إشارة :
رحل شاعر العرب العظيم ومؤسّس الحداثة الشعرية العربية “بدر شاكر السيّاب” في يوم 24 كانون الأول من عام 1964 ،وكان يوماً ممطراً لم يعثر فيه الشاعر “علي السبتي” على بيت السياب في الموانىء بالبصرة فقد أفرغته الدولة من عائلته لعدم دفعها الإيجار، فسلّم التابوت لأقرب مسجد. وعلى الرغم من مئات المقالات والدراسات والكتب والأطروحات الجامعية التي كُتبت عن منجزه الشعري فمايزال هذا المنجز الفذّ مكتظاً بل مختنقاً بالرؤى الباهرة التي تنتظر من يكتشفها. تهيب اسرة موقع الناقد العراقي بالكتاب والقرّاء الكرام إلى إغناء هذا الملف عن الراحل العظيم.
في ذكرى بدر شاكر السياب
طالب عبد العزيز
معلوم أن الزعيم الكوبي كاسترو أنشأ المعهد الكوبي للفنون والسينما، بعد ثلاثة أشهر على إمساكه بمقاليد الحكم، وبعد ذلك عمد إلى تأسيس مؤسسة السينما الأميركية اللاتينية الجديدة، والمدرسة الدولية للسينما. وهو الذي يقول:”إن لم نصمد ثقافيا لن نصمد اقتصاديا ولا سياسيا’. وسواء اتفقنا مع طبيعة النظام السياسي هناك، أو لم نتفق إلا أن فهم دور الثقافة في الحياة والسياسة بات جلياً، واضحا هنا.ومع اختلافنا في قيمة وأهمية الثقافة في روسيا بعد الهجوم على قصر الشتاء، وسقوط الكرملين حتى تفكك الاتحاد السوفيتي( 1917-1991) إلا أننا سنقع على نفائس ثقافية في السينما والرواية والموسيقى والفنون، وشأن الثقافة في كوبا وروسيا وغالبية دول العالم، على اختلاف وطبيعة الأنظمة، لا يقل أهمية وعناية عن أهميتها والعناية بها إزاء مفاصل الحياة في السياسة والمجتمع،إن لم يتقدمها عند بعض الدول.
في ربيع العام 1980 وخلال أحد اجتماعات الرئاسة الفرنسية يدخل السكرتير ويهمس في اذن الرئيس فرانسوا ميتران، ليعلمه بموت جان بول سارتر، فيقطع الرئيس خطابه، ثم يعلن للأمة الفرنسة قائلا:” الآن فقدت فرنسا أحد عظمائها، لقد مات جان بول سارتر”. لم يكن ميتران ليؤمن بمبادئ سارتر بكل تأكيد، لكنَّ صورة فرنسا في العالم ستكون ناقصة دونما سارتر، وهناك فراغ في الفكر والفن سيخلفه تجاهلُ السياسة الفرنسية لبودلير وسارتر وكامو وباردو وسواهم. إعلان وفاة سارتر عن طريق الرئاسة الفرنسية يمنحنا عناية الدولة بالثقافة. في شتاء، بمثل الأيام هذه، من العام 1964مات السياب، الشاعر. حمل نعشه بضعة رجال، ولم يحضر جنازته سوى عدد قليل من المصلين في جامع (أبو منارتين) بالبصرة القديمة، ومثل رجل غامض، تم دفنه في مقبرة الحسن البصرة، كان المطر قد أربك المشيعين، فتعجلوا أمرهم معه، ولم يكن العدد الذي رافق نعش زميله في الريادة، الشاعر محمود البريكان بأكثرمن ذلك، فقد كانت حادثة مقتله، في شباط العام 2001 قد شلت حركة أهله وجيرانه. قد يقول أحدنا بان الأنظمة العراقية التي كانت قائمة آنذاك، لم تكُ لتعتني بالثقافة والمثقفين وما حصل للسياب والبريكان وللعشرات من منتجي الثقافة كان من أعمال الأنظمة الفاسدة. ترى، ما الجديد والمتغير في أحوال منتجي الثقافة اليوم؟ قد لا تكون أفعالا مثل قيام رئيس الدولة بتأسيس معهد للسينما أو قطع اجتماع رئاسة الوزراء لإعلان وفاة كاتب وفيلسوف، مما نطالب به الحكومات عندنا، فهذه مراحل لما نتوصل لها بعد، حتى في أحلامنا، لكننا نعتقد بانَّ تأسيس مركز ثقافي باسم السياب، يلملم تراثه وما كتب عنه، أو العمل على إعادة طبع دواوينه لتصبح بمتناول الأجيال الجديدة ليس بالقضية الكبيرة.
*عن صحيفة الصباح