كريم القاسم : بطاقة تهنئة الى جناب السلطان

karim-alkasem-3تحيةٌ من طفلةٍ تعيش كل يوم في سنة . عُمرُها عُمْر أهرامات مصر ، جنائن بابل المعلقه ، مَسَلَّة حمورابي ، حجارة بعلبك ، طورسيناء ، عين زمزم ، والقيروان. تحيةٌ من طفلةٍ قَرَأتْ ذات يوم ملحمة كلكامش ، قصة عنترة ، شِعر مجنون ليلى ، المتنبي ، وقصص ابو زيد الهلالي .
تحيةٌ من طفلةٍ زَقزَقَتْ ذات يوم بأغنية (فوك النخل فوك) ورَفرَفتْ على (القدود الحلبية) وَعَشعَشتْ في اوبريت (الليلة الكبيرة) .
تحيةٌ من طفلةٍ أنشَدَتْ في حَفلٍ مدرسي ذات يوم ، قصائدَ صَفيِّ الدين الحِليِّ ، وأحمد شوقي ، و جُبران ، والفيتوري .
تحيةٌ من طفلةٍ كانت تسابق الريح على صهوة جواد ابيها ذات يوم ، لايسبقها إلّا حلمها فوق الروابي . تحصد كل يوم سنبلة ، وتزرع كل يوم نخلة او شجرة .
تحيةٌ من طفلةٍ عريقة النسب ، الى صاحبِ العرشِ والصَوّلَجانِ والرُتَب.
ياسيدي السلطان :
أنا من مدينةٍ ، كِلانا ينتمي لها ذات الإنتماء . الفرق بيننا ، خَلقني الله من حُرِّ طينها ، وانتَ مِن شائبةِ سَبخها . فانحرفَ كلّ فرعٍ الى أصلهِ ، وحَنَّ كل نَسلٍ الى أرومَتهِ . فاحتضَنتُ جراحَ الوطنِ ، والتحفتُ غبارَهُ ، وتوَسدتُ رصيفَهُ العاري .
وانتَ ياسيدي المُبَجَل ، مازلتَ تتنفس ضباب لندن ، وتلتحف غانيات الروم ، وتتوسد حقائب السِحت الحرام .
متى ابتسم ياسيدي السلطان ….؟
َتَعْلَم بأني ماذقتُ طعم الابتسامة ، مذ عَرفتُ بأنك سلطاني .. ؟
مُذ عرفتُ بأن مملكتي تُنهَبُ كل يوم ، وعرشكَ يَعلوهُ تاج مُتَطفّل على التاريخ ..
مُذ عرفتُ بأن سنبلتي تَطحنُها سَنابك الغُزاة ، وسجادتكَ الحمراء تَبولُ عليها كلاب الحراسات ..؟
مُذ عرفتُ بأن عرشكَ مِن قَصَبٍ ، وبلاطَكَ واهٍ كَبيت العنكبوت ..؟
مُذ عرفتُ بأن دمائَكَ تَسري خِلاف المنطق ، وإن مَنبَعَها آسن ..؟
أيها السلطان الغائب الغَيور ، ياصاحب الصقر الذي جناحاه من ورق .
يا أيها الجود الذي لايُقاس ، يا أيها المٌبَشِر بالإملاق والحرمان والافلاس .
يا ايها الجهل الذي في كل دار نَما ، واثمرَ حنظلاً مٌرّاً شريّاً عَلقَماً.
كل عام وأنا ابحثُ عن فرحةِ عيدٍ ، عَلَّني أجدها بين حقول الالغام، وجثث السيارات المفخخة بالحقد والكراهية ، وصراخ الطائرات المُتخَمة باللعنة والهلاك .
كل عام وأنا ابحثُ عن عيدٍ بين سوط جلاد ، وقُضبان ملك مُبَجَّل، وخفافيش عهركَ المتواري خَلفَ عطر الغانيات .
كلّما اصغيتُ الى صيحةٍ من بعيد ، قَصدتُها ظَننتُها زغردةَ سرورٍ وحبور، لقدوم ِ عيدٍ سعيد ، فوجدتُها نياحاً وعويلا .
كلما هَتَفَتْ مآذن الحي بالتنابذِ والتنازعِ والتضاد ، ظننتُ بأن العيد وافد لامحالة .
كلما اشرَقَتْ شاشاتُنا بشَبَحِ وريث عرشكَ ، مَزهوّا بنياشينهِ الوهمية ، تَوهَمتُ بأن العيدَ آت .
مازلتُ ابحثُ في القمامةِ عن لقمةِ زادٍ عَفِنَة . أو بقايا جيفةٍ أو مِيتَةٍ يَسترُني بها الشَرْع .
مازلتُ ابحثُ في ضَرعِ الوطنِ المُرهَق الواهِن عن قطرةِ لَبَنٍ ، مُذ هجرتُ الحنان ، وأنا لاهثةٌ أستجدي مائي مِن وراء الحدود .
مازلتُ ابحثُ عن عقلٍ ومعرفةٍ ، تبطشُ بالحُمْق والبلاهة …
مازلتُ ابحثُ عن ضوءٍ سماويٍ يُشتتُ عُتمة الدَيجور …
مازلتُ ابحثُ عن عدلٍ يَفتُّ عضد الإفك والبُهتان …
لِمَ تصمُّ سَمْعكَ عن صهيلِ طفلةٍ ، تلتقطُ انفاسهَا بين ثنايا غبائكَ المُدَجَج بتسابيحِ الزيفِ ، وصلاة التَبجّحِ وتراتيل التيهِ والتباه ِ ..؟
ياسيدي ياصاحب المَكرُمات ، ياواهب الأنين والآلام والآهات .
أتدري بأني مازلتُ أبحثُ عن كَفَنٍ طاهرٍ يستر عظامي التي باتتْ وسام شرف ٍ كوثر ، لِعَصرِكَ الشائن الأبتر ..؟
أتدري بأني مازلتُ ابحثُ عن قبرٍ ، جاوَرَ النيل أو دجلة والفرات، أو نخلةٍ شامخةٍ مِعطاء ، أو شجرة زيتونة مباركة ..؟
لكنني لم أجــــِــــــــــــــــدْ سوى بقايا وطن .
كل عام وجناب السلطان ، يبتسم فوق جماجم شعبه .
كل عام وجناب السلطان ، سطر بائس على رفوف التاريخ ، يروي قصة وطن سرقه السلطان وحاشيته .
فلقد دعوت الله على السلطان وبطانته أن تأحذهم الصَيحة ، أو يخسف بهم الارض ، او يأخذهم بالغرقِ ، أو يرسل عليهم طيراً أبابيل .
وكل عام ونحن ننتظر سُنّة الله في السلطان …
(سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)
……………………………………………………………………………….

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| كريم عبدالله : كلّما ناديتكِ تجرّحتْ حنجرتي.

مُذ أول هجرة إليكِ وأنا أفقدُ دموعي زخّةً إثرَ زخّة أيتُها القصيدة الخديجة الباهتة المشاعر …

| آمال عوّاد رضوان : حَنَان تُلَمِّعُ الْأَحْذِيَة؟.

     مَا أَنْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاهَا الْيَقِظَتَانِ سَوَادَ حِذَائِهِ اللَّامِعِ، حَتَّى غَمَرَتْهَا مَوْجَةُ ذِكْرَيَاتٍ هَادِرَة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *