اسماعيل ابراهيم عبد : ليالي النحت في مقصورات التجريد

ليالي
النحت في مقصورات التجريد
اسماعيل ابراهيم عبد
تقديم
لعل الكشف الدراسي هو استنطاق ما ليس موجوداً في النص , وبضمنه اختيار آلية الإطار الاجرائي لفعل “ الأدبية ” ((فلقد اعتبر (الشكلانيّون) العمل الأدبي بنية شكلية تتكون من مجموع الخصائص الفنية التي تقوم بمجموعة من الوظائف داخل نسق البنية نفسها ، وهذا ما أطلقوا عليه ” الأدبية “. ولم يقلل (ياوس ) من أهمية التصور الشكلاني , بل ذهب إلى أن مفهوم التطور الأدبي ومعه الأدبية … يكشف عن تشكل ذاتي للأدبية . ومنذ (فلوبير) الى الرواية الجديدة نجد الحلم نفسه يراود الكُتّاب وهو : كتـابة ” كتاب ” أو عمل إبداعي في اللا شيء ” أي لا يحيل على هدف أو موضوع . أثر إبداعي بدون رابط خارجي قائم بذاته بالقوى الداخلية لأسلوبه كالأرض لا عمد لها وتستقر في الهواء. كتاب لا يشتمل على موضوع أو على الأقل يكون فيه الموضوع خفّيًا إذا كان هذا ممكنا. ومن ناحية ثانية , الأكثر قبولاً فهي : أن في تجربتنا المباشرة مع العمل الفني لا يمكن فصل الشكل عن المادة بصورة واضحة. فقد يكون من المناسب عند الحديث عن عمل فني اختيار عناصر شتى ووضع جزء منها تحت عنوان (الشكل) وجزء آخر تحت عنوان (المادة ). ولكن في استجابتنا المباشرة ، يندمج الشكل بالمادة في مجمل الانطباع الذي يتركه العمل فينا))( ).
ما يهمنا مباشرة وآنياً من المعلومات هو اعتقادنا بأن (للادبية وجودُ في أثرٍ ابداعي للقوى الداخلية لّلغة بذاتها أولاً , والثاني تخفي موضوع الثيمة). وثمة تجربة تخص المجموعة الشعرية الموسومة بـ ((الليالي العراقية)) ( ) للشاعرة والروائية والاكاديمية (دنيا ميخائيل) , تعنى بمخيلة ” الادبية ” بصفتيها (الذاتية والاخفائية) مضافاً لها تشكل مقصوري للرسم , الذي يحدد منحوتة تجريد المعنى . ويمكنني توضيح الفعل الشعري للشاعرة , ضمن كتابها الشعري (الليالي العراقية) بأركانه الجديدة الثلاثة عبر التقديم الدراسي الآتي :
أولاً : التربط بين العنوان النقدي وثيم الشاعرة
لقد استوحيت عنوان دراستي على أثر فهمي لموضوعتين هما التجربة التشكيلية لرسم القصائد في (الليالي العراقية) للشاعرة دنيا ميخائيل , والمحفز الثاني مقولة ياسين النصير الآتية :
“عندما تتعامل مع اللوحة بوصفها مكانًا، عليك أن تفصل مبدئياً بين مكانها الواقعي المعطى، أو أن تخلق مكانها الخاص الذي ستبني عليه بيتها الفني. في الحال الأولى، تحدث المقارنة والتمثيل مع الواقع ، ويسقط الفن في المفاهيمية التي تنشدها الغالبية العظمى من متذوقي الفن، فثمة واقع مكاني معطى يؤلف رسالة ما هي محاكاة لهذا الواقع . هذا النوع من الفن … لن يحمل أيَّة رسالة … ، الطريقة الثانية تخلق اللوحة مكانها الفني الخاص ، وهي التي تثير الأسئلة أمام المشاهدين ، وتكون طروحاتها مقبولة … “( )
وتوضيحاً للمقدمات التي مهدنا بها بطريقة مطولة نوعاً (ما) أقول :
ـ ان التجريد لدي ـ هنا ـ هو اختزال المعنى بالصورة الموحية الدلالة .
ـ النحت الذي نتصوره يخص (الليالي العراقية) هو : دقة العبارة المتضافرة بماديتها ولا ماديتها الحسية .
ـ المقصورات لدينا تقارب الشكل المحدد (المقصور) على وظيفة مسندة له سلفاً , مضافا اليه والقصر الجملي . وقد يكون لاقتصار العبارة على وظيفة غير مشاعة مقارب للإزاحة الشعرية , لكنه ليس ازاحة للمعنى التأويلي بل بالتشكل التجريدي للمادي واللامادي.
ـ علاقة عنوان الدراسة بعنوان المجموعة الشعرية للشاعرة تتبين عبر (الحكائية الوجدانية) التي تسم (قصور بغداد على مدى تاريخها من 145هـ وحتى لحظة الوجود الأجنبي بالقصور الرئاسية في بغداد والمحافظات للعام 2003 وما بعده) .
ـ يوجد خيط رفيع للتخفي الثيمي , ملامحه تنسجم مع التأويل الخاص بموطن ليالي شهرزاد العراقية , وبغداد المستقبل.
* اجرائياً , يمكننا الذهاب الى القصيدة الأولى في مجموعة (الليالي العراقية) وعنوانها (الليالي العراقية) فهذه القصيدة فيها ما يثير الغرابة فهي قد بدأت بقص اسطوري على ص5 وبذات عنوان المجموعة , ثم استمر ذلك ليصير شعراً لفلسفة وجدانية على ص6 , ليتحول الى رسم تشكيلي تجريدي على ص7 , ثم لتبدأ القصيدة من جديد على ص8 بتسلسل مستمر من رقم (1) على ص8 وحتى الرقم (7) على ص13 , الذي يحمل القصيدة الى النهاية عند ص15 , فضلاً عن ان التسلسل المتقدم له سمات موضعية خاصة بالفعل الشعري كالقُصْر والحكائية والاسطورية , والاقتصار التجريدي , وهذه المواصفات تدفع ثانية لتبني العنوان أعلاه , أي :
” ليالي النحت في مقصورات التجريد ” .
واستمرار التقصي يجعلنا ان نتطرق الى الآتي :

أ : تجريد الاختزال الصوري
ثمة صور لغوية على نحو يفاعل بين الملموس والمفكر به , مختزل للعبارة وموسع للدلالة , وهنا نستحضر مبدأ التغير الدلالي للاستعمال الجملي , فضلاً عن التشكل الذهني للصورة بهيئتها المرسومة كاللوحة , وتلك منظومة لحالة ذهنية (ذهالية) , مثالها :
[يدها الممسكة بهدية
يد امها الممدودة خلفها]( ).
فالصورة المحسوسة وجود يدين , واحدة ممسكة وواحدة ممدودة الى خلف الأولى , اما الاختزال فقد وقع عند تجريد اليدين من المحيط اللغوي لهما مثل ما هي يد الطفلة التي تمسك بالهدية التي أهدتها الام لابنتها , لعلها هدية عيد الميلاد .
يكتمل الاختزال بالمحذوف الكلمي من العبارة الأُخرى , إذ غابت العبارات المحايثة المكملة مثل ما هي يد الأُم الممدودة الى يد البنت التي تمشي خلفها.
ثمة أمر يتبع هذا الاختزال هو (التغاير الدلالي) بين : يد البنت الممسكة بهدية , ويد الأُم التي تستحث البنت على التمسك بها , وثمة (تَمَلُّك) طفولي لهدية , و(تَفَقُد) خائف لأُم , وثمة موضوع (ضائع) مخمن هو أن البنت والأُم اختزلتا باليد , وحركتان مختزلتان هما هدية أفلتتْ ممن أهداها وممن تقبلها ..
ثمة دلالة فقدان لم يصرح به هو الاسم , إذ يعني الإهمال لمسبب الفقدان ولفريسة الفقدان , لأجل ان يشمل المعنى المتأتي من جموع الدلائل , على كل طفلة وكل أُم في كل ليلة ولكل اسرة في البلاد (الأسيرة) .
ب : النحت الدلالي للماديات واللاماديات
النحت الذي نعنى به هو الذي التوزع الكلمي الدقيق الذي يوفر للقيمة تضافراً دلالياً بين المادة وصنوها الصوري , وصورة اللغة وصورة مقابلاتها من المجردات المتخيلة غير المتوقعة , مثالها :
[ يد دميتها من الطفولة التي تغني بضغطة عليها ]( ) .
فالدمية واليد موجودتان ماديتان لهما صورة لغوية مجردة واضحة , لكنها ترحل نحو صنو لغوي صوري آخر هو القيمة الروحية (للطفولة) , يقابل هذا الترحيل , (الضغط) المباشر على الدمية الذي (يولد) الغناء , يولد (صورة غناء) من دمية , جيء بها عبر الذاكرة , لتصير بديلاً عن الغناء الحقيقي المتخيل , بمعين العودة الى زمن يوحي بالبعد المضني , والمكان المضاع , والفرح المصادر , ومن ثم يصير التجريد هو الدلالات المتوزعة بين المُستبصر من الحياة والمُتصور من المظهر القولي , ومن ثم ينتقل كل هذا النحت الى صور الدلالات غير المتوقعة , أي أن الغناء يجيء (بالضغط) لا بالمرح , مما يعني أنه صار بكاء!
ج : تعدد مضام المقصورات
لنضع للمقصورات , من الجانب الدلالي , ثلاث وظائف (تحديد الحدود , واشاعة القُصْر الجملي , والعمل على اقتصار الدلالة على غير المشاع الازاحي ) ..
انني لأجد القول الآتي سيخضع للتضافر بين تلك الوظائف :
[ يد خاطفها التي سحبتها بالقوة
اليد التي تمسح
دمعة ]( ).
لقد حدد القول أعلاه الاطار العام للحِس الشعوري عبر جعل اليد المجرمة تقبض على يد المخطوفة الباكية. والقول ذاته جعل العبارة تغطي حالة العنف بأقصر وأدل وأقل الكلمات , من ثم فاض القول بوظيفة الازاحة لغير المشاع الذي تبنى معنى (اللا قدرة على المقاومة عدا مسح الدموع) , وطبعاً , تم الاخفاء غير التام العَمدي لموضوع الدلالة الأكبر والأخطر , تلك هي اتهام العالم القوي بجريمة الخطف المنظم لأطفال العراق .
د : حكايات القصور والليالي لبغداد الأزل
الحكايات المتناقلة شفاهياً وتدويناً تروي الاساطير عن ليالي بغداد , ورخاء عاصمة الرشيد , وقصص الأميرات المتنعمات في قصور سلاطين ال عثمان ..
تلك الثيم الغائبة عن المقول الشعري هي بؤرة العنوان (الليالي العراقية) , وقيمة الجمال لـ (ليالي بغداد) على شواطئ دجلة , وهي ذاتها الحكايات التي مهدتْ لوجود شعرية الشعر في مجموعة الشاعرة دنيا ميخائيل , وهي ذاتها حفزت الناقد على عنوانه اعلاه (ليالي النحت في مقصورات التجريد).
لنا في المثال الآتي موجه لا يحتاج لتعليق او توضيح فهو يبين ما قلنا بشكل تام تقريباً . [ اليد التي تقلب الليالي في تقويم قديم
اليد التي تلوح
سلاماً او وداعاً
او طلباً للنجدة ]( ).
هـ : التخفي المتحفظ لثيمة شهرزاد
ما يتخفى في دقائق القصيدة كلها والمجموعة كلها , ودلالات الضمر التجريدي لهيكل القص في الليالي , أولئك كلها تحيل الى قضية (المرأة شهرزاد) التي تضع للحياة كفاً وللقدر كفاً وللتاريخ كفاً , ولِحَظِّها الكفُ الأكثرُ ألماً والأكثر حظّاً على تقبل المكتوب على راحة اليد : [ اليد بخطوطها : خط الحياة وخط الحب وخط القدر … ]( ).

و ـ التصاعد الدرامي
التصاعد الدرامي سيسهم في تشكيل أدبية المشهد وأدبية السرد والرسم التجريدي , إذ المتصفح للمجموعة الشعرية (الليالي العراقية) سيجد انها تتناسق بتصاعد درامي من مشهد النص المسرحي على ص 5 , ثم سيتصاعد نسق الحكي ليؤلف حكاية العنف الاجرامي لخطف الاطفال على ص 6 , من ثم سيقطع التواصل الحكائي الشعري على صفحة 6 ليصطدم بذات الجمل الشعرية البرقية على صفحة 7 على هيئة لوحة تشكيلية تجريدية لكف مفتوح مدون عليه مقاطع القصيدة المنصرمة لصفحة 6 , ليتمتع بتلك اليد المفتوحة على الحظ والحياة والوداع والسلام , من ثم يصطدم مرة ثالثة بترتيب شعري مقطعي يبوب المتبقي من القصيدة على نحو يؤمل منه الإيحاء بالتوالي الحكائي , الذي يحكي تفاصيل الجريمة بلسان الـ ـ شهرزاد ـ دنيا ميخائيل! , تعلن عن جريمة التحضر المتوحش , المتسلسل , المنظم , كأنه أبيات شعر قاتلة .
هذه النتيجة كنظام (لبانوراما) قول وفلسفة وشعر , جعلتها الشاعرة منظومة لأدبية لها ثلاثة أطراف تجريدية مؤلفة من (السرد , الزمن , الرسم) لتصرخ بأحد عشر لسان , كل لسان له جزء من حكي , وزمن وصورة في لوحة , غطى ذلك الصفحات (5 , 6 , 7 , 8 , 9 , 10, 11 , 12 , 13 , 14 , 15 .
ثانياً : ترميم ألواح بابل المفقودة
تفترض الشاعرة ان ألواح قصة كلكامش العراقي صار عددها 24 لوحاً :
فـ ((ملحمة كلكامش هي ملحمة سومرية , شعرية مكتوبة بخط مسماري ,على 12 لوحاً طينيا , اكتشفت لأول مرة عام 1853 م في موقع أثري أكتشف بالصدفة وعرف فيما بعد أنه المكتبة الشخصية للملك الآشوري آشوربانيبال في نينوى بالعراق ويحتفظ بالالواح الطينية التي عليها الملحمة في المتحف البريطاني .
الألواح مكتوبة باللغة الأكادية , وتحمل تهاية الألواح توقيعا لشخص اسمه ” شين نيقي نونيتي” الذي يتصوره البعض أنه كاتب الملحمة التي تعدُّ أقدم قصة كتبها الانسان))( ) .
ان كل لوح قد كان جزءاً أو قطعة من لوح آخر , وتلك الألواح كلها كانت من بعضها لكن تيار الزمن خلطها مع ألواح جديدة فما عُدنا نفرّق بين ألواح الأسى , وألواح الفرح وألواح الطقوس , أو ألواح أوامر وتعليمات السلطة .. والباحث في ألواحها يجد ان من الضرورة القصوى للفعل الشعري للشاعرة (دنيا ميخائيل) أن يفصل ويوصف سمات كل لوح كونه مصيراً من زمن وطين وخطيئة . لنتابع بعضها بكون الرسم هو المعنى من الكتابة لا الكتابة التي تتوضح بالرسم :
أ : لوح السماع
هو لأُذُن حلزونية تراود طينة تضم صَدَفة لأجل التفاهم عبر ما يمكن رسمه من (و) الخليقة , أي (واو) الالتفاف بين الرجل والمرأة , أو الحلزون والصدفة , أو الاذن وايقونة الأسرار , أو التدوين الضائع وفكرة بدء التكوين .
تلك الاحتمالات كلها تضلل الوجود بين من وضعت اذنها على الصّدّفّةِ والصدفة التي تحتوي العالم كإيقونة لفكرة الكتابة .

ب : لوح الأثر
انه بابل الأثر وبابل البلاد , وبابل الانقاض , وبابل الحزن من كلكامش حتى سعدي الحلي . والأثر هذا (جسد) من ابتسامة (ود) بين الذكر والأنثى قبل وجود الأقاليم , وهو العقد الحقيقي الوحيد العنيد الضخم بين فكرة الكتابة وفكرة الحب ـ حتى لو كان وهماً لصورة تحت تراب الزمن والأسى .

ج : لوح القصيدة
وفيه ان القصيدة أعمق من الصورة فلنقرأ القصيدة :
[ كلما ترمي حصاكَ
في البحر
أتموج ]( ).

في الصفحة اعلاه .. الكتابة في أعلى الصفحة ..
في الأسفل الصفحة كتابة مُهّنْدّسةٌ ـ بصرياً ـ تشبه موجة ماء , عندما ننظرها عن قرب .
وهذا اللوح ـ كونه لوحاً ـ هو كتابة على مجسم مادي , وكونه كذلك فهو ذو سطح متموج, لكن الشاعرة وضعت نفسها بديلاً عن قطرة ما ,والقطرة هذه وضعت نفسها بديلاً عن الموج, والموج وضع نفسه بديلاً عن البحر .
بما أن البحر قد زحف الى بابل وسبب طوفان ما بعد (اتونابشتم) , فهذه الطفلة (الموجة القطرة) , هي كلمات طافية فوق سطح البحر , الذي لا وجود له سوى كونه حكاية ساحرة وشعور يسم كلماتها , فهي إذاً قصيدة .
ان اللوح سيكون لوحاً لقصيدة كلماتها حصاة ألقتها الشاعرة من العهد الألفيني الى العهد ما قبل بدء الكتابة !
د : لوح الايكلوجيا
[ قلبي صغير جدا
لذلك يمتلا بسرعة ]( ).

في هذا اللوح تنزل الكتابة من صورتها في الفكرة الى بيئتها في المعنى لتكوّن بيئة الوجود من عناصر بشرية وما فوق بشرية ـ (اسطورية) ـ يتخلق منها الرمز المعبر عن المضامين البعيدة الدلائل , وطقوس المجتمع , وآلهة الأديان , عبر فطرة أعمال وسمو سلوك , عبرها يبعث الإله بالثمار وقوانين عدالته ـ (كبيئة) ـ لمن يسارع الانسان الى تنظيم المعاملات بين الناس . هذا الوجود الصوري للفكرة صار فعلاً للبشر , نصف منه يابسة للناس وأشيائهم , ونصف آخر لماء التطهر الذي يخص خضرة للحيوان واحتفالات الأعياد الربيعية , وحيوات الماء في البرك والأنهار والأهوار .إذ ان اللوح هذا عرس البيئة الذي قارب بين العناصر العاقلة وأديانها الحكيمة , وحكمة سدنتها, وعنفوان وشباب حركة موجوداتها الحية المتجددة .
ان اللوح هذا قلب صغير من الخضرة والجمال لا يدخله سوى الحب الأزلي , والنور الالهي والسلام البهي المؤتلق بالقلوب المسامحة , والأفياء الرحيمة , والغنى الروحي والمادي . هـ : لوح الامتلاء
انه لوح الذوبان الذي يصنع نفسه ويصفو بضيائه الداخلي . انه لوح السيولة المالئة للنمو والارتقاء والرواء , للأشياء . انه لوح لضياء الماضي وبهاء الحاضر . انه لوح خضرة اغصان العطاء المطلق للثروات المتجددة . انه لوح المجدد للزمان والمكان بتواليهما وحضارتهما وامتلاء الناس بحيوية وجودهم الكوني. انه لوح التعايش المقنن المتزن المتوازن للعيون والشجيرات واسماك الماء وهم في تعايش يحترم مستلزمات الكائنات من هوام اليابس والماء , كونه يذوب ويوفق روحياً بين الزمان والمكان بروحية الرضا والامتنان والتفنن بحب الذوبان المتضامم بعضه لبعض من لون الجمال مستحيل التحدد لشفافية الماء , ومن لون الفرح بالوجود مثلما هو موجود !

و : لوح الذكرى
في هذا اللوح رقي شعري , حسي ونفسي يتغلب على صورة الكتابة كمتخيل للفكرة , إذ ان هذا لوح يمارس طقوس استعادة لمضمون فات زمنه يريد له ان يتحول كائناً غائباً في الوقت حاضراً في الضمير , مشخصاً بالذكرى التي خلدتها لوحة , لننظر ونتأكد :
[ الشخص الذي نظر إلي طويلاً
والذي نظرت إليه طيلا
والذي لم يعانقني يوما ولم اعانقه
خرب المطر نصف الألوان التي تحيطه
في لوحة قديمة
… لم يكن مع الازواج الذين ضاعوا وعثر عليهم
لم يأت مع اسرى الحرب
ولا مع الطائرة الورقية
التي نقلتها في الفحم
الى مكان آخر
وهي تقف أمام الكاميرا لتلصق ابتسامتها
في جواز السفر ]( ).

لنضع انفسنا بمكان الشاعرة ونتنفس الكلمات فهل سنرى لها مجسداً (ما) غير الغياب , وهل كان الغياب يوماً تجسيداً مادياً لشيء؟!
السؤال هذا له صلة بتخصيب , الباطن الشعري مع الظاهر المتني , للمجموعة كلها , الباطن الذي يحتفظ بثلاثية (النحت والقصر والتجريد)!.
لنراعي العنصر الذي دخل الألواح في ص 26 , ص 27 , العنصر السردي المقوض ليقينيات المعنى , إذ الشخص الراوي هو الشخص المنجز للأفعال الشعورية القلقة التي تتراكم على نحو حدثي متصاعد , الشخص الذي نظر الى المحبوبة طويلاً , المحبوبة التي نظرتْ إليه طويلاً , دون ان يتعانقا , وكأنهما ذكرى في لوحة مَسَحَ ألوانَها المطرُ .. لكن ذلك لم يمنع المحبوبة من انتظاره , وتعقب أخباره لعله سيعود مع المفقودين , أو قد يعود مع أسرى الحروب , أو ربما ستراه صورة في طائرة ورقية منقولة في الحلم وبواسطة (الفحم) من الطائرة الورقية لطفولتها الى دفتر مذكرات كهولتها , أو ربما سيبرز لها من كاميرا ابتسمت لها وهي تأخذ صورة (فوتو غراف) لتضعه على جواز سفرها , أو لعله الغربة الأخيرة في لحظة وجود أخيرة , وجود سيفنى عبر القِدم!.
ان السرد هنا يُسهِم ـ بطاقة متفردة ـ في وضع النحت والتجريد الصوري قبالة معنى مزجج مرائي غير مستقر ولا مضلل , إنما هو انفتاح على شؤون وشجون لا (حدّ) لغورها ولا مقصورات لأسفارها و آثارها.
هكذا يخلق النص لنفسه دلالات الانفتاح والانغلاق في آن واحد .
ز : لوح الاقصاء
ان مجمل ما سيرد من مكونات هذا اللوح هو استكمال سردي بواقعين هما بطانة (النحت والقصر والتجريد) , ومظهر الاقصاء العمدي لليقين الفلسفي , عبر اجتماع النص على جمل تحتوي ان تكون بدقة النحت وقصر العبارة البرقية وجزالة اختزال المعنى التجريدي للألفاظ, فضلاً عن الدلالات التي لا تشي بيقين ما , انما تضلل الفهم لأجل ألّا يقيد الوجد الشعري للنص , فالنص كله ـ كما نراه ـ مغامرة لهذا الفرض .. لننظر :
[ كم مثيرٌ ان تظهرَ في عينيهِ
لا تفهم ما يقولهُ
مشغولة بمضغ صوته في فمها
تنظر الى فمه الذي لن تقبله
الى كتفه الذي لن تبكي فوقه
الى يده التي لن تلمسها
الى الارض حيث ظلاهما يلتقيان ]( ).

ثالثاً : تشكل الوجدان هندسياً
ان التشكيل الوجداني (شعرياً) يأخذ الأبعاد الهندسية كتطبيق كلامي على الميل العاطفي وما تفيض به اللغة من (لامعنى) دون المساس بدلالات التجريد المباشر لمظهر الاشياء في النص.
ولكوننا بإزاء تجربة انسانية تأخذ (بسيولة اللغة الى متعة فنية خالصة فلابد من البحث عما وراء هذه (المتعة) كوننا نقدر دلالات (اللا معنى) في مثل هذه الحالة , أي نعطي للعلائق لا ماديتها ونضحي بالمعاني الكبرى ذات الاغراض الفكرية او المعرفية .
سنرى العالم بتشكل باللا معنى عبر أكثر المجردات توصيلاً (أي العناصر الهندسية للأشكال) التي تخص السطح المستوي , والسطح المربع , والسطح الدائري , سنرى ان : ـ اول نتائج الاستثمار اللغوي هو : ان دلالة العالم كائن من (سطوح) وهذه السطوح لا معنى تجريدي أو اختزالي لها.
ـ ثاني النتائج المسح السطحي : ان العالم مستوى ومربع ودائرة .
ـ ثالث هذه المساهمات الهندسية اللا يقينية : ان العالم محدد ومغلق ومختلط .
ـ رابع تلك العلائق الهندسية وجدانياً : ان العالم غير متسو ولا عادل ولا شكل يحدد قيمته . ـ خامس النتائج هندسياً مرائياً : ان الوجدان وان تم تقييده بخطوط عالمية هندسية شهيرة فهو يفتقد المثلث (اي الروح) , فالجسد والعالم المحيط به يحتاجان الى (لغة روح) لفهم غير المنظور من السمو الفطري , والفكري اللذان لن يجيدهما سوى التعبير الشعري . تُرى أين تقع هذه الفلسفة العابرة للمحسوسات جميعها ؟.
لنتابع الأمر على الوجه الآتي :
أ : للعالمِ سطحٌ مستو
لننظر في :
[ لو كان العالم مستوياً
مثل بساط الريح
لكان للأسى بداية ونهاية ]( ).
هذا العالم الذي لا مستوى مُعَلَّم له هو حنين لـ (أسطورة) أوجدتها قصص العراق في (ألف ليلة وليلة) ..
انه عالم لـ (بساط) من شغف ومن حركة وطيران , ومطلق فضاء لا حدود لجلاله سوى انه يبتعد عن الأسى , وانه يبتعد عن بداية ونهاية السعادة للكائنات كونها تحلق بعيداً عما يربطها بشكل العالم ..
لنستحضر ـ هنا ـ فرضنا البدئي , أن :
(لا معنى اللغة يكمن في مطلق حالاتها في تذويب الدلالات) .
اذاً سطح العالم هو مستوى متعة فطرية بغير المُجسد الشكلي الذي يحتوي مضمر البهجة بحالة اللغة الشعورية لا بمعناها التجسيدي .
ب : تربيع العالم
ان المربع ـ هندسياً ـ مسطح متساوي الاضلاع والزوايا , وهو في القصيدة متساوي الدلالات وهو في القصيدة ليس متساو ياً من اية ناحية , بحسب المطلق الوجداني , لكن الشاعرة تأخذ من المربع زواياه فقط , نحن هنا نريد الخروج بمجمل جامع للعلائق الدلالية عبر الجزء الآتي :

[ لو كان العالم مربعاً
لاختبأنا في احدى الزوايا
كلما لعبت
الحرب لعبة الغميضة ]( ).
نرى ان الدلالات تميل لتحقيق الآتي :
1 ـ الزوايا ملاذ يشبه ملاذات التداخل الحميمي بين الرجل والمرأة .
2 ـ المربع مربع الترويع وليس مربعاً للتلذذ الحميمي المفترض .
3 ـ زوايا المربع ملاذ ليس آمنا لأنها ضمن ملاجئ الاحتماء من الحرب التي تلعب بالمصائر مثل الغميضة التي يباغت لاعبيها بعضهم بعضاً دونما انذار مسبق .
4 ـ لكل الحروب دلالات للامعنى الوجود الانساني كونها ممارسة عدمية إعدامية لذا لا لغة تحمينا من لعبة او لعنة الحرب .
5 ـ ثمة قيمة أُخرى لزوايا المربع , انها حالة الاختباء التي لاتحل قضية , ولا تغطي معنى, انما لها دلالة الاضمار بالتغييب المؤقت للظرف الذي كان مرتبطاً ببساط الريح .
ج : تدوير العالم
العالم الذي تشكل بنقائصه المنوّه عنها , أي افتقاده لمثلت الروح , وافتقاده لسعة ولامنطقية بساط الريح , جيء به في النص الآتي ليلغي تربيعه أيضاً :
[لو كان العالم مدوراً
لدارت
احلامنا بالتعاقب في دولاب الهوى ـ الليالي العراقية , ص 41] مرة ثالثة يشكل اللامعنى عالماً مغلقاً بلا منافذ ولا دلالات اتجاه , يفتقد الى روحية المرح والحلم بمتعة قصوى للدوران في الهواء , حتى لو كان الصعود محدوداً ومجهولاً , لكنه رؤيا من احلام .
هذا الغلق يعنى بلا معنى من نوع خاص , إذ هو معنى الإدانة لشكل العالم دونته (دنيا) بلا تغير , وان الدلالة هذه تبعد العالم نن معنى كونه محيطاً حاوياً للبشر , لأنه مغلق لا تعاقب لدواليبه .
ثمة حالة مكملة لأوامر هذا العالم تلك هي اضطهاد الارادة في التعايش السلمي السليم . د : العالم غير متساوٍ
لنلجأ لتأكيد حالة التشوه الشكلي للعالم , كونه ليس بساطاً بين الارض والسماء , وليس مربعاَ للذة والاحتماء , وليس للعب الطفولي المرح , وليس للمعنى الجمالي العاطفي ..
إذاً هو قيمة للتشوه والّلا مساواة .. وفي النهاية , هو عالم يبتعد بالدلالة لتنحاز الى (لا معنى) اية قيمة , سوى قيمة واحدة : للعالم قيمة المتعة بفن الحكاية والشعر , مثلما جاء في العبارة الاخيرة :
[ لو كان العالم مدوراً
لدارت
احلامنا بالتعاقب في دولاب الهوى
ولتساوينا جميعا ً]( ).
رابعا : وثبات لخفقة النور
العين (النور والابصار) والاخصاب (اللقاء والبيض) اللون (كلام وعالم لامعنى) , جميعهم بخفة فقاعة تنوء بنور خفي , خفيف الألق له شكل سمكة بحوض , عينها تلصف ببهاء نورها.. تُرى ما الغريب , أو السوريالي للتجمع الايكولوجي لمكونات قصيدة (في حوض السمك) كونها وثبة لخفقة نور يضيء الدواخل؟ .
لعلنا سنشبع رغبتنا في تأمل السؤال قبل ان نخمن الجواب عبر تواصلنا في :
أ : الإخصاب
نور الاخصاب انه يتم عبر لقاء حميم , لكنه عند الاسماك ليس كذلك , انما في اتباع اثر البيوض , وفي هذه الحالة يكون الاخصاب إخصاباً مائياً , كأنه يتم بالنظر وتماس الحلق , هذه النية المبيتة للتوالد والاستمرار البيئي تجعل البشر أحق من غيرهم من مكونات البيئة الأخرى بمثل هذا اللقاء , أي لابد من اخصاب عبر اللقاء الودي بين الثقافات والأمزجة لتتولد بيوض التآخي تقليداً لما في البيئة المائية من ثراء معنى اللا معنى , أي الحِس بالقيمة دون لمسها مباشرة , الحس الذي يدنينا (بها) من المنفعة مفعمة الجمال , قليلة الاستعمال . لننظر الآتي لعلنا نقتنع بما تقدم :
[ سمكة تلتقي
سمكةً اخرى
وتضع بيضاً ]( ).
إذاً الاخصاب بهذا المتجه الافـتـراضي يحيل الى لقاء نور الأنفس السامية الصافية كمياه الحياة.

ب : الغضاضة
نخص بها هنا غضاضة الطراوة للماء وللتلويح وللعشبية ولخروج الألوان .
ـ هي نوع من الانتشاء والوله بشكلية اللون وما يخلقه ـ بالرسم او الكلام ـ من مكنونات نفسية وايماءات جسدية , داخل الماء .
ـ هي غضاضة عفوية تخدم دلالة واحدة لا معاني تخلفها ـ على ما فيها من مضمر ـ تؤشر لمحة نور وجداني ينير البيئة لتصير متصالحة دوما :
[ زعانفها تلوح لعشبة طرية
فتخرج الالوان
واحد بعد الآخر ]( ).
ج : فقاعة الكلام
في النص الآتي أغراض تكمل قيمة اللا معنى , تلك هي امتلاء الماء بالهواء وتزاحمهما على ملكية الفضاء الايكولوجي . لنتابع :
[ والفقاعات كلام
لا يعنى أحداً ]( ).
د : العالم عين سمكة
النور المتألق بـ (عين) السمكة هو نور من ضوء لرؤية تخص التبصر والتمعن والفهم لحيوية العالم وحركته ..
السمكة تاريخ الارض والبشر , وعينها بحلقة انبهار وطمأنينة , أما النور والبصيرة فهما حكمة أية نهاية تخص حركة أو ميدان فكر أو (عرفانية وجد) بين عناصر التطور العقلي والوجداني :
[ العالم يصعد ويهبط
كل يوم
عبر عيني سمكة ]( ).
خامسا : الرقيبة جلالة انثى القص
هي ليست رقيبة تماماً , إنما هي من يسَجِّل ما يُسرد عن الحلم .
انني اجد من مهماتي ان اتفهم جدوى سردية ما تهتز به الشاعرة , إذ اليقين (زعزعة معنى) الملموسات , وثمة ما يؤكده لي عبر التبصر المتسلسل الآتي :

أ : رقيب البارحة وقص جلالتها
لعل الحدث السردي للرقيب الراوي هو ابرز ما يعلم المقطوعة الآتية :
[ البارحة حلمت بك ,
كنت غريقة
وانت انقذتني ,
ثم قبلتني
قبلة طويلة ,
وحين صحوت
تأسفتُ
لأني لا أملك فرصة ان اغرق قريبًا ]( ).
لطالما نقع في القص على الحدث الأهم فنعرف انه البؤرة لموقف القصاص , لذا فتتيح لنا قصة الاحداث متابعتها على أساس ان عمق الفكرة هو البعد المعلن وما يخبئه من بعد دلالي مضمر .
طبعاً , هذا في القص نسجاً ومضموناً , لكنه في الشعر يتحول النص كله باطناً بؤرياً للتخيل الشعوري المفعم بالألغاز (حد) المتعة بلغز اللغة قبل لغز الحدث , وهو ما عَلَمَّ وجود البؤر الشعرية لسردية نص (وقيعة البارحة).
لقد انقسمت الوقيعة السردية كدلالات عمق حدثي متخيل (شعرياً) الى :
ـ الاحداث المتوالدة :
(الحلم = الحدث الاول / الغرق = الحدث الثاني / الانقاذ = الحدث الثالث /
التقبيل = الحدث الرابع / الصحو = الحدث الخامس) .
ـ (حدث وثبة الانقلاب = التأسف = العمق البؤري للشعرية) .
ـ (حدث الضربة الجزئية = عدم امتلاك لحظة الغرق ـ وهو ينهي اطار الحد الاول من قص البارحة). وتفسير السيرة السردية لشعرية (البارحة) هو :
ان جلالة الأنثى صاغت الوقيعة الشعرية السردية على نحو دلالي متصاعد من الحلم لأمس (البارحة) في النوم , الى الغرق , ثم الى الصحو , بأثر انعكاسي للقبل والاسف , من ثم الالغاء المؤسي في فقدان الغرق برحيق الحبيب (تراب الوطن).
لكن لفظة (قريباً) تعطي لنا نبوءة , ان يحدث الغرق يوماً ما ليصير رحيق الوطن عسل العيش الحر الجليل .

ب : وقيعة الحفرة والريشة
بما يقارب التجلي الحدثي للمقطع الأول تصاغ وقائع الجزء الثاني لأحداث القص الذي ترويه جلالة الأنثى , كونها (البطل الراوي والرقيب الهادي) , الى مسارب جلالة شهرزاد التي لا تطير وتنتهي ولا تحط فتحرر بنات جنسها , وتظل تهوى (هاوية) هواء البلاد . لننظر في :
[ وقعتُ في حفرة في منامي
وعندما صحوتُ
وجدتُ ريشة
لو اني وضعتها تحت وسادتي
قبل ان انام
لحلمت بأني حمامة
وما كنتُ وقعتُ في الحفرة ]( ).
ان الوقائع تكمل حلم البارحة بحلم اليوم فمن الطبيعي ان يصير (حلم اليوم) أكثر انغماساً بالتخيل كونه جاء بعد صحوة الأمس , أي صار حلما أقرب لحيوية الحقيقة المادية والجمالية والروحية .
لقد تسلسلت الوقائع (السردية الشعرية الإشارية)على الوجه الآتي :
ـ الاحداث المتوالدة :
(الحدث الاول = الوقوع في حفرة , الحدث الثاني = الصحو , الحدث الثالث = العثور على ريشة , الحدث الرابع = التمني , الحدث الخامس = وضع تحت الوسادة , الحدث الخامس = حالة ما قبل النوم) .
ـ (حدث وثبة الانقلاب = عدم الوضع تحت الوسادة).
ـ حدث الضربة الاخيرة = فقدان الحلم بالطيران كحمامة) .
* ان تبرير تسلسل الوقائع وبؤرها المضمرة يقتضي القول :
ان جلالة الأنثى أقامت جسراً من الأماني , يصل بين صور منتقاة من الذاكرة , وصور متخيلة لوقائع يلغي بعضها بعضاً مما يتيح الجزم بمسألتين هما :
× القضية الاولى , ان الحلم لن يعوض عن المتلازمات الحياتية التي ترنو الى حنان قبلة وجمال حرية وفعل سلام .
× القضية الثانية , ان الاستشعار بضرورات (الحنان والحرية والسلام) على تربة طيبة , لن يكون سوى واقعة شعرية ستظل حلماً شبه أبدي مقدس لجمع البشري , ولسوف تكون بلاد الف ليلة وليلة هي عين الانسانية الحارسة للحلم كونها كتبته على جبين شهرزاد فناً وذوقاً وحكايات .
سادسا : قول على قول
أقول هنا ما أراه تصنيفاً , اعتماداً على مقولاتي النقدية الخمس الفائتة , ليُكَوِّن هذا المفصل (السادس) ما يشبه الخاتمة .
اني أجد القصائد بموضوعاتها ال 121 عنواناً , وعبر التقصي للعناوين والمتون , برأيي , انه صار ممكناً ان نعتبرها (121) ليلة عراقية , منها ما هي ليال طويلة لأن مضمونها جاء انعكاساً لأحداث كارثية , ومنها ما هي جلد للذات قصيرة الصبر , وتشكل بطريقة الرسم التشكيلي التجريدي .. منها ما هي خبرية , (تخبر وتنبئ)عن احداث ستكرر على الرغم من انها مضت منذ الاف السنين , ومنها ما هي ليالي للبصائر والمصائر المتوقعة في أية لحظة . هذا الذي أقوله اضعه تصنيفاً معرفياً أوليا لّليالي الـ 121 ليلة .
ثمة تصنيف آخر يجعلها ثلاثة أنماط من الوقائع الهلامية , كل صنف له (واقعية حلم , وحلم بوقائع متخيلة) , موزعة بترتيب عناوين لحيوات ممنهجة على الوجه الآتي :
أ : حياة اولية واهية
تلك هي حيوات تجمع بين صور الخُيلاء والغرائب , ولامعقول العلائق بينها .. تتوزع هذه الحيوات على مساحات مادية وغير مادية بين الصفحة 5 حتى الصفحة 50 .
ب ـ حياة ثانوية ثنائية
تنتظم مكونات هذه الحيوات عبر أدوات حضارية تخص التواصل الاجتماعي الحداثوي , بإزاء حيوات لمؤالفات الجمال التقليدي , فضلاً عن قوى الانتماء والانتخاء الانساني , اضافة الى حصائل بحوث الفضاء , كما انها تضم (أحياناً) فواعل المسرح المُرّحَّل من التقليدية الى الحداثة وما بعدها.
تنتظم مضامينها في عناوين ومتون الصفحات من الصفحة 51 حتى الصفحة 71 . ج : حياة الجدل
تتعمق بجدل الحياة عبر وقائع سردية وشعرية وتاريخية وتراثية , جميعها تؤلف حياة وثقافة الشاعرة الشخصية , تنتظم بتركيب يخص تسلسل عناوين القصائد ذات التوالي من الصفحة 72 حتى الصفحة 126 . وأهم ما يميز جدلها انه قائم على طبيعة التناص مع آلاف الأحداث والقصص التي جرت على بلاد ميزوبوتاميا (ارض بلاد ما بين النهرين) .
بمعنى ان حصائل الحكايات المؤلفة لساحة التناص المخمن تزيد (بأضعاف) على حكايات وروايات الف ليلة وليلة .

دنيا ميخائيل
* دنيا ميخائيل , والاسم بالإنجليزية. ( Dunya Mikhail )
* شاعرة عراقية باللغة العربية و اللغة الإنكليزية مقيمة في الولايات المتحدة
* ولدت في سنة 1965 في مدينة بغداد عاصمة العراق
* خريجة جامعة بغداد
* في التسعينات هاجرت إلى الولايات المتحدة وتخرجت من جامعة وين ستيت في 2001 * نالت جائزة من الأمم المتحدة لكتاباتها عن حقوق الإنسان. * من أبرز مؤلفاتها “الليالي العراقية”، التي صدرت سنة 2013 عن دار ميزوبوتميا، وترجمها إلى الإنجليزية كريم جيمس أبو زيد، وصدرت الترجمة سنة 2014 بعنوان The Iraqi Nights.
خطى كاتب
إسماعيل ابراهيم عبد
(سيرة)

اسماعيل ابراهيم عبد
مواليد بابل 1952
بكلوريوس آداب
أحب القراءة والانشاء المدرسي منذ مرحلة الثاني المتوسط .
في عام 1983 نشر أول قصة قصيرة في مجلة الطليعة الأدبية فمّثل ذلك مرحلة وعي جديدة
أنجز
* ذر التماثل ـ نصوص ـ 2001
* ألواح نيكار ـ نصوص ـ 2007
* منشئيات مأوى القص ـ ط1ـ نقد ـ 2007
* القص الموجز ـ آليات متقدمة ط 1 ـ نقد ـ 2008
* قمة من النشوى ـ قصص ـ 2009
* القص وحدة نصية ـ نقد ـ 2010
* الحداثات الاربع للشعرية في العراق ـ نقد ـ 2011 * القص الموجز ـ آليات متقدمة ـ نقد ـ ط2 ـ2013 * القصص نصيات تداولية – نقد – 2012 * منشئيات مأوى القص ط2ـ 2014 * الأدنى والأقصى ,طفولة وثقافة ـ نقد ـ 2014 * الرواية العراقية الـ مابعد إنشائية ,تقانات وتداول ـ نقد ـ 2014
* تماثل ألواح النشوى ـ نصوص في القص ـ 2015
* عصمة اللغة في الشعر الشعبي الفصيح ـ نقد ـ 2016
* تكنو ثقافة الرواية العربية والتبادل المعرفي ـ نقد ـ 2018

 

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *