طالب القره غولي: تغنيت بالفرات أمام الملك فيصل الثاني ، وأنا الآن محروم من مائه
حاوره في دمشق : حسين سرمك حسن
قبل أشهر وعلى صفحات ” ألف ياء ” الزمان الغرّاء وفي مقالة عن المبدع الكبير ” طالب القره غولي ” قلت : أن المنجز اللحني والغنائي لهذا المبدع الكبير قد أصبح ركيزة أساسية من ركائز وجدان المواطن العراقي ، مهما كان منحدر هذا المواطن الاجتماعي ومهما كان عمره أو تكوينه المعرفي . وقلت أنني حين أستمع إلى طالب القره غولي وهو يغني أشعر أن العراق بكل أنهاره وأهواره وجباله وبساتينه تئن وتتمايل وتهرول نحو مصيرها . من منّا ينسى أغانيه الوطنية التي تلامس شغاف القلب وتستثير الهمم : ” ما هو منّه ياشعبنه .. الما يشد حزامه وي شدّة حزمنه ” التي أطلقها طالب مع فجر التأميم ، وسمفونية ” احنه مشينه للحرب ” ، بغداد … من لا يرتعش فؤاده حين يسمع ألحانه التي يتغزل فيها بالوطن من خلال المحبوب أو العكس خصوصا من التهمه بحر الغربة المظلم ويبحث عن قشة ذكرى تصله بوطنه مثل : هذا آنه ، وحاسبينك ، ياخوخ .. من منا لا تجتاحه لوعة الحب ورجفات الحزن حين يصغي لنداءات العاشق الجريح : روحي ، ليل البنفسج ، چذاب ، لا يا هوى ، يا روحي چذاب الهوى ، يا حبيبي ، يگولون باچر تمر ، غنّي روحي ، حن وآنه احن ، ياليل صدّگ ، اعزاز ، حسبالي … وغيرها العشرات . بعيدا عن بغداد المحروسة بالله ..ووحيدا إلا من عشق محبيه الذين لا يُحصون .. وحزينا إلا من أمل العودة إلى الوطن الأم .. ومريضا بحيث لم تعد أصابعه الساحرة قادرة على العزف ، لتقيته وحرت من أين أبدأ مع هذه القامة الشامخة والتاريخ الطويل الآسر الحافل بالإبداع والعطاء .. لكن ، بعد مدة صمت وحيرة ، كان يجب أن نبدأ ، فبدأنا من البداية :
* بغداد: تعلمت عزف العود بمفردك ، ثم تعلمت كتابة النوتة لوحدك ، وقد سألت مختصين فقالوا من المستحيل أن يتعلم شخص عزف العود بمفرده لأنه يجب أن يتعلم أصوات الأوتار وكيف ” يدوزنها ” .. كيف تفسر ذلك ؟
– أنا لم أضع نفسي في غرفة حديدية وأقفلها علي وتعلمت العود والنوتة الموسيقية بمفردي حسب هذا التصور، صحيح أنني اعتمدت على موهبتي بصورة رئيسية لكنني كنت أرى وأسمع وأتساءل كثيرا حول كل ما أراه وأسمعه .. كنت أقرأ الكتب الموسيقية بكثرة وأطبق ما أقرأه وأسمعه على عودي ومع نفسي لسنوات طويلة .. كنت أنحت في الصخر ، وبهدوء إلى أن تمكنت من أساسيات العزف والتلحين . وانت تعرف المثل الذي يقول : خير الثمار ما ينضج ببطء.
* مجلة بغداد: للبيئة مساحة في توجهك نحو الموسيقى والغناء ، وتحديدا بيئة (الناصرية)، تلك البيئة التي جسدتها وتغزلت بها في أغنيتك الأولى ” يالناصرية تضمين طيفي وخيالي ” ؟
– اجدني بحاجة للتأكيد أولا أن البيئة وحدها لا تخلق مطربا أو ملحنا ، الموهبة أولا ثم تأتي البيئة والأجواء المحيطة التي يمكن أن تعزّز توجّه الإنسان الموهوب نحو اتجاه فني معيّن ثانيا . والناصرية هي ، كما تعلم ، مدينة الفن والفنانين خصوصا في مجال الغناء ، وقد قلت مرارا أنني حفيد داخل حسن وناصر حكيم وحضيري أبي عزيز . ولا تنسى طبيعة الناصرية الأخّاذة : الفرات .. والنخيل .. وهذا الحزن المتأصل في وجدانها منذ فجر التاريخ ، فهي مركز الحزن السومري العظيم .. وهذه كلها عوامل مساعدة تساعد أو تسهم في صنع الفنان . لكن علينا أن لا ننسى الموهبة والمثابرة والإطلاع والتدريب.
* مجلة بغداد: هل أنت المطرب العراقي أو العربي الوحيد الذي غنى أمام ملك وهو طفل ؟ وهل تتذكر ماذا غنيت له آنذاك ؟
– لا أستطيع نسيان هذه الذكرى . فقد كان عمري (12) سنة آنذاك وجاءت سيارة شرطة ( كنا نسميها المسلّحة آنذاك ) وأخذوني إلى بيت المتصرّف ( أي المحافظ ) ففوجئت بوجود جلالة الملك (فيصل الثاني ) والوصي عبد الإله وكانا في زيارة إلى الناصرية . كان هناك مطربون آخرون كلهم كبار في السن وأنا الطفل الوحيد بينهم . جلست منتظرا وقلقا من هيبة المجلس . ثم قالوا لي غنّي فغنيت أغنية ( للناصرية ) لصديقة الملاية .. تعطش واشربك ماي بچفوف ايديه ..من يروي عطشنا الآن ونحن بعيدين عن الفرات العظيم ؟
* مجلة بغداد: من الناصرية إلى بغداد ، هل تتذكر محنتك مع لجنة الموسيقى في الإذاعة ؟ كم تعذبت قياسا إلى ملحني ومطربي ” البطاقة التموينية ” في الوقت الحاضر ؟
– لقد عشت معاناة مضنية مع لجنة الموسيقى خصوصا أنها كانت حافلة بالأسماء الكبيرة . لقد جئت من الناصرية إلى مبنى الإذاعة مرات عديدة .. كنت أغني في برامج الهواة ثم عندما وجدت نفسي مستعدا للامتحان كملحن تقدمت ، لكن العملية لم تكن سهلة أبدا . لكن أيضا حلاوتها تكمن في صعوباتها وآلامها . وصدقني لو واجه الجيل الجديد ربع المعاناة التي واجهتها آنذاك لما واصل طريق الفن . لكن كما قلت سابقا ن الموهبة التي تسندها الإرادة القوية والكفاءة هي التي تجعلك تتجاوز الصعاب.
* مجلة بغداد: كانت ” مائدة نزهت ” تعد أم كلثوم العراق ، كيف تجرأ ملحن شاب مثلك على أن يقدم لها ألحانا مثل “چذاب” و” لا يا هوى ” ، وهل أدتهما كما أردت؟
– أنا شخصيا فوجئت آنذاك(سنة 1970) بأن الفنانة مائدة نزهت وزوجها الفنان المعروف سمير بغدادي ( وديع خنده ) يسألان عني ، لأني بصراحة لم أكن أتجرأ على أن أطلب من مائدة نزهت أن تغني لي . لكنها أعجبت باللحنين : لا يا هوى وچذاب ، لكنها أدت الأخيرة بطريقة لبنانية ولفظت أغنية چذاب بصيغة كذّاب – أي بالكاف – في حين أن حرقة الأغنية تكمن في الـ ( چ) الجيم المعطّشة . كان غناؤها لألحاني خطوة مهمة لتثبيت حضوري في الوسط الفني آنذاك .
* مجلة بغداد: سمعت أن هناك فرصة مع الفنانة (عفيفة اسكندر) ، هل كان ذلك بطلب منها ؟ وكيف تم ذلك ؟
– كان الفنان (كريم بدر) هو العازف المرافق للفنانة عفيفة وهو مدير أعمالها تقريبا – أعتقد أنه الآن في الولايات المتحدة – ،وقد طلب مني أن أرافقه إلى بيتها لأنها تريد أن أسمعها بعض ألحاني – لاحظ أن الفنانين القدامى الكبار هم الذين يبحثون عن الملحن الجيد – . وهكذا تم اللقاء ولكن لم يحصل اتفاق لأن اللون الذي تغنيه عفيفة لا يتناسب مع ألحاني .
* مجلة بغداد: أنت أول من أدخل ” المقدمة الموسيقية ” في الأغنية العراقية ، اتهمك البعض بأنها ” سنباطية ” الطابع ، كيف ترد على ذلك ؟
– أنا لا أنكر أنني متأثر برياض السنباطي وبمحمد عبد الوهاب ، وقد كانت الأغنية عموما فقيرة من ناحية الموسيقى ، فحاولت أن أسد هذا النقص من خلال عمل مقدمات موسيقية وموسيقى مختلفة لكل كوبليه حيث كانت الأغنية تسير على وتيرة واحدة وايقاع واحد . ومع اعتزازي بما قمت به ، ولكني أعتقد أنني كنت مبالغا في ذلك .
* مجلة بغداد: هل أنت أول من أدخل الأغنية الطويلة في الغناء العراقي ؟ وهل كانت ضرورة أم تقليدا ؟
– الأغنية الطويلة التي قدمتها لم تكن تقليدا للأغنية المصرية ، ولكني كنت ألحن قصائد فيها معاني عميقة وقصص تحتاج إلى إعطائها حقها في التلحين للتعبير عنها . أنا لا ألحن الكلمات بل ألحن المعنى الموجود داخل الكلمة.
* مجلة بغداد: هذا ينقلنا إلى القول بأنك أول من لحن القصيدة العامية الطويلة التي لم تكتب للغناء أصلا مثل قصائد المبدع الكبير مظفر النواب ، لماذا لم يلتفت الملحنون قبلك إلى ذلك ؟ هل صحيح أن النواب لم يكن موافقا في البداية على تلحينك قصائده ؟
– تلحين القصيدة مهمة صعبة ، ولا أعلم لماذا لم يلحن الملحنون السابقون القصائد وهي في متناول أيديهم . أما الشاعر الكبير مظفر النواب فقد التقيت به وتعرفت إليه بعد مدة طويلة من تلحيني لقصائده ، وقد أخبرني بأنه كان فرحا ومرتاحا لتلك الألحان.
* مجلة بغداد: في هذه القصائد أدخلت مفردات ” خشنة ” : حيل اسحن گليبي ، ما أطخلك راس ، عودان ، طارش .. إلخ ، كيف استقبلتها الجهات الموسيقية التقليدية آنذاك؟
– لا أعلم ، فقد لحنت هذه القصائد بمفرداتها الخشنة بدون أن استشير أحدا ، ولا أعلم كيف استقبلتها تلك الجهات ، لكنها مرت وأعجبت بها الناس . أتذكر أن الفنان “سمير بغدادي ” قال لي حين سمع أغنية يا ليل صدّگ ما أطخلك راس .. هذا طابوق فكيف لحنته؟
* مجلة بغداد: وقصائد النواب .. فقد كان “ممنوعا ” آنذاك .. كيف لحنتها وكيف وافقت الرقابة ؟
– لا أعلم ، لقد لحنتها وسجلتها في استوديوهات الاذاعة الرسمية ولم يعترض أحد من الدولة .
* مجلة بغداد: لقد لحنت لأغلب الأصوات العراقية الرجالية عدا صوت الراحل رياض أحمد ذي الامكانيات الكبيرة، فلماذا ؟
– صوت رياض، جميل وقوي وقد شهد له الفنان وديع الصافي في أثناء دعوة أقمتها في بيتي، وقد لحنت للفنان الراحل ثلاث أغاني سجلت بشريط لحساب شركة ( بابل ) ولم تتم إذاعتها ، ولا أعرف أين صارت.
* مجلة بغداد: عندما ظهرت أغنية “چذاب” ثم “تكبر فرحتي بعيني” اكتسحتا الذائقة العراقية ، ربات البيوت كن يسمعنها على أشرطة التسجيل في المطابخ ، كيف تحسّست نبض وجدان المواطن العراقي ؟ وكيف فكرت بجعل ” داود القيسي ” يغني الأغنية الثانية؟
– لقد تحسّست نبض الوجدان العراقي لأنني عراقي وابن هذه التربة العظيمة ، أحمل همومها وأتألم لآلامها ، وأكتوي بنيران محنها وفاجعاتها . أما الفنان المرحوم داود القيسي فلم يكن هناك غيره في الساحة الغنائية ، إضافة إلى أني أُعجبت بأخلاقه العالية التي شدتني إليه كصديق.
* بغداد: أنت أول من زاوج بين عشق الوطن والأرض وبين حب الحبيبة في أغاني مثل : هذا آنه ، الناصرية ، حاسبينك ، اعزاز .. كيف خططت لذلك ، وماذا تقول بحق صديقك المبدع الراحل ” زامل سعيد فتاح ” الذي كتب هذه الأغاني؟
– طبعا هذا خط جديد وفريد في مسار الأغنية العراقية التي كانت قبل ذلك موغلة في الذاتية والسطحية . أصبح العراقي يغني لوطنه وأرضه وترابه في كل لحظة يتغنى فيها بحبيبته ، والفضل في ذلك يعود إلى صديقي وابن مدينتي ورفيق مسيرتي الشاعر المبدع ” زامل ” فهو من تلاميذ المبدع الكبير ” مظفر النواب “.
* بغداد: على ذكر زامل ، كانت أغنيتكما ” ما هو منّه يا شعبنه ” صدمة للتصور التقليدي عن الأغنية الوطنية .. وهي صالحة لكل عهود العراق ومحنه؟
– هذه الأغنية كانت أيام تأميم النفط .. حيث قدّم الملحنون أغاني عديدة كانت كلها ساذجة وبسيطة وهتافية على طريقة ( نفط العرب للعرب موتوا يا رجعية )، وقد جاءت هذه الأغنية الاستثنائية ( ما هو منّه ) بعد جلسة طويلة أنا وزامل ومناقشات عميقة حوّلنا فيها كلمة ( النخوة ) إلى أغنية تغنّى بها الشعب صغارا وكبارا.
* بغداد: سمعت من بعض الأصدقاء أن أغنية (اعزاز) جعلتك أشبه بالدبلوماسي في دول الخليج ؟
– عندما سافرت إلى الخليج زرت الكويت ثم الامارات حصلت على الإقامة فور أن عرفوا أنني ملحن أغنية (اعزاز) .. كما حصلت على عمل في (أبو ظبي) لأنني ملحن اعزاز.
* بغداد: تجربتك في التلحين لأصوات عربية مهمة : وردة ، وديع الصافي وسوزان عطية .. ما الذي أضافته إليك وهل تعتقد أنك أضفت شيئا إلى تجربتهم؟
– كانت تجربتي في التلحين لهذه الأصوات الراقية تجربة صعبة لأنها امتحان لامكانياتي ، لذلك اضافت إلي ثقة عالية جدا بقدراتي ، وبأن الفنان العراقي كبير بامكاناته إذا أعطي حريته في العمل.
* بغداد: بعد عام 2003، في بغداد المحروسة ثار خلاف شديد حول الألحان التي قدمت في الحرب واعتبر البعض أغاني المعركة جريمة وتبرأ منها ، وآنذاك ظهر مصطلح ( أغنية الحرب ) وليس أنشودة الحرب ، هل هي أغنية فعلا وتحمل مواصفات الأغنية العاطفية؟
– إن الفترة التي أفتخر بها وأعتز بها اعتزازي بكل مسيرتي الفنية هي فترة الحرب العراقية الإيرانية التي لحنت فيها أغاني لا تتكرر ، إنها أغاني وليست أناشيد لأني لحنتها كأغاني عاطفية ، لذلك وصلت إلى عقل وقلب المواطن العراقي، أما عمّن تبرأ مما غنى أو لحن خلال الحرب فهذا شأنهم . أنا لا أتبرأ من تاريخي وإبداعي.
* بغداد: لحنت لصلاح البحر (عمّي يا بلام ) ولمحمد عبد الجبار ( هاي ظلّتنه يا گلبي ) هل هما أفضل الأصوات الشابة ؟ وما هو سر تدهور الأصوات النسائية عن الخمسينات مثلا؟
– لم ألحن لصلاح البحر ، ولحنت لمحمد عبد الجبار تلك الأغنية ، الأصوات الجيدة موجودة ولكن أصحابها لا يعرفون أنفسهم لأن الملاهي تأخذهم في دوامتها . أما الأصوات النسائية فأعطني استقرارا وأعطني أمانا ، أعطيك أصوات نسائية مقتدرة وكثيرة.
* بغداد: فكرة مؤسسة ” أوكسجين ” مع إلهام المدفعي ، كيف كان مصيرها ؟
– كانت فكرة عمل بين أصدقاء من رجال الأعمال العراقيين والفنان إلهام المدفعي صاحب مؤسسة ( أوكسجين ) ، لكن الموضوع لم يكتمل وسط خلافات على الاتفاق .
* بغداد: أين أصبح كتاب الناقد الموسيقي (عادل الهاشمي) عنك والذي قال بأنه أمضى ثلاث سنوات في تأليفه ؟
– تعاونت مع الصديق الناقد (عادل الهاشمي ) وأعطيته المعلومات والصور المطلوبة ، وقد اتصل بي قبل أيام وأخبرني بأن الكتاب قد اكتملت طباعته وأنه سيزودني بنسخ منه .
* بغداد: يقول البعض أنك كنت قاسيا في لجنة فحص الأصوات وكمدير لقسم الموسيقى ؟
– لم أكن قاسيا ، بل كنت دقيقا في اختيار الأصوات لا أقبل أنصاف الأصوات أو أرباعها كما هو موجود الآن حيث يتدرب المطرب بـ ( رؤوس ) المستمعين المساكين حتى يسيطر ، وقد هبط الذوق العام إلى الحضيض بسبب المجاملات وعدم الدقة والتساهل .
* بغداد: في جلسة خاصة قلت أن ما يغنيه الفنان ” كريم منصور ” هو الغناء العراقي الحقيقي الآن ، ما سبب ذلك وهل تجاوزت المرحلة ألحانك؟
– لم أقل هذا الشيء ، بل قلت أن صوت كريم منصور هو من الأصوات الراقية ، وأضف إلى ذلك مسيرة كريم وسماته الأخلاقية العالية.
* بغداد: قال لي الشاعر عمر السراي الذي قدم برامج موسيقية تحليلية أنه يعتبر ” حاسبينك ” النشيد الوطني العراقي ، في دمشق شاهدت شبابا عراقيين يبكون عليها، هل أنت أفضل من عبر عن الوجدان العراقي وعن الحزن العراقي ؟
– هذا رأيه ، وأنا لست أفضل من عبّر عن الوجدان العراقي ، بل كنت واحدا ممن عبّروا عن هذا الوجدان العظيم . أما بكاء الشباب فأنا أعتبره قمة التعبير عن الصدق في التعبير .
* بغداد: في عام 1939 أنجبك الفرات العظيم ، وعبر خمسين عاما تغنيت بماء دجلة والفرات ، الآن وأنت بعيد عن الناصرية ومحروم من ماء الرافدين المقدسين ، كيف تصف حالك ؟
– عندما نتغنى بالعراق وبدجلة والفرات العمر كله فهذا لا يكفي أبدا ولا يفي العراق الحبيب حقه ، جمع من العراقيين الآن محرومين من دجلة والفرات والعراق العظيم الذي هو ” هدية الله للبشرية ” كما تقول أنت، محنة العراق لا توصف ، نتمنى انتهاءها وعودتنا إلى تراب العراق الطاهر وإلى ماء دجلة والفرات .. قل معي : يا رب .. يا رب .. يا رب .. ، لكن ، متى .. متى .. متى ؟
عدت من اللقاء متخما بأخلاق طالب العالية وتواضعه وصراحته وأسأل نفسي : متى تنتهي حالة القطة التي تأكل أبناءها في العراق ؟ الكاظمي والجواهري والمخزومي والسامرائي ونوري جعفر والبياتي ووو ؟ قبل أيام قلت للممثل جواد الشكرچي : تُرى لو فكرنا ببيع طالب القره غولي ، وحاشا طالب الكبير ، حاشاه ، فهل تعلم كم دولة عربية مستعدة لشرائه ؟ هنا أطرقنا صامتين .
*الصور من الفيلم الوثائقي “بغداد الحبيبة” عن الفنان طالب القره غولي .. فشكرا لمعدّيه