د. نجاح هادي كبة : عبد الجبار عباس؛ عودة إلى فتى النقد الأدبي في العراق (ملف/1)

 

إشارة :
رحل “عبد الجبار عباس” (1941- 3/12/1992 بسبب جلطة دماغية)، “فتى النقد الأدبي” حسب وصف الراحل د. علي جواد الطاهر ، رحل مُبكراً ، بعد عطاء نقدي غزير – كُتُباً ومقالاتٍ – قياساً إلى مسيرته العمرية القصيرة ، وبعد أن طبع بصمته المُميزة على المسار النقدي العراقي. تفتتح أسرة موقع الناقد العراقي هذا الملف عن الناقد والشاعر الراحل ، وتتمنى على الأحبّة الكتّاب والقرّاء إغناءه بالمقالات والصور والوثائق.

المقالة :
عبد الجبار عباس .. المنجز والطموح
عودة إلى فتى النقد الأدبي في العراق
نجاح هادي كبة
نشأته وحياته
ولد عبد الجبار عباس في الحلة العام 1362هـ/1941م، أنهى الدراسةالابتدائية والثانوية في الحلة وتخرج في قسم اللغة العربية بكلية الآداب في بغداد
العام 1964 ثقف نفسه متأثراً بأستاذه الطاهر، ولم يتعيَّن ولم يقبل بوظيفة، إنما كان يكتب ويراسل بشكل حر، وهو ناقد أدبي على المستوى العربي، له : أشواك الوردة
الزرقاء (شعر)، مرايا على الطريق، السياب، في النقد القصصي، مرايا جديدة، الحبكة المنغمة (المرزوك، 2008م، ص: 134-.(135 (في سنة 1970 م اشتغل عبد الجبار في أحد الأقسام الإذاعية لإذاعة بغداد وكان من عمل معهم : باسم عبد الحميد حمودي، مالك المطلبي، أحمد فياض المفرجي واستمر في عمله أربع سنوات، كتب خلالها الكثير من المقالات التي نشرت في مجلة الكلمة وجريدة الأنباء الجديدة وجريدة الراهب، ومن هناك عمل في المجال الصحفي.
كان عبد الجبار كثير الشوق لمدينته الحلة وهو على بعد قليل عنها فيعتريه هاجس بان شخصاً ما يناديه للحضور في أحد مقاهيها وكثير من أصدقائه كانوا غير راغبين بمغادرته لهم، فكان وفياً لهذه الرغبة، فهو منذ أن ولد لم يترك الحلة إلاّ للدراسة أو للعمل المؤقت…فهو كثير المعاودة للقاء بجلاسه في مقهى أبو سراج أو منتديات الحلة الأدبية في نقابة المعلمين أو اتحاد الأدبـــاء) (عوض، 2008 ج2 ص : 30 ).
علاقته بالدكتور علي جواد الطاهر
يرتبط عبد الجبار عباس بالطاهر بروابط عديدة فهما ابنا مدينة واحدة هي الحلة والطاهر أستاذ عبد الجبار أيام تلمذته في كلية الآداب-بغداد، وهو الذي شجّعه على النقد الأدبي وأطلق عليه “فتى النقد الأدبي في العراق”.
قال عنه الطاهر: ان عبد الجبار عباس أولاً وآخراً ناقد وناقد حقيقي استثمر للنقد شؤونه الأخرى في الحياة والدراسة والثقافة والقراءة الواسعة والشعر والمقالة، المبدعة استثمرها كلّها وسخّرها كلّها لما له في ان يكون، ولما هو ميسر له، انه فتى النقد الأدبي في العراق، وانه الناقد الذي حاز لقب الناقد بحق، ويكفي انه وهب نفسه للنقد وحده، ولم يشرك به عملاً آخر، ولم يشغل تلك النفس لوظيفة تقيده، فكان بذلك متفرداً بين من زاول النقد في العراق، أو في الوطن العربي، وهكذا يجب ان يكون الأمر، فالنقد الأدبي نشاط قائم بنفسه إذا أشرك به جار الشريك على الشـــــــــــــريك (الطاهر، 2007 ص :(9
حالته المادية وظروفه المعاشية :
كان والده متوسط الحال يزاول مهنة العطارة في محلة جبران سوق المنتخب (الجادة)، لم يكن همّه في الحياة سوى التزوّد بالثقافة ، فمنذ المرحلة الجامعية في كلية الآداب ببغداد يحضر كتابه عن “السياب” وقد عزف عن الزواج وكان في بغداد يسكن شقة شاركه فيها عدد من الأدباء، يقول رزاق إبراهيم حسن: فقد كنا في السبعينيات نشعر بوافر الأمان واتساع الأفق والأمل ونحن لا نملك غير رواتب متواضعة وزهيدة ، ندفع جزءاً منها إيجاراً للشقة، وننفق الجزء الأكبر في شراء ما يصدر من كتب ومجلات وننفق المتبقي على مقتنيات الطعام والملابس ومستلزمات التأنس، وعندما تشح نقودنا إلى حدّ التهديد بالإفلاس قبل نهاية الشهر كنا نقلّل من إنفاقنا وننفق أغلب ما نملك من الفراغ على القراءة، ومع ان عبد الجبار عباس الذي جمعته معي شقة واحدة كثير التمرد على الدائرة ورواتبها، لكنه لم يستسلم لضغوط الحاجة والفقر، وترك الأدب والقراءة لحسن الحال وتوافر
الأموال (حسن، 2007م، ص : 9).
(كان عبد الجبار يواصل مطالعاته الأدبية…ان عبد الجبار الذي كتب الكثير من الدراسات والمقالات النقدية الرصينة والعميقة عن الأدب العربي في العراق وفي بلدان عربية أخرى الذي كان وما يزال يعد من المراجع في النقد الأدبي العراقي لم يكتب ما كتبه في ظروف ملائمة مادياً ونفسياً بل في ظروف هي أقرب إلى الفقر.
وفي وضع … يخلو من أية دالة على الغنى، ومن أية خطوة على إمكانية
التعويض ومن إمكانية البناء القابل لامتلاك النقود من البيت ومن الكيان العائلي الخاص ومن الرصيد المادي، وكان بإمكانه ان يضع خطواته باتجاه ذلك وكان هناك من يحاول
أن يقدمه لتحقيق مثل هذه الإمكانية ولكن عبد الجبار كان مندهشاً باختياره الفقر الاجتماعي والغنى الثقافي وكان يسمع التساؤلات المدهشة عن أسباب ذلك ولا يتخذ منها ذريعة لتغيير ما اختاره) (حسن، 2007م، ص : 9).
عبد الجبار عباس شاعراً :
ويلاحظ انه لدى انصرافه إلى النقد وإلى كونه ناقداً لم يفرط بالشعر والشاعرية تفريطاً تاماً، فقد كان يلوذ به بين حين وحين وعلى قلّة، وقد ينشر هذا الذي يواتيه ويحتفظ به في مخلفاته، ومنه ما بقي مخطوطاً وإذا غلب عليه نمط الشعر الحر فانه قد يعاود العمود وهو في شعره مجيد وسط ويمكن ان يعد شاعراً من شعراء زمانه لو أعطى نفسه للشعر، ولكنه لم يعطِ نفسه للشعر ولا للمقالة المبدعة، مدخراً رصيده الشعري للعملية النقدية فهما وتذوقاً وإخراجاً لمقالتها، وقد سار إليه طواعية (الطاهر، 2007م، ص : 9).
نماذج من شعره
هنديّا أحمر أرقص في صخب الحانات
أتسول أعقاب سجاير
في جيبي سروالي الأخرق
أرخي كفيّ وأصفر أو أشتم عابر
فأثير القهقة الصفراء أو اللعنات
أطرق ثم أفرّ كطفل، بابا مغلق
أتسكع خلف زوايا الليل الشمطاء
ألقي موعظة بين سكارى الباصات
أتقافز كي ألمس وجه الغيم الأزرق
أخدع ظلّي أو أهجو قمر الطرقات
بحصى أرجم وجهي الساكن فوق الماء
أبحث تحت عمود ضياء
عن شحاذ نام الناس وظلّ مؤرق
كي أنشده في الفخر قصائد عصماء
وتسوق خطاي إلى أن أبلغ بيتي في الدرب حصاه
وأجاهد ان أنهي الليلة
– لو كفنى ثلج سريري- دون بكاء
(المرزوك، 2012م، ج2 ص(258 .
لابد من الإشارة إلى ان هذه القصيدة تمثل تمرد الشاعر النفسي وهي تعبير سايكولوجي-أبستمولوجي عن حياته الخاصة، ويلاحظ ذلك من توظيف الشاعر كلمات وعبارات وجمل تؤكد ذلك مثل : (أتسول أعقاب سجاير/ في جيبي سروالي الأخرق)…الخ ففيها تيه روحي يعبّر عن المجهول الرابض في نفسه الذي يؤلمه ويؤرقه ، فظل يبحث عن الخلاص غير الواقعي : (أتقافز كي ألمس وجه الغيم الأزرق) ويستمر هذا الخلاص غير الواقعي مؤلماً : (أبحث تحت عمود ضياء) (عن شحاذ نام الناس وظلّ مؤرق) (كي أنشده في الفخر قصائد عصماء). فلمن ينشد عبد الجبار قصائده سوى للمهمشين الفقراء والشحاذين فهؤلاء هم وحدهم يسمعون تيهه الروحي ولكن الألم يحاصره حتى في كفنه وسريره (لو كفنى ثلج سريري- دون بكاء) لقد وصل ألم الشاعر حد البكاء ولكن لم يجهش به محافظة على رباط نفسه من الضعف.
ولعبد الجبار شعر عمودي منه قصيدة (ضحوك الوجه)
ضحوك الوجه وضَّاح الجبين
ولم أوهب سواه فقلت مرحى
فطمت على هواه فتى ويبقى
وما بيني وبين لماه هجس
وقالوا قد تجن به فندت
تقى وهوى على زلل المعاصي
يوثق خطوتي ويمد دربي
وبالنعمى يعين على الرزايا
يوزع حبّه بين البرايا
أ يسل الشمس من فلك الظنون
بما وهب الكريم إلى الغبين
وضيع هوى على كبر السنين
من الصبوات أوثق من جنون
من الأعماق بورك من جنون
وقرة أعين ووقار دين
وأنهل بالشمال وباليمين
فيرزؤهن بورك من معين
وأشفق ان ينال هواه دوني
يقول الدكتور علي جواد الطاهر عن شعر عبد الجبار عباس أيضاً :
الشعر جيد النسج يغلب عليه تشاؤم وحزن وزفرات وضيق بالحياة ورياء الناس وتبلغ به الكآبة والشعور بالعذاب ان يتمنى لو لم يولد، وقد يثور ويرى مداواة الحرمان بالإثم- والموضوع الأساس والدافــــــــع الأول هو المرأة. وهو يؤرخ هذه القصائد ويعود اقدمها إلى العــام 1961م (6/5/1961 ) وعنوان القصيدة (بنت حوّاء) ومطلعها :
غرق الليل في دنان الخمور.
وتمطى اللهيب في الديجور.
لكن الأبواب مصفدة (11/11/1962 ولا يدري من أيـــــــــــــــــــــــــن المصير 13/11/1962 ) انها في قلبه ميلاد ورمس (7/12/(1962 ثم أرسل من الحلة إلى مجلة (الأسبوع) وهي في سنتها الأولى قصيدته القومية الواردة في دفتره (نشيد النسور) (هدية إكبار لثورة اليمن العربيــــــــة) نشرتها المجلة في عددها الرابع (7 أيـــــــلول) (الطاهر، 2007م، ص9).
وتوالي نشر قصائده في مجلة الآداب، فتنشر له المجلة (العدد الخامس) آيار 1964ص 831 قصيدة الشعر الحر هي إحدى قصائد الدفتر الثلاثين عنوانها (خمسة أشياء صغيرة) وشعره الحريشف بتأثر السياب والبياتي ومنه قصيدة (العجوز والانتظار) نشرتها الآداب في العدد الثامن من آب 1964 (الطاهر، 2007م، ص9).
عبد الجبار قارئ نهم
أما عن مصادر ثقافته الأولى، فانه لم يكن قرأ كتابا في النقد سنة 1960م وكان كتاب (النقد الأدبي : أصوله ومنهجه) لسيد قطب أول كتاب نقدي يقرأه إلى جانب مقالات إيليا حاوي التي كان ينشرها في مجلة الآداب البيروتية وكتبه التي بهرت عبد الجبار بالنظرة الموحدة المتسقة القادرة بتعسف أحياناً على تطبيقه نظرية الشعر الرمزي الفرنسي على شعرنا القديم والمعاصر، وما ان حلَّت عطلة السنة الثانية من الجامعة حتى قرأ ما يقرب من مئة كتاب عدا المجلات وفي السنة الثالثة وبدافع من أستاذه الطاهر دخل مرحلة الالتهام بين مكتبة كلية الآداب ومكتبات سوق السراي وأعد من المكتبة قائمة انتهت سنوات الجامعة ولم تنته…ولا ينسى عبد الجبار صديقيه محمد سعيد الصكر ومنجي حسين وهما يواصلانه بما تبقى من مكتبة كلية الآداب من الكتب التي لم يقرأ كل أسبوع وقد اختار سرداب البيت القديم مكاناً لا يخرج منه حتى قراءته ودراساته (المرزوك، 2006م، ص11).
كتب ثامر عبد الله الأغا عن تعلّق عبد الجبار عباس بالكتاب فقال : عندما صدرت مجموعة القاص محمد خضير في درجة 45م عن وزارة الثقافة وكانت الدار العربية المقابلة لمقهى أبو سراج تعرض هذه النتاجات وتبيعها ، تهافت المثقفون على شرائها وكادت ان تنفذ وكان عبد الجبار يريد هذه المجموعة للكتابة عنها…(ولشدة العوز وضيق اليد) بادرني قائلاً هل تشتري مجموعة قصصية وكان سعرها آنذاك ثلاثة دراهم فقلت له كيف: هل سنمزق المجموعة ونقسمها على نصفين قال لا : تقرأها أنت أولاً ثم أخذها أنا لأني أريد الكتابة عنها. (الأغا، 2007م، ص (11 .
وكتب شاعر من العراق مقالاً في جريدة الزمان لم يذكر اسمه دلل على ان عبد الجبار عباس كان كريماً حتى في إهداء الكتب لأصدقائه وان الكتاب لم يكن لديه حاجة تمثل البخل، قال :
لن انسى موقفه معي ما حييت عندما التهمت النيران مكتبتي ، عندما سمع الخبر فوجئت به وهو يحمل على دراجته الهوائية رزمة من الكتب مواساة لفقدان مكتبتي وقال لي هذا ما أستطيع حمله أرجوك أن تأتي معي إلى البيت وتختار ما يفيدك من الكتب والمجلات وحينما تصفحت الكتاب
في البيت توقفت عند بعض الدواوين التي كتب عنها عبد الجبار عباس لأنها كانت تحمل تأشيراته في بياض الصفحات وللأسف الشديد فقدت مني هذه
الكتب. (جـــــريدة الزمان، 2007 ع : 2683 ص 11).
عبد الجبار ناقداً
النقد الأدبي لا يتأتى إلاّ لصاحب موهبة مضافاً إليها القراءة الواسعة العميقة وهذا ما شخّصه الدكتور علي جواد الطاهر في قابلية عبد الجبار عباس النقدية فقال : يقرأ ويعجب وينسجم ويختار ويحفظ ويتأمل في ذاته وفيما حوله، ويخمر ما يتأمل ويثمر ويتقدم للنشر مبكراً، وهو طالب في الكلية، في ثقة مشروعة ، وخطوة وطيدة وله وراء ذلك، وقبل ذلك استعداد خاص لنسمة الموهبة، عماده الذوق السليم والتأني والتأمل والغوص وسبر الغور وبلوغ القرار واستثمار المواد الخام استثمار ذي الشخصية المتفردة التي تعرف كيف تفهم النص وكيف تدرك أبعاده الخاصة وتعرف ماذا تأخذ وماذا تدع…فإذا هي ذاتية من دون ان تفارق الموضــوعية (الطاهر، 2007م، ص : 9). من مميزات النقد الأدبي لدى عبد الجبار عباس (تشديده على التصوير التحديثي للنص عبر حياة حاضرة وهي سمة طبع بها الناقد في تشكيل خطابه النقدي وإدراكه الدقيق لاستعمالاته الحديثة للاصطلاح النقدي واللفظة المتوافقة وزاويتها الاصطلاحية وهذا الفعل النقدي كان قد ارتبط بالمعنى التكويني لجذرية رغبته الأزلية في المنحى الجمالي وهو يكتشف وينكشف عن الجمالي الأزلي ليؤسس الصلة التحديثية في النقد، فهو دائماً يحتفي باللحظة الجمالية وتميزها لأنه يعتبرها هي الولادة الحسية للحدث فهي تسبق التميز لأنها الصيرورة الدافعة لتشكيل الوعي (مناف، 2007م، ص : 11).
استطاع عبد الجبار عباس فتى النقد الأدبي كما أسماه أستاذه علي جواد الطاهر ان يوصل صوته إلى اكبر المجلات العربية أهمية وانتشاراً ، فقد كان يبعث بمقالاته من مدينته الحلة الفيحاء دون سابق معرفة بأسرة تحرير تلك المجلات، ولكن مقالاته كانت جواز سفر له ليكون بعد ذلك ناقدا عربيا كبيراً له قراؤه ومتابعوه، وغادرنا في قمة نشاطه وريعان شبابه تاركاً وراءه تراثاً نقدياً مهماً لا يمكن تجاوزه مطلقاً . (المرزوك، 2007م، ص11لقد أصدر عبد الجبار عباس كتباً نقدية عديدة –المذكورة سابقاً- ومنها كتاب السياب الذي كتبه وهو في المرحلة الجامعية ليوسعه فيما بعد وينشره.
(تحدث عبد الجبار عباس في كتابه عن السياب عن فكرة التجديد والانبعاث وهي الفكرة المحورية التي تؤمن بها الديانات ثم فكرة الحداثة، حداثة الايقاع وحداثة الصورة وحداثة البنية متزامنة مع النتاج الشعري العربي الذي بدأ في هذه المرحلة أعني الستينيات يطور أدواته المعرفية خارج أطر القصيدة التقليدية وكل هذه المفردات جديدة على النقــــــد العراقي (عن الانترنت).
أصدر العام 1970م كتابا نقدياً مهماً هو مرايا على الطريق (220 صفحة) تناول فيه أدباء عرب وعراقيين أمثال بلند الحيدري ونازك الملائكة ونجيب سرور وصلاح عبد الصبور وغالي شكري وغيرهم وقد عالج في هذا الكتاب النقدي الشعر والقصة والمقالة وإضافة للمحدثين فقد تناول من القدامى أبو شادي والعقاد والمازني وشوقي، وعبد الجبار عباس ناقد انطباعي لا يخضع لمنهج محدد لذلك جاء نقده منقطعا عن التأثيرات الخارجية نابعاً من ذاتيته الموضوعية.
أصدر العام 1980م كتابه (في النقد القصصي) (330 صفحة) وهو جهد نقدي في فن القصة وثمرة واعية لجهود عبد الجبار عباس النقدية، جمع فيه قابليته النقدية مختصراً الزمن في إصداره إذ عرض لطائفة من القصص بالنقد والتحليل على اختلاف الأمكنة والمشارب والرغبات وعبد الجبار عباس يميل إلى الموسوعية دائماً في إسلوبه النقدي، لكنه لم يتناول أعمال كتاب عراقيين في كتابه (في النقد القصصي) أمثال غائب طعمة فرمان، محمد خضير، عبد المجيد لطفي وآخرين عرب مثل يوسف إدريس وجبرا إبراهيم جبرا وإدريس الخوري وسوّغ عبد الجبار عباس ذلك، فقال:
وقد كان في النية ان يضم الكتاب جملة مقالات أخرى
يشكّل غيابها نقصاً فيه…ولكن ضياع و(سرقة) جانب من مكتبتي في ظرف
خاص ، حال دون ذلك، ولم يتيسر لي، طوال أشهر، الظفر بنسخ من المنشور بين هـــــــــذه المقالات (عباس، 1980م، ص : 5-6).
من الكتاب العرب الذين تناولهم عبد الجبار عباس نجيب محفوظ في روايته (حب تحت المطر) و(الكرنك) و(الجريمة) وأبو المعاطي أبو النجا في (العود إلى المنفى) وغيرها و(طواحين بيروت) لتوفيق يوسف عواد، والقاص السوداني أبو بكر خالد في روايته الثانية (القفز فوق الحائط القصير) وشرق المتوسط لـ (صنع الله إبراهيم) والحديقة للروائي المصري الشاب ضياء الشرقاوي و(حيطان عالية) للكاتب العربي أدوار خراط، وغيرهم، ومن الكتّاب العراقيين غانم الدباغ في قصتيه (ضجة في الزقاق) و(الماء العذب)
وعبد الرحمن الربيعي في (الوشم) وأمير الحلي في (مدورة الطيور)
وحسين مردان والقصة القصيرة وغازي العبادي في (السندباد والريح) و(من الهدوء إلى الصمت) وغيرهم. لابد من الإشارة إلى ان الناقد عبد الجبار عباس كان ناقداً يتحرى الصدق من طريق استناده إلى إسلوب الفهم ثم التحليل والتركيب، وفي التحليل يوظف حاسته النقدية من طريق إيراد العلة والمعلول والحجة بالحجة والرأي بالرأي الآخر، قال عن قصة (العودة إلى الروح) إلى أبو المعاطي أبو النجا :
لقد ألزم الكاتب نفسه بتصوير حياة النديم في حركتها الخارجية
وبعض أطوارها النفسية واقتضاه ذلك ان يرسم صورة وشخصيات الحياة الاجتماعية والسياسية التي صنعت النديم وصنعها على خلفية واسعة من روح العصر. فتضافرت قدرة المؤرخ وإحساس الأديب، وظل الروائي الخلاق المبتكر المتخيل يقف دائماً وراء المؤرخ وكاتب السيرة وينتظر دوره بعدهــــما (عــــــــــــــــــباس، 1980م، ص : 22).
أما كتابه مرايا جديدة (302 صفحة) الصادر العام 1981م فقد تناول فيه نقد الشعر كشعر محمد مهدي البصير ومحمد مهدي الجواهري في ديوانه (أيّها الأرق) وشعر صفاء الحيدري وحسين مردان وغيرهم، أما في نقد الكتب فقد تناول كتاب العباس بن الأحنف للدكتورة عاتكة الخزرجي ووراء الأفق الأدبي لعلي جواد الطاهر وتطور الشعر العربي الحديث في العراق للدكتور علي عباس علوان وغيرهم أما في نقد القصة فتناول تماس المدن لنجيب المانع والرجال تبكي بصمت لعبد المجيد لطفي والحدث الثاني للدكتور عدنان رؤوف وغيرهم، وتناول في نظرات : نظرات في أدب حسين مردان وحوار حول شعراء الستينيات وأدب الشباب وغيرها أما في أوراق نقدية فقد تناول : هل النقد في أزمة؟ في ذكرى رحيل الشاعر بدر شاكر السياب ومقالة عن الثرثرة والخطابية في الشعر.
أما في إعلانات : فتحدث عن موضوعات مختلفة منها : الواقعية/دفاع عن الانطباعية/بين الأدب والصحافة.
عبد الجبار في هذا الكتاب مثل كتبه ومؤلفاته كتبها واعياً لدور الناقد بأن يلتزم إيراد الحجة بالحجة والرأي بالرأي الآخر – كما ذكرت سابقاً- وهذا مما بوأ كتبه مكانة مرموقة.
قال عن شعر البصير بما يتسق وجهاد البصير:
مجمل شعر البصير في مجموعته الكاملة يرينا الطراز الأكثر نقاء وأصالة من بواكير الشعر العراقي الحديث.
وذلك بما يميزه عن أغلب شعر أعلام تلك المرحلة كالرصافي والزهاوي والكاظمي من انشداد إلى موقف الوطني المناضل لا يخاتل ولا يتملق ولا تجذبه المغريات الرخيصة إلى التبذل والتقلّب…فهو موقف الشاعر الذي (يقول الصواب وينشي الحكم) رائده حب الوطن والبذل من أجله والشهادة من أجل استــــقلاله وكرامته والدعوة المتصلة إلى إعلاء شأنه بالعلم والعمل المخلص (عباس، 1981م، ص :.(11
المراجع
– الأغا، ثامر عبد الله (2007م)، قوة الإمساك باللحظة في الشعر والقصة والرواية، جـريدة الزمان، ع: 2677 س :10 .
– جريدة الزمان (2007م)، الناقد وأشواك الوردة الزرقاء، ع : 2683 الاثنين 30 نيسان .
– حسن، رزاق إبراهيم (2007م) ، قراءات الفقــــراء، جريدة الزمان، ع : 2677 23 من نيسان، س : 10 .
– الطاهر، علي جواد (2007م) ، عندما توظف الحياة لانشغالات النقـــــــــد الأدبي، جريدة الزمـــــــان، ع : 2677 س : 10 23 من نيسان.
– عباس، عبد الجبار (1970م) ، مرايا على الطريق، وزارة الإعلام، مديرية الثقافة العامة، بغداد .
– نفسه (1980م) ، في النقد القصصي، دار الرشيد للنشر، وزارة الثقافة والإعلام، ، بغداد.
– نفسه (1981م ) ، مرايا جديدة، دار الرشيد للنشر، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، ، بغداد،.
– عوض، عبد الرضا (2008م)، أدباء وكتاب بال المعاصرين، ج2 دار الفرات الإعلامية في المسيب، ط1.
– المرزوك، صباح نوري (2006م )، سيرة فتى النقد الأدبي في العراق، جريدة الصباح، ملحق أدب وثقافة، ع : 969 ،1 ت2 الأربعاء .
– نفسه (2008م) ، النهضة الفكرية في الحلة، 2008م، دار الأرقـم للطباعة، الحلة.
– نفسه (2012م) ، شعراء الحلة أو تكملة البابليات، ج2 دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة، ط2.
– مناف، علاء هاشم (2007م) ، جماليات التحديث في الخطاب النقدي، جريدة الزمان، ع : 2677 الاثنين، 23 من نيسان .
مراجع أخرى
-الانترنت : مقالة بعنوان : عبد الجبار عباس 1941-1992

*عن صحيفة الزمان

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *