مَقال: ( اسم )
مقالٌ : قولٌ
مقال : بحث قصير موجز في موضوعٍ ما … يُنشَر في جريدةٍ او مجلةٍ
او صفحات التواصل الاجتماعي .
تتنوع الفنون الادبيه لتنوع موضوعاتها واهدافها وبنيتها …. وفي ادبنا العربي القديم … هنالك فَنٌ يُعرَف بِفَنِ (الرسائل) .. هذا الفن يقترب من حيث خصائصه وحيثياته من فن (المقال) … كون المقال كَـفَـنٍّ ادبي ، لم يُعرف الا حديثا .
إن المقال تفرَّد بمميزات وسِمات ، جعلته أدبا منفصلا عن ادب الرسائل
والفنون الادبيه الاخرى … فقد تأثرتْ (المقالة الحديثة) بالاتجاهات
والافكار السائدة في الآداب الغربية . وإن اتساع وتنوع الاحداث والتيارات
الفكريه والرؤى والتطلعات على الساحة العربيه ، جعلتْ المقاله من اكثر
الفنون الادبية وصفاً ومخاطبة للواقع الحالي ومناقشته واشباعه تحليلا ،
بحيث توغلتْ في أدق جزئيات الحياة اليومية للفرد وللمجتمع ، سياسية
كانت أَم اجتماعية او علمية وغيرها من الحيثيات .
وعند بحث المتطلع والقاريء عن معنى وماهية المقال ، نجده سيصطدم
بعدة منشورات وابحاث وعناوين متشعبه ، تجعل القاريء والمتتبع في
متاهة كبيرة ، بسبب وسع هذا الفن ، وتنوع مسمياته ، وهو لايدري أين
يقف والى أين يتجه .
ماهو المقال …؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكثير من النقّاد عَرّفَ المقال بتعريفات تتناسب والمراحل والتطورات
التي مرَّ بها المقال ، حتى تباينت هذه التعريفات ، لكن كمفهوم وتعريف
عام … نقول :
هو عبارة عن قطعة انشائية مؤلَفة ، متوسطة الطول ، تعالج موضوعاً ما
معالجة سريعة ، من ناحية تأثر الكاتب به . فلو تَجردَتْ المقاله عن طابع
السرعة ، لتحولت الى بحث علمي ، كون النص العلمي يحتاج الى احصاء
وفحص وتصنيف .
ونصُّ المقال ، هو نصٌ منثور بأسلوب يمتاز بالسهولة والتركيز والوضوح
وسهولة التراكيب ودقّة الكلمات ، ويعالج موضوعاً من الموضوعات على
وجه الخصوص . ويُعبِّرُ فيه الكاتب عن إحساسه الشخصي ، أو يصف
حدثاً ما مثير للاهتمام ، أو شائق ، أو يبعث على الفكاهة والتسلية ،
ويحلله وينقدهه بأسلوبه الخاص ، ويسرح بخياله وينسج افكاره كما تَحلو
لَه. وكاتب المقال يكتب بطريقة عفوية خالية من التكلف . وتمثل وجهة
نظره او شخصيته ومزاجه الذاتي .
إن المقالة تشعرك وأنت تطالعها ، أن الكاتب يتحدث إليك ، وأنه متفاعل
معك في كل فكرة وكل عبارة.
انواع المقال :
ـــــــــــــــــــــــــ
المقالات تتنوع كل حسب موضوعاتها واسلوبها . ولكثرة وتنوع مفردات
الحياة في الوقت الحالي ، تنوعت عناوين المقال . فإن كان يتناول ظاهرة
علمية ، سُميَّ مقال علمي . وإن كان يعتمد وجهة نظر الكاتب الذاتية سُمي
مقال ذاتي .وان كان يتناول وجهة نظر الدولة او الحزب او احداث يومية
سُمي مقال سياسي … وهكذا …
فلا نريد من الكاتب ان يتيه بالمسميات ، إنما عليه ان يعرف بأنه عندما
يكتب عن شأن او فكرة ما ، فهي (دلالة نوع المقال) . ولانريد الدخول في
التصنيفات المتشعبة والكثيرة ، كون القاريء اشترط علينا البساطة التامة
في تناول هذا الامر . لذا سنتناول كل نوع بشكل مفصل ، ليتسنى للقاريء
تناول الفائدة بيسرٍ ومتعة وسهولة .
ــ لدى البحث عن مسميات المقال ، يبرز مسميان على الساحة الادبية ،
يتفرع منهما الكثير من الفنون المقاليه الاخرى … فهنالك :
1- المقال الموضوعي ( المنهجي) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو مقال ينطلق من الموضوع ، وتختفي فيه شخصية وانفعالات الكاتب ،
لكون النص يحتاج الى الكتابة بطريقة المنهج العلمي من بحث وتحليل
واحصاء وغير ذلك ، واقناع القاريء بفكرة المقال . وتكون اللغة مباشرة
خالية من الغموض والرمزية . وتندرج تحت هذا المسمى ،عناوين كثيرة
مثل المقال (الفلسفي ، العلمي ، النقدي ، التاريخي ، السياسي ، الاقتصادي
، المالي … وغيرذلك ).
2- المقال الذاتي (الادبي) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو مقال ينطلق من الذات . وفيه تظهر وتبرز شخصية الكاتب على
سطح النص وبين ثنايا الحروف ، كونه يتحدث عن وصف حال ، او نثر
عواطف واشجان ، وتصوير ابداعي للخيال الادبي ، ضمن ايقاع موسيقي
ومحسِّنات بديعية رائعه. وليس الغرض منها اقناع الاخرين . فهي تخاطب
القلب اكثر من العقل . ويندرج تحت هذا المسمى عناوين كثيرة … مثل :
المقال (الاجتماعي ، الشخصي ، الوصفي ، التأملي ، السيرة..وغير ذلك )
كيف نكتب المقال :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتابة المقال ليست بالعمل المستحيل او البعيد المنال . فهو عمل وصناعة
كتابية يمكن ان تنمو لديك وتصبح موهبة او مَلَكَة بالتدريب والمران .
وما دامت كتابة المقال هي صَنْعَة وعمل ، اذاً لابد للكاتب ان يعرف كيف
يبدأ وكيف ينتهي . ويعرف سِمات المقال واهدافه وهيكله العام . كي
يستطيع ان يضع لمساته الادبية التي تناسب المضمون . وعند الشروع
بكتابة المقال ، نستخدم نفس الاركان والركائز التي نعتمد عليها في كتابة
الانشاء أو أي نص نثري آخر .
إذا ً لابد ان تتوفر لديك مايلي :
……………………………………..
1- اختيار موضوع المقال :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الكاتب ان يختار الموضوع بعناية ودقة ، وبما يتوافق مع مايمتلكه
من خبرات ومعلومات حول هذا الموضوع ، والتركيز على جانب واحد
منه فقط .
2 – الفكرة :
ـــــــــــــــــــــــــــ
لابد من وجود وتحديد الافكار الرئيسة حول الموضوع . بحيث يستطيع
الكاتب ان يبني عليها افكار مهمه ومناسبة .
وهنا … أما أن تكون بشكل طرح اسئلة ، او تحديد عناصر مهمة حول
الموضوع ، ولابأس ان يسجلها في بطاقات او قصاصات ورق ، او
يحفظها في جهازه ( الكومبيوتر المحمول) لتكون عوناً له في الانطلاق
للكتابة .
3 – المقدمة :
ـــــــــــــــــــــــــ
هي بداية الشروع بالكتابة . وهنا يبدأ الكاتب بنثر ذكائه الادبي . ويبدأ
بعرض عناصر التشويق والجذب والشد والدهشة ، َكي تجعل القاري
مُلزماً بصورة لاإراديه لمتابعة باقي النص . ويبدأ بنثر موجز ومركَّز
لنص الفكرة . وبيان اسباب إختاره لهذا الموضوع وبيان اهميته ، لِيُهيء
ذهن القاريء للعرض .
4 – العرض :
ـــــــــــــــــــــــــ
وهوالمضمون الفعلي للفكرة وجوهرها الاساسي ، بحيث ينتقل الكاتب من
مرحلة المقدمه الى العرض بشكل تدريجي سلس ومترابط ، دون ان يشعر
القاريء بذلك . وفي العرض يبدأ الكاتب بالتحليل واستعراض افكاره ،
وطرح اهدافه التي يريد ايصالها للقاري ، بحيث يُشبِع الفكرة برمتها .
ويبدأ بعرض عبارات غاية في الاختصار والمعاني المركّزة ، مستندة الى
الاستنباط والتحليل .
5 – الخاتمة :
ــــــــــــــــــــــــــ
وهي الخلاصة للفكرة وما طُرِحَتْ من افكار . ويجب ان لايفقد الكاتب
قدرة الترابط والتدرج في ربط العبارات عند الانتقال من مرحلة الى
اخرى. وهناك خطأ يقع فيه الكثير من الكتّاب ، وهو الانتقال المفاجيء الى
مرحلة الخاتمة وتبدو كانها موضوع آخر .
لذا .. لابد ان يبرز الكاتب هنا سمات قلمه الجماليه والابداعيه والذكائيه ،
بحيث يجعل الخاتمة مجموعة عبارات استنتاجيه مشتقه من مضمون المقال
، ذات ايقاع تحليلي مبتكر ، او تحمل سمة الرمزية او السخرية الهادفه
احياناً. ويبتعد عن الاستعراض المطول .
6 – العنوان :
ــــــــــــــــــــــــــ
أنا شخصيأً أميل الى ان يكون العنوان هو آخر كلمات يكتبها الكاتب في
اي نص أدبي . وللعنوان اهمية كبرى قد توازي أهمية المقال . فهو اول
شيء يراه القاريء . ومابعدها يبدأ العقل في الاختيار بين الاستمرار أو
الانقطاع عن القراءة . فليس من الحكمة ان يكون العنوان يمتاز بالسطحيه
والتكراريه ، او عنوان يفضح محتوى المقال ، مما يحدو بالقاريء الى
الاسراع بالنقر والتصفح لموضوع آخر إن كان امام (النَت) أو يرمي
بصحيفته إن كان يحتضن إعلام وَرَقي . لذا لابد ان يتسم العنوان
بالرمزية والايحائيه الجاذبة … لان العنوان هو ذكاء الكاتب .
7 – التهذيب :
ــــــــــــــــــــــــــ
الكثير من الكتّاب وللأسف الشديد … يبتعد عن هذه المرحلة ، وهي
تهذيب النص . وقد لايعيرها اهتماما . وهي من الاهمية بمكان ، جعلت
الكتّاب الكبار والمحترفين ، ان يجعلوا هذه المرحلة من اطول المراحل
زمنا ً، واكثرها اهمية ، لأنها ستكشف سمعة القلم ورزانته الادبيه والفكرية
امام القرّاء .
فالكتابة صَنعَة وعَمَل . وكل صَنعة لا تُهذَب ، تكون نافرة للذوق العام .
ــ تهذيب النص … يعني مراجعته تكراراً ومراراً . وحذف مايجب حذفه ،
واضافة ما شرد عن الذهن ، ورفع المعاني التي لاتتناسب مع الفكرة .
نـصـائـح :
ــــــــــــــــــــــ
ـــ من سمات المقال الاقتضاب والاختصار والتركيز، كي يبدو نصا ً
شفافا خالياً من الشوائب ، وذو طعم مستساغ .
ـــ من علامات الترقيم المستخدمة في المقال ، هي النقطة ( . )
والفاصلة ( ، ) لكثرة دواعي استعمالها .
ـــ على الكاتب ان يحترم ذاته ، ويحترم خصوصيات الآخرين ان كانت
اجتماعية دينية او مذهبية . فليس كل مايُكتَب يُقرأ أو يُحترَم . وما قد يُكتَب
قد تُحاسَب عليه اخلاقيا أوقانونيا … فانظر فيما تكتب.
ـــ في المقالة يكثر التوجيه . وعلى الكاتب ان يفهم ان لديه رسالة ما ،
يجب ايصالها الى ذهن وفهم القاريء .
ـــ على الكاتب ان يكون متواضعا ً ومبتعداً عن قاعدة (خالِف … تُعرَف )
ولايكتب مايمس الذوق السليم ، ولايبحث عن النجومية والشهرة ، فهي
تحصيل حاصل .
ـــ الصدق والايمان بالفكرة ، والنزاهة والامانة في التعامل مع عملية النقد
والتحليل ، كلها اساس لبناء شخصية كاتب المقال .
إن كلّ الذي تطرقنا اليه ، يشمل انواع المقالات ، وقد استعرضناه بشكل
مقتضب ومبسط جدا ،بعيدا عن الجزئيات ، ولانريد التوغل في التصنيفات
المتشعبة والكثيرة ، كون القاريء اشترط البساطة التامة في تناول هذا
الامر . لكن سنتناول و نستعرض كل نوع من المقالات وكيفية كتابته
بشكل منفصل ومفصَّل …
ليتسنى للقاريء الكريم تناول الفائدة بيسر وسهوله ….
تقديري الكبير ….
…………………………………………………………………….
( كريم القاسم )