قاسم ماضي : رواية الشاعر والقاص “محمد سعد جبر الحسناوي” فندق السلام إستنهاض للدور الشهداء والأموات في الزمن الصعب

kasem madi 2رغم المآخذات الكثيرة والمخزية التي خلفها المنتفضون من ثوار رفحاء ، وخاصة من الذين تسيدوا المشهد السياسي بعد العام 2003 ، والتي تعتري صدري وتثير الكثير من علامات الاستفهام وتشكل هما ً على قلبي ، نتيجة السلبيات الكثيرة والخطيرة التي مورست من قبل حكام العراق الجدد، و التي شكلت لي صدمة كبيرة لما حدث في العراق .
بعد تولي أغلبية رجال الإنتفاضة الحكم في العراق ، وأنا هنا ليس بصدد مناقشة الواقع العراقي المخزي الجديد ، والذي قلل من شأن هذه الإنتفاضة العظيمة ، والتي راح الكثير من إبنائنا الشرفاء الذين قاتلوا ببسالة للتخلص من الأشرار والطغاة ومنهم البعثيين ”
رتل عسكري كبير يتقدم باتجاه النجف ” ص 115
ولكن يجب القول في سمعناه وشاهدناه عن هذه الإنتفاضة المباركة ، والمعروفة لدى الكثير من العراقيين ، وهذه االإنتفاضة التي حدثت في العراق في عام 1991 ، والتي ارعبت البعثيين ومنهم الدكتاتور ” صدام حسين ” تلك المقدمات التي تخص الرواية التي تحمل العنوان ( فندق السلام ) وهي من القطع المتوسط وتقع في 416صفحة ،صادرة من المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
” قال حسن : إن المحكومين بالإعدام هنا بالمئات ، وكلهم من الوسط والجنوب ، وأكثرهم متهمون بتهم سياسية أو تنظيمات حزبية ” ص143
ولو رجعنا قليلاً إلى الوراء نجد المسار التاريخي الذي سار عليه ” الحسناوي ” يهدف إلى تصوير عهد من العهود التي مضت ، أو حدث من الأحداث الضخام مبني على معطيات التاريخ من غير تقيد بها أو التزام لها في كثير من الأحيان ، أكرر ذلك كثيراُ لأنني مستاء كثيراً من الذين قادوا الحكم بعد سقوط النظام عام 2003 ، ومنهم الكثير من رجال رفحاء الذين أساءوا إلى الشعب العراقي ،ومنهم المحافظ الأسبق في محافظة النجف وغيره ، وحتى توثق المعلومة إلى الأجيال اللاحقة ، ونحن من يثبتها للتاريخ كي نكون شهود عصرنا ، والمحافظ وامثاله مارسوا نفس الدور المهين ، مع توليهم السلطة في العراق الجديد مع أبناء شعبنا ، وقد نشهد في المستقبل من سيكـتب رواية ستتناول مجمل الاحداث او لنقل ستؤرخ لأحداث ما بعد 2003 وبالتأكيد ستحمل مادة غنية بالاحداث ، رواية تطيح بهذه الشلة التي تلاعبت بمقدرات هذا الشعب العظيم ، والدليل واضح فما نمر به من أزمات تصنعها الطغاة ، هي نتاج أكثر من عقد على ممارسات وسلوكيات في غاية السوء.
وشخوص الرواية التي أنطلق منها ” الحسناوي ” كانت واضحة ومعلنة ، ومعروفة لدى القاصي والداني ،وهو يقول لنا جميعاً وبتحدٍ واضح ، هذه الشخوص ترتبط بداخلي إيجابياً ولا أريدها تتعرض للذوبان ، وهم شخوص واقعية عاشت الأحداث بكل تفاصيلها ، وكأننا أمام كاميرا دقيقة تلتقط جميع تفاصيل الحدث لتكشف سلوك هذه الشخصوص ،وهو مخرج بارع يحرك شخوصه بحرفة ودراية ،وكأنه يقول لنا هؤلاء من أفتخر بهم ،ولابد لأمتنا أن تفتخر بهؤلاء ،وهذه الشخوص المتحركة والغير الجامدة ، وعبر mohammad saad jabr alhasnawiمنولوجات داخلية تظهر هذا الكم الكبير من الغليان لما حدث لأبناء شعبنا العراقي ، ومنها شخصية ” علي ” الحالمة والثائرة ضد كل إشكاليات الفساد والعنف والموت ، وهي تمس دواخلنا التي كنا نحلم بها ، وكانت أعمارنا قريبة من عُمر ” علي ” وحبيباتنا تشبه حيبية البطل ” علي ” في رواية ” فندق السلام
” بعدما آخذتنا الحروب الكارثية “أه .. لو أستطيع ضمًها إلى صدري لأروي ظمئي ” ص11
والرواية هي تحكي قصة البطولة ، والوفاء في أروع صورها ، وهي لمحات من تاريخ السيرة العطرة لكل الثائرين الذين دافعوا عن مدنهم وبلدهم ،يقول
” الحسناوي ” ولكن هذا ما استطعنا الحصول عليه خلال جولاتنا ليكون وثيقة إدانة لممارسات النظام ضدً شعبنا ” ص10
والرواية تمتلك لغة شاعرية لأن كاتبها شاعر وقاص ، وهو يغوص في التفاصيل الصغيرة لكل شخصياته التي تمتلك من الهموم الإنسانية الكثير ، فإن الحكي الروائي يحقق المطالب الإنسانية في المتعة والمعرفة معاً ” وعلي لم يصدق نفسه ،وكأن الدنيا أمام عينيه مع ظلمة الليل الداكن روابي خضراء ”
وهي تحكي قصص البطولة والوفاء في أروع صورها للكثير من الذين أستشهدوا أو الذين ظلوا أحياء ً، وهي بالتالي درسا ً من دروس التحدي والمواجهة الساخنة التي دارت رحاها في محافظات الجنوب والوسط ، ومنها محافظة النجف الأشرف ، والروائي يظهر لنا رموزا ً تضيء لنا درب الجهاد الشائك والصعب ، وشخصية ” علي ” العاشق لحبيبته ” ايمان ” ولمحافظته النجف التي حملها في قلبه وعقله ” قال زهير ”
تعجبني شخصية علي ، إنًه مصمم على تعرية الطغاة ، وتحشيد الناس ضد الحكومة ، ويقول على رجال الانتفاضة أن يستمروا في توعية الناس للثورة وإسقاط النظام لكي لا تذهب دماء الشهداء سدى ! ” ص294 ” وإنطلاقاً من مخيلته الأدبية لكونه صاحب تجارب في كتابة السرد القصصي وله تجربة في ذلك ،فإن مخيلته الأدبية أرادت ان تسقط كل محاولات الزيف والحقد ، فهي محاولة لتغيير الواقع العراقي نحو الأفضل ،وكذلك هي مواجهة جذرية لأساليب القمع .
يقول في الإهداء ” إلى كل مَن ظلًت روحه ُ ترفرفُ في سماء العراق ِ ظامئةٌ لأهلهِ ونسائمه ِ
وترابه ِإلى أرواح شهدائنا الأبرار ” ص5 kh mohammad saad jabr
ويبدو أن ” الحسناوي ” أحب شخوصه بإخلاص لذا فقد إهتم ببنائها وفق مواصفات معينة ، وهو يحاول ان يتخذ من الكتابة ملاذا له للتعبير عن حقبة بعينها، هذا أقل ما يفعله لخدمة هؤلاء الذين ظلوا يتعايشون معه ،وهو يراعي الخصوصية التعبيرية الجمالية ، ويعمل بكل جد لتأكيد طبيعة البناء الروائي ، ودرجة تفاعل القارئ معها ، بعد مرور أكثر من 20 سنة على مرور أحداث الإنتفاضة الشعبانية ،وظل السارد ” الحسناوي ” هذا المتأمل لسرد الأحداث يدون ما سمعه وما شاهده وتجلى المكان بوصفه أحد أبطال الرواية ، أوما حصل عليه من وثائق تدعم هذه الرواية المهمة التي توثق أهم مرحلة من مراحل تاريخ العراق المعاصر.يقول عنه الناقد الكبير والمعروف ” علي الفواز ” تضع رواية فندق السلام الوثيقة التاريخية أمام القراءة ، وأمام شهادة فاضحة لرعب السلطة ، والخفايا أحداث ظلًت ضمن النصوص السرية للمقموع والمسكوت عنه ، مثلما تضعنا إزاء يوميات مدينة تفكر بنصوصها المضادة ، وتفكر بأرواح أبطالها الذين استنطقوا الواقع ” ص7
ولهذا عمل الروائي والقاص ” الحسناوي ” ومن خلال ضبط إيقاع الزمان والمكان وتعالقهما الزمانكي ” الكرونوتوبي ” بتعبير ” باختين ” لأننا لم نجد أي ترهل منذُ ُدخولنا في بنيته السردية التي عمل عليها ، والتي انطلق منها وهو مهتم برسم حبكته وانسيابيتها المقترنة بحركة الحدث والشخصيات المتعددة القصصية والتي تقضي إلى ضخ حمولات معرفية ودلالالية ، كي تسهم في توصيل مفرداته التي عمل عليها في تعزيز واشباع الحدث ، وهذا ما أكده ُ الأديب ” جاسم عاصي ” حيث يقول عنه ” في هذه الرواية حاول الكاتب أن يكون متوازن الموقع ، بين أن يكون النص أميناً للتاريخ وبين أن تكون للنص علاقة بنيوية تخص فن الرواية ، وحصل هذا بما وفره الكاتب من تحقيق وحدات ، منها الكيفية التي تعامل من خلالها الزمان والمكان من جهة ” ص 8
وبالتالي إشتغالات الروائي ” الحسناوي ” في هذه الرواية مدروسة دراسة عميقة وهو يضع خلاصة تجربة مرة من أهالي محافظات الجنوب والوسط بين الحديد والنار والعوز هدر الكرامة ،ونجح في خلق أطر مهمة في عالم الرواية منها فنية وجمالية من خلالها عمل على تكثيف الواقع واختزاله .
” وترتفع مع شقشقات العصافير ضحكات الروح التي أوهنها البعد وأدماها الأسى ، متى أيتها الغربة نطوي صفحات خريفك التي أسقطت الأوراق والزهور على سواقي السعادة ” إذن هو يلوك الهم ثانية بين إسنانه من جراء الطغاة .

قاسم ماضي – ديترويت

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| جمعة الجباري : قراءة الدلالات الشعرية عند الشاعر صلاح حمه امين في ديوانه “عقارب الساعة التاسعة”.

* صلاح الدين محمد أمين علي البرزنجي المعروف بالاسم الحركي صلاح حمه أمين،  شاعر وفنان …

| اسماعيل ابراهيم عبد : على هامش ذاكرة جمال جاسم امين في الحرب والثقافة – تحايثاً بموازاة عرضه .

الكاتب جمال جاسم أمين معروف بين المثقفين العراقيين باتساع نتاجه وتنوعه كمّاً وجودة , فضلاً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *