ما أبلغنا و نحن نسطر حكمنا و أمثالنا شعراً و نثراً .. خطباً و مقالات . ما أبلغ عباراتنا و هي تدين الفساد و الإرهاب و تدعو للعدل و الفضيلة . ما أروعنا و نحن نردد أقوالاً و آيات و أحاديث شريفة و قصائد
لكن ما أوطأ أصواتنا و أبطأ خطواتنا و هي تستجيب للنداء
((و من يتهيب صعود الجبال …..! ))
((لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين))
((إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ! ))
أليست أقوالاً رائعةً نحفظها جميعاً عن ظهر قلب ؟ ألا نؤمن بهذه الأقوال جميعاً ؟
لكننا نتهيب صعود الجبال و نستمرئ العيش بين الحفر
و نلدغ من الجحر ذاته مرتين و ثلاث و رباع
و يقتنص الذئب كل يوم ضحية منا منذ استوت سفينة نوح على الجودي الى اليوم
الأسبوع الثاني لتغييب أفراح . كتبنا عصارة ما جادت به قرائحنا و حصدنا من الإعجاب ما طمأن ضمائرنا إلى أننا ادينا الواجب . ثم ركنا الملف مع ملفات مغيبين و ضحايا كتبنا عنهم في حينها و عدنا الى حياتنا اليومية . نسيت أن أسألكم أين انتظرتم السنة الجديدة . لا يهم
تستطيعون بطبيعة الحال أن تستنكروا بأشد عبارات الإستنكار و أنتم مطمأنون إلى ان ذلك لا يغضب الحكومة ولا يوجه بنادق الخاطفين اليكم في المرة القادمة فالحكومة استنكرت وأولياء أمر الخاطفين ذاتهم استنكروا فلم لا نستنكر نحن أيضا و نسقط الفرض ؟ نسُب داعش و نحمله المسؤولية و نلعن النظام السابق في مستهل مقالتنا ، و نمتدح الحشد و الديمقراطية ثم نستنكر عملية الإختطاف . أليست نصف المقالات التي كتبت عن القضية قد صيغت بهذا القالب ؟
إنها ليست خطوة . إنها مسيرة ، إما أن تنطلق أو تتوقف ، أمّا أن نترك عشرة ناشطين يتظاهرون لوحدهم فنحن لا نفعل شيئا سوى تعريضهم و تعريض القضية ذاتها للخطر.
بعد اغتيال الناشط و الإعلامي هادي المهدي استُنفرت كل قوى الحكومة و ميليشيات أحزابها تحسباً لثورة شعبية . هل نسيتم منظر وكيل الداخلية و هو يقف فوق مبنى المطعم التركي المقابل لساحة التحرير يستمع لهتافات المتظاهرين و ركبتاه تصطفقان خوفا و هلعاً ؟ كانت ليلة صعبة عليهم ، لكن عندما حل الصباح و عاد الجميع الى اعمالهم عرف الذئب أن الخطر قد زال فعاد للبحث عن ضحية جديدة .
يحدث هذا في كل مكان في العالم ، الفرق فقط بين من يستمر و من يتردد ومن يتوقف . عندما أحرق الصهاينة المسجد الأقصى قالت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق غولدا مائير
(لم أنم ليلتها و أنا أتخيل أن العرب سيدخلون فلسطين أفواجاً من كل صوب .لكني عندما طلع الصباح و لم يحدث شيء أدركت أن بإستطاعتنا فعل ما نشاء فهذه ” أمة نائمة ” .)
يحدث هذا لكن هناك من يستمر فينتزع حريته و هناك من يستمر بالنوم ، قد نكون مقصرين بدرجات متفاوتةمن كتب مقالا خير ممن لم يكتب و من تظاهر من اجل أفراح خير ممن كتب مقالاً لكن كل ذلك لا يمنع أن تكون هناك ضحية قادمة إذا توقفنا في منتصف الطريق
لن أكتب معلقتي و لن أخطب فيكم و لن ألوم أحداً ، ليس بإمكان احد ان يفعل شيئا لوحده لكن بإمكان الجميع أن يفعلوا شيئا غير التظاهر في أوقات الفراغ أو بعد صلاة الجمعة مع سندويتش فلافل و بعض السلفيات لزوم الفيس بوك.
*عن صحيفة الصدى اليومية