جاء استقبالي ل( عيدنا ) اعني هنا ( عيد تأسيس الصحافة العراقية )الذي بلغ المحطة الحادية والأربعين بعد المائة بشكل خاص واستثنائي هذه المرة فهي مناسبة عندي لا للاحتفال وإضاءة الشموع والتلذذ ب ( الكيكات ) والتقاط الصور بل للمراجعة واستخلاص العبر وإطلاق ما هو مكبوت في القلوب التي امضّها الصمت والهوان وآن لها ان تتحرر مما تنوء به ولو في مناسبة العيد !.
والحقيقة أنني سأحصر حديثي في محور واحد بغية تحقيق الفائدة المرتجاة من هذا ( الاستغلال ألمناسباتي ) وأيضا لتجنب الوقوع في مطبات التشتت والتنقل الكيفي التي طالما أفقدت مواضيع نظيرة هويتها وأهميتها ، وأبادر بدءا الى التنويه بأمر شخصي وهو أنني اعتز بمهنتي الصحفية ولم ينحرف اعتزازي بها طوال العقود الأربعة الأخيرة ومن المؤكد ألا يحدث شئ مضاد في المتبقي من عمري المهني والحياتي ، أقول هذا درءا لتوصيفات أخرى قيلت مشكورة بحقي وأطلقت حولي من جهات شتى على اختلاف النيات : الأديب / الناقد / المفكر / الفنان .. الخ التوصيفات التي تواترت كثيرا واحترم مطلقيها ولكنني ذكرت في مناسبات عديدة أنني كاتب صحفي حسب مع ان التوصيف الأخير ( أي الكاتب الصحفي ) يجب ان يستوعب ويوظف العناوين السابقة .
إذا انتهيت من هذا التمهيد غير المخل أود ان ادخل في صميم الموضوع الذي أروم طرحه عيانا وبشكل مباشر أمام التاريخ أولا وأمام زملاء المهنة الحقيقيين ،هنا سأتوقف أمام ( نقابة الصحفيين العراقيين ) كونها في القانون وفي المهنة القلعة الأولى التي ينضوي فيها الصحفيون والملاذ الحصين للدفاع عن المنتمين وأيضا الواجهة المؤهلة لإسناد الحقيقة والذود عن المجتمع وتنويره وكشف مستغليه وفضح طغاته ـ هذا ما تعلمناه من الأدبيات ومن زملاء رواد عملوا وماتوا في سبيل مهنة الصحافة ودفاعا عن مبادئها ، لكنني أقف ملتاعا أمام سؤال مربك تماما : هل الكلام الذي أوردناه أعلاه يكتسب الصفة الحقيقية لو اننا قارناه في ما هو موجود فعلا في واقعنا الآن؟
وبكلمة أخرى هل ان نقابة الصحفيين القائمة حاليا يمكن ان مقارنتها بتلك التي يمكن توصيفها بالتاريخية بدءا بالدورة المؤسسة ( في عهد الجواهري ) وبضع دورات لاحقة ؟!.
أنا مقتنع تماما ان أي زميل يجل مهنته ويخلص لاسمه وتاريخه لن يجيب الا سلبا لو طرح عليه سؤال كالذي أشّرناه بل انه سيمعن في المقارنة وبوجود براهين ليستظهر أمام الملأ المتسائل عمق الفجوة القائمة بين الراهن والتاريخ وسيعلن بكل ثقة ان الحاضر النقابي قد اندحر كليا أمام صورة التاريخ النقابي كما أوصلت ألينا وكما أطلعنا على بعض مراحلها المتاخرة، والحقيقة تفرض علينا الإقرار بحالة معتمة وملتبسة تقول ان ( نقابتنا ) الآن تعد شبحا قياسا الى نقابات التاريخ التي تبقى زاهية حتى لو افلت من زمان بعيد !.
وأتوقف أمام اخر المثالب التي وقعت فيها النقابة في الأسابيع الاخيرة وتشكلت على أثرها جبهة عريضة من الأصوات الغاضبة والمستهجنة لواقعة السعي اللحوح من الزميل النقيب الحالي لانتخابه في الاتحاد الدولي للصحفيين وانتخابه فعلا في المكتب التنفيذي ، هذه الواقعة الجديدة وصفت بالصفقة المشبوهة وقال عنها الزميل محمد البغدادي بالنص (ترتقي الصفقة المشبوهة بين الاتحاد الدولي للصحفيين ومجلس نقابة الصحفيين العراقيين المنتهية ولايته الى مستوى الخيانة العظمى للصحافة العراقية والجمعية العمومية للنقابة ( الهيئة ) العامة صاحبة القرار الاول في القضايا المهنية وطبيعة العلاقات مع الاتحادات والمنظمات الدولية الصحفية ..) وهناك كلمات ابعد توصيفا واكثر غورا من عبارات البغدادي كالتي أثارها الزميل المجتهد صباح السيلاوي في مقالته التي عنونها / فخ صهيوني تبلعه نقابة الصحفيين العراقيين فحذار ياصحفيي العراق ، واجتزئ منها هذا المقطع بتصرف قليل : في الوقت الذي نهنئ فيه أنفسنا بأننا لسنا منهم ( يقصد أعضاء مجلس النقابة ) فإننا نعزي الصحفيين العراقيين الذين أصبحوا ألعوبة بيد اتحاد دولي تقوده الصهيونية العالمية لتغطي عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني وشعوب العالم التي لا تساير هذا الركب .. (!) وهنا أريد ان الفت نظر الزملاء الذين كتبوا ( ومنهم البغدادي والسيلاوي ) الى أن الجنحة التي ترتقي في هذه الواقعة الى مرتبة الجريمة المهنية كاملة الأركان لا تكمن في الانتساب للاتحاد الدولي بدالة عضوية الكيان الصهيوني فيه فهناك اتحادات ومنظمات دولية كثيرة ينتسب اليها العراق وفيها عضوية للكيان الصهيوني مثل منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الدولي لكرة القدم وسوى ذلك ولم يقل احد ان هوشيار زيباري او حسين سعيد قد ارتميا في احضان الصهاينة !، لا إنما الأمر الخطير هنا ان النقيب ( بعيدا عن احقيته في هذا المنصب ام لا ) قد خرق النظام الداخلي للنقابة الذي يوجب عليه استحصال موافقة الهيئة العامة للنقابة قبل ان يقدم على أي خطوة تسنن العلاقات الخارجية او الانضواء في عناوين لها تبعاتها والتزاماتها الدولية وان قيامه منفردا بأي خطوة وبدون الرجوع للمرجعية الشرعية ( الهيئة العامة ) يعد انتهاكا خطيرا لصلاحياته التي هي قطعا غير مطلقة ومن ناحية أخرى يعد هذا التصرف الفردي ( غير المفوض ) لاغيا ولا يلزم النقابة في شئ لأنه أنبنى على وازع مزاجي خاص يفتقد الى التفويض المهني والاعتبارات الرسمية على حد سواء .
على ان هذه الملاحظة توجب علينا الا نجعلها واقعة فريدة في بابها بل ان سعة الرؤية تخبرنا ان هناك من الوقائع السابقة ما هو اخطر وابعد تاثيرا في عمل وحياة الصحفيين لانها تتعلق بشؤونهم المهنية وحاجاتهم اليومية ولم تجد انتباها يذكر او ردود فعل تنسجم وخطورة الوقائع ذاتها ، مثلا هناك كثرة في حوادث الاعتداء على الصحفيين من قبل جهات عديدة قامت بممارسات مهينة تجاه الصحفيين الا ان الغرابة هنا تأتي من ضعف وانطفاء أي فعل من النقابة تجاه المعتدين بل ان سكوت ( ولا أقول تواطؤ ) النقابة شجع جهات اخرى ( حكومية وغير حكومية ) بالتجاوزات النابية واستخدام الأدوات المبرحة ضد الصحفيين العزل الذين استغاثوا وشخصوا أعينهم صوب نقابتهم التي كانت تواجههم بضعفها واستكانتها ولا أباليتها مع انها ملزمة مهنيا بالدفاع عنهم مهنيا وقانونيا وأخلاقيا وسآتي الان بواقعة ايضا أخيرة أحدثت دويا في الشارع الصحفي ولكنها جوبهت بصمت مشبوه وجمود قاتل من النقابة ومن ينطق باسمها :
وقد صعق الصحفيون والغيورون على المهنة بما نشره الزميل ( تحسين صبار ) من وقائع مذلة ومعاملة مسفة في مدينة بابل مورست من قبل العناصر المرافقة للسيد وزير الكهرباء المقال كريم وحيد في زيارته التفقدية لمديرية كهرباء الفرات الأوسط ،ونقرا بمرارة جزءا مما كتبه الزميل تحسين صبار : لقد تعرض زملاء لنا صباح يوم السبت 22/5/2010 وعندما كانوا يقومون بتغطية زيارة وزير الكهرباء مديرية كهرباء الفرات الأوسط في محافظة بابل الى الاعتداء بالضرب من قبل حماية الوزير الذين كان كما يبدو ومن ضمن واجبهم الأمني تحطيم آلات التصوير الخاصة بالصحفيين لانها التقطت مساوئ أداء تلك الوزارة التي لا يحتاج فشلها في تقديم الخدمات الى جهد وعناء لكشفها وفضحها فهي كاشفة وواضحة أكثر من وضوح الشمس في رابعة النهار ، الاعتداءات التي قامت بها عناصر حماية الوزير شملت تحطيم آلات التصوير الخاصة بالصحفيين،اضافة الى الاعتداء بالضرب على الصحفيين فقد وجه أفراد الحماية الكلمات النابية والمهينة ضد الصحفيين ووجهوا كلمات الاهانات والاستهزاء اليهم فيما صمت مكتبه الإعلامي وكأن من جاءوا حضروا من تلقاء أنفسهم ولم تتم دعوتهم فكانوا متطفلين يستحقون الاهانة، الاعتداء نفسه كان متوقعا ولم يكن غريبا فسيد البلغاء يقول”اطلب الخير من بطون شبعت ثم جاعت ولا تطلب الخير من بطون جاعت ثم شبعت )!.
الزميل تحسين أشار بأسف كبير الى صمت نقابة الصحفيين المركز العام عن إنصاف أعضائها وان كان ببيان تصدره ، وليس من الضروري هنا ان نذكر هنا عشرات الوقائع المماثلة التي وقعت في بغداد والنجف والبصرة وكربلاء وسواها من المدن العراقية والتي ضجت بالأهوال التي تعرض لها الصحفيون العراقيون مع الدور المشلول والمواقف الذيلية التي وقفتها النقابة والتي تفضح الحالة غير المسؤولة بل والمتعالية على أعضائها واسمها التاريخي ، واما غياب الدور الرقابي للنقابة وترك الفوضى الضاربة في شارع الصحافة على حاله من دون شعور بمسؤولية التنظيم والتقويم فسل بلا حرج ، كما ان انعدام المبادرات العملية لتشريع قواعد العمل وسلوكيات المهنة والدفاع عن إيجاد ميثاق الشرف الصحفي فهذه الأمور والمبادئ العظيمة والماسة بعمل الصحفي وكرامته وحصانته في حياته اليومية يبدو انها بعيدة عن وعي وإدراك النقابة وربما ستفكر فيها في العيد الألفي القادم للصحافة العراقية النائمة في كهوف الانتظار حاليا !.
* nadhums@yahoo.com
ناظم السعود: العيد الحزين في نقابة الصحفيين
تعليقات الفيسبوك