قاسم فنجان: مرآب العبيد

أيها الجلاد:
عُد الى قريتك الصغيرة، لقد طردناك وألغينا هذه الوظيفة .
                              “سركون بولص”                                                                                        
 الزمان : فـــي ليلة وضحاها .
 الـمكان :علــى أرضٍ مُزلزلة .
الشخوص:  
الصوت . 
الأنثى .. أنثى.
الأول … الجلاد.
الثاني …. الضحية. 
الثالث  …. العبد الزاهد.
الرابع ….. الجلاد الأخير.
“النص”
صوت خارجي
 ” كان آدم يزوج ذكر كل بطنٍ بأنثى الآخر وان هابيل أراد ان يتزوج  أخت قابيل و كانت الأجمل ،فأراد قابيل ان يستأثر بها على اخيه فأمره آدم ان يزوجه إياها فأبى فأمر ان يقرب  قرباناً فقرب هابيل جدعة سمينة وكان صاحب غنم وقرب قابيل حزمة من زرع من ردئ زرعه ، فنزلت نارٌ فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل ، غضب قابيل وقال لأقتلنك  حتى لاتنكح أختي وقال هابيل إنما يتقبل الله من المتقين …”
 ” المسرح فارغ الا من رجلين موثوقين من معصميها الى عمود في الوسط وخلفهما ملامح مروعة لشجرة مخيفة لغرابتها الشديدة .
الثاني :” يتأمل المكان”  ماهذا المكان الغريب وهذه الرائحة المقهورة لمن؟
الثالث : إنه مرآبنا الأخير .
الثاني :”بخوف” هل نحن في المرآب  حقا .ً
الثالث : أجل إننا في قلبه تماماً وهذا الباب يشرف على الميدان .
الثاني : مَن أرشدك الى هذا المخبأ السري .
الثالث : رؤاي الكثيرة بهذا المكان وبهذه اللحظة الحرجة .
الثاني : إذن سيقتلوننا في الفجر؟
الثالث: لا تخف ثمة خلاص في الطريق.
الثاني: أخشى أن يدركنا الفجر ونهلك قبل مجيء الخلاص.
الثالث: لا.. ألاترى بعينيك ؟
الثاني: ماذا؟
الثالث: نذرٌتتهادى من السماء على الارض.
الثاني: أية نُذرٍ أيها العبد الزاهد؟
الثالث: سحب الغبار الحمراء التي تنث رذاذ الدم على الرؤوس والجفاف الشديد الذي يداهم كل شيئ وشبح  القتل الذي يجثم على الحياة بقسوة.
الثاني : إذن الفناء قادمٌ ؟
الثالث: بل الوجود الجديد !
الثاني : ماذا تعني ؟
الثالث : هذه الليلة ليلة صاخبة ومخيفة،ماهي إلا سويعات وسينفصل فيها كُل شيءٍ عن كلِ شيء.
الثاني: أخشى أن يكون أفتراضك واهياً؟
الثالث: بل حقيقة ستؤكدها زلازل مروّعة وعصافيرمزقزقة وطوفان خير وفير .
الثاني: من أين جئت بهذه النبوءة الغريبة ؟
الثالث: انني مؤمن بمجئ خلاصٍ قريب من منقذٍ سيحرضك على التشبث بالأرض بقوة.
الثاني: هذا إذا ماكنت ساعتهاعلى قيد الحياة.
الثالث: ستحيا أنت وأموت أنا !
الثاني أحقاً ستموت ؟
الثالث :أجل و سيفتح موتي لك باب الخلاص و الوصية .
الثاني : أية وصية ؟
الثالث :” يرفع رأسه للسماء” وصيته التي ستصلك بهيئة فاتنة فحافظ عليها أيها المغصوب , إنها وصية !
الثاني: سأفعل ، سأفعل حتماً ياصاحبي”أصوات خطوات على أثرها يدخل السيدان الأول والرابع”
الرابع : بماذا تتمتمان ؟
الثاني :لم نكن نتمتم بأي شيئ .
الثالث : بل كنا نتكلم عنك أيها السيد الأخير.
الرابع :إلامَ تشير أيها العبد ؟
الثالث :عماقريب ستنتهي وينتهي بموتك البطش والظلم والجبروت.
الأول :إصمت أيها العبد إصمت وإلا سأجتث لسانك و أرميه الى كلابي المسعورة.
الرابع : “بهدوء” لاتغضب ياصديقي سأعجل من أَََََََََجله وأقتله الآن “يخرج سوطه”.
الثاني :أعفُ عنه ياسيدي إنه لايعني مايقول.
الرابع : أخرس ولاتتكلم وإلا ستلاقي نفس المصير.
الثاني : إنه عبد زاهد وفقير ياسيدي.
الرابع : بل عبد ماجن وحقير ينبغي أن يموت.
الثاني :”للثالث”أطلب الصفح منه كي لايقتلك.
الثالث : لا لاياصاحبي لن أطلب الصفح من عبد فانٍ.
الأول  : أقتل عبدك في الحال إنه يدعو عبدي الى التمرد.
الرابع :لا سأجعله يتمنى الموت ولايطوله.
الأول  :ماذا ستفعل له؟
الرابع :سأعذبه حتى يتذوق ماهو أقسى من طعم الموت.
الأول  : ستسلخه حتماً.
الرابع :لا سأوثقه الى شجرة القتل ،سأسمد أنساغها الضامئة بدمه المتمرد،سأندي لحاءها الأجوف بنجيع لحمه الطري،سأطحن عظامه وأذر هشيمها على الأغصان الناشفة حتى تينع بالدم و الخراب،هيا أيها العبد المطيع أوثق بقوة جسد هذا العبد الى شجرة القتل.
الثاني :………………..!
الأول  : هيا أوثقه أيها العبد وإلا أوثقتك بدلاً منه.
الثاني :………………..!
الثالث :إفعل أيها العبد الطيب،إفعل بما أُمرت وستجدني صابراً إن شاء الله.
الثاني : لا ، لن أفعل .
الأول : سأقتلك إن لم تنفذ أمره.
الثاني :لا ،لن أشارك في سفك دمه الزاهد.
الثالث :هيا أوثقني ياصاحبي،انني ميت معه لامحال .
الثاني :لأمت معك أيها العبد الصالح.
الثالث : أنت لن تموت إلا بعد أن تحتضن هبة السماء السخية وتحقق خلاصها الأخير ،هيا عجل في ذلك وأوثقني.
الرابع :أقتل عبدك ياهذا أقتله الآن إنه يؤُثر الموت على نفسه من أجل هذا.
الأول  :لن أقتله في هذا المرآب بل سأسوقه كالذبيحة الى شجرة القتل وأقتله هناك بعد أن أجعله يتذوق العذاب الشديد،هيا ، هيا الى حتفك الأكيد “يخرج الأول ويتبعه الثاني في الخروج”.
الثالث :أعتقه من العذاب ايها الجلاد وأقتص من جسدي .
الرابع : لاتتعجل أيها العبد العنيد أنا من سيقتص منك هنا،أيها العبدان”يدخل العبدان المرافقان الى المسرح”أوثقاه بقوة الى العمود وأحملا عليه بسوطيكما “أجلداه بقوة ،أجلداه بقوة ،بقوة “يجلداه”.
الثالث :أجلداني أيها الصديقان بقسوة وأفعلا ماأمرتما به،أجلداني بقسوة وعجلا في ذهابي اليه.
الرابع :لقد ضقت ذرعاً بك أيها العبد الصابر،سأجلدك بيدّي هاتين حتى تطلب تموت .   
الثالث : أجلدني أيها السيد العاجز،أجلدني بقسوة لأسأله”يرفع يديه الى السماء ويدعو :
* إلهي ها هو عبدك قد آثر قتلي فأغفر له ولاتغفر لي وأعفُ عنه ولاتعفُ عني ، فأنه لو تذوق مافي فؤادي من رحيق نورك لما فعل ، ولو تخلى عما في نفسه من قبيح شروره لما أبتليت ، فلك الحمد ياعفو على العفو ولي الطاعة على الأمر فيما تريد ، إلهي إنك ترحم مَن يعصيك فكيف بي وأنا اُُُعصى فيك ، لن أعصيك ياإلهي وأسأله العفو،سأسألك أنت بدم القتيل وقوله  “بسم الله الرحمن الرحيم : لئن بسطت يدك لتقتلني ماأنا بباسط يدي لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين* ” .
“يتهادى السوطان من كفي العبدين على ظهر الثالث فينبثق نعيق غراب شديد عندما يستخرج الرابع خنجره ويحزُ بقسوة رقبة الثالث فيضج الفضاء متزامنا مع إستمرار الذبح بمؤثرات صوتية مروعّة لزلازل  قوية وصرخات مدويّة وإستغاثات موجعة ما أن تهدأ حتى يظهر المشهد الجديد لرجلين عالقين بأغصان شجرةٍ يابسةٍ تسورها شقوق مرعبة وسط الخراب.
الأول: “بخوف”هل انتهى الزلزال ؟
الثاني: اجل انتهى بعد ان انهى كل شيء في الحياة .
الاول : ماحكمة السماء في وجودنا المريب هذا ، اثنين متأرجحين بين السماء والأرض ، عالقين في شجرة وتحتهما شقٌ  كفم الوحش أشداقه المظلمة تكشر عن أنياب مروعة.
الثاني:لابأس من هذا التارجح المؤقت ياسيدي مادمنا نجونا من الزلزال الكبير .
 الاول : انك تُهَّون عليَّ الاخطار دائماً بكلام تافه.
الثاني: انها كذلك ياسيدي  ، فالذين قبلنا اعتصموا بآرارات وأنجاهم الله من الطوفان .
الأول : ونحن بمن سنعتصم ؟ لقد قامت القيامة على رؤوسنا ولاوجود لأي جبلٍ يعصمنا من الزلزال  .
الثاني: بل هناك من ينقذ الحياة دائماً.
الاول : لاتكلمني عن المنقذ ، انك لاتدرك مايجري حولنا .كل شيء يتصدع وينهار بالتدريج ،حتى هذه الشجرة الهالكة سوف تتآكل وتغور بنا الى باطن الجحيم ،إنها القيامة .
الثاني:سيأتي حتما قبل انهيار كل شيء انني مؤمن بذلك .
الاول :لن اقوى على انتظاره الطويل!
الثاني:لاخيار ياسيدي .ان هذا افضل.
الاول : لقد قررت ولن أتراجع عن قراري.
الثاني: ماذا ستفعل .
الاول : ساحاول الفكاك من هذا الكمين القاتل.
الثاني: قد نهوي في الجحيم.
الاول : ” يتحرك فتتحرك الشجرة ” لا ان منقذي سابت في داخلي سأوقظه لينقذني”يتحرك ثانيةً بقوة “.
الثاني: ” بخوف” توقف ياسيدي أرجوك ، لقد إتسع الشق ،إتسعَ وستنهار الشجرة .
الاول : “يتحرك ثانية” لاطاقة لي على انتظار الموت ، ان الموت عندي ارحم من انتظار من لايأتي !
الثاني:”يتحرك بخوف ليوازن حركة الاول” كفَّ عن التارجح ، كفّ ولاتعبث بحياتنا ثانية.
الاول : لن اتوقف ياهذا حتى اصل بجسدي الى الارض او أموت.
الثاني: “مؤثرات لانكسار اغصان وجذور” اقفز ياسيدي ! اقفز واتركني عالقاً بمصيري ،اقفز ومت بعيداً
عني.
الاول : ” يشتد تماوج الشجرة بالرجلين” ساقفز ولن اخشى الشق والشجرة ان منقذي الجريء يدفعني الى
التحليق.. سأحلق ياهذا.
الثاني:”بخوف شديد” حلق ياسيدي  حلق واعتقني من جبروت منقذك المجنون .
الاول : سأحلق لأحيا بعيداً عن هذا الجحيم.. سأحلق ..سأحلق” يصرخ إبان قفزته ويتخطى الشق بنجاح ، ينهض وبهدوء يتلمس جسده ثم يدور حول نفسه بفرح ” ها قد انفصلت عن شجرة القتل أخيراً.انظر أنني اتحرك وانحني وانام ، أما أنت فستبقى عالقاً في انتظاره حتى يرسلك تأمله أخيراً إلى الجحيم .
الثاني: لن يطول انتظاري طويلاً، لقد وصلت الأشارات .
الاول : اية أشارات؟
الثاني: انقاذك اولاً من هذه الشجرة ، كانت الإشارة الأولى.
الاول : هل تريد ان توهمني بأنك كنت تعلم بخلاصي.
الثاني: اجل كنت اعلم بذلك مسبقاً .
الاول : تكذب! لقد حاولت منعي .
الثاني: وهذه اشارة اخرى ، ان اعيقك عن الخلاص فلاترضى.
الاول : وبعد .. ايها العبد!
الثاني: اسرابٌ من العصافير ستحلق فجأةً في هذا الفضاء الساكن, ستزلزل زقزقزاتها المدوّية الهواء حتى يرتج لها كل شيء إلا هذه الشجرة الميتة ، ستقوى بثبات على سماعها وتتشربُ بشغفٍ ترانيمها حتى  تينع باوراق خضراء زاهية.
الاول : ماهذا الهراء ؟
الثاني: لا .. ياسيدي انه يقين سبقته في الحضور ،زلازل وكوارث وازمات .
الاول : لقد حدث كل هذا ولم يصلنا مَن تطلبه!
الثاني: سيأتي عندما يُختتم كل هذا بطوفان خير وفير!
الاول : “بسخرية” طوفان آخر .
الثاني: اجل .. طوفان مطر رحيم ،سيحول هذه الارض اليابسة الى مروج تنعم بالخير الكثير .
الاول :  انك تحاول ان تجرني بهلوساتك الفارغة الى المجهول وتنسى انك عالق بين فكي الموت والخراب .
الثاني: ” يتشمم بقوة” لن يطولني الموت هنا ..لقد وصلتْ،وصلت!
الاول : مَن؟
الثاني: رائحته الزكية .
الاول : رائحة مَن؟
الثاني: ” بفرح” إنه القدوم ..القدوم  ..انه على وشك الحضور” مؤثرات لزلازل وعواصف ورعود” ألم أقل لك  انه قادم .. قادم.. قادم.
الاول : “بأرتباك” مَن ياهذا ،مَن ؟
الثاني: الأشارة الثانية ، انني أراها ، أراها .
الاول :  أين ، أين الأشارة؟
الثاني: انها في الفضاء ، انني أسمعها ، أسمعها “ما ان يكمل جملته حتى تنبثق في الفضاء أصوات لزقزقات مدوّية لأسراب عصافير كثيرة “هل تسمعها ياسيدي؟
الأول : “بخوف”أجل أني أسمعها .
الثاني  انه آتٍ ،آتٍ فلم تبق إلا إلأشارة الأخيرة .
الأول : ماهي الأشارة الأخيرة؟
الثاني : الماء ياسيدي، الماء إشارته الأخيرة و قد وصلت ، لقد وصلت !” صوت مطر شديد تتخلله إضاءة لبروقٍ تتلاطم في فضاء المسرح ، يستقر المشهد وتعود الاضاءة لتُظهر غياب الشق المرعب والشجرة اليابسة قد ازدانت أغصانها باوراق خضراء كثيفة ، مع المنظر الجديد وتحت إضاءة حُلمية  تدخل إمرأة  خارقة الجمال بملابس مغبّرة من أثر الزلزال”
الاول : ” بأنبهار ” هل هذا…؟
الثاني: ” بأنبهار أشد ” لا..لاأظن .
الاول : من هذه اذن ؟
الثاني: انها حتماً من هناك “مشيراً الى السماء”.
الاول : بالتاكيد لايمكن ان يأتي هكذاجمالٍ من هنا” مشيراً الى الارض”.
الثاني: لِمَ لاتكون من هنا .
الاول : ناجية مثلنا ؟
الثاني: أجل ياسيدي ،لِمَ لاتسألها ؟
الاول : عمَّ؟
الثاني: عن وجودها المريب بيننا؟
الاول : ها ، سأسألها ” يتقدم نحوها ” أنت حتماً من هناك ؟
الأنثى: “صامتة”……………..!
الاول :مادمت صامتة فأنت حتماً من هنا .
الأنثى:”صامتة”…………………!
الأول :انها لاتتكلم،أظنها بكماء، إسألها أنت ؟
الثاني :”يتقدم نحوها”آهلاً بك أيتها المرأة .
الانثى: “صامتة”…………………….!
الثاني :آهلاً بك في مكانك الجديد ، مَن أنت ؟
الأنثى : “صامتة”………………………!
الثاني: أظنها وصماء أيضاً ،إنها لاتتكلم .
الأنثى تتحرك وتنهمك في البحث وتستخرج من الأرض سوطاً ما أن ترفعه حتى تختطفه كف الأول من كفها”
الاول:سوطي ، سوطي القديم ، “للعبد” هل تراه ؟
الثاني:”بخوف”إني أعرفه جيداً،إنه سوطك.
الاول: مادامت قد عثرت هذه المرأة البكماء على السوط فالحبل في مكان ما من هنا.
الثاني: أي حبل؟
الاول :”يرفع سوطه”حبلك أيها العبد أم تراك نسيت؟
الثاني :لاياسيدي لم أنسَ .
الأول : هيا أبحث عن الحبل في المكان .
“يبحث حتى يعثر على حبل مطمور في التراب” وجدته ياسيدي وجدته سالماً لم تقوَ أعتى الزلازل على تقطيعه.
الاول: حسناً صنعت أيها العبد ، هيا طوّق به عنقك العاري وتقدم نحوي.”
الانثى: لا ، لاتتقلده ثانية أيها الرجل الطيب .
الأول : إنك تتكلمين ياأمرأة.
الانثى: أجل أتكلم حتى لايقوض الظلم ثانية مآواي الأمين،انني أحلم أيها الرجلان .
الثاني: بِمَّ ؟
الأنثى: ببيت واسع تزركشه النوافذ الفسيحة والأبواب العالية،لا مرائب فيها للعبيد ولاأبراج للسادة ،تدخله الشمس في صباحاته الندّية،لتنير بضوئها الذهبي زواياه المعتمة بالدفء و النور والأمان حتى يتلألأ بالسعادة الأبدية. 
الأول :مَن أنت أيتها المرأة ؟
الانثى: ناجية مثلكما تبحث في الوجود الجديد لها عن رجل تتوسد قلبه وتنام آمنة في مأوى بلاخوف .
الأول : لن يستطيع الأنسان أن يحيا بلاخوف .
الانثى: بل يستطيع بعد أن يصنع وجوده الجديد.
الثاني: وجوده الجديد .
الانثى: أجل تحت سماء سخية بالخير الوفير نصحو تحتها في كل فجر على زقزقة عصافير سماوية.
الأول : ماهذا الهراء ، فجر وسماء وعصافير، إن السعادة مرهونة بالقوة والبطش وهاأنذا أحتكم في هذه الأرض الفارغة على سوط و حبل و لم يتبقَ إلا الخنجرلتكتمل أسباب قوتي القديمة. 
الانثى: ماذا ستفعل به؟
الأول : سأجتث به رأس مَن يحاول أن يعيق طريق ملذاتي .
الانثى: مَن تعني و ليس في هذه الأرض إلا أنا وأنت و….!
الأول : “يقاطعها ثم يمسكها و يهمس في أذنها ” وعبدي هذا سأقطّعه بعد أن أعثر على خنجري ، سأغيّبه  لأبقى منفرداً بك أيتها اللذة الجديدة ،سأعاشرك و أزرع في رحمك أباطرةً أقوياء يتناسلون على شاكلتي “يتركها ويبدأ في البحث في أرجاء المسرح” 
الثاني :”ببلادة”عمّ يبحث ؟
الأنثى :إنه ينبّش في الخراب عن روح الشر من جديد.
الثاني : إن الشر متجذر في باطنه ياسيدتي .
الأنثى : هل تعرف ذلك ؟
الثاني : أعرفه جيداً مثلما أعرف إنك وصيته .
الأنثى : وصية مَن؟
الثاني :مَن أبلغني عن قدومك مراراً قبل غيابه الأخير.
الأنثى : إذن أنت هوَّ ؟
الثاني : انني كذلك أيتها الغالية ولكن مَن أرشدك الى الطريق.
الأنثى : وجيب قلبي المضطرب كان يحث خطاي المرتبكة صوب قلبك الكبير.
الثاني :كيف عبرتِ كل تلك الأهوال من أجلي .
الأنثى :إرادة الخير هيَ مَن دفعتني لبلوغ مرفئك الأمين.
الثاني : آه أيتها المرأة الوحيدة إني …!
الأول :”يقاطعه” ثمة شيئ كبير عالق في خنجري،تعال وساعدني أيها العبد لنسحبه”يسحبان الخنجر فتنسحب معه من أعماق الأرض المظلة الحمراء لمرآب العبيد،مع إستمرار السحب يعتدل المرآب بحجمه المروع في وسط المسرح،يرتد الثاني مذعوراً الى الخلف و ينكمش على نفسه في إحدى الزوايا بينما يحتضن الأول جدار المرآب فرحاً و صائحاً”
الأول :ها قد أكتملت أسباب قوتي أخيراً،ها قد عاد أيتها المرأة إرثي الذي غيبته الزلازل الظالمة.
الأنثى : ماهذا الشكل المفزع؟
الأول: “يصرخ فرحاً”انه مرآب العبيد.
الأنثى: مرآب العبيد!
الأول : “يدور حوله”أجل مرآب العبيد ، في هذا الفضاء الأحمركنا نسلخ بأسواطنا اللاسعة جلود العبيد،الى هنا كنا نسوقهم في كل فجر كالقطيع المغلوب،مغلولين الى عجلة الموت القاسية،نهرسهم بوحشية حتى تستحيل أجسادهم الفانية الى لذة حمراء ترطب بأنسفاحها  اللذيذ أمزجتنا العكرة.
الأنثى :أي مكان عنيف هذا.
الأول :بل مكان جميل .
الأنثى :هذا صحيح لكنه مقفل.
الأول :إن مفتاحه “يشير للقفل” هنا في هذا المكان السري”يقلب القفل بشكل موضعي ويستخرج المفتاح ويفتح باب المرآب”.
الأنثى : “تكمم أنفها” ماهذه الرائحة النتنة.
الأول : إنها روائحهم، روائح العبيد العفنة.
الأنثى :إن المكان حتماً يضج بأشباحهم .
الأول : على العكس إنه مكان آمنٌ تماماً ويصلح للنوم .
الأنثى :  هل سأنام الليلة هنا؟
الاول: ” يشير الى المرآب” طبعاً .
الثاني: لا ، في المرآب لا !
الاول: ” يمسكه من ياقته ” هل نسيت نفسك يا احمق ؟
الثاني: لا..لا..يا سيدي .
الاول : إنك تجهل من يقرر هنا أيها العبد .
الثاني: انه انت ياسيدي ،انني اعرف ذلك جيداً.
الاول: كيف إذن تشاركني القرار ،ألاتعرف ياأحمق؟
الثاني: ماذا ياسيدي ..
الاول: انني أنا من يرجع له القرار دائماً  وانا من يقرر هنا فقط .”يتركه”
الثاني: اعرف ياسيدي اعرف ذلك.
الانثى: اتركا لي الخيار وسأختار فانا صاحبة الشــأن .
الاول: ساترك لك الخيار لأنني اعرف سلفاً انك ستنامين هنا (يشير الى المرآب).
الانثى: لا.. يأيها السيد القوي ،لن أنام هنا .
الاول: لماذا؟
الانثى: لانني خائفة .
الاول: ممن؟
الأنثى: من سوطك و الخنجر.
الأول:”يسلمها”هذا سوطي و الخنجر.
الأنثى : ومن حبله أيضاً .
الأول : أيها العبد سلّم الحبل لها “تستلم الحبل”.
الانثى: والآن يجب ان تناما معاً في هذا القفص ويكون مفتاحه في قبضتي .
الاولى: هل هذا اختبار لــي؟
الأنثى: بل لكما !
الأول: لنا !
الأنثى : أجل لكما ايها الرجلان ،إنها ليلة واحدة وسيبزغ في فجرها الدموي رجلٌ واحدٌ سيظل الى جانبي أبداً .
الاول: إذا كان الامر هكذا فلا ضير من التحدي “يسلمها المفتاح ويأمر العبد” هيا أيها العبد الى المرآب من جديد.
الانثـى : ادخلا أيها الرجلان مرآب الموت ،ان شمسَ احدكما على وشك المغيب ” بعد ان يدخلا في القفص توصد الانثى البابَ وترمي المفتاح بعيداَ عنها” 
الثاني: لماذا رميت المفتاح ؟
الانثـى: لاحاجة له  بعد الان ،لأن اللعبة قد بدأت .
الثاني: اية لعبة ؟
الانثى: لعبة الضحية والجلاد!
الثاني: من الضحية؟
الانثى: انت الضحية التي ينبغي ان احمل في بطني بذرتها الطيبة.
الثاني: والجلاد.
الانثى: سيدك الذي ينبغي عليك أن لاتتح الفرصة له ليبصق في احشائي بذرة القتل.
الثاني : لااستطيع .
الانثـى : بل تستطيع ! ها انت اخيراً في قفص واحدٍ مع جلادك الوحيد ،تتطلع من خلال قضبانه الضيقة الى الامل الذي  يكمن لك في داخلي.
الثاني: أي أمل فآمالي كثيرة.
الانثى: الأمل بالحياة الجديدة ، ان سعادة البشرية  القادمة بأسرها مرهونة بكَ.
الثاني: لن اقوى عليه.
الانثى: بل ستقوى … خذ  السـوط الذي كان يجلدك به الجلاد ، آن لك الآوان لأن تجلده…خـذ ، خُذ ؟
الثاني: لا .. لن أجلده ، لا…!
الانثـى: تحرر من خوفك وأجلده.
الثاني:لا… لن أفعل .. لا..!
الأنثـى: إفعلها من أجلي فأنا لاأريد أن أحمل في أحشائي الطاهرة سيداَ غاشماً منه .
الثاني : لاأٍستطيع ….لاأستطيع !
الانثى : يجب ان تستطيع !خذ”ترمي السوط فيرتد الثاني خائفاً الى الوراء ،تهبط كف الاول بهدوء وتحمل السوط من الارض”.
الاول:لايستطيع أن يحيا بلا سيد يسوطه العذاب والويل “يسوطه” انني اعرف ذلك ،”يسوطه  مرة اخرى”.
الثاني: لاياسيدي ..لا!
الانثى :إنتفض وخذ السوط من يده ، إنتفض وأقتص لنفسك منه..
الاول: لن يقوى أيتها المرأة الماكرة على الرد ،إنه انسان لايعترف بنعمة القوة..”يستمر في جلده بقوة”.
الثاني: يكفي ياسيدي ..يكفي.. يكفي ! “يتداعى الثاني على الارض ويرمي الأول السوط عليه”.
الانثى: هيا ايها الانسان الصالح ،ألا ينبغي ان تثأر لجلدك الموجوع “تخرج حبلاً” هيا خذ هذا الحبل وأخنقه ..” تمد له الحبل” خذه.
الثاني:لا اريد هذه الاشياء ،انني أكرهها!.
الانثى: ينبغي عليك أن تحبها الان ..انه اوان القصاص .
الثاني: لااريد أن أشنق غيري …لااريد.
الانثى: يجب ان تفعل لتحظى بيَّ .. خذه.
الثاني: لا… لا .. أريده ..لا أريده “تمتد كف الاول من خلال القضبان  وتستلب الحبل بقوة من كف الانثى”
الاول: لن أحيا بلا خادم يتبعني ،إنهض لأقلدك طوق الطاعة الأبدية “يطوقه بالحبل ويشده بقسوة”.
الثاني: آ…ه… أرحمني ..آه.
الاول : لقد أحالتك قيامة الكلمات الى ندٍ لي ينازعني على إمراة جميلة كهذه ،سأعلمك أيها المستسلم دائماً مامعنى البطش”يدور به داخل فضاء القفص”.
الثاني: آه.. سأ … موت ..انني .اختنق .. ق..!.
الاول: “يترك الحبل” لا..لن أدعك تموت  ،لايمكنني أن احيا بلاخادم .فأنت خادمي المطيع “يركله” عشْ ايها المغلوب ،عشْ من اجلي فقط!
الانثى: ” تستخرج له خنجراً ” تحرك أيها الرجل الطيب وأقضِ عليه ،خذ الخنجر ،إنها فرصتك الاخيرة.
الثاني : لايمكنني أن أجرح أحداً فكيف يمكنني أن أقتل.
الانثى : إنك لاتدرك مامعنى أن تعيش انت ويموت هذا.
الثاني: بل ادرك ذلك جيداً .لكنني لم ولن أقتل … لاأريد.
الانثى :خذ الخنجر فلاخيار لك الان إلا القتل ، خذه إن فجر احدكما على وشك البزوغ ..” ترمي الخنجر له وتمتد كفه بأرتعاش الى الخنجر ،تحط كف الاول كعادتها بهدوء وتحمل الخنجر من الارض “.
الاول: تستطيع ان تنهض الآن لأكافئك على ولائك لي (ينهض) إنها القسوة التي اعتاد عليها جسدك النحيف ،يجب ان تتذوقها دائماً من يديَّ الرحيمتين ”  ينغزه بقوة ” .
الثاني : ..آه..توقف عن تعذيبي .
الاول: لن أتوقف عن تعذيبك أبداً،سأرقش جلدك بكل ما أوتيت من غضب ” ينغزه في أكثر من موضع في جسده” .
الثاني: آه…آه…آه.
الاول: هيا أهرب وأنجُ بما تبقى من دمك ،هيا اهرب و إلا جعلت منك غربالاً بشرياً ” تتوالى الطعنات على الثاني الذي يترنح في فضاء القفص حتى يسقط على جهة الباب بقوة ويهشمه ،يعتلي الاول جسد الثاني المطروح ويعبر صوب الانثى بعد ان يرمي الخنجر أمام الثاني”
ها قد إمتثلت لرغبتك الماكرة ودخلت الى قفص الاختبار ،ها قد أنتصرت كعادتي وسحقت غريميّ العاجز، من اجلك ايتها المرأة الجميلة دنست حياته بالرق والعذاب والخوف ،يامن لاتعترفين بروعة الظلم وطعم  الاستبداد ، أدعوك إلى حضني المستعر بالقسوة لتلدي من ظهري أباطرة وبرابرة وأسياد ،سيشيدون ممالكاً للخطيئة والظلام وسيشعلون الحرائق في كل الاصقاع حتى يفتنون الناس بالدم  والرماد ،هيا ايتها الغواية الاولى فانا على خطى قابيل .
“يمسكها بعنف ويجردها من قميصها فينهض الثاني والحبل في رقبته ،يحمل الخنجر في كفه اليسرى وبكفه اليمنى يهوي بالسوط على ظهر الاول”..
الثاني: أتركها ايها الكلب المسعور،لن أدعك تنجب منها الشر ثانية .
الاول: “يلتفت” إنك تقوى على استعمال السوط؟
الثاني: لأني ادركت الآن مالم تدركه أنت.
الاول: حاذر ، سوف اقتلك مثلما قتلتُ الكثيرين . 
 الثاني : لن تقوى على قتليَ بعد الآن ،لقد آمنت بموتك وسأخنقك بغضب حتى الموت” يطوق عنقه بالحبل “.
الاول :  ماذا تفعل ياهذا إنك تخنقني ، تخنقني.
الثاني :  سأخنقك ولن أهاب بطشك بعد أن حررني خوفي عليها من خوفي منك .
الاول: أتركني ولن أمسك أو أمسها بسوء “يتداعى” كفَّ عن خنقي ،كفَّ أرجوك..
الثاني: سأكفُ ولكن بعد أن أحزَّ رقبتك بهذا ” يرفعه من فروة رأسه ويرفع خنجره الى الاعلـــى” .
الاول: لاتقتلني ياهذا ، لاتقتلني.
الثاني: يل يجب أن أقتلك ، انها الحكمـة !
الاول: أية حكمة؟
الثاني: حكمة الزاهد التي تقول :حتى لايُقتل هابيل الطيب ثانية ولا تتناسل القتلة من دمِ قابيل القاتل.!
الاول: لاتقتلني …لا..
الثاني: بل .سأقتلك ” ما أن يريد أن يهوي  بالخنجر عليه حتى يدخل مؤثر مرعـب لنعيق غراب مخيف على اثره يتوقف الثاني ويرفع رأســه الــى الســماء “:
ها ياإلهي ،ها أنذا بين يديك وبين يديّ ،أخي الذي لم يترك في روحي فسحة إلاّ ووخزها بطعنةِ أو لعنة أوسـوط ، ها هو تحت رحمتي منكسراً يرنو الـى رحمتك كي لايموت ، أأقتله ياسيدي وألطخ بدمه الآثم كفيَّ الطاهرتين ،أأشنقه ياسيدي وأحز رقبته بعلامة وحشية للقصاص  أأقطعه ياسيدي  وأبحث عن غراب يعلمني كيف أواري جثته ،لاياإلهي العظيم لا..،لن تجرنــي آثامه لتشويه كمالِ خُلقك الجميل ،سأعفو بعفوك عنـه وأتركه لأنه أخي .” يهوي الخنجر  من يديه ويتداعى الاول على الارض”
الأنثى : “تفتح ذراعيها” هــيا يارمز خصبي العزيز الــى شجرة الحياة ،هيا لنزرع تحت ظلالها الوارفة بذرة الخير وعســـى أن يثمر منها نســلاً بشريـاً ليس فيهم جلاد ولاطاغية .
الثاني :”يتقدم صوبها”هيا أيها الاغلــى لنعرج معاً بعيداً عن هذه الارض الخراب تاركين وراءنا الشر منفرداً في هــذا الخــواء,”يشير للأول “انثاه الوحشة التي  لن تنجب له إلاَّ الجنون .
الأنثى :”تتشابك أياديهم”هيا لنشرع  في حكاية خلقٍ جديدة، لن يحلق في فضائها الأمين  إلاَّ الحب والصفح والســلام ، هيا ، هيا” يخطوان صوب شجرة الحياة الخضراء، يتشابكان حول جذعها  بحنان ثم تخفت الاضاءة عليهما بالتدريج حتى أنســدال الســتار “.   
 
* الكلام بتصرف للمتصوف المعروف الحسين بن منصور الحلاج الذي قتله الخليفة العباسي المعتضد .   
* الآية 27 من سورة المائدة ،القرآن الكريم .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

حــصــــرياً بـمـوقـعــنــــا
| مصطفى محمد غريب : تداعيات مأزق المسرح المغلق* .

المقطع الرابع افاق موسى الساعة السادسة صباحا مثقلاً بكآبة مزدوجة ما بين الكوابيس وحالة التشرد …

| د. ميسون حنا : وكر الأفاعي.

مسرحية شخصيات المسرحية حسب الظهور على المسرح المغامر الثعبان، هو نفسه الزعيم الثعبان الثاني ثعابين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *