علي حدّاد: القصة والرواية بين عصا موسى والحداثة ..

حين تبعد  غير المبدعين عن ساحة الوهم التي يعيشون فيها الى الواقع الذي يفتقر الى وجودهم ، فقد اسهمت في حماية قصص الامة و تراثها .

على إفترض خطير ، ان فن القصة سينقرض ، أقول ان إنقراض هذا اللون الجميل         من الفنون الصعبة والمؤثرة في ثقافة الانسان وتكوينه الفكري .. سيؤدي الى كارثة تفجع الادب برمته ، وعليه يمكن للواحد منا ان يغوص ولو لمرة واحدة في اعماق نفسه تساءل عن السبب الذي دفعني الى قبول هذا الافتراض المعقول ، اقول بأمانة

انه لو استمر هذا الضخ الهائل وهذا الكم المحزن لمزيد من القصص التافهة المنتشرة مثل الذباب على صفحات المجاميع القصصية او ألروائية.. او على وجوه صحفنا اليومية .. والذي ساهم فيه الكثير من الطارئين والدخلاء على هذا الفن الرفيع سيضفي على حلتهم الخالية من الفكرة والموضوع  والجمال الذي يشكل العمود الفقري

لمقومات القصة الناجحة ، وذلك لخلو روحهم وقلوبهم وفكرهم من الموهبة التي من الله سبحانه وتعالى على بعض من خلقه .. هؤلاء الذين ابدعوا في مجالات الحياة ورفدوها بكل الوان الفنون الرائعة وصنعوا منها شيئا جميلا..حياة جديرة بأن تعاش حتى القاع . ان هذا الجهد الانساني المبدع مثل بقية الاداب والفنون الاخرى كالرسم والنحت والموسيقى  التي ابتليت ايضا بالطارئين والاميين فالكثير  من اللوحات التي شاهدها المثقفون وانصاف المثقفين جعلهم يقفون حائرين.. انها حقا تستند الى نظرية الالوان وتمازجها وانسجامها لكن المشكلة ان لاحياة فيها ولا روح وهذا يذكرنا بمايكل انجلو ..حين انتهى من تمثال موسى ضربه بقوة وهو يصيح به :- انطق! . ان التكامل والكمال في الاعمال الادبية الفنية مرهون بالموهبة فقط .. وحتى الشعر لم يسلم من هؤلاء فقد خرج الكثير ممن درس واتقن الصنعة وشروطها كالتفعيلة والوزن والقافية لكنه لم يخرج علينا بشعر بل اصبح ناظما له.. لانه كان خاليا من الشاعرية والصورة

والخيال  والتشبيه ،مجرد نظم ملتزم بشروط الشعر .. وقد نكون ملزمين ان نقول ان الكثير من الاعمال الشعرية والقصصية والفنية تفتقر الى الموهبة التي تقوده .. وهذه الاخيرة تصنع من الكلمة ما يسعدنا ويفيدنا ويمتعنا في آن معا، انها تكشف ذواتنا .. وتوقظ الطفل الراقد فينا وترينا انفسنا ووجداننا ، وفي القصة والروايه نكتشف الموجود ..انها مثل ضوء رائع يرينا الوجود على حقيقته التي نعرف جزءا منه.. وهو ذاته الذي يفضح ما فعله هؤلاء الطارؤون الذين كتبوا ومازالوا يكتبون قصصا وروايات خالية من الثيمة او الموضوع  انك في كل الاحوال لاترى الموهبة ابدا فهناك كتاب كتبوا روايات كثيرة ممتعة مع انها  لاتحمل في طياتها موضوعا مهما مثل حارس في حقل الشوفان لسالنجرإنها تجربة لطفل فشل في دراسته  وخشي من الذهاب الى أهله خوفا من العقاب هذا هو كل مافي الامر ، لكن الموهبة هي التي جعلتك تجري فوق لصفحات

بسعادة ونشوة ولاتريد لهذا الجري ان يتوقف أبدا وثمة الكثير من الاعمال يكمن جمالها في السرد الشاعري والحوار القوي المتماسك والملىء بالمفارقات . وأنا لاأومن بما طلعوا علينا به من تقسيمات للقصة او للرواية  .. فقد قسموها الى سرد  ، وحوار ووصف  .. هي تعني بالنسبة لى نصا متكاملا اما ان يكون جميلا او مقرفا  فمن غير

المعقول أن أقول كان سردا جميلا ولكن حواره كان مخزيا .. أ و أن وصفه كان مذهلا لكن حواره لاح لي ضعيفا .. ان  الدخلاء البسوا هذا الفن لباسهم الغارق في الرمزية والعتمة ..ولأنهم يجهلون كيف يمسكون بالموضوع ويقودون بالفكرة وهم لايعرفون كيفية توظيفها بطريقة فنية ليوصلونا الى شاطىء المعرفة والمتعة .. وبدلا من ذلك اوقعونا في بئر لاقرارة لها   فعانى القراء من ظلمة قاعه .. ثم ذهبت جماعة مثلهم من النقاد تساندهم ليخرجوهم من ازمتهم فأطلقوا المزيد من التسميات الاكاديمية العرجاء .. مرة بحجة الرمزية واخرى بالفنتازيا والحداثة  …الخ .. وهكذا نجد ان المعالجة الخاطئة خلقت اشكالية جديدة وابقت على المشكلة بل وحافظت عليها حتى  كبرت وسمنت بل وترهلت.. واستفحلت وصارت تشكل تهديدا واضحا للابداع.. والمبدعين . وهي مازالت  تؤشر الى طريق مبهم  لايفضي  بنا الى شىء لانه ضاع بين اللغة المستوردة والمصطلحات الاكاديمية التي تخلو من المعنى والمعرفة مثل طبيب تاه عنه المرض فراح يتشبث بقشة المصطلح الفاسد ليضيع علينا اميته وعدم مقدرته ، وبهذا

ظل بيت الفرس بعيدا.. آمنا مطمئنا إذ لم يقترب منه أحد . ولهذا ايضا رحنا نسمع ولسنين طويلة جدا ذرائعهم وحججهم  .. كلمات منمقة ومدروسة لأغتيال الادب الجميل.. وهي كلمات تصب في الدفاع عن عدم قدرتهم على إنجاب طفل ينبض بالحياة والعافية.. كلماتهم  فخمة.. لكنها تطلق في غير مكانها ، وقد دوخت القراء وأصابت رؤوسهم بدوار، وكان استمرارهم  بهذا  الفعل وديمومته هو إستنادهم الى أمية

القراء وسذاجة الخبراء في القصة والرواية.. وأمية المسؤولين عن

الصفحات الثقافية ، أذكر حدثا  جديرا  بأن يذكر فقد اراد رجل ان

يهديه احدهم ويختار بين السياسة والادب فأختار مجلة<< الردريزدايجست>> وأرسل  لها قصة وحين إطلعوا عليها نصحوه ان يمتهن غير الكتابة مهنة له..  هذا ماذكره الرئيس الامريكي هاري  ترومان وهو يشكر المجلة على نصيحتها التي جعلت منه رئيسا. وإذا اردنا جانب الصواب فأنه لم تصدمنا قصة  ..ولم تهزنا من أكتافنا

رواية.. ولم توقفنا للتساؤ ل أو تدعونا الى التفكير لحظة لأنها تغيب عن بالنا لحظة الانتهاء منها  ، وتتبع هذا أ لمشوار يبشر بأنقراض مخيف .. مثلما حدث للدينصورات، انه إنقراض لشىء حي ، هو قتل لكائن حي  ..ولهذا مرة أخرى ننتفض جميعا ونقول كلمتنا  لأنها بقت مخنوقة لزمن طويل، ننتفض لأن ملاذ المشكلة ترك آمنا بلاحل.. وقد

صرفوا النظر عن عصا موسى لأنهم  لايعرفون ما تعني ضربة الريشة ولايعرفون شيئا عن تلك العصا التي تركوها على الرف لانهم لايعرفون السير بها وكيفية إستخدامها لتفعل فعلها في الناس وتؤثر فيهم .. تهزهم وتهزمهم حتى يتراجعوا أو يتقدموا ..انها  المعجزة التي يجب ان  يحملها كل عمل ادبي أوفني ،المعجزة التي تهز الوجدان ..وتهز كيان المرء بصورها ومعانيها ولغتها ونغمتها وتؤثر في سلوك الانسان العام.. وكل هذه الفنون هي بالتالي تراث عليه ان يحمل معه معجزته والقصة القصيرة أ والقصة.. او الرواية  وهذا موضوعنا .. حين تفتقر الى المعجزة .. الى ضربة الريشة القوية ، فأنها ستبقى قصة لعينة تافهة لاتقودها موهبة أو دراية أو إبداع أو خلق أنها فقط تحمل معها جواز سفر ،جواز مرور يؤكد أنها تسير حسب النظام ..مدخل +معظلة + حل +خاتمة موفقة .. ومن حق الجميع أن يتساءل هل ان إنتشار الخطأ يفند الصحيح ؟ وهل يمكننا القول ان الكاتب الدخيل يمكنه الوصول الى الصدارة بسبب معرفته بالمسؤولين او بسبب  موقعه الوظيفي ، ويتميز هؤلاء بأنهم لايستحون أبدا من نتاجهم  .. لهذا نسعى الى المسؤولين عن الاقسام الثقافية وخبراء القصة والرواية ونناشدهم بأسم التراث الجيد ان يتوقفوا عن نشر الأعمال التي لاتمتلك في يدها عصا موسى ولاتحمل بين اسطرها المعجزة وأعتقد ان القراء يعرفون ذلك جيدا  لذلك نشأت هوة كبيرة بين النقاد من الدخلاء وبينهم ،وكان للأسماء المعروفة شأن كبير في صناعة هذا  الواقع الثقافي المؤلم  لأنهم باركوه وزفوه الى الناس بطبول وهلاهل .. ويبقى المسؤول الثقافي في الصحف وخبراء الرواية في الدوائر الثقافية الاخرى .. هم الذين يمنحون لهذه الجثة الهامدة صفة الحياة والحيوية .. وبعضهم كان له باع طويل في تحطيم مقولة الادب الرفيع ..الحقيقة انني أحس أن هذا الهم أتعبني  ويزيده أنني لاأرى بارقة أمل في نهايته  لان الاعمال الرديئة مازالت منتشرة وخوفي ان تصبح هي التراث حينها أشعر اننا نساهم في حفر القبر الذي سيضم رفات فاسد وغير معقول .. وفي النهاية أجد أنه ومن باب أولى أن نؤكد ان عصا موسى تحولت لدى المبدع الى ضربة الريشة الاخيرة  وإذا خلت يد الفنان من هذه العصا فإن كل ألوان العالم وألواحها وريشها تعجز أن ترسم لنا غير الخرابيش .. والصورة.. والخطوط التي تخلو من الحياة ..من البهجة ..من نبض الحياة الجميل  الرائع ، من نبض الحياة المقدس المذهل وأن من لايمتلك هذه العصا فعليه أن لايورط نفسه في مجد زائف  وخلود وهمي لايمنحه سوى كأس من شراب في مشرب اتحاد الادباء .. وعليه أيضا ان يتذكر قبل ان يخلد  الى نومه ان لعنة الفن الرديء سترافقه حتى قبره .. ذلك انه لم يضف لنا شيئا وأخرى وهي الاهم .. انه قتل الفن الصادق عن سابق عمد وترصد فعلينا إذن واجب  ملحمي  بان نبعد غير المبدعين عن ساحة الوهم التي بعيشون فيها الى الواقع الذي يفتقر الى وجودهم وحين نفعل ذلك نكون قد أسهمنا في حماية  قصص الامة  وتراثها .. وأخيرا نأمل أن نكون بذلك قد أزعجنا الفرس  ..  لأننا كنا قد إقتربنا من بيته

-mail :alijhon2003@yahoo.coom

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *