– قراءة في مجموعة القاص نصرت مردان (( شارع في كركوك )) –
في سعيه المتسع للرؤى والأحلام والتقابلات التي ترفد اللحظات الأنسانية قيما هاطلة على مساحات وعوالم قصصية جميلة ، يطرح القاص نصرت مردان ينابيع الحرية ونوافذ الخلاص دونما إنفعالات أو احداث تبقى في مواقعها . فرؤياه عميقة مستفيضة في اتون تجارب تشحن الذاكرة وعيا شاملا ضمن ممكنات استثمرت وبما ينسجم والشهادة الصادقة ، ناهيك عن مناخات تتجمع على مدارها طبيعة حسية تنمو وتنضج لتبرهن على براعة القاص في صياغة إنسيابية مشاعره وأفكاره .
إن طواحين الأوقات والمشاعر المستقطعة تنطوي على العديد من الملامح الحية التي تملأ النفس والذهن ابعادا إشراقية على الضد من الجرح والنكوص المتكيء على إشارات إستلابية لا تستأذن في المثول أمام الرؤيا أو المعاناة . ولهذا نرى إن تدفقات قصصه تتموج من خلال رفض إنسحاقات مولودة من صور الواقع عبر عواء ذئاب الحرب التي تسعى الى ترتيب فاصل زمني من الوجود على غير الأحلام والأماني ( قصة القمل الجميل ) الى إنسيابيات شفافة عابرة لمطاحن الوجود وبعض صفحاته المطلة على اعماق غير مستبانة من قبل ، حيث النغمة المتجددة في الرؤيا ( قصة امي ) إلى ومضات فنية تستأذن في حياتنا وجوها وهموما وتاويلات غير متعسفة ، تفلح في ترصين إنشغالات جادة تعيد تشكيل رؤى تستخفي في الذهن والنفس (قصص برقية ).
ووفق ذلك يقف نموذج الوعي الإنساني البهيج في حالة إتصال وتصادم مع عناصر الضد ليوقظ معادل الخصب والثبات تعبيرا عن رفض منطق قسوة المحيط مع صرخات الروح التي تفيض باسئلتها على جميع الجهات .
وبهذه الامتدادات البهيجة تترشح وحدات وإندفاعات التأثير الآسر للاهتمام والمنسابة المتناغمة في مشاهد الشعور التي تفصح عن وحدة الانطباع .
من جانب آخر فان الثيمات المستنبطة تشير الى تقابلات ديناميكية على صعيد النفس والصيرورة التي تتضمنها ، فالارهاصات تستحيل الى إحساسات تتراكم فيها بالضرورة تجارب هي مزيج من حالات اخلاقية حافلة بالاثارة والتشويق ، وهذه ما جعلت قصص الكتاب تعتمد حركات تشهر الحس الغني بالدلالات والروافد والمشاهد وهي إشارات لبراعة القاص وحيويته في التناغم مع عوالم مساحات قصصه ، ومتابعة وتحريك الأزمات والتنفيس عنها وعن إختناقات الزمن .وهذا ما يؤكد إن هذا التوجه الفني والغني بثراء شهادته على حركات الاحداث يجعله أكثر مواكبة لمراحل تحول الانسان وهواجسه المبررة التي تفسر بوضوح الصورة الواقعية لنبض وديمومة الحياة .
ولا يخفى علينا إن نصرت مردان يناى عن اللعب المستهلك في مسرح الأحداث أو يحشو أبطاله في مدارات تدخل جو اللحظات التتابعية المكررة ، بل يعتمد اللجوء العميق الى تحولات الداخل عبر عدسة شفافة تقربنا من تحليل التحليق الطليق وفق عناصر وحوافز نفسية وثقافية وقيمية ، وهذا ما يجعل المساحات التي يتعامل معها محتفظة بتوازن لا يعرف التداعي السلبي والنكوص ومظاهر الاحباط المستعينة بلازمة رتيبة روتينية .
(( شارع في كركوك )) إذاً سفر في أسفار تعزف على أوتار اليقين والابداع الآسر للمرتبات الحياتية المتطلعة.