
يحملني الحرف كما يحمل الزمن الحكاية، يضع أمامي ذاكرتي المعبأة بأحداث مولودة و أخرى مفقودة، يسألني الصمت عنها، عن رائحتها المنسية، عن هوية الريح العاصفة بحريتها. من أين سأبدأ، عن أي جواب سأسأل، أي الفصول سألبس و أي الأقدام ستعبر بي ذاك الطريق…
س إنني في صمت في سكون، في قلق ظاهر و مكنون، من تساؤل عشق بجنون، من أنا و من أكون؟
ج نحن وجود بدون إثبات، كقصيدة بدون أبيات…
س مازال ذاك الانطلاق يحملني لعطر المجهول، بذاكرته التي ما انفكّت أحداثها تراقب تحرّري، فإلى أين؟
ج إلى كل الفصول المستلقية على أكتاف المكان
إلى ملامح الأمل المحلّقة في الروح و الجسد
إلى رائحة الفراغ المتسلّلة في الوجدان
إلى الغياب المزهر في الأبد
إلى الصمت في واحة النسيان
إلى الرحيق الباحث عن اللانهاية
…
س لا أرى إلا صراخ انعتاقي يستلقي حذو أحلامي، متسللا نحو ذاك الأنين الملتحم بغيوم النكران و التجاهل، علّي أستفيق لحظات عبوري نحو الأفق الملامس لنور مستعار من أعالي الظلمات البيضاء، يا ترى أين أنا؟
ج بين أحضان ابتسامة في ثغر الحنين
كصفاء يراقص ماء الغدير
كإرادة لا تنام و لا تستكين
تضرم نورا في إحساس ضرير
فيحيى في الرحم العقيم جنين
وينثر رجاءا به الروح تستنير
…
س تتلعثم خطواتي من شفق المسار، فأغدو كفصل يخالف الليل و النهار، باحثا عن إنصاف أسطورة تحدده في المكان و الزمان، فيستفيق عطر الأنشودة و تعلوا أصواته المكتومة، في أي اتجاه أنا؟
ج أسير وسط الزحام
لا يسمعني
سوى صدى الأصوات
أجهل انتمائي
و أجيد احتراف السباحة
في المتاهات
أوتار البلاغة
في تعريفي
أضاعت اللحن و المقامات
ابتعد، أتركني، لا تناظرني
فلست لسطورك
الكلمات
لا تتوهم
فأنت لا تتعدى كونك
ظلا، به روح متوفاة
…
س أيمكنني التقدم و نبضي يحترق، لهيبه ذبيح، و رماده قد شهق، أيمكنني التقدم و صمتي يختنق، صداه فصيح، و نزفه انعتق…؟
ج سأخرج من جسم أفناني
إلى ربيع الخيال يسمّيني
سأهجر داء أحلامي
و أبلغ علاء نجم يشفيني
سأرافق نشيد أقلامي
و أبحر مع حرف يرويني
لن أخضع لشوك أوهامي
و لن يقعدني أرق و يحنيني
إلى ذلك النور تسرع أقدامي
فالوصول غاية تعنيني
أمل بداخلي أهداني
إرادة شمسها تسقيني
زقزقة إحساس أعطاني
بريقا لقاحا يقيني
من استفحال أشجاني
و الإصرار يبقيني
فتنكسر أغلالي
و يضمحلّ أنيني
…
س أناظر لحظات تواجدي كركام يتسلّق قدرة التلاقي باللاتلاقي، فكيف؟
ج أريد ضياعا بين أزقّة الغروب
خطوط و ألوان تتلامس
فيُطرب الإحساس من عطر المكان
من الأعماق حكاية تجوب
صور من الذاكرة تتهامس
تعاند اليوم قدرة النسيان
أرض تحمل وشم الحروب
لتكبيلها الأغلال تتنافس
و لتعريفها السلام عنوان
…
س ترجّلت من على ظهر الحلم، أبحث في الواقع عن صهيل الأمل، مازلت ألامس الوقوف بتعثّر، و الطريق يسألني أن أبتسم، فهل يمكن للصورة أن تكتمل؟
ج لا جدوى من الحياة فطباعها عنيدة
و لا حب معاداتها مجرد من أي عدم
راقص مخيلتك لكسر أوتار حزينة
وحذاري من مغازلة المعاناة فالواقع أصم
أزدل الصمت و غني الشجن للسكينة
وأصرخ للأمل فله أعلى القمم
أعتب على الظلم فطغيانه وسيلة
لزمن تباه على انكسار كان قد ألم
بكل ضعف انقاد تحت راية الهزيمة
تناسيا أن للعدل راية لا تنهزم
مهما بلغ الشر من مناصب رفيعة
يبقى ذليلا أمام عدل أبى إلا أن يدعم
بتاج النصر و لو أن اعتلائه بالشك مسيرة
مرضاة لأيام كبريائها بالغدر اتسم
…
س دائما يختارني الاشتياق قربان، الإحساس في غثيان و العقل في هذيان، يلازمني الاحتيار بإصرار و باستمرار، موت و ميلاد، ظلام و ضياء لمن، الانتصار؟
ج علق بين أفكاري تطير
للإحساس وجع
سكن خيالي و أصبح
للتأويل أقوى مرجع
أحاول كسره، محو ذكراه
و لكن لمرآه أرجع
أخشى تواجده بثبات
فهو للتفاؤل حدث مفجع
تسر له الأحزان و تسعد
إذا ما القدر بهما يجمع
******************
من همس في آذاننا
بطيب الأمل السعيد
من رفع أبصارنا عاليا
و قال غدا جديد
من أخذ بأيادينا
و أكد أن المستقبل عيد
من وعظ سلوكنا
و برهن أن العلم مفيد
من أقنعنا بأن الحياة
لا تأتي دوما بما نريد
هو ذكر الله يبقى
دائما الطريق الرشيد
…
س فيك ميلاد، أيتها الذاكرة، فاسأل لي كبرياؤك، إلى متى ؟
ج لا أدري إلى متى
لكني دخلت اليوم المقطوف
صحوة نائم
تقتنيها أقدام زمن مألوف
رائحة أحداث
و وجوه بين المجهول و المعروف
رجعت لأماكن
بأسوار ذاكرتي تطوف
عبارات من الماضي
مجروحة الحروف
تلك الطفلة
كلامها موصوف
قريبتي من الداخل
تنادي بصوتها الرؤوف
قلت لها جئت من أجلها
و هنا دوري انتهى
…