
عازف الجوزة داخل أحمد : يجب النهوض بفن ” المقام العراقي”
حاوره : عصام القدسي
المقام العراقي واحد من أهم روافد طربنا الأصيل .. مرحلة الثلاثينات شهدت ظهور أساطين هذا الفن وحتى الثمانينات من القرن الماضي تعد فترة ازدهار المقام العراقي . بعد أحداث 2003 وما جاءت به من ويلات وخراب ، اضمحل هذا الفن وأصبح في خبر كان ، مثله مثل كثير من الطقوس الجميلة التي كانت تشكل ملامح المجتمع العراقي وخصوصيته . وفي هذا الحوار نلتقي بواحد ممن واكب رحلة المقام بتحولاته وشارك رواده العزف في الحفلات التي كانت تقام في داخل العراق وخارجه ليحدثنا عن هذا الفن الرائع ، وعن السبيل إلى إحيائه ، ليتخذ مكانته المميزة من جديد.
* حدثنا عن البدايات.
ـ يعود تاريخ المقام إلى قرون خلت ،إلى فترة الحكم العثماني ، وفي فترة الثلاثينات من القرن العشرين وحتى الخمسينات شهد المقام العراقي في بغداد ،حضورا واهتماما مميزين ، إذ ظهر رواده مثل نجم الشيخلي ، عباس كمبير ، يونس يوسف ، رشيد القندرجي ، حسن خيوكة ، والرائد الكبير محمد القبانجي الذي استطاع ان يضيف مقاما جديدا إلى المقامات الرئيسية وتفرعاتها. أما أهم الفرق في الثلاثينات، فرقة يوسف بتو ، وصالح شميل وغيرهما وكان المقام العراقي أهم ألوان الطرب لدى البغداديين فقد كانوا ينتظرون يوم الخميس أو الجمعة ليقصدوا المقاهي والكازينوهات المنتشرة في جانب الرصافة مثل كازينو الشابندر ومقهى عزاوي ومقهى شكر،وغيرها، لحضور حفلاته ،واستنشاق عبير الحانه، وظلوا هكذا حتى بعد ظهور الراديو الذي كان وجوده بداية، يقتصر على بيوت الطبقة الحاكمة والأثرياء ممن لهم القدرة على شرائه . بعد الرواد وحتى فترة الثمانينات واصل المسيرة آخرون مثل القارئ عبد الرحمن خضر ،حمزة السعداوي ، عبد الجبار العباسي..الخ .. ومما يؤكد روعة المقام العراقي وتميزه وجمال مقاماته و” تخريجاتها ” انه في عام 1932 اقيم في القاهرة ” مهرجان المقام ” حضره الملك فؤاد الأول وعدد كبير من الفرق جاءت من جميع أنحاء العالم ، ومن بينها العراق الذي شارك بفرقة ” الجالغي البغدادي” يرأسها الفنان الكبير محمد القبنجي وقد استطاعت هذه الفرقة أن تتميز وتجتاح الساحة المصرية والفوز بالجائزة الأولى وإثارة إعجاب الملك فأعطاها مدة ساعتين لتقدم فنها علما إن الوقت المقرر لكل فرقة كان ربع ساعة كما أعجبت ام كلثوم بالمقام وبأداء القبنجي وتقديرا له وجهت له أكثر من دعوة.

وسيف وليد وداخل احمد 15/3/2011
* وما حكاية نوري السعيد رئيس الوزراء آنذاك مع المقام العراقي .؟
ـ لقد كان من المهتمين به والمتابعين الجيدين له ، ولولاه لانقرض منذ زمن مبكر ، ففي الخمسينات هـُجر يهود بغداد بعدما سحبت منهم الجنسية العراقية ، وكان من بينهم عدد من عباقرة هذا الفن ، فأمر نوري السعيد بتأجيل ترحيل هؤلاء النوابغ حتى يعلموا نفرا من البغداديين ، فتعلم شعوبي إبراهيم فن الجوزة والحاج رجب العزف على السنطور . ومما أتذكره أن يوسف عمر كان يقرأ ذات يوم المقام في الراديو وكان البث حينذاك مباشرا على الهواء ونسي قطعة من المقام الذي كان يقرأه ، وإذا بنوري يتصل به يعاتبه ( ابو يعقوب وين القطعة الفلانية..) وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أهمية المقام وعلى اهتمام المسؤول آنذاك بشؤون الفن .
* وبعد الخمسينات وظهور التلفزيون .؟
ـ في الستينات أنشئ ( معهد المقام العراقي ) والفضل يعود في إنشائه إلى الشيخ جلال الدين الحنفي والأستاذ سالم الآلوسي ” وكان يدرس فيه من ضمن مدرسيه ، الاستاذ هاشم الرجب وكنت من أوائل تلامذته ومن خريجي الدورة الأولى للمعهد. .ولما ظهر التلفزيون كانت تقام حفلات للـ ” جالغي البغدادي ” أسبوعيا ، بقيادة وإشراف العبقري هاشم الرجب ، ومشاركة الأستاذ شعوبي وعلي الدبو وعلي عبد الله على السنطور وكنعان محمد صالح ، ورزوقي الشبلي عازف الطبلة الذي نجح بإقامة حفلات للجالغي خارج العراق . وفي السبعينات انضممت للفرقة عازفا على الجوزة وسجلنا حفلات لكبار القراء مثل يوسف عمر،عبد الرحمن خضر حمزة السعداوي عبد الجبار العباسي . وفي الثمانينات قام الأستاذ يحيى إدريس بتقديم برنامج المقام العراقي في التلفزيون بعنوان ” على ضفاف التراث ” وانشأ فرقة مقرها المتحف البغدادي إكتشف من خلالها مواهب جديدة.
* ذكرياتك عن الرواد .؟
ـ كان الرواد حريصين على فنهم والالتزام بمواعيد إحياء حفلاتهم ومما اذكره عن يوسف عمر الذي شاركت بالعزف في حفلاته أن محمد زكي عازف السنطور كسرت يده ولالتزام يوسف أخرجه للحفلة فعزف بيد واحدة . وقد رايت الأستاذ هاشم الرجب يقضي وقتا في المعهد يدون كتابه الأول في( النوتة) وحالما انتهى منه ولعدم تمكنه من طبعه ، اخذ يستنسخه بيده ويوزعه على تلامذته وهذا يتطلب جهدا كبيرا .

* وعملكم في الوقت الحاضر .؟
ـ نحن نسعى إلى إعادة مجد المقام العراقي واقصد بالمقام الحقيقي الذي يقدمه قارئ مقتدر ولا اقصد ما نسمعه الآن من بسته وأغنيات ولدينا فرقة كاملة ،هي امتداد لفرقة الجالغي البغدادي وبنفس الاسم وعلى طريقة شعوبي إبراهيم وهاشم الرجب كما لدينا قراء مقام جيدين وان كانوا قلة مثل حامد السعدي الذي يعد خبيرا بالمقام العراقي ، والقارئ سعد الاعظمي وحسين الاعظمي ومن تلاميذنا طه غريب، صباح هاشم ، ونتمنى أن نجد التمويل اللازم لتسجيل كافة المقامات .وعن نشاطاتنا: في العام 2008 شاركنا بمهرجان المقام أقيم في اذربيجان وشاركت به خمس وعشرين دولة منها الصين والهند ودول أوربية وأمريكية ولشدة اهتمامهم بالمقام قدم رئيس الجمهورية شخصيا لأعضاء الفرق شهادات دبلوم في الموسيقى موقعة من قبله. كما قمنا ، بتسجيل حفلة لإحدى القنوات الفضائية أيام عيد الأضحى ، استغرقت ساعة ، وحفلة ثانية لقناة أخرى وفي طريقنا إلى تسجيل حفلة لقناة ثالثة، خلال الأيام القادمة..
• كلمة أخيرة .؟
• ـ أوجهها إلى الجهات المسؤولة أقول فيها” إن المقام فن عراقي عريق ويمثل تراثا عبقريا للمجتمع العراقي يجب أن نحرص على إحيائه بعدما أصبح بمقاماته الثمانية الرئيسية وتفرعاته التي تتجاوز الستين في طريقه إلى الاندثار وهذا غاية في التجني على فن عراقي أصيل يعد من أهم فنون الطرب العراقي ، ومصدر الهام للطرب والغناء الحقيقي. ونطالب بان تعاد له مكانته في معهد الدراسات الموسيقية بعدما قلصت ومعاهد المقام وان تتم الاستعانة بما تبقى من رواده لتدريسه على أصوله الصحيحة ،وإعادة اكتشاف من لديه القدرة على أدائه وتسجيل كافة المقامات التي سجلت فيما مضى، ولكنها فقدت وأحرقت في أثناء الفوضى التي حلت ببلدنا . والمساهمة في إقامة حفلات المقام ، في المحافل والمناسبات كافة لإحيائه والتعريف به للأجيال الجديدة .