حسن العلوي
قبرص
مشاكسٌ يسعى متعبا فيما يعده الحق نفسه والسياسة تعنى بالحقوق وتنأى عن الحق ولهذا لم يصبح حاتم حسن سياسيا ولم يصلح لهذه المهنة وان كانت مهنته تدور على رحاها فلا يكاد يبتعد عنها إلا وتشاخصت أمامه ولا ابتعدت عنه إلا وتشاخصت بأزماتها فوق أزماته.
عروبي شرس ومعاند لا يلين حتى إذا أخذ العمر منه مأخذه ولو قبل حينه أخذ حاتم حسن يشعر بثقل الحياة وقد انتقلت معاركه من سطور الصحف إلى خطوط القلب شأنه شأن من يعمل بهذا الصنف الذي يأخذ الكثير ويعطي القليل.
أوشك قلبه أن يغادر كأنه ولم يغادر حاتم حسن مهنته التي من طبيعتها وسمتها انها تعطل خطوط الدم وسواقي القلب فتجف العروق.
عملنا معا في مجلة (ألف باء) سنوات وكنا نجتمع أسبوعيا لمناقشة أخطاء العدد الصادر ووضع خطة للعدد القادم فلم يكن صوت غير صوته معارضا لأي شيء أتحدث به وكنت اعرف سر المعارضة فهو قومي عربي لم يقتنع يوما بأفكار ميشيل عفلق ولا ينصاع لأمر من أوامره ولم ينفذ سياسة الحزب الإعلامية وكان لا يكتب إلا ما يؤمن به ويجد في رحابة صدري عونا له فقد كنت أرى في كتاباته تنويعا وخروجا عن الانضباط وهذه من سماتي المعروفة ولا أظنه كان سيستمر في الكتابة بغير هذه المجلة لأنهم يضيقون به ذرعا.
كان يرد علي كلما عاتبت محررا عن أدائه برغم أن علاقاته بمن معه لم تكن طيبة على الدوام فهو صعب المراس صعب القياد عسير الانقياد.
كنت ما زلت في المنفى حين وصلتني نسخة من جريدة المشرق كان حاتم يبكي لبكائي ويئن لأنيني في الغربة فما الذي أبقاه لي من قطرات لعين لا تجف وقد سمعت الخبر صباحا على لسان صديق الدهر محسن حسين قبل أن يؤكده صاحبي الكاتب الكبير شامل عبد القادر فلم تنزل حتى الآن دمعة وأنا صاحب الدموع ولا عجب فلن يتسع قلبي بعد لخبر رحيله وكأن وجداني يرفض أن يرحل حاتم حسن قبل رحيلي.
لكن حاتم أخذ طريقه وتركنا أقلاما تستجمع شجاعته وان أياما من الحزن ستغرقنا في نوبات الدموع وعلى حاتم حسن تبكي الأقلام والأيام وتنزف الأحبار والأخبار وتصطبغ الأشياء أمامي بلون المداد وصبغة الحداد.
حاتم يا صديقي سبقتني الى الموعد المحتوم وكنت ستكتب عني أفضل مما أكتبه الآن عنك لكني سأعود إليك وسأرثي نفسي حين أرثيك فنحن في هذه المهنة سواء في الحياة والممات والحزن والرثاء.
*عن صحيفة المشرق