي ووجهي .. اذكر قبل مغادرتها حاملة الرأس أوصتني بالنوم …
 نمت تلك الليلة نوما” عميقا” … عميقا” …

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| محمد الدرقاوي : كنت أفر من أبي .

 هي  لا تعرف لها  أبا ولا أما ،فمذ رأت النور وهي  لا تجد أمامها  غيرهذا …

حــصــــرياً بـمـوقـعــنــــا
| كريم عبدالله : وحقّك ما مسَّ قلبي عشقٌ كعشقك .

كلَّ أبواب الحبِّ مغلّقة تتزينُ بظلامها تُفضي إلى السراب إلّا باب عشقك مفتوحٌ يقودني إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *