أمس تذاكرت مع أخي وصديقي رجل الأعمال والسومري الطيب أمين خلف البكاء حول ذكرياتنا الدمشقية التي كان هو يحتفي فيها بطريقة يغلفها هوس من العشق لعطر دمشق وليل دمشق واراكيل دمشق وياسمين دمشق.ودائما السيد البكاء يري في هذه المدينة ضفة مكملة لنهر العشق في قلبه (بغداد) وله ضفة ثالثة أسمها الناصرية.غير إن دمشق كما يقول سيد أمين :هي فتنة طيبة ولها دهشة أليفة تجعلك تعشقها من أول ليلة غرام مقهي أو نزهة حلم في شارع مدحت باشا أو في دعاء مستجاب بمقام النبي يحيي ع.أو السيدة زينب ع في ريف دمشق.
لهذا فهو لايريد أن يخدشها حتي لو وخزة شوكة.يريدها دمشق المرايا.والعطر والقهوة والمنفي الأجمل لعراق ملَ من طغاته وسُحت مسئوليه وأتي إليها لأجيء شوق ومحبة وراحة بال بعد أن صارت المفخخات وكواتم الصوت في بعض أيام بغداد تفزع حتي الدمي……!
هذه المدينة الأقدم (مأهولة) في سكنا البشر في تأريخ البشرية ظلت وطوال عمرها تحتفي بغرام شهي مع أهلها وضيوفها.
هذه المدينة (الأسطورة) وبقيت ومازالت عشا هانئا وهادئا لكل المطاردين عبر محطات تواريخ الذين يفقدهم القدر هيبة ما كانوا عليه ، فكانت مأوي لطارق بن زياد مانح العرب مجد الأندلس وعصورها الفاتنة ، وفي غوطتها اختار المجاهد الجزائري الشيخ عبد القادر الجزائري ، فيما رضي الجواهري الكبير أن تكون أغماضة قصيدته الأخيرة بعيدة عن ثري الغري ، مدينة نجف (علي ونوح وآدم ــ عليهم السلام ــ) ويختار لمثواه قبرا في ريف دمشق ، ومثله فعل مصطفي جمال الدين وعبد الوهاب البياتي الذي رقد قبر جوار سيده وملهمه الصوفي ابن العربي ليبقي مطلا من خلال ضريحه علي ليل دمشق الساحر كما أصداء حنجرة شوقي وهو يتغني ببردي الهابط بذكريات غرام الياسمين كلما أعطت السماء لدمشق وقاسيون بركة المطر…..!
هذه المدينة التي أدمنت العشق في كل عصورها وألهبت الشعراء وكمانات وأعواد الموسيقي لحن عاطفتها الشرقية المصبوغة بطيبة ونبل أهلها وعراقة حاراتها بقيت وعلي الدوام أريكة حلم لنصوص الكتابة ولأحلام العشاق وريشة الرسامين وصوت الساسة المنفيين عندما ظلت وفية لهروبهم من جحيم الأوطان ليسكنوا أمان صدرها وضرعها وشفتيها وحنانها المسبوك عطر قهوة وشاي علي أرائك مقاهي الروضة والهافانا والكمال وغيرها من أرائك الياسمين الهاطلة بسريالية شوق عاطفي علي قيلولة الأدباء والسائحين وعشاق اللحظة المدهشة.أشم عطر فنجان القهوة الذي يحتسيه زكريا ثامر ، والعقيد أبو شهاب بطل باب الحارة وحنا مينا ودريد لحام وصباح فخري وأبو عنتر وميادة الحناوي ويوسف العظمة وكوليت خوري ورشا عمران وعتاب حريب ومظفر النواب وخليل صويلح وناشر كتبي الطيب أيمن الغزالي أبن درعا وريفها الأثري الساحر..!
هذه المدينة الحنون كضرع أم.وكشفتي عاشقة أدمنت في تسكع نهارات الضوء وليالي ثمالة المرح النبيل.يقترب منها دخان أسي الانفجار ، يشعل فيها عود ثقاب أخاف أن يحرق ثوب عرسها بالفتن فتضيع حلاوتها وتخرب نهاراتها وتسكنها كما تسكن بعض جاراتها من العواصم سُرفات الدبابات والمفخخات والكواتم التي تفقد البلدان اكاديميها ومثقفيها وفقراءها وأطباءها وساستها….!
لهذا.وأنا البعيد عن ليلها المعطر بياسمين فتنة الأميرات وأنواء شوارعها الفسيحة وعناوين أغلفة كتب مكتباتها أرفع اكف دعاء الحلم أن لايصيب دمشق أي أذي.وأن تسعي مع أهلها وصحبها وعشاقها أن تحل كل إشكاليات ما يعتقد أنه ما كان يدفع البعض ليخرجوا في شوارعها وجوامعها ليطلبوا التغيير.
وحتما دمشق بثقافتها وتواريخ ثوراتها الماجدة تدرك معني أن يطلب احد بحقه فتعطيه دون أن يشذ فيه نازع الحرق والتخريب والتهديم والهوس.
تدرك أن الجميع أبناءها.في أي مكان من أمكنة الحديقة (السورية).
الحديقة التي يعيش في الفتها الحنون (السنة والشيعة والمسيحيين والكورد والدروز والشراكسة والعلويين) وكل أطياف فسيفساءها المدهشة حتي صارت في ظل تقلبات العولمة واستفزازاتها مثالا رائعا للتعايش بين جغرافيات الأرض كلها.فوحده باب توما يريك روعة المشهد الكنيسة قرب الجامع وعلي امتدادهما حارة تسمي والي الآن حارة اليهود….!
يسكنني عشق لدمشق.وخوف علي دمشق.ورهبة مما يجري قرب أطراف أجفان دمشق.
أخشي أن يحترق الأخضر واليابس فتفقد دمشق معني دهشتها وسحرها وعطرها وبياض ياسمينها.
أخشي أن افقد حلاوة مدينة هي الأقرب إلي حلم المسافر والشاعر والفقير…
لهذا تراني أنا وصديقي السومري السيد أمين خلف البكاء.نقف في باحة كل أضرحة ساداتها وأولياءها وأنبياءها نرفع اكف الدعاء.كما يرفع المؤذن صوته والكاهن قداسه تقريبا إلي سماء زرقة المدينة ليدعو الله القدير أن يحفظ هذه المدينة (الرائعة) من كل سوء…..!
نعيم عبد مهلهل: ياسمين دمشق
تعليقات الفيسبوك
والله يااخي نعيم، كانك معنا ونحن كل صباح نفتح عيوننا ونستهل اليوم بالدعاء أن لايصيب دمشق وسورية ما اصابنا، يالروعة ما كتبت وكانك في قلبنا وعقلنا، والان أدرك ان النجوى واحدة في عقول وقلوب المحبين خوفا على رقة حبيبتهم، عندما بدأ الطغاة الجبابرة الفاشست يتحركون ضد العراق، قلنا لكل الذين كانوا يؤيدون الاحتلال، والله لتعضون اصابع الندم، وها هم الان يقولون لم نكن نعلم انها ستكون هكذا، ولطالما قلنا لهم لنناضل من اجل حقوقنا وحقوق شعبنا، من دون ان نسلم رقابنا للظالم المحتل، ولكنهم ما سمعوا الا نداء مصلحتهم الذاتية، ولم ينظروا لشعبهم ووطنهم، وها نحن نعيش ما اقترفوا بحق شعبهم، فما كتبته هي الروح الخالصة التي تستشعر الخطر واين مكمنه، فتحية لمنبتك المخلص الرائع.
ستبقى دمشق محتضنة كل ذكرياتك..كالفراشة تغط على مكامن النور لا لتحترق وإنما لتشع أكثر
أستاذ نعيم..لتنعم بكل ذكرياتك هي ستبقى على قيد الحياة
شكرا لك ولكلماتك لوطنيتك التي احدثت فيضانها في أرواحنا
سوزانة