محمد علوان جبر :تقاطع المصائر في فيلم 21 غراماً

21 غرام هو كل مايكسبه الانسان من وزن وهو حي !
21 غرام هو كل مايخسره الانسان من وزن وهو ميت !
– معادلة ميثولوجية تقوم علي فكرة ” ان وزن الروح هو 21 غرام ” هكذا قدم لنا هذا الفيلم خرائط الحياة والموت ، الايمان ، الالحاد ، عقدة الذنب المشتركة ، وعقدة خسران كل شيء ، وخطابات الوجود والعدم عبر سرد غير تقليدي ، ايحاءات عدم الاستقرار الدائم والترقب الدائم ، كل هذا عبر ثلاثة محاور اوثلاث شخصيات رئيسية تلتقي بقدرية خارقة .. ” بول ” المريض في القلب .. امامه شهرواحد فقط ليتوقف قلبه اذا لم يظهر – واهب – . ” كريستينا” الفتاة العذبة التي تفقد عائلتها بحادث سيارة . ” جاك ” الذي كان من ارباب السوابق لكنه يتجه الي الايمان بقوة ، وينجذب الي الكنيسة بحماسة وفورة تجعله يفسر فوزه في اليانصيب علي انه – هدية من السيد المسيح – . ترتبط هذه الشخصيات بخيوط قدرية مرئية .. تحرك اقدارها وعقدها ، ” جاك” يقود الشاحنة التي ربحها في اليانصيب بسرعة فائقة ، زوج كريستينا وبناتها في طريقهم الي البيت ، ” جاك ” يدهس الثلاثة ، وتتغلب عليه انانيته فيمضي في طريقه دون ان يتوقف ليسعف احدا .. تركهم يموتون وهو مصاب بذهول ، وتنقل الجثث الي المستشفي ، ويتم العثور علي مانح قلب الي ” بول ” الراقد في اعماق غيبوبة هي اقرب الي الموت منها الي الحياة . ونجد منذ المشهد الاول بدءا من الخفافيش التي تملاء الخلفية العامة للشاشة ، اذ تنتقل الكاميرا بمشاهد ” كلوز ” حتي في مشاهد ” الفلاش باك ” الكثيرة . فنري الزمن متداخلا بل يتفتت عبر الشخصيات المحورية ، فتتوالي اللقطات بازمان مختلفة وانتقالات سريعة من الماضي الي المستقبل مع ترقبنا للحاضر ، اذ نري اقتراب الممثل ومجموعة الاحداث من المشاهد ، وقد تساوت لقطات الشخصيات الثلاث المصنوعة باحكام ، وقد ازدادت تقنيات سرد الاحداث بشكل متواز مع تحفيز المشاهد الذي تعمد المخرج ان يزيل المسافة بينه وبين الاحداث ، بل حاول ان يترك للمشاهد حرية تركيب المشاهد وتفسيرها ، فكانت روابط المحاور الثلاثة تؤدي الي بعضها البعض بحسم قدري مذهل ، وعبر تداخل سردي صوري ، ننتقل من مشهد مكرس الي ” جاك ” وهو في السجن الي “بول ” وهو في المستشفي الي ” كريستينا ” في المسبح ، وينمو الحدث ، حدث نتوقعه عبر عملية تفتيت الزمن باشارات حادة تكرس تقاطعا للمصائر . اما الصف الثاني من النجوم فكان ارتباطهم قويا بالاحداث ” زوجة بول ” التي تحلم ان تحصل علي طفل من رجل لم يبق له من الحياة سوي شهر واحد ، او ” زوجة جاك ” التي تحاول ان تفهم تحولات زوجها من لص محترف الي رجل متدين وصراعه بين الايمان والالحاد ، وشخصية ” كريستينا ” المهيمنة علي القصة ، والتي تتبرع وهي مصدومة بقلب زوجها الي رجل لاتعرفه ، وثم تقصي ” بول “: عن اسم الواهب وظروف موته التي تجعله يمضي قدما لمعرفة القاتل وارتباطه بعلاقة حب تقوم علي اساس العرفان بالجميل مع ” كريستينا ” علاقة حب غريبة محكومة بقدر هائل من العواطف .. عواطف الصدمة .. صدمة كون انها تعلم ان الرجل الذي امامها يحمل قلب زوجها الذي فقدته في حادث سيارة . هذه المصائر المشتركة التي ترجمت عبر اللون والصورة والانفعال المهيمن علي الشخصيات المحاصرة بعقدة الذنب المشتركة بينهما التي تنتهي بالانهيار .. ” بول ” ينهار لانه محكوم عليه بالموت اذا لم يظهر متبرع جديد ، فيقرر ان يكرس مابقي له من ايام لخدمة ” كريستينا ” التي تقرر ان تنتقم من قاتل عائلتها و ” جاك ” الذي ينهار ويعترف للشرطة ويسجن وفي ذهنه كما عرفنا سابقا ان الشاحنة التي ربحها باليانصيب هي هدية من السيد المسيح ولكن حينما تتحول الشاحنة الي اداة قتل يصرخ .. ” المسيح خانني … ” لانه لم يسعف المصابين فتتحول حياته الي جحيم ، فيلجأ الي الاضراب عن الطعام ويفشل في محاولة انتحار في السجن وحينما يخرج يتمني ان ينال عقابه بالموت … ويتمناه خاصة علي يد ” بول ” الذي صوب مسدسه الي رأس ” جاك ” لكنه يفشل في تنفيذ ذلك ، ويقتحم حياة ” كريستينا ” و ” بول ” مستنجدا بهما ان يقتلاه ليزيح عنه ثقل جريمته . وفي غمرة هذه الاحداث الضاغطة علي الجميع بشدة يقرر ” بول ” الانسحاب من العالم فيصوب المسدس الي صدره وفي ذهنه ” 21 غرام .. وزن الروح ” وهي كل ماسيفقده الانسان اذا مات . عموما يمكن تصنيف الفيلم علي انه فيلم سايكلوجي يعتمد سردا غير تقليدي مارس عملية الايحاء بعدم الاستقرار في انتقالات سريعة بين الماضي والحاضر مركزا علي اللقطات الكبيرة ، واثار الكثير من المشكلات الوجودية كالحياة والموت بقالب قصصي قام علي حبكة ثلاثة عوامل كل عامل اثار مشكلات الوجود وصراع القيم الاخلاقية من خلال سيناريو رومانسي ، وبمفردات بسيطة تعتمد الصدمات المتوالية منذ البداية حيث مشهد الرغوة في القدح التي تصفها ” كريستينا ” بانها كالبركان مرورا بمشهد الطيور ، هذه كلها مجموعة استعارات تقوم علي مبدأ الشحن النفسي ، واذا كان هناك ثمة هنة تحسب علي الفيلم فهي تعدد الشخصيات الذي اثقل القصة ، فالشخصيات التي يفترض انها ثانوية كان لها فعلها وتأثيرها من خلال الحوارات الخطيرة التي كانت تدور ، فمثلا بين جاك وزوجته ، حيث تقول له ” انت بلا مسيح كنت افضل ” . ويعتبر التصوير او خطة التصوير العامة ارقي مافي الفيلم ، فقد قدم لنا المخرج سينما جمالية حقيقية حيث لاتوجد لقطة واحدة في الفيلم لم تصنع ببراعة ، فكل اللقطات مزدحمة ولايوجد فيها فراغ وكانت اللقطات تنتقل من ” المتوسطة والكبيرة وحتي الكلوز ” قدمت لنا دراسات للوجوه والذات ، اما حركة الكاميرا كقيمة دلالية كانت تصور ” 360 درجة ” فاللقطة المحمولة هي في الحاضردائما مما يزيد من جمالها انها لم تترك مسافة بين الشاشة والمشاهد ، وكذلك اعتماد الفيلم علي تفتيت الزمن وهذا نوع من تقنيات السرد السينمائي الذي يعتمد اكثر من اطار في تقديمها عبر الوسائل التعبيرية مثل قطع الفعل الدرامي وطرح الايهام بين المتفرج والابطال حيث يكون التفتيت مقصودا باستخدام لقطات قريبة . واخيرا كان العنوان ثريا مهمة وكبيرة هيمنت كثيرا علي الفيلم واكملت بعده الفلسفي والجمالي ” فلماذا 21 غرام .. ؟ اقول ربما لانه وزن الذهب الصافي اي ليس ” 24 غرام ” الذي هو الزئبق ولا ” 18 غرام ” الاستهلاكي .. ربما ولكن تبقي عبارة ” بول ” المبطنة والتي قال فيها ضمنيا مامعناه ان ” 21 غرام … هو وزن الروح بعد الموت ” هي التفسير المعقول والصحيح .

 

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *