الاستشراق والأدب العربي المعاصر: موضوع العدد الجديد من مجلة رؤى فكريّة

الاستشراق والأدب العربي المعاصر: موضوع العدد الجديد من مجلة رؤى فكريّة

صدر مؤخرا عن مخبر الدراسات اللغوية والأدبية بجامعة سوق أهراس العدد السابع من مجلة “رؤى فكرية” العلمية المحكمة، عدد فيفري 2018 الخاص بموضوع: “الاستشراق والأدب العربي المعاصر” الذي يأتي استكمالا لسياسة النشر الجديدة التي تتبعها المجلة: سياسة الأعداد الخاصة، بعد صدور عدديْن خاصّيْن سابقيْن، أحدهما عن “الأدب العربي وهاجس العالمية” والثاني عن الكاتب العربيّ الكبير: “جبرا إبراهيم جبرا”
بدأ العددُ بافتتاحيّة رئيسة التحرير: د. بهاء بن نوار بعنوان: “الاستشراق، التثاقف؛ سؤالٌ يتجدّد” تناولت فيه إشكالات العدد، وما يطرحه من أسئلةٍ حول التواصل والتفاعل الحضاريّ بين الشرق والغرب، واختلاف خصوصيّة النص العربيّ الحديث عن النصّ التراثيّ، وضرورة أن يحظى الأدب العربيّ الحديث بمختلف أجناسه بمزيدٍ من العناية والحرص، تلقّيا وترجمةً وتدريسا في المعاهد والمراكز البحثيّة الغربيّة.
كما أشارت إلى ما ضمّه العددُ من موادٍّ غطت أغلبَ محاور العدد، وإشكالاته المنهجيّة، ووقفت وقفةً متأنّيةً مع لوحة الغلاف التي أتت بريشة المبدع العربيّ الكبير، الفنّان: “حلمي التوني” من مصر، بعنوان: “تحيّة إلى دولاتور”(Salutation à De La Tour) بتقنيّة الألوان الزيتيّة على القماش (Peinture à huile sur toile, 2017) 100×70 التي من المقرّر عرضُها في معرضه الشخصيّ القادم: “ليه يا بنفسج” الذي سيُفتتَح يوم: الجمعة/16/مارس/2018، في قاعة “بيكاسو” بالزمالك، في القاهرة. والتي كانت منسجمةً تماما مع موضوع العدد متماهيةً جدا مع أسئلته ومحاوره، وهذا من حيث تعالقها إبداعيّا وتحاورها مع لوحة دولاتور: “المجدليّة أمام القنديل”(La Madeleine à la veilleuse) التي رسمها سنة 1644، وصوّر فيه المجدليّة “التائبة”(pénitente)
وهو ما تناولته لوحة الفنّان “التوني” وزاد عليه بإعلاء النزعة الإنسانيّة، المنحازة دوما نحو الفرح والحياة.
وعلى المستوى العلميّ، حفل هذا العدد بجملةٍ من البحوث العلميّة الرصينة، باللغتيْن: العربيّة والإنجليزيّة، تناقش إشكالَ الاستشراق، وتحاوره، وتتوزّع على موضوعاتٍ ومحاورَ جزئيّةٍ، متنوّعة؛ بعضها يهتمّ برصد نظرة بعض الأقلام الغربيّة المعروفة نحو أهمِّ محطات ومعالم الثقافة والأدب العربيّيْن، كالبحث عن علاقة “جاك بيرك”( Jacques Berque) بالأدب العربيّ المعاصر، والوقوف عند نقد “خـوان غويتيسلـو”( Juan Goytisolo) لصورة العربـي/المسلـم فـي الخطـاب الاستشراقـي الإسبـانـي، ورصد مصادر “بورخس”(Borges) الاستشراقيّة، وعلاقته المعرفيّة المتينة بكثيرٍ من النصوص العربيّة، يأتي سِفر “ألف ليلة وليلة” على رأسها جميعا.
وبعضُها الآخر يقف عند تأثير بعض المقولات الاستشراقيّة على تشكيل صورة الخطاب لدى بعض الباحثين، والمفكرين العرب، والذي توزّع على بحثيْن؛ أحدهما عن: “طه حسين” والثاني عن: “فاطمة المرنيسي” وكلاهما يملك مشروعا جريئا، مثيرا للجدَل، ومحرِّضا على الانتباه.
وحظي مجالُ السرد بأربعة بحوثٍ، ناقش أوّلُها أثر المتخيل الاستشراقي في تلقّي النصوص السردية العربية في البيئة الفرنسيّة، متخذا من “الليلة الثانية بعد الألف” (La Mille et Deuxième Nuits ) لتوفيل غوتييه (Théophile Gautier) أنموذجا، وتناول الثاني ما تطرحه الرواية الفرانكفونيّة من أسئلةٍ وإشكالاتٍ حول العلاقة مع الآخر، ومجالات التفاعل والتواصل معه، فيما كان موضوع البحث الثالث عن: تمثيل السّرديّة العربيّة المعاصرة “للمتخيّل الاستشراقي” واهتمّ البحثُ الرابعُ بموضوع العلاقة بين المدرسة الاستشراقية البريطانية والرواية المصرية، حيث كرّس أعلامُ هذه المدرسة جهدا كبيرا في ترجمة ودراسة هذا النوع من الروايات العربيّة.
كما حظي العددُ بدراستيْن ترصدان واقعَ استقبال وتلقّي بعض الأعمال العربيّة في بعض البلدان الأوربيّة؛ فكان البحثُ الأوّلُ عن: “حضور المسرح العربيّ في المشهد الثقافي الإسبانيّ” حيث يرصد تفاصيلَ وسياقاتِ ترجمة بعض المسرحيّات العربيّة وتقديمها إلى المتلقّي الإسبانيّ، وما نالته من نجاحٍ باهرٍ أو متواضعٍ، مع تفسير الإقبال على بعض الأعمال أو الأسماء، وإهمالِ أعمالٍ أخرى، لا تقلّ أهميّةً عن الأولى، ولكنّها لا تلقى شيئا من الاهتمام الذي تلقاه تلك. أمّا البحثُ الثاني، فناقش الإشكالَ نفسه، ولكنّه اختصّ بواقع ترجمة وتدريس الأدب العربي المعاصر في جامعات إيطاليا، وما يستدعيه هذا من مصاعب وتحدّيات.
وفي باب الترجمات، نجد بحثا مترجَما عن الإنجليزيّة، أعدّته الأكاديميّة الإيطاليّة “جولاندا غواردي”(Jolanda Guardi) عن إشكال تلقّي وترجمة الأدب الجزائري في إيطاليا.
أمّا بابُ “المقاربات التطبيقيّة” فضمّ قراءتيْن، نقلتنا أولاهما إلى مجال الفنِّ التشكيليّ، لتناقش إشكالَ اِلتقاط بعض أسفار “العهد القديم” – وتحديدا سفر يهوديت غير المعترَف به تماما – وسكبها في فضاء اللوحة، لدى فنّاني عصر النهضة، الذين يمكن اعتبارُ هذا الموضوع عندهم أحدَ أوجه حضور الشرق واستحضاره، قبل أن يغدو موضةً ملازمةً لمصوّري الحقبة الرومانسيّة بعد ذلك. وكان نموذج القراءة التطبيقيّ ممثلا في تجربة كلٍّ من: “كارافاجو”(Caravaggio) و”أرتيميسيا جنتلسكي”(A.Gentileschi) الإيطاليّيْن .وكانت القراءة الثانية مختصّةً بموضوعٍ إشكاليٍّ أيضا، يخصّ نظرة الغربيّين الغامضة نحو النبيّ محمّد، التي كانت في أقلِّها منصفةً، ومتعاطفةً، فيما جمح أغلبُها نحو التعصّب والهجوم العنيف، وهذا بالتركيز على مسرحيّة: “التعصّب أو النبيّ محمد”( Le fanatisme ou Mahomet le prophète) لفولتير (Voltaire)
وخُتِم العددُ ببحثيْن باللغة الإنجليزيّة، أحدهما أتى بقلم المستعرِب الإسبانيّ المعروف: “غونثالو فرنانداث بارّيّا”(Gonzalo Fernández Parrilla) أستاذ الأدب العربيّ المعاصر في قسم الدراسات العربيّة والإسلاميّة بجامعة “أوتونوما”(المستقلّة) بمدريد، ومدير “مدرسة طليطلة للمترجمين” بين عاميْ: 2002- 2006، وعضو لجنة التحكيم في الجائزة العالميّة للرواية العربيّة- دورة عام 2012، الذي كان موضوع بحثه عن علاقة الاستشراق الإسبانيّ بترجمة وتلقي الأدب العربيّ المعاصر، وتدريسه في جامعات إسبانيا ومراكزها البحثيّة، مع تسليط الضوء على جائزة “نوبل” التي حصل عليها “نجيب محفوظ” وأثرها في تفعيل هذا المجال وإثرائه.
وكان البحثُ الثاني عن أثر الاستشراق في ترجمة وتلقّي الرواية العربيّة المعاصرة، وهذا بالتركيز على نشاط المترجم الإنجليزيّ الذي بذل جهودا كبيرةً في سبيل انتقاء وترجمة بعض الروايات العربيّة إلى الإنجليزيّة: “أنطوني كالدربانك”( Anthony Calderbank)

وتطمح المجلة إلى مواصلة سياستها في تبنّي الأعداد الخاصة، وسيتمّ الإعلانُ عن موضوع العدد القادم خلال الأيام القادمة.

علماً أن موقع المجلة الإلكتروني هو :
http://www.univ-soukahras.dz/ar/revue/mrf

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| إشهار كتاب: “أحلام فوق الغيم” آخر مؤلفات الكاتب زياد جيوسي .

بحمد الله سبحانه وتعالى صدر كتابي الجديد “أحلام فوق الغيم” وهو مجموعة من القراءات النقدية …

| مفرح الشمري :هل سيتم الاستغناء عن الكتاب البشر مستقبلا ؟!.

من الاصدارات المميزة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بدورته الـ29 ترجمة اول مسرحية كتبها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *