سامي عبد الحميد : حلم (صلاح القصب) الذي لم يتحقق بعد!! (ملف/5)

إشارة :
منذ بداية السبعينات، سعى الدكتور “صلاح القصب” عرّاب مسرح الصورة إلى تفجير الوعي المسرحي العراقي والعربي وفق رؤيا جديدة رسّخها عمليّاً عبر العديد من الأعمال المسرحية الفريدة: هاملت، العاصفة، الملك لير، ماكيث، عطيل (شكسبير)، طائر البحر، الشقيقات الثلاث، الخال فانيا (تشيخوف)، أحزان مهرج السيرك، الخليقة البابلية، الخادمات، ثورة الزنج، الحلاج وغيرها الكثير، ونظريّاً بتقعيدها على أسس علميّة عبر بياناته الخمسة وكتبه وبحوثه الكثيرة: مسرح الصورة بين النظرية والتطبيق، سيناريوهات صورية، كيمياء الصورة، التجريب في المسرح الصوري وفلسفة الكوانتم في مسرح الصورة وغيرها. تدعو أسرة موقع الناقد العراقي الكتّاب والقرّاء إلى إثراء ملفها عنه بالمقالات والصور والوثائق.

المقالة : 
حلم (صلاح القصب) الذي لم يتحقق بعد!!
سامي عبد الحميد

بعد مرور اكثر من عشر سنوات على آخر عمل مسرحي قدمه المخرج (صلاح القصب) وهو مسرحية (ماكبث) لشكسبير والتي قدمها في حدائق قسم الفنون المسرحية – كلية الفنون الجميلة ببغداد وبرؤية معاصرة تختلف كثيراً عن أية رؤية أخرى لمخرجي المسرحية السابقين اللاحقين مستخدماً تقنيات المذهب السوريالي – التشظي والتزامن وتعود البؤر وبمفردات تختلف عن المفردات التي اقترحها شكسبير في مسرحيته ، فبدلا من الخنجر الذي يقتل به (ماكبث) الملك (دانكن) استخدم سيارة قديمة تدهس الملك، وشاهدنا آلة كبيرة لقطع الورق وعلامات للارشاد المروري علقها على اشجار الحديقة.
اقول بعد ذلك العمل بقي (صلاح) يحلم باخراج مسرحية شكسبير (ريجارد الثالث) وحاول شتى المحاولات لكي يبدأ بالعمل ولكنه لم يحصل على الجهة التي توافق على انتاج المسرحية ،وحاول مع وزارة الثقافة في اقليم كردستان وحاول مع وزارة الثقافية العراقية ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية ولم يفلح في الحصول على الميزانية المالية التي تسد كلفة الانتاج. وكانت خيبة امل بالنسبة له وهو المخرج المبدع المبتكر الذي تفرد في معالجاته الاخراجية.
أذكر انه كلفني بتقطيع النص الشكسبيري قبل سنوات ونفذت ما يريد وكنت وانا اقرا النص اتساءل ما الذي يدعو (صلاح) لاخراج مثل هذا النص المعقد باحداثه الكثيرة وشخصياته العديدة ومؤامراته المتكررة. وكنت اجيب عن التساؤل بان (صلاح) يريد ان يدين ذلك الملك المعوق الذي سابق الزمن ومارس انواع المؤامرات في سبيل وصوله الى عرش انكلترا، ولكن سرعان ما اراجع نفسي واقول ان (صلاح) لا يهتم بموضوعات المسرحيات التي يخرجها بقدر اهتمامه بالشكل الجديد الذي يمنحه للمسرحية ذلك الشكل الذي يخالف تماماً ما يقترحه مؤلف المسرحية، فله رؤيته الخاصة وتصوره الخاص عن مكان وبيئة المسرحية التي يخرجها . ففي مسرحية (طائر البحر) لجيكوف لم يؤسس لمسرح صغير في حديقة بيت روسي بل قدمها امام هيكل حديدي كبير يمثل دماغ الانسان صممه (نجم عبد حيدر)، وفي (الخال فانيا) لجيكوف ايضا لم يستخدم منظراً يمثل بيتا روسيا ايضا بل استخدم مفردات تدل على مستشفى في مسرح خال من اية مناظر. وفي مسرحيته (الملك لير) لشكسبير لم يستخدم (صلاح) قاعة عرش في مملكة قديمة بل استخدم اقفاصاً متحركة وقطعة قماش بيضاء كبيرة استخدمها الممثلون لتعطي دلالات مختلفة فمرة تعني كفن الميت ومرة اخرى تنعي كثبان رمال وثالثة تعني موجات طوفان ماء. وفي مسرحية (الشقيقات الثلاث) لانطون جيكوف لم يستخدم منظراً لبيت روسي قديم بل استخدم ما يشبه المقبرة في مسرح دائري صغير.

د. صلاح القصب والفنانة أحلام عرب

رغم تعدد احداث مسرحية (ريجارد الثالث) وكثرة شخصياتها من الملوك والامراء والملكات والاميرات والاتباع والمعارك التي دارت تاريخياً بين فئة الوردة الحمراء وفئة الوردة البيضاء من اجل الاستيلاء على عرش انكلترا. إلا ان المعجبين بنص المسرحية من المخرجين والمنتجين كثيرون واخرجها قسم منهم بالاسلوب التقليدي واخرجها القسم الاخر باسلوب غير تقليدي، وكان المخرج التونسي (محمد كوكا) من اولئك المعجبين واخرج المسرحية في المسرح البلدي في مدينة تونس العاصمة خلال الثمانينات بالملابس العصرية. وكان (صلاح القصب) قد شاهد العرض واعجب به وتكونت لديه رؤية اخرى لاخراجه كنا نتمنى ان تتحقق رؤياه فنرى عملا مبتكراً يضاف الى رصيده الابداعي ولكن للاسف لم تأت تلك الفرصة . وهكذا غاب (صلاح القصب) عن الساحة المسرحية العراقية في سنوات ما بعد التغيير كما كانت اسماء اخرى لمخرجين مسرحيين بارزين اغنوا الحركة المسرحية بابداعاتهم نذكر منهم اضافة الى صلاح المخرج (فاضل خليل) كما غاب عن الساحة مؤلفون كبار للمسرحيات امثال (يوسف العاني) و(عادل كاظم) و(طه سالم) و(محي الدين زنكنة) و(نور الدين فارس) و(فلاح شاكر) ولم يتبق في الساحة الا الكاتبة والمخرجة (عواطف نعيم) من الجيل السابق وراح يلعب فيها مخرجون شباب لم يبلوروا بعد بصمة واضحة في اعمالهم، وكذلك الحال بالنسبة للمؤلفين امثال (مثال غازي) و(علي عبد النبي)، وهكذا تبقى الحركة المسرحية في العراق منتقصة طالما يغيب عنها كتاب ومخرجون بارزون من اجيال سابقة، صحيح ان المسرح يتجدد ولكل مرحلة تاريخية لها فنانوها ولكن التقاليد المسرحية الرصينة من الدول المتقدمة مسرحيا تقتضي حضور جميع الاجيال فالمسرح الانكليزي لم يترك شكسبير والمسرح الفرنسي لم يترك موليير والمسرح الروسي لم يترك جيكوف. ومازال (بيتر بروك) مخرجا انكليزياً مستمراً في عمله ومازالت فرقة مسرح موسكو الفني تقدم اعمال ستانسلافسكي ومازال مسرح بوليفر انسامبل في برلين يقدم مسرحيات (بريخت) ومازال المسرح الاميركي يقدم مسرحيات ميلر واونيل ووليامز الى جانب اعمال روبرت ويلسون الما بعد حداثوية. اذن يجب ان يبقى عادل كاظم ومحيي الدين زنكنة وفلاح شاكر كتابا مسرحيين وان يبقى بدري حسون فريد وسامي عبد الحميد ومحسن العزاوي وفاضل خليل وصلاح القصب في البرنامج المسرحي العراقي الى جانب الكتاب والمخرجين الجدد.

*عن صحيفة المدى

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *