فرج ياسين: المبدع الذي عشق القراءة والكتابة بعيداً عن عطايا السلطان
المدى برس/ صلاح الدين
لم تهمه الشهرة ولا الثروة ولا السلطة برغم أنها كانت طوع بنانه، قدر ما أرقه البحث عن سؤال ملتاع عن “سبب وجود الحكام “الظلمة واضطهادهم لشعوبهم عبر التاريخ”، فعاش “غريباً في وطنه”، ولم تغره الوظيفة الأكاديمية المرموقة التي كان يشغلها فآثر “الخلاص” بالتقاعد كي يتفرغ إلى “عشقه” المتمثل بالقراءة والكتابة، إنه الكتاب والأديب التكريتي فرج ياسين، الذي طالما تخفى من “بطش” النظام السابق بالرمزية، التي مكنته من قول “الحقيقة والدفاع عن المظلوم”.
إهمال وتجاهل
ويقول ياسين في حديث إلى (المدى برس)، إن “الحرية التي كنت أكتب بها أعمالي لم تكن ناجمة عن كوني تكريتي، إنما للرمزية التي تخفيت بستارها في نقدي للوضع القائم في ظل النظام السابق”، ويشير “لذلك لم تشملني عطايا رئيس النظام السابق، للكتاب والمثقفين، ولم التقيه إلا مرة واحدة عن طريق الصدفة”.
ويضيف الأديب والكاتب التكريتي، “برغم أني من كتاب صلاح الدين، إلا أنني كنت بعيدا عن النظام السابق، ولم أحصل منه على أي عطية، حتى أن اسمي لم يدرج في قوائم المؤلفين والكتاب الذين منحتهم الحكومة السابقة إكراميات، ويبين أن “كوني من أهل صلاح الدين، ومعاصرتي للرئيس السابق في عهد الطفولة، كوننا من حارة واحدة، ولم يشفع لي إذ تعرضت للاستجواب عندما نشرت مجلة الأقلام قصتي الموسومة بيوت الإخوة العرب، سنة 1993”.
ويوضح ياسين، لقد “تعرضت للإهمال والتجاهل، ربما لعدم حبي للظهور كأديب، حتى أن الشارع التكريتي لا يعرفني كثيراً، برغم أن كثيرين يعرفونني في الوطن العربي وأنحاء العراق الأخرى”، ويبين لقد “كنت أكتب قصصي بحرية تامة، واليوم زادت حريتي بعد أن تخلصت من الوظيفة وأصبحت متقاعداً، لأحصل على الخلاص وأبدأ عهداً جديداً من القراءة والكتابة والعلاقات الإنسانية من خلال الانترنيت”.
ويؤكد الأديب التكريتي، “لم أكتب عن الحرب لأنني كنت أمجد البطولة في الحياة وليس من خلال القتال والدماء”، ويتابع “حصلت على تكريم اتحاد الأدباء عن فيلم عرض مرة واحدة بعنوان أدباء من تلك المدن”.
عشت في غربة داخل الوطن
وبشأن المكان وعشقه، يقول ياسين “لم أنتم إلى البيت الأول، ولا الحارة أو الزقاق أو ملاعب الطفولة، لكنني نجحت في تقويضها ونبذ طابعها التاريخي الواقعي من ذاكرتي”، ويذكر أن كل “قصة أكتبها إنمّا هي إعادة لبناء تلك الأماكن إنما بعمارة وحجارة جديدة، ولهذا ظلّت تحتفظ بشبابها وعطائها ودلالاتها المستمرة”،
ويستدرك لقد “عشت حياتي كلها من دون أن أجد في مجتمعي أواصر لغويّة كفؤة تستطيع بناء جسوراً حقيقية لتفعيل حياة نشطة على المستوى الثقافي، إلاّ فيما ندر، لذلك عشت في غربة من نوع خاص مع أنني أعيش داخل الوطن”.
ويضيف الأديب التكريتي، لقد “سجنت نفسي في تكريت بعد أن كنت حراً طليقاً في بغداد”، ويبين “لم أكتب شيئاً عن السلطة سواء زمن النظام السابق، أم الحالي، فقد عشت مستقلاً منشغلاً ببناء مشروعي الخاص الذي أعتز به، وهو علاقات فنية موضوعية مع الحياة والجمال”.
يصمت الأديب فرج ياسين قبل أن يقترح التجول في حديقة منزله، للحديث عن منجزه الأدبي، قائلاً، إن “لدي ثماني كتب منشورة، وعندي مشروعاً لقصص الخميس، وصلت إلى 54 قصة سيتم جمعها بكتاب واحد، فضلاً عن مؤلف جديد عنوانه بريد الأب، وقد صدربـ 100صفحة، لحظة استكمال اللقاء بعد أن أنهى كتابته قبل انهيار النظام السابق بأربعة أيام سنة 2003”.
أفضل المذياع على التلفاز
ويواصل ياسين، “لا يوجد ما يلفت في طقوسي الخاصّة، سوى أنني أكتب بالقلم الرصاص في دفتر أتعمّد أن يكون ورقه عادياً، وأفضله أسمر اللون”، ويتابع “كتبت ست مجاميع قصصيّة وكتابين نقديين هما رسالة الماجستير وأطروحة الدكتوراه، وعشرات القصائد الشعرية والبحوث والمقالات والعروض ومقدمات الكتب والمقالات، من دون أن أجلس إلى مكتب أو منضدة كتابة”.
ويستطرد الأديب والكاتب التكريتي، “كنتُ أضع الدفتر في حجري وأنحني عليه ثم أبدأ الكتابة”، ويبدي “حبه للمذياع أكثر من التلفاز، إذ أمتلك ثلاثة أجهزة في مكتبي”.
ويكشف ياسين، عن “التفكير بأن يكون أبا روحيا لتكتل سياسي جديد يحمل اسم قلعة تكريت، من دون أن أشارك بالتفاعل السياسي”، ويعزو ذلك إلى “الانهماك بالقراءة والكتابة بعد التخلص من التزام الوظيفة والحصول على التقاعد”.
مفاجأة أفسدتها الكهرباء
يواصل الأديب فرج ياسين، حديثه عن “مفاجأة سارة”، يتناولها بشيء من الخجل والتواضع، تتمثل بالترشيح من قبل مؤسسة (عيون)، كأفضل شخصية أدبية لعام 2013 المنصرم، ويقول لقد “علمت بذلك من خلال احتفالية أقيمت في قاعة المسرح الوطني بالعاصمة بغداد، لكن انقطاع التيار الكهربائي تسبب بعدم استكمال متابعتها”.
لم يكن مدللاً
لاستكمال الصورة عن القاص والناقد فرج ياسين، كان لا بد من اللقاء بالكاتب جمال نوري، الرئيس السابق لاتحاد الكتاب والأدباء في صلاح الدين، الذي يقول في حديث إلى (المدى برس)، لقد “تعرفت على ياسين منذ العام 1975 وعرفته مهتماً بالأدب والسياسة كأي كاتب يعكس الواقع بمؤلفاته وقصصه”، ويضيف أن “ياسين تميز عن غيره بحبه للمكان، تكريت، لكنه كان بعيداً عن الارتباطات السياسية ولم يكن مدللاً في زمن النظام السابق”.
ويذكر نوري، أن “ياسين استعمل الرمزية في نقده للواقع الذي عاشه لئلا يثير حفيظة أحد، ويضمن مواصلة دربه الأدبي بعيداً عن الأضواء، ولم يتقرب من السلطة ومميزاتها، لأنه كان يسعى لقول الحقيقة والدفاع عن المظلوم”.
يذكر أن 60 بحثاً كتبها نقاد وباحثون عن تجربة فرج ياسين القصصية، الذي ما يزال يبحث عن إجابة لسؤاله “لماذا يوجد دائماً وفي كل زمان ومكان، حكامٌ ظالمون وشعوبٌ مضطهدة، إذ يؤكد “لم يعثر على إجابة لذلك السؤال حتى الآن”.
والكاتب فرج ياسين من مواليد تكريت، مركز محافظة صلاح الدين،(170 كم شمال العاصمة بغداد)، عام 1945، وحاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب الحديث والنقد، ولقب أستاذ مساعد، في كلية التربية للبنات بجامعة تكريت، وهو عضو اتحاد الأدباء العراقيين، ومؤسس وأول رئيس لاتحاد الأدباء فرع صلاح الدين، ورئيس الهيئة الاستشارية لقصر الثقافة والفنون فيها، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العرب، والهيئة الاستشارية للتأليف والترجمة والنشر في وزارة الثقافة العراقية.
*عن صحيفة المدى