مؤيد البصام: القص الكردي.. بين الحكاية والأقصوصة

 مجموعة ( شواف … الليلة الاخيرة ) القصصية الصادرة عن اتحاد الادباء الكرد- دهوك، ترجمها وقدم لها سامي الحاج، الذي سبق له ترجمة نصوص كردية الى العربية، وهي بادرة رائعة لتعريف القراء العرب بالادب الكردي، وبناء وشائج المعرفة والاطلاع، وقد سبق ان كتبنا في هذا الموضوع ودعونا الاخوة الادباءالكرد لنشر اعمالهم الى  . . ، . .اقرب الجمهور لهم، والذين يحيطون بهم احاطة السوار. بالمعصم ، العرب والترك والفرس .، مما يوفر تشكيل تجربة ثرة، لتقارب وتشابه الظروف الحياتية والواقع الاجتماعي والاقتصادي والفكري بينهم، وارى المشروع الذي نوه عنه الاستاذ سامي في المقدمة ، ينم عن معرفة وسعة اطلاع واخلاص، لبنية الثقافة الكردية وعموم الثقافة، لانه يدرك اهمية التلاقح والاحتكاك، وما ينتج عنه، وكذلك عدم وضع حكم جازم بالاعمال المنشورة، وهو ما حملته ملاحظاته في المقدمة، ( هذه القصص التي بين يديك عزيزي القارئ هي ليست افضل ما كتبه هؤلاء القصاصون من قصص قصيرة) وكذلك فهي ليست افضل ما كتب من قصص في الادب الكردي، او حتى على صعيد مدينة دهوك                      . ,     .             
                تتالف المجموعة من احدى وعشرين قصة، لاثنا عشر قاص،.تسعة منهم نشر له قصتان، وثلاثة . منهم.نشر لهم قصة واحدة، اسماعيل سليمان هاجاني وجلال مصطفى وحسن ابراهيم وخالد صالح وعصمت محمد بدل وكريم بياني ومحسن عبد الرحمن ومحمد سليم سواري ونزار محمد سعيد، نشرت لهم بواقع قصتان لكل واحد منهم،وانور محمد طاهر وتيلي صالح يوسف وحسن سليفاني بواقع قصة واحدة، وكما سبق القول فان هذه المجموعة لايمكن لها إن تعطي تقييما موضوعيا عن امكانية وابداع كل كاتب من الكتاب المنشور لهم، لانها تقع ضمن اختيار المترجم  وذوقه وقدراته في نقل الابداع من لغة الى اخرى، ولكن الملاحظة المهمة فيما . تحتويه المجموعة هو هذا التباين، بين القصص بمجموعها وبين القاص الواحد، في وضوح الرؤية بالتعامل مع بنائية القصة القصيرة وشروطها، فاغلب القصص هي حكايات سردية تخلو من بنائية الدهشة والومضة التي تشكل اهم معيار يحكم القصة القصيرة، اضافة الى تعامل القاص الكردي بمواضيع محددة، وصفية خاضعة لرؤية فكرية مؤدلجة، باطار يبعده عن الرؤية الجمالية. للحياة وتبقى الرؤية السوداوية هي المسيطرة والتي تتحكم بمسار مفاهيم القص، وهذه المفاهيم هي ليست كل شئ في الحياة، لان الابداع يحكمه النفس الانساني في نقل الوقائع، والا لاصبحت القصص والروايات محض تقارير مباشرة اشبه بالريبورتاجات الصحفية وخرجت عن دائرة الابداع والجمال، وهو ما وقعت فيه الكثير .من الكتابات ضمن منهج الواقعية والواقعية الاشتراكية، وخلت من القيم الجمالية التي تجعل للعمل ميزة على نقل الوقائع بصورة مباشرة، ففي الوقت الذي تمثل قصة ( الهر او تداعيات امراة) قدرة الكاتب على السيطرة على تعدد الاصوات في قصته ، نجد إن هناك بعض القصص تخلو من العملية الابداعية في معرفة الفرق بين المتن الحكائي والبناء الحكائي، ليبدأ الحكاية بالمتن وينهيها بالمتن، فتصبح اشبه بالتقرير الصحفي وتخلو من جمالية الدهشة التي تحدثها قوة التقاط الومضة في لحظة معينة وبمكان معين .                                                .
          كما إن المجموعة اختيرت من مدينة دهوك في كردستان العراق، مما يحصر التقييم ضمن منطقة معينة ولا تمثل البناء العام للقص الكردي، واستخدامات القصاصين للتقنية تتراوح بين وعي لها قي مكان الاستخدام او ضعف في معرفتها او استخدامها، علما إن هناك داخل المجموعة اسماء لها حضور في كتابة القصة القصيرة، على صعيد كتاب القصة في العراق او في كردستان العراق. وهناك ملاحظة مهمة اخرى، إن اكثر القصص تخرج عن اطار فكرة القصة القصيرة، لتمثل مشروع قصة طويلة او رواية، وهو ما جعل بعض القص مشوشة لحديثها عن حالة جماعية واماكن متعددة، دون مراعاة النقاط المهمة في القصة القصيرة، التركيز والضربة او الومضة التي تقدح للاضاءة على لحظة مهمة وذات تاثير انفعالي ومؤثر عقلي، وفترة زمنية محددة .  .                      
    .
الواقعية الاجتماعية وتطور القص

              . من مجمل القراءة للمجموعة فان الافكار التي تهتم في نقل الواقع شكلت موضوعات اغلب القصص، دون مراعاة للمخيال او النواحي الذاتية، فالقصتان. التي تبدأ .بها المجموعة ، قصتان تقرريتان تخلوان من عنصر التشويق والدهشة، واحد الاسباب هو هذا التمطيط الزمني والمكاني وتعدد الشخصيات في وقائع تصلح إن تكون مشروع قصة طويلة او مشروع رواية ، وهو ما ينطبق على قصة ( استاذي لاتغلق الباب) للقاص نزار محمد سعيد، ليست هناك مشكلة في جعل منهاج الواقعية او الواقعية الاجتماعية النقدية، .منهاجا في الرؤية الابداعية، على ان تراعى القيم الجمالية والروح الشاعرية في السرد، وألا اصبحت كما سبق الكتابة، عملا صحفيا يحمل طابع المباشرة والتقريرية ويخلو من الابداع،وهو ما نجده في قصة تيلي صالح ( فالانتاين) وحسن ابراهيم ( رسالة الى رفيق مناضل) في الوقت الذي نجد قصة حسن سليفاني (ثلاث ورقات) تحمل سماتها الابداعية، وهو ما نجده عند قصة عصمت محمد بدل ( عطش ) فهو موضوع ليس بالجديد ومطروق بكثرة في القص العراقي او العربي او العالمي، ولكنها قصة قصيرة تحمل سمات مشروعها القصصي والوعي بما تتطلبه القصة القصيرة، وهو ما ينطبق على قصته الثانية ( حلم صغير) فيها رؤية حلمية ذاتية وتجديد في تناول الموضوع على ضوء رؤية حداثوية في التعامل مع النص، في الوقت الذي نجد قصة ( قشلة )لمحسن عبد الرحمن تتخذ نفس المسار الذي تحدثنا عنه، بالتعامل مع موضوعة لمشروع قصة طويلة او رواية على اساس قصة قصيرة، بينما يقدم لنا قصة مكتملة البناء( تناقض ) ،وكان لها من الممكن ان تكون اجمل المجموعة، لو بنى حواراته المباشرة، حوارات داخلية( منولوج داخلي ) اما قصتي محمد سليم سواري فلم يكن الاختيار موفقا لهما، لاني قرأت له قصص قصيرة افضل من هاتين القصتين بكثير، بل هناك فرق شاسع في المواضيع والتقنية، وعلى الرغم من القصة المؤدلجة ( الليلة الاخيرة ) لجلال مصطفى الا انها تحمل سمات ابداعية، وكذلك ( صوت المقبرة ) واستخدامه لعين الكاميرا في نقل الاحداث.
الكلمة الاخيرة                        
على الرغم من التباين في الابداع القصصي للمجموعة، ويعتبر ما سبق صدوره من .مجموعات قصصية لكتاب كرد، افضل بكثير من هذه المجموعة، الا ان .هذه المجموعة تشكل حراكا مهما في تقديم القص الكردي، ولكن الملاحظة المؤلمة التي يجب ان ينظر لها بعين الاعتبار، ان الثقافة ، ادبا او فنا او علما هي شعور انساني يحمل حسا عاليا يختلف عن الحس البشري الاعتيادي، وألا لما اصبح ابداعا، وتساوت الاحاسيس بين زيد وعمر ، ولكن هذه الفروق في المشاعر هي التي تخلق الابداع، ولهذا لايعرف المبدع الكره والحقد المتلازم، قد يكره او يحب ولكنه شعور وقتي يزول حال زوال الاسباب، او تقادم الزمن، ولا يبقى الا عشقه للجمال وحب الخير للبشرية جمعاء، وقصة ( شواف ) نقل واقعي لاحداث، والكاتب اي كاتب هو ناقل لواقع مهما كان هذا الواقع مرير او جميل . لاغبار عليه، وهذا مبدأ متفق عليه، ولكن عندما يؤسس لهذا الواقع بقصدية، تصبح القضية مقصودة، فاختيار عنوان المجموعة من دون جميع الاسماء من المجموعة، شئ مقصود ،بقصد الاساءة الى رمز من الرموز الوطنية لقومية اخرى، حتى لو اتفقنا او اختلفنا في راينا في هذا الرمز بين .محب وكاره، فهذه مسالة تبقى ذاتية ويكون الكاتب موضوعي في نقل الواقع او الحدث، ويترك للمتلقي تقرير مشاعره، ولكن ان يوضع عنوان الجموعة باسم شخصية اعتبارية لها دور في تاريخ العراق، ثم يشار اليه بملاحظة للتعريف عن هذه القصدية ب( كلب )، هو ما حملنا على الاستغراب، ان يكون شخص يعيش في بلد مثل السويد الذي انشأ اول برلمان في القرن الخامس عشر، وبشعبه المتحضر الذي سبق اوروبا وامريكا، بقوانينه المثارة الجدل، لاياخذ هذه المسالة بعين الاعتبار، ولو اقدم احد المدعين بالثقافة من العرب على الاساءة لرمز من الرموز الوطنية الكردية، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولقيل هؤلاء الشوفينين القوميين، ولعم الصراخ عن المظلومية الكردية، من يطلب العدل لايظلم الاخرين، والا لتساوى مع الظالم في الحكم .
                  الملاحظة الاخرى في المجموعة ، والتي تطلب التبرير، ان تنضيد الكاف والتاء جاء على ضوءالكتابة او رسم الحرف. باللغة الكردية، وهو ليس خطا مطبعيا، انما استمر من الصفحة الاولى الى نهاية الكتاب، اي ان القصدية موجودة، وهنا السؤال، اذا ترجم كتاب من الفرنسية الى .اية لغة، ترسم الحروف على ضوء الكتابة الفرنسية .ام اللغة المترجم اليها؟.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

3 تعليقات

  1. اسماعيل هاجاني

    استاذ الرائع مويد البصام السلام عليكم و رحمتةالله و بركاته
    اشكركم نيابة عن اصدقائى القصاصين و اخى سامى الحاج، عن قراتكم الرائعة حولة مجموعة القصص المترجمة من قبل الاخ سامى الحاج.ربما مهما ادافع عن نفسى حولة قصة شواف ساكون مذنبا بنضركم و ربما كثير من القراء الكرام و لهذا اقول لكم انا اسف جدا . لان المرحوم شواف كان ثوريا وانا اسجد اجلالا امام كل الثوريين و الشهداء الرائى .قصدى من القصة كان اكثر مركز على طفل قروى و حبه لمعلمته و حياته الريفية و بساطة انسان العراقى و تاثره بالاحداث من حوله سوا كان هذا الانسان كبيرا ام صغيرا حيث السياسة سرقة الطولة من الاطفال . لو تكرمو ن با قراءة الفصة سوف تجدون براءة و صدق نياتى لان فى بركراف الاخير يصير جدلا بين طفل و عمه حولة الاسم حيث عمه يقول له ياايه الداهية زوجتي حاملة و ان اخترت هذا الاسم من سنتين اذا الله رزقني با ولد سوف اسميه شواف

  2. صلاح ابو نعسة من مصر

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة انا بحثت كتير بجد نفسى اوصلك من زمان يارب تكون بتقرا الموقع ده انا صلاح من مصر يارب تكون فكرنى انت كنت بتقولى ابو نعسة

  3. مؤيد داود البصام

    الأخ العزيز أسماعيل هاجاني: تحية طيبة بطيبة كتابتك، ورقة كلماتك، ونبل أخلاقك التي تعطيك سمة المثقف في تواضعه، أخي العزيز، أنا لم أقصدك في نقدي، فالكاتب من حقه أن ينقل الواقع كما يراه، وهذا مثبت في كتابتي، ولكن كان نقدي للاخ الاستاذ سامي المترجم، لان الأدب والفن والثقافة عموما، منحى أنساني، لا يعرف العرقية او المذهبية او الطائفية، وهو ما فهمه الاخ سامي خطأ ً لانه لا يعرفني فاصدر احكامه دون التدقيق، ولكنه فهم الحقيقة بعد ذلك، أنا متواصل في قراءة الأدب الكردي كما أقرا الآداب الأخرى، على الرغم من قلة المترجم، وقد حييت الاستاذ سامي على ترجمته من اجل التواصل، ونحن مع كل جهد يعطي للمعرفة دوام تقدمها ورقيها، مرة أخرى اشكرك، وارجو أن أقرأ لك شئ جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *