تعرفت عليه من دون أن نلتقي؛ كان ذلك العام 1978 حين كنت طالباً في جامعة البصرة. بعثت بقصيدة عبر البريد إلى مجلة ألف باء، ولم أكن أعرف من هو محررها
الثقافي. بعد أسبوعين كانت القصيدة منشورة باهتمام أكبر مما يتوقعه شاعر بعمري وبمحدودية علاقاته وبتعقيدات النشر حينها.
كانت تسبق القصيدة مقدمةٌ تثني على القصيدة وخصوصية موضوعها غيرالمتوقع من شاعر شاب، كما جاء في التقديم الذي كان في الأسفل منه اسم كاتبه: د. علي عباس علوان.
أعرف الاسم كناقد مميز في تلك السنوات ولكن لم أكن أعرف أنه المحرر الثقافي
في (ألف باء).
كانت هذه مفاجأة، لكنها ترافقت مع مفاجأة أخرى سيئة حيث ظهر التقديم المبهر والقصيدة في المجلة من دون اسمي.
بالتأكيد هذا ما يحزن أي شاعر شاب. لم يخفف من وطأة حزني حتى الاعتذار المهذب الذي ظهر في العدد التالي من المجلة بتوقيع الناقد المحرر من دون أن أطالبه بذلك.
بعد عامين تعرفت بشكل مباشر وللمرة الأولى على الدكتور علوان، فاكتشفت أي معدن من الناس هذا الرجل، بنبله
وثقافته وتحرّره.

بينما كانت المرة الأخيرة التي التقيته فيها العام 2003 في مقر عملي، زارني بشكل مفاجئ بعد عودته إلى البلد وقبل أيام من تعيينه رئيساً لجامعة البصرة..
هذا التعيين الذي أشاع ثقةً لم تدم طويلاً بأن الرجل المناسب يمكن أن يكون في المكان المناسب. هذا الأسبوع مرت الذكرى الثالثة لرحيل الناقد. وما زال أمام المؤسسات مسؤولية عمل شيء يستحقه الراحل، ويستحق مثله راحلون كثيرون لا ينبغي للجحود والنسيان أن
يطويا ذكرهم.
*عن صحيفة الصباح