تقدم الأديبة العراقية رحاب حسين الصائغ من خلال كتاباتها صورة لأصدق تعابير الغرق في عالم الأبداع، بمختلف صوره. فهي لا تقيم له حدودا أو تحتجز نفسها خلف أسوار، ولا تخشى أن تخوض غمار تجربة، ولا تهاب التورط في متاهات فكرة.. لهذا السبب، فقارئها يمكنه أن يتوقع منها كل شيء وأي شيء.. ويتجلى ذلك واضحا في “أوراق العاشقة”.
يقول الناشر في تقديمه للكتاب: ان السيدة الصائغ “تكتب بدافع من التحدي، وتدفع سقوف المحرمات الى الأعلى وتجتاز الحواجز الأخلاقية المألوفة أيضا. إنما من أجل شيء ثمين؛ من أجل الغوص الى مسافة أعمق في النفس البشرية، وفي معترك الروح والجسد، وفي ثقافة البيئة وعاداتها ومفاهيمها”.
ويضيف الناشر: لقد قررنا جمع كل ما كتبته رحاب، من أجل ألا يخسر الأدب الذي سطرته هذه المرأة الجسور شيئا. ومن أجل ألا تغيب مبدعة كبيرة ما يزال بوسعها أن تقدم الكثير وأن تفتح أبوابا ما تزال مغلقة في الأدب الذي تسطره المرأة العربية.
رحاب ليست كأي كاتبة أيضا. خبرتها الطويلة وتجاربها المتنوعة تجعلها من أبرز الأدباء الذين جمعوا بين عدة حقول، ولكنها دانية أيضا، وذلك في علامة على ثراء النضج، وإمتلاء الثمرة.
رحاب صوت عذب في القصيدة. ولكنها شديدة التماسك كقاصة أيضا. وتكاد لم تترك اختبارا إلا وانخرطت فيه. ثم أنها لم تطرق بابا إلا وكان لديها ما تقوله خلفه، ليأتي رقيقا، شفافا، وصادقا.
انها ليست من بين أولئك الأدباء الذين تبهرهم صناعة الكلمة فيتحولون الى صاغة كلمات وجمل تقصد الميل الى الرنين. رحاب تبدأ من رحاب الفكرة، وتسخّر الكلمات من اجل خدمتها، لا العكس. وهذه “صنعة” الممتليء.
وثمة في صورها من العذوبة ما يكفي لكي يجعل منها سلسة، منسابة كجدول لا يعترض طريقه حجر. إلا انها لا تحفل بالضرورة بما قد ينتهي اليه النص، كنص، بمقدار ما تعود لترسيه على قاعدة أداء صارم من أجل الوصول الى تقديم هذا المشهد وتلك التجربة كما لو أنها تجربة حية.
ثم انها تقولها كما هي أحيانا، حتى عندما يتعلق الأمر بأعقد القضايا الأخلاقية المتعلقة بأمور الجسد.
رحاب ما تزال قادرة على العطاء الخلاق، وهي تقاوم، معترك الحياة في العراق ببسالة كل العراقيين الذين صارت المسافة بينهم وبين الضحايا قريبة الى درجة لا يمكن معها التمييز بين حي وميت في الظرف الاستثنائي لبلاد تحت الإحتلال.
ولكن هذه المجموعة، الصادرة عن دار “اي كتب”، والتي تضم أبرز أعمالها القصصية، ستكون كافية لكي تحدد ملامح أديبة باتت كبيرة حتى ولو لم تكتب، بعد ما كتبت، سطرا.
رحاب حسين الصائغ: أوراق العاشقة
تعليقات الفيسبوك