دور ومكانة “معجم الاستشهادات”
في دعم صناعة المعجم العربيّ
بقلم: الدكتور عبد الغني أبو العزم
رئيس الجمعية المعجمية بالمغرب
مؤلّف معجم ” الغني”
أود في إطار هذه الحلقة الدراسية الخاصة بتقديم الكتاب القيم، “معجم الاستشهادات” للدكتور علي القاسمي، أن أبرز خاصيته المتفردة بالنسبة للمعجماتيّ عندما يكون بصدد إنجاز معجم ما، سواء كان موجهاً، للمراحل التعليمية أو للثقافة العامة، إذ من الشروط المعجماتية ضرورة البحث عن استشهادات الكُتَّاب والأدباء، وهو بذلك مدعو إلى استحضار مراجع ومصادر أدبية ودينية وفلسفية وعلمية لكي يتمكن من جرد مفردات المداخل داخل سياقاتها، لإيرادها عند الحاجة، ولتساهم في إيضاح المعنى لارتباطها به، ولأن أيّ معجم لا يتضمن استشهادات فهو كما يقول فوليتر عبارة عن هيكل عظميّ يابس فاقد لحرارة الحياة.
من هذه الوجهة، أَعْتَبر معجم الاستشهادات مادة لغوية ثرية مهيأة للاستعمال والتوظيف يمكن للمعجماتيّ أن يستغلها استغلالاً وافراً.
إذا كان المعجم يعرَّف بأنه كتاب يضم رصيداً من المفردات اللغوية، مرتبة ترتيباً ألفبائياً يضاف إليها معلومات عن معانيها ونطقها وهجائها وموقعها النحويّ، فإن ما يعطيها شحنة قوية، وطاقة حيوية هو إيراد السياق الذي ترد فيه، وهذا ما يحدد طبيعة المعنى بامتياز.
لا شك أن معاجم الاستشهادات تحتل درجة متميزة، لما تشتمل عليه من موضوعات مختلفة، أو مواد مختارة لها طابعها الخاص في أيّ مجال من مجالات المعرفة، وما يميز العمل العلميّ الجاد الذي أنجزه الدكتور علي القاسمي، بكفاءة عالية، أنه خضع للمعايير المعجماتية، إذ يضم:
– شواهد نثرية وشعرية منتقاة من أمهات المصادر التراثية تعتبر مراجع أساسية في مجالاتها الأدبية والبلاغية والعلمية.
– شواهد تحكم في انتقائها الشيوع والشهرة.
– شواهد ذات طابع مقولاتيّ، أحكام وأمثال وأقوال سائرة ومسكوكات متواترة.

– شواهد مرتبة ترتيباً ألفبائياً.
– تذييل الشواهد بأسماء مؤلفيها.
تساعد هذه المعايير، كما أشرت، أعلاه عمل المعجماتيّ، وتسهل عليه البحث في مظان المصادر، إذ تضع أمامه باقة مختارة من الاستشهادات ما عليه إلا أن ينتقي منها ما يراه ملائماً للعديد من مداخل رصيد معجمه اللغويّ، إذ إن النقص الذي يشوب أغلب المعاجم العربية الحديثة هو خلوها من استشهادات الأدباء والكتاب، وما يرد منها يكون موضوعاً، وفي أحسن الأحوال يقدم كأمثلة توضيحية أو سياقية لا تؤدي ما يؤديه الاستشهاد عندما يقدم بصيغته البيانية والأسلوبية حاملاً اسم صاحبه، زمانياً ومكانياً.
إذا كان الهدف الأساس من معجم الاستشهادات، للدكتور علي القاسمي، يرمي إلى تقديم خلاصة للفكر العربيّ عبر العصور من خلال غرر بلاغية وبيانية وأمثال وأقوال سائرة وحكم متواترة في مجالات الحياة، فإنه يقدم أيضاً خدمة بالغة في مجال إنجاز المعاجم الحديثة التي هي بأمس الحاجة إلى الاستشهادات الأدبية لكونها تعكس التطور اللغويّ لحياة الأمة.
لقد كان الدكتور علي القاسمي واعياً الأهمية التي يكتسيها معجم الاستشهادات، إذ لا تقف فقط عند عرض القيم الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع وكما عبرت عنها أسمى العقول، كما أشار إلى ذلك بوضوح في مقدمته، بل تقدم أيضاً صورة عن تطور الأساليب عبر العصور، وذلك في أفق إيجاد صورة تكاملية بين معجم الاستشهادات ومعجم اللغة في حالة “ما إذا اشتملت مداخل هذا الأخير على الشواهد التوضيحية الأصلية بصورة مطردة”.