هي مُدنٌ
تَعبرُنا ونعبرُها
لتتركَ وشْمَها فينا
مدنٌ
نطوفُ بها كالمجاذيبِ
نُعَلّقُ ذكرياتِنا فيها.
أهالوا نهاراتِهم على الليلِ
مدنُ
التيهِ والدهشةِ
يوشي باعتُها وحواتُها
بجمالِ المطر
مُدنٌ
تغسلُ فضائحَها الخجولةَ
بالمحبةِ
وتنشرُها فوقَ خدودِ
جبالِها
مُدنٌ
بزقزقةِ عصافيرِها
يستحمّ عُريُها
ريحٌ تقتنصُ إغفاءاتِها
أسواقٌ تغازلُ أسواقًا
تحكي غربةَ الساموراي
وبطولاتٌ
عُلّبتْ في المتاحفِ
تنحني على أزقّة
مُدنٌ
قايضتني بطمأنينةٍ
كلما تَحَسَّسْتُها
تنفتحُ أمامي حقولُ أسى
حقولٌ تغرقُ الأنهار فيها
مضرّجةً بالندم
مُدنٌ
تشاركني صباحاتِها الأنيقةَ
فأستسلمُ
لطفولةٍ خبأتُها
منذ أن رمى الحكماءُ حكمتهم
في دروبِ الخديعةِ
والشعراءُ خذلوا صُلبانَهم
وحفروا لأمجادِهم قبورًا
أعمقَ من الهاويةِ
مُدنٌ
في المساءِ تسكرُ معي
(ليتني ملأتُ قلبي بالنسيان وشاطرتُه الوهمَ)
مدنٌ وهي تُشيرُ إلى فتاةٍ
ثملةٍ ترقصُ
جدتُها
الناجيةُ الوحيدةُ
في الأسرةِ
صباحَ السادسِ من آبِ 1945
مُدنٌ
قلاعُها مزدانةٌ بأبّهةِ الفرسانِ
حاملي رايات البهجة
بشموسٍ
يهدهدون حشدَ صقورٍ
شطبتْ من السماءِ الظلمة
وأسكنت الغيومَ في ردهاتِ القصرِ
لأن النجومَ
أرادت أن ترى صورتها
في حيرة الأنهار
بين ضفائر أشجارِها
وحكمةِ بوذا
أمسحُ عن نظرتِهِ
موسيقى الفصول
وترانيمَ الأزهار
وإلى أقصاهُ أنظرُ فيه
فاتحًا أبوابَ التأمّلِ في مدى طهرِهِ
برازخَ إثر أخرى
مُدنٌ
تَلَقّفتني كالمحطّاتِ
عليّ أن أترجّلَ
في كلّ محطةٍ
أغرفُ البحرَ انحناءً لبهاءِ أمكنةٍ
يستوقفني أمام مرآبٍ للسيارات،
فأهمهمُ: إنها فطنة الإنسانِ مع الحاجةِ
إنها فطنةُ الإنسانِ مع الحاجةِ
إنها فطنةٌ…………………..
وبينما أمضي
مُتأملاً معابدَ وقصورًا وقلاعًا
هَمَسَتْ سيدةٌ بجانبي تسخرُ من ثمانينِها وهي تأفلُ:
إنها جميعًا كانت حَطَبًا لحربِ سادرين بحمقِهم
ما تراه، تقول لي الثمانينيةُ، نفخنا فيه من روحِنا
ما تراه
مُدُنـًا
تغسلُ زغبَها أنهارٌ
من قيعانِها ينحدرُ سيلُ أنينٍ
وخشيةً على الصباح
تُخَبّئُهُ في آنيّةِ الألَمْ.
هيروشيما
آب 2006