
إشارة :
يهم أسرة موقع الناقد العراقي أن تقدّم هذا الملف عن الشاعر المبدع والإعلامي الكبير الدكتور زكي الجابر بمناسبة الذكرى الثالثة لرحيله حيث غادر عالمنا في الغربة يوم 29/كانون الثاني/2012 . وتهيب أسرة الموقع بجميع الأحبة الكتّاب والقرّاء المساهمة في هذا الملف بما يملكونه من مقالات أو دراسات ووثائق وصور ومعلومات وذكريات عن الراحل . وسيكون الملف – على عادة الموقع – مفتوحاً من الناحية الزمنيّة .
القصيدة :
(1)
’’بَوْصَلَتي أنتِ
لولاكِ ما اهتَدَيتُ
إلى العَجائِبِ الأَلْفِ
في عَوالِمِ الذاتِ الخَفِيَّه‘‘
(2)
هل ضَلَّلَتْكَ البَوْصَلَةُ أَيُّها المَلاّحْ
حين وجَّهَتْ سَفينَتَكَ
نَحوَ زُرْقَةِ المُتَوسِّطْ
عند تلكَ البُقعَةِ القَصِيَّه
حَيثُ يَشِفُّ ماءُ البحرِ عن أسرارِ غَوْرِهْ
حَيثُ يَنفَلِتُ القَرارْ
مِن أَسْرِ قُرونِ الظُلْمَه
يُعانِقُ تَجَلِيّاتِ السماءْ
فتَنصَهِرُ الرُؤَى والتَوَقُّعاتْ
في معزوفةٍ كَوْنِيَّةٍ شامِله
هُناكَ عَلَّمْتَني
(وأنا لا أَعرِفُ السِباحَه)
كَيفَ أَقفِزُ فَوقَ المَوجَه
فلا تَكْتَسِحُني، ولا تَبتَلِعُني
عَالِياً، عَالِياً ترفَعُني
أُلامِسُ كَوْكَباً دُرِّيّاً
لا يَذهَبُ بالأبصارِ سَنَى ضَوْئِهْ
تَكادُ تَنكَشِفُ الحُجُبُ
عن الكَيْنونَةِ المُطْلَقه
أَعودُ إِلَيْكْ
ألشَوقُ يَضحَكُ في عَيْنَيكَ والقَلَقُ
طِفْلَيْنِ كُنّا
لكنّهم، عَسَسُ الليلِ والنَهارْ،
سَرَقُوا أحلامَ طُفولَتِنا
مَسَخُوا أشواقَ بَراءَتِنا
يَهْتَزُّ مُؤَشِّرُ البَوْصَلَه
(3)
تَمْخُرُ السفينةُ عُبابَ ’’الپِترول‘‘ والرِمالْ
نُيَمِّمُ أَرضاً نَلوذُ بأَمْنِ قَداسَتِها
لكنّما البلادُ قد تغيَّرتْ
’’وَوَجهُ الأرضِ مُغبَرٌّ قَبيحُ‘‘
أرصادُها كُثْرٌ بأقنِعَةٍ جديده
و ’’الأَخُ الأكبَرُ‘‘ فيها قد تَزَيّا
بأَردِيَةِ الفِقهِ والشَريعَه
يَأمُرُ بالمَعروفِ، يَنهَى عن المُنكَرْ
ويُصدِرُ الفَتَاوَى
بِطاعَةِ أُولي الأَمرِ فِيكُمْ
يا أهلَ يَثْرِبَ، ما طابَ المُقامُ لَدَيْكُمُ
’’عَقَرتُموها ناقَةَ اللهِ‘‘ مُبارَكةً
أَنْكَرْتُمُ السُقْيا على من كانَ يَسقيها
وقُلتُمُ:
’’مِياهُ ’’زَمْزَمَ‘‘ قد جَفَّتْ،
وفي صَحْرائِنا بَحْرٌ من ’’الپترولِ‘‘ يَرْويها‘‘
يَهتَزُّ مُؤَشِرُ البَوْصَلَه
(4)
ما لِلأَطْلَسِيِّ أَجْرَدَ الساحلِ، مَيِّتَ الأسماكِ
يَلْقانا
و ’’لِلبَيْضاءِ‘‘ تَخلَعُ ثَوبَها الأَبيَضْ
لِتَكتَسِيَ بالطَحالِبْ
عَنكَبوتُ ’’الخَلِيجْ‘‘
يَدِبُّ على جَسَدِها
يَحفُرُ في لَحْمِها ورُوحِها
أَخادِيدَ وقُروحاً
تَنِزُّ صَديداً من ’’الپترولِ‘‘ داكِنَ الخُضْرَه
في دِيارِ ’’المُوَحِّدينَ‘‘ يَغفو الزَمَنْ
على ضَبابِ البَخُورْ
وغَمْغَماتِ الصُوفِيّه
هُناكَ أًفْدَحُ الجُهدِ بأَبخَسِ الثَمَنْ
غَفَوْنا طويلاً
قَبلَ أن يَهتَزَّ مُؤَشِرُ البَوْصَلَه
(5)
وَئِيداً وَئِيداً تُقلِعُ السفينه
تَقصِدُ ساحلاً بَعيداً بَعيداً
في ’’بَحرِ الظُلُماتْ‘‘
(أَلَمْ يُسَمِّهِ أجدادُنا كَذلِكْ؟)
طالَ سُرانا من ’’مَطْهَرٍ لِمَطْهَرْ‘‘
مرفَؤُنا الأخيرْ
لعلّه الفِردَوْسُ
نَحِلُّ بلاداً نَخلُها لا ’’يُتْمِرُ‘‘
بُروقُها خُلَّبٌ
أَمطارُها ماءٌ ولا رَيُّ
طَبَقِيَّةُ الأَلوانِ مَعْلَمُها
و ’’عِبءُ‘‘ السيّدِ الأَبيضِ فيها
أن يُحافِظَ على نَقاءِ السُلالَه
وأن ’’يُحَضِّرَ‘‘ العالَمْ
’’وما يَزالُ الشَرقُ شَرْقاً
والغربُ غَرْباً
ولَمَّا يَلتَقِيا‘‘
كان الوطنُ لنا مَنْفَىً
أبداً لا يغدو المَنفَى وَطَنا
فَيا لَامْرِئِ القَيسِ
’’ضيَّعَهُ أبوه صَغِيرا
وحَمَّلَهُ دَمَهُ كَبِيرا‘‘
ويا لَلعِراقْ!
’’لَمْ يَبْقَ غَيرُ الحُبِّ يا حبيبتي‘‘
وتَلتَقِي يَدانا!
(6)
خَذَلَتْكَ البَوْصَلَةُ أيُّها المَلاّحْ
في رِحلتِكَ الأَخيره
حِين تَرَكْتَ لِسَفينتِكَ
أّن تُقْلِعَ وحيدةً
في بَحرٍ لُجِّيِّ الظُلُماتْ
’’يَغْشاهُ مَوجٌ، فَوْقَهُ مَوْجٌ، فَوْقَهُ سَحابْ‘‘
وما تَزالُ تَهيمُ البَوْصَلَه
أَتْعَبَتْها تَقَلُّباتُ الأّنْواءِ والمُتَغَيِّراتْ
تَتَقاذَفُها هُوجُ الرِياحْ
مِن بَحرٍ إلى مُحيطْ
تَبْحَثُ عن مَرفَأٍ رَسَوْتَ فيه
فَهَلاّ هَدَيْتَ البَوْصَلَةَ، أيُّها المَلاّحْ!
كورپس كريستي
19-6-2017