إشارة :
تتشرّف أسرة موقع “الناقد العراقي” بأن تبدأ بنشر هذا الكتاب ” حوار مع طلال حسن .. دَّجْ أدب الأطفال في العراق” لمؤلفه الأستاذ “غانم البجّاري” على حلقات تحيّةً للمبدع الكبير اختصاصي أدب الأطفال في العراق والوطن العربي “طلال حسن” ، ليطلع القرّاء على جانب من سيرته ورؤاه وآرائه خصوصاً فيما يتعلق بأدب الأطفال. تحية للمبدع الكبير “طلال حسن” الذي يكفي ربع منجزه لنقله إلى العالمية.
الحوار (9) :
س
لقد كتبت الكثير عن أطفال فلسطين ، فهل كتبت عن أطفال العراق ؟
ج
كتبت فعلاً الكثير عن فلسطين وأطفالها ، وكذلك كتبت عن أطفال العراق ، وما عانوه من الحروب المزمنة ، التي قتّلت إخوتهم وآباءهم ، وجعلت حياتهم اليومية صعبة للغاية ، وحطمت مستقبلهم ، ومِمّا كتبته كتاباً عن الحرب ، لكني لم أتحدث فيه عن البطولة والبسالة والخوارق ، بل تحدثت عن معاناة الطفل والزوجة والأم والأخت من غياب الرجال والشباب ، واحتراقهم في نيران الحرب ، وكان عنوانه : ” زهرة من بلاط الشهداء ” ، وقد طبع الكتاب فعلاً في دار ثقافة الأطفال ، لكن تَغيُر المدير العام ، ومجيء مدير عام متشدد ، لم يوزع الكتاب ، ولم أحصل منه على نسخة واحدة .
س
هل للمرأة مكانة في كتاباتك للأطفال ؟
ج
ﻻ حياة بدون المرأة ، وهي في كتاباتي للأطفال الأم .. المدرسة الأولى ، والأخت الحبيبة والطفلة الصديقة في المدرسة ، والكثير من قصصي أبطالها فتيات ، وحتى في قصصي عن القضية الفلسطينية ، تلعب المرأة والفتاة الصغيرة دوراً نضالياً مؤثراً ، كما إنها ، وهي طفلة ، موضوع لمشاعر حب أولية عميقة ، فمسرحيتي .. هيلا يا رمانة .. التي كتبتها عن أجواء طفولتي في الخمسينيات ، كان معظم أبطالها من الفتيات .
س
ماذا تعلمت من الحياة بعد هذا العمر الذي قضيته في الكتابة ، وخاصة الكتابة للأطفال ؟
ج
تعلمت أن الكتابة ، وخاصة الكتابة للأطفال هي الحياة ، إنني أحب الأطفال وأنا أشفق على أطفالنا من .. جنون .. الكبار ، وقد قلت في كلمة في قصة عنوانها :
( إنهم يقتلون فرح .. ) :
أيها الكبار
من اجلنا نحن الصغار
لاتلعبوا بالنار ..

س
يقول القاص الراحل أنور عبد العزيز : إن اغلب ما كُتب للأطفال لم يكن أدب أطفال ، بل كان أدباً يكتبه الكبار للكبار عن الصغار ، وان ليس هناك كتّاباً محترفين لهذا الجنس من الأدب إلا الندرة ، وأنت واحداً منهم ، هل بإمكانك أن تورد لنا بعض من قاموا بتلك المحاولات وفشلوا .. بعيداً عن دبلوماسيتك المعروفة ؟
ج
ما قاله الراحل العزيز أنور ، ليس دقيقاً ، بل هناك من ينفي وجود أدب للأطفال ، وينفي حاجة الأطفال أساساً للأدب ، وأدب الأطفال محلياً وعالمياً ، يكتبه الكبار للأطفال ، حتى وهم يكتبون عن الأطفال ، وأنا هنا أتحدث عن النماذج المبدعة ، وهل كتّاب الكبار كلهم مبدعون ؟ والكتابة للأطفال تحتاج إلى موهبة خاصة ، بعض الكتّاب كتبوا للكبار والصغار وأبدعوا في الحالتين ومنهم عالمياً سانت اكزوبري ، مؤلف رواية ( أرض البشر وبريد الجنوب ) ، فقد كتب رواية للأطفال من أروع ما كتب للأطفال ، وهي ، ( الأمير الصغير ) ، التي ترجمت إلى جميع اللغات الحيّة ومنها اللغة العربية ، بل ترجمت أكثر من مرّة ، وقد ترجمها قبل سنوات الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف ، كما كتب الكاتب الانكليزي المعروف اوسكار وايلد مؤلف رواية ( صورة دوريان جراي ) ، الكثير من قصص الأطفال منها قصة ( الأمير السعيد ) ، وﻻبد أن بعض الكتّاب حاولوا الكتابة للأطفال ، بعد أن حققوا نجاحاً في الكتابة للكبار ، ولم يوفقوا ، وهذا ليس عيباً ، لقد التقيت بالكاتب العراقي الكبير محمد خضير في مؤتمر المثقفين العراقيين الذي عقد عام ” 2005 ” وضم ” 500 ” .. مثقفاً من كل أنحاء العراق ، وسألته مازحاً : ألم تكتب للأطفال ، يا أستاذ محمد ؟ فابتسم الصديق العزيز محمد ، وقال .. حاولت لكني لم أنجح .
س
يرى البعض إن الاشتراكية اليوم من النظريات العتيقة .. ولم تعد فكرة تطبيقها مقبولة ونحن في القرن الواحد والعشرين .. ما رأيك أنت أستاذ طلال ؟
ج
قلت مرّة ، في كلمة وضعتها في مقدمة مسرحية للأطفال اسمها ( مؤتمر السلام الأول في الغابة ) : لكي ننتصرﻻ يكفي أن نكون على حق .. ” الاشتراكية ، والفكر الاشتراكي .. في رأيي ، هي أعلى المراحل التي وصل إليها الفكر الإنساني ، والكثير من الأفكار والأنظمة في العالم موجودة بقوة السلطة وأجهزتها الغاشمة ، الرأسمالية باقية ، والدكتاتوريات باقية ، والخرافة باقية ، ألأنها أفضل من الاشتراكية ؟ وهل فيها جِدّة أكثر من الأفكار الاشتراكية ؟ نعم يا صديقي ، لكي ننتصر ﻻ يكفي أن نكون على حق ..
س
في طفولتك ، مَنْ مِمّن حولك ، كان الراوية الأول ؟
ج
لم يكن في طفولتي المبكرة راوٍ واحد ، بل كان ثلاثة ؛ أمي وأختي الكبيرة وزوجة عمي ، وهي من أصول ريفية ، حكت لنا أمي عن .. الدامِيّة .. التي تقول إنها رأتها رأي العين ، فبيتهم كان يقع في محلة الميدان قرب النهر ، وحكت لنا حكايات كثيرة ، لكن حكايتها عن .. لعبة الصبر ، كانت الأكثر عنفاً وتأثيراً ، وزوجة عمي كانت تحكي لنا قصصاً ريفية عن الغرير وفريش الأكرع والثعلب الفرّاء التي كتبتها فيما بعد ونشرت في كتاب جميل رسمته لي الفنانة الكبيرة هناء مال الله ، وفازت على رسوماتها بجائزة جامعة الدول العربية ، أما أختي الكبيرة ، فكانت تقرا لنا أجزاء من ( ألف ليلة وليلة ) ، مثل الحمّال والسبع بنات ، والأميرات الثلاث ، وعندما أردت أن أكتب مسرحية استقيها من ألف ليلة وليلة لم تستهويني منه غير الأميرات الثلاث ، التي سبق وأن قرأتها لنا أختي في طفولتنا .
س
استطاع دزني أن يحتل عقول الصغار بعوالمه الساحرة ، التي راح ينتظرها الكبار قبل الصغار ، ألا يعني هذا أنّ هذا العبقري استطاع أن يحتل عقول الكبار عن طريق الصغار ؟
ج
والد ديزني ، هذا الفنان العبقري ، كان في بدايته فرداً ، ربما يساعده عدد محدود من الفنانين ، ثمّ تحول مع الزمن إلى جيش من الفنانين والخبراء والكتّاب والموسيقيين ، وحتى بعد وفاته استمر في إنتاج أروع الأفلام عن طريق فريقه المتجدد والمواكب لكل جديد في عالم السينما ، ومنذ البداية ، بعد نجاحاته الأولى ، راح يقدم أعمالاً فنية تصلح لكل الأعمار ، وهنا تكمن عبقريته.
س
هل عرف العرب الأوائل ، قبل الإسلام وبعده ، شيئاً من أدب الأطفال ؟
ج
في حدود علمي ، أن العرب لم يعرفوا أدب الأطفال ، ﻻ قصة ولا شعراً ، لأن أدب الأطفال لم يظهر في أوربا بشكل جنيني إلا بعد القرن السابع عشر على ما اعتقد ، أما الآن فان أدب الأطفال ، في الكثير من الدول العربية فهو أدب متطور ، وإذا عضدته الحكومات ودعمت أدباء وفناني الأطفال ، فان هذا الأدب ، سيأخذ مكانته المتقدمة التي يستحقها .
س
أيهما أكثر أهمية ، طفل الحجارة أم طفل الحلم ؟
ج
الطفل أحيانا ابن بيئته ، فطفل الحجارة ابن البيئة الفلسطينية ، ابن النضال الشجاع والمشروع للفلسطينيين عامة ، ومن بينهم الأطفال ، ومحمد الدُرّة ليس رمزاً للطفل الفلسطيني ، بل ضحية من ضحايا الفاشية الصهيونية ، التي لم ترحم حتى الطفولة .
س
ما هي اللغة الأكثر تأثيراً على الأطفال ؟
ج
أدب الأطفال ، سواء كان شعراً ، أو قصة ، أو مسرحية فاللغة المناسبة والمؤثرة هي اللغة الفصحى ، السلسة ، الواضحة ، إن بعض الكتّاب ، وخاصةً بعض إخواننا المصريين ، يكتبون الشعر للأطفال باللهجة العامية المصرية ، وهو في رأيي غير مقبول ، حتى لو فهمه كل القراء العرب ، الفصحى هي لغة العرب جميعاً في جميع أقطارهم ، وعلينا نحن كتّاب الأطفال أن نلتزم بها في كل الأجناس الأدبية ، التي نكتبها للأطفال .
س
قصة البلبل ، التي نشرتها في جريدة طريق الشعب في أواسط السبعينيات هي إدانة واضحة للدكتاتورية .. هل فهمها الأطفال هكذا ، أم ماذا ؟
ج
بعض قصص الأطفال ، التي اكتبها ، تفهم على مستويين ، المستوى الأول وهي الحكاية الظاهرة يفهمها الأطفال ، ويتمتعون بها ، والمستوى الآخر ربما ﻻ يفهمها الأطفال ، بل يفهمها الكبار ، ومثل هذا النوع من القصص ليس جديداً ، فقصص كليلة ودمنة من هذا النوع وكذالك حكايات ايسوب اليوناني ، واحيقار الاشوري ، وحتى قصائد أحمد شوقي للأطفال .
س
بدأت مسيرتك على طريق أدب الأطفال بقصة عن القضية الفلسطينية ، هي قصة ” العكّاز ” ، وقد كتبت فيما بعد الكثير عن هذه القضية ، فماذا عنها ، ولماذا فلسطين بالذات ؟
ج
بعد النكسة ، التي حدثت في الخامس من حزيران عام ” 1967 ” ، ازداد اهتمامي بالقضية الفلسطينية ، وقرأت كلّ ما وقع تحت يديّ مِمّا كُتب عن هذه القضية ، وبرز مبدعوها أمثال محمود درويش وسميح القاسم وغسان كنفاني وفدوى طوقان وأميل حبيبي ومعين بسيسو ، في أجواء نضالية حماسية ، وضمن هذه الأجواء كتبت أولى قصصي عن القضية الفلسطينية ، ومنها ” العكّاز و البطة الصغيرة والحمامة والدرس وغيرها كثير ” ، وخلال هذه الفترة كتبت ونشرت أكثر من ” 70 ” قصة إضافة إلى ثلاثة كتب هي ” الحمامة ” التي صدرت عن دار ثقافة الأطفال عام ” 1976 ” ، و ” البحر ” الذي صدر في الموصل بتعضيد من نقابة المعلمين عام ” 1978″ و ” حكايات ليث ” الذي صدر عن دار كِنده في عمّان ـ الأردن عام ” 1998 ” ، وقد لاقت هذه الكتب عنتاً شديداً ، فالحمامة ، وبعد أن رسمها المبدع صلاح جياد ، كادت تسحب بوشاية سوداء ، لولا أن حسم رئيس التحرير القضية بقوله ” هذه القصة معنا وسأنشرها ” ، أما البحر ، فقد رفضت العديد من المكاتب في الموصل توزيعه ، وما واجهه كتاب ” حكايات ليث ” كان الأسوأ فبعد طبعه ، رفضت جميع مكتبات عمّان توزيعه ، لأنه يتحدث عن الانتفاضة ، والأردن وقتها كان منهمكاً بالتطبيع مع إسرائيل ، وأترك هنا الكاتبة الأردنية ـ الفلسطينية روضة الهدهد لتتحدث عن قصصي حول القضية الفلسطينية ” : لو كتب فلسطيني عن قضيته لكان الأمر طبيعياً ، ولكن أن يكتب كاتب يبعد آلاف الأميال عن فلسطين ، فإن ذلك أفعلُ وأبعد أثراً ، ومن هنا كان احتفالنا بقراءة .. طلال حسن .
س
ألتعليم هو أنبل مهنة ، وقد قضيت أكثر من ربع قرن ، في تلك المهنة .. فما هو حصادك غير ما كتبته للأطفال ؟
ج
ما زرعناه ، أنا وغيري من المعلمين ، في تلك الفترة الصعبة المليئة بالحروب ، لم نحصد منه إلا القليل من الأطفال ، الذين استمروا في الدراسة ، أما اغلبهم ، وهم أبناء عمال وفلاحين وكسبة ، فقد انخرطوا في صفوف الجيش ، وسرعان ما جاء اغلبهم جثثاً هامدة ملفوفة بالعلم العراقي .. كان حصاداً مُرّاً مضرجاً بالدم .
س
في جوابٍ لك على سؤالي عن الأحلام الكبيرة التي وحدها تبقى سراً في العقول ، و لا تُفشى أبداً فهي مخبوءة في صدور الرجال ..
قلت أن لا أسرار مخفية لديك ولدى الأدباء خاصةً .. كيف .. ؟
ج
وكما قلت لك سابقاً في سؤالٍ سابق أن الكاتب ، وخاصة كاتب الأطفال حالم كبير ، وبعضنا قد لا يتحدث عن أحلامه ، لكنه يتحدث عنها كتابة حين يمسك بالقلم ، ويكتب ، وأنا أحلامي كلها مبثوثة في قصصي ومسرحياتي وسيناريوهاتي ورواياتي .
س
الهدف من الكتابة للأطفال مهما كان نوعها ، وقبل أن تكون مبهجة وترفيهية هي سياسة سواءً شئنا أم أبينا لكونها تزرع الأفكار السامية والحرّة في عقول الأطفال كما يقول بعض النقّاد .. فما هو رأيك أستاذ طلال ؟
ج
السياسة ، والأفكار الحرّة ، والموقف الجريء جزء من الحياة ، ولا يوجد نص بدون رأي وموقف ، والمهم أن الكاتب عليه أن يقدم الفكرة أو المعلومة ، أو الموقف ، بشكلٍ غير مباشر ، وضمن صور فنية وأدبية عالية المستوى ، الكاتب معلم ، معلم بكل معنى الكلمة ، ولكن عليه أن يكون فناناً في تعليمه ، وليس ببغاء واعظاً ثقيل الظل .
س
يبدو أنك قد اخترت العزلة منذ فترة ليست قريبة .. أهي ضرورية للكتابة عندك ؟ وما هي طقوس الكتابة بالنسبة لك ؟
ج
إنني أرتاح للعزلة فعلاً ، وخاصة بعد أن تركت العمل في جريدة ” طريق الشعب ” ، وأحلتُ إلى التقاعد ، وحتى عندما عملت محرراً لصفحة الأطفال ، في جريدة ” نينوى ” عام ” 2000 ” ، وبعدها في عدد من الصحف والمجلات التي صدرت بعد ألتغيير ، كان شرطي الوحيد ، أن لا ألزم بالدوام اليومي .. إنني أرى ، من تجربتي الخاصة ” أن الكاتب والفنان يحتاجان إلى عزلة ليبدعا ، وينتجا أكثر ، وعلى سبيل المثال ، كان الفنان الراحل الكبير راكان دبدوب قلّما يخرج من بيته ، وقد أخبرني مرّة ، أنه لم يخرج من البيت طوال عدة أشهر ، إلا ليذهب إلى البقال القريب ، أما عن طقوسي في الكتابة ، فأنا لا طقوس عندي ، وأكتب عادةً في أية ساعة من الليل أو النهار ، وإن كنت أفضل الكتابة عادةً في ساعات النهار الأولى ، وعندما أبدأ بكتابة عمل طويل للفتيان أو للكبار ، لا أكون مرتاحاً ، وينتابني القلق والتوتر ، حتى أنتهي من العمل ، وأنا أكتب العمل الواحد ثلاث مرات على الأقل .
س
لو عاد الزمن إلى الوراء خمسين عاماً ، ماذا تود أن تكون ؟
ج
سئلت مرّة ، في لقاء صحفي نُشر في ألف ياء جريدة الزمان ، هل أنت نادم على شيء فعلته ؟ فأجبت قائلاً ، مع تحوير بسيط لما قاله أورست بطل مسرحية ” الذباب ” للكاتب الفرنسي الكبير جان بول سارتر ” أجبن الفعلة من يشعر بالندم ، وعليه فإذا عاد الزمن خمسين عاماً إلى الوراء ، فلا أود أن أكون إلا ما كانه طلال حسن .
س
قرأنا لك الكثير من القصص , والمسرحيات , والروايات للصغار والسيناريوهات ..
ماذا عن الرواية للكبار ؟
ج
المتابع لما نشر في العراق من أدب أطفال ، ومن خلال دار ثقافة الأطفال بالذات ، لابد أن يلاحظ طغيان المجموعات القصصية والشعرية على حساب المسرح والرواية ، ومن الغريب أن أحد المحررين برّر لي ذلك قائلاً : أن الأطفال لا يحبون قراءة المسرح ، ويرى البعض ، أن الأطفال يحبذون القصص القصيرة ، ولا يحتملون القصص الطويلة وكذلك الروايات ، ولعلّ مثل هذه الآراء كانت وراء عدم إقبال العديد من كتّاب الأطفال على كتابة المسرحيات والروايات ، ومن جهتي، فقد كتبت الكثير من المسرحيات للأطفال وكذلك للفتيان ، واضطررت إلى نشرها في الصحف المحلية رغم قلة قرائها ، أو نشرها في الخارج ، ولذا فإن قراء مسرحياتي ، على ما أعتقد ، ليسوا كثيرين ، بل إن معظم المعنيين بمسرح الأطفال لم يطلعوا إلا على عدد قليل من مسرحياتي التي نشرت منها أكثر من “200” مسرحية من بينها ثلاثية جلجامش ، التي صدرت عن دار الشؤون الثقافية ، ومسرحية داماكي والوحش التي صدرت عن اتحاد الكتّاب العرب . أما الروايات ، فبالرغم من أنني كتبت أكثر من ستين رواية ، فإنني لم أستطع أن أنشر منها إلا عدة روايات قصيرة منها : ليث وملك الريح ونداء البراري وكلها للصغار ، عدا ما نشرته على مواقع الانترنت مثل ” الناقد العراقي والديار اللندنية ” ولم أكتب أيةِ رواية للكبار .
س
ثمّة تعريفات عديدة للقصة القصيرة جداً ، فكيف تعرفها أنت ؟
ج
يرى الكاتب الأمريكي ارسكين كالدويل ، إن القصة القصيرة جداً ” حكاية خيالية لها معنى ، ممتعة ، بحيث تجذب انتباه القارئ ، وعميقة بحيث تعبر عن الطبيعة البشرية ” ، وعرّفها الكاتب العراقي باسم عبد الحميد حمودي بقوله ” إن القصة القصيرة جداً ، ليست جنساً مفصولاً عن فن القصة ، ولكنها تراعي التكثيف والجو الخاص وضربة النهاية ، وتراعي التركيز والاقتصاد في الكلمات كذلك ” ، ويرى كاتب أمريكي ، لا يحضرني اسمه ، ربما كتب كتابه عن القصة القصيرة جداً في الثلاثينيات من القرن الماضي ، وترجم إلى العربية ، ونشر في سلسلة الموسوعة الصغيرة في العراق ، أن كلمات القصة القصيرة جداً تتراوح بين ” 1000 و 1500 ” كلمة ، وهذا لا يتفق مع أي تعريف يؤكد عل التكثيف والتركيز ، ولعل مجموعة ” انفعالات ” لناتالي ساروت كانت هي النموذج الأهم ، الذي حذا الكتّاب العرب حذوه في كتابتهم للقصة القصيرة جدا ، وقد قرأت مرّة ” 30 ” قصة قصيرة مترجمة ، في مجلة ” زهرة نيسان ” التي كانت تصدر في بعشيقة ، قصة قصيرة جداً ذكر المترجم بأنها أفضل قصة قصيرة جداً في العالم ، وهي تتكون من خمس كلمات فقط هي : ” استيقظ ، كان الديناصور ما يزال موجوداً ” ، وأنا من جهتي كتبت القصة القصيرة جداً للأطفال ، وكذلك للكبار ، وهنا أريد أن أؤكد أن مجموعتي القصصية القصيرة جدا الموسومة : ” أنا الذي رأى ” كانت للكبار وليس للصغار ، والبعض فهم خطأ أنها ـ وخاصة جزءها الأول ، الذي جاء على لسان الحيوان ـ للأطفال .
س
أدب الأطفال ، هل يتناول المرأة ، ولو من بعيد ، غير كجدة وكأم وكملكة ، الخ .. ؟
ج
أولى خفقات القلب ، يمكن أن تبدأ في الطفولة ، ومثل هذه الخفقات تعيش وتنمو مع الطفل ، وقلما تُنسى حتى النهاية ، ولو عاد كلّ منا إلى طفولته ، لربما أكتشف من جديد آثار خفقاته الأولى ، وقد عالجتُ مثل هذه الخفقات ، لمستها أحياناً من بعيد ، بعشرات النصوص القصصية على لسان الإنسان ، أو على لسان الكائنات الحيّة الأخرى المؤنسنة ، وقد نشرت الكثير منها ، وإن كانت بعض المجلات ” المحافظة ” تتردد في نشر مثل هذه القصص .
س
لمن أنت مدين باحترافك للأدب ؟
ج
لست مديناً لأحد ، لا باحترافي للأدب ، ولا لتوجهي الفكري والأدبي ، إنني مدين بذلك لنفسي فقط ، فأنا ، ومنذ وقت مبكر ، اكتشفتُ أن لديّ قدرة على التخيل والخلق والتأليف القصصي ، وقد نمّيت ذلك بالقراءة والكتابة المستمرة ، وعدم التراجع أمام العقبات والإخفاق وقد تفرغت للكتابة منذ أواسط السبعينيات ، ولعل عملي كمراسل لجريدة طريق الشعب علمني العمل المنتظم ، والكتابة في جميع الظروف .