
أثارتْ مقالة الأستاذ زيد الحلي التي قرأتها مؤخرا ً منشورة على إحدى الصفحات الإلكترونية لـ ( مركز النور الثقافي ) على الشبكة الدولية للمعلومات ( الإنترنت ) ، كتبها بتاريخ 11 / 11 / 2009م ، شجونا ً وشؤونا ً ، وهو يدافع عن صديقه الأستاذ حميد المطبعي ومجلته المحتجبة ( الكلمة ) التي كانت تصدر في ستينيات القرن الماضي ، رادا ً على صديقه الآخر الأستاذ الدكتور عبد الإله الصائغ ، مفندا ً ما جاء في مقالة سابقة للصائغ من رأي في حميد المطبعي ومجلته ، وأعجبني أسلوب الحلي السلس وبيانه الرشيق وطرحه المؤدب في عرض رأيه وتفنيد رأي قرينه بدبلوماسية ـ كما يقولون ـ وليس ذلك من الغرابة في شيء ، فهو من أعلام الصحافة العراقية ، بل يمكن أعتباره امتدادا ً لجيل الرواد الأفذاذ :ـ روفائيل بطي ، وعبد القادر البراك ،وعبد الباسط يونس ؛ علما ً أنه ليس منهم ، فهو من الذين أتوا بعد عبد القادر البراك فعاصروه ، أو ربما تعلموا منه ومن غيره .
أقول أثارت فيَّ هذه المقالة شجونا ً وشؤونا ً ، وبدأت أسأل نفسي ما هي الصَّحافة ؟ ، ومَن هو الصَّحافي ؟ ، وربَّما يرى البعض غرابة في هذين ِ السؤالين ِ ، أو يذهب أبعد من ذلك فيصف السَّائل بالسذاجة ، أو يرميه بما ليس فيه من العيوب والنقائص ، ولا يهمني ذلك بقدر ما يمهمني توضيح دواعي هذين ِ السؤالين ِ اللذين ِ عنـَّا لي وخطرا ببالي أو دارا في خلدي وخاطري ، فالسبب ربما يكون في أني أؤمن أنْ تسمى الأشياء بمسمياتها ، ولم أجد في تسميتي الصحافة والصحافي ــ في عالمنا العربي عموما ً ، وليس في العراق خصوصا ً ــ تسمية للشيء بمسماه .
فالصحافة اليوم هي لكل مَن هبَّ ودبَّ ــ بتشديد وفتح الباءين ِ ، والتأكيد على حركتيهما عند النطق بالكلمتين ِ ، فلا نقبل التسكين أو التخفيف ــ ولا نقول هذا جزافا ً أو تعديا ً ، أو رجما ً بالغيب ، أو رميا ً بالباطل ، بل من خلال ما رأيناه من هذا التعميم الغريب لهاتين ِ المفردتين ِ ــ ( الصحافة والصحافي ) ــ وإطلاقهما على كلِّ مَن هبَّ ودبَّ ، فكل المحسوبينَ على الوسط الثقافي عموما ً ــ والأدبي خصوصا ً ــ يدعون أنهم صحافيونَ ولهم باع طويل في هذه المهنة ، فهم الجنود المجهولونَ الذين يقفون خلف الكواليس من كاميرات التلفزة وحيطان الجرائد .
وليس عتبي على هؤلاء بل عتبي على مَن استخدم مفردة في غير محلها ، وأطلق صفة لمَن لا يستحقها ، وكان ما كان من تشويه لصورة الصحافي وخدش لمهنة الصحافة ، فالمعروف أو المتداول أنَّ كل مَن يعمل في مجال الإعلام ( المرئي والمسموع والمقروء ) ينعت بـ ( الـصحافي ) ، وتنعت مهنته المرموقة تلك بـ ( الصحافة ) ، وفي ذلك مغالطة كبيرة ، تترتب عليها مصيبة أكبر أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من كثرة المحسوبينَ على هذه المهنة ، بل إنَّ بعض الصحافيينَ الحقيقيينَ يعتقدون أنهم أدباء وصحفيون في عين الوقت ، وربما يكون منهم أدباء ، لكن الظاهرة في ادعاء الأدب من الأغلب الأعم ، فلا يكتفون بالمهنة الصحفية بل يطمحون القفز إلى مصاف الأدباء والكـُتـَّاب ، وليس العيب ــ في رأينا غير المتواضع ــ في الطموح أو الرغبة ، بل في الادعاء والافتراء ، ثمَّ التجني على الصحافي ومهنته أو على الأديب ومهنته ، فالعكس صحيح عند بعض الأدباء أو الكـُتـَّاب كما قدمنا ، لا أستثني أحدا ً ، ولا حاجة بي إلى التكرار ، (( فكل لبيب بالإشارة يفهم )) .
ولا أملك في هنا إلا أنْ أنقل ما جاء في ( المنجد في اللغة والأعلام ) ، من شرح لمعنى الفعل ( صَحَف ) علني أجد جوابا ً لسؤاليّ السابقين ِ :ـ { صَحَفَ : 1ــ صَحَّفَ الكلمة : أخطأ في قراءتها وروايتها في الصحيفة أو حرَّفها عن وضعها * أصْحَفَ الكتابَ : جعل فيه الصحف * تـَصَحَّفَ القارئُ : أخطأ في القراءة ║يقال (( تـَصَحَّفـَتْ عليه الصحيفة )) أي تغيَّرَتْ عليه فيها الكلمة * الصِحَافة عند المحدثينَ : كتابة الجرائد ║عَالـَمُ الصِحَافة : كتبة الجرائد * الصَحَّاف : مَن يخطئ في قراءة الصحيفة ║بائع الصحف * الصَحَفِيّ : الذي يروي الخطأ عن قراءة الصحف بأشباه الحروف║الذي يأخذ العلم من الصحيفة لا عن أستاذ * الصِحَافِيّ : الذي اتخذ الصِحَافة مهنة له * الصَحِيْفـَة ج صَحَائِف وصُحُف : القرطاس المكتوب ║الورقة من الكتاب بوجهيها ║الجريدة * المَصْحَف و المِصْحَف و المُصْحَف ج مَصَاحِف : ما جُمِع من الصحف بين دفتي الكتاب المشدود * المُصَحَّف ( مفع ) : يقال (( هذا اللفظ مُصَحَّف عن كذا )) أي مغيَّر عنه * المُصَحِّف : الذي يروي الخطأ عن قراءة الصحف بأشباه الحروف . 2 ــ الصَحْفـَة ج صِحَاف : قـَصْعَة كبيرة منبسطة تشبع الخمسة ║الصِحَاف : مناقع صغيرة للماء * الصَحِيْف : وجه الأرض * صَحِيْفـَة الوجه : أي المحيا ج صَحَائِف وصُحُف : بشرة جلده . يقال (( صُنْ صَحِيْفـَة وجهك )) } .
وعلى هذا فلا يصح عندي التعميم الدارج اليوم في إطلاق كلمة ( الصحافة ) على الإعلام المرئي أو المسموع ، وإطلاق كلمة ( الصحافي ) على العاملينَ فيهما ، فالصحافة هي كتابة الجرائد ، والصحافي هو مَن اتخذ الصحافة مهنة له ، واستغرب من جواب بعض الأدعياء والجُهَّال عندما يُسأل أحدهم عن مهنته أو عمله فيقول ــ غير عارف بمعناها ــ ( صحفي ) ، ولا يقول ( صحافي ) ، رحم الله العلامة مصطفى جواد ــ صاحب ( قلْ ولا تقلْ ) ــ وحسبي الله ونعم الوكيل .
وصح عندي استخدام اللفظين ِ وإطلاقهما على ما يُكتـَب في الجرائد الإلكترونية على الشبكة الدولية للمعلومات ( الإنترنت ) ، فهي جرائد يمكن طباعتها على ورق أو قراءتها في مواقعها كما تقرأ الجرائد العادية .
لقد فصلنا في الصحافة والصحافيينَ ، أما ( الآخرون ) فلا يستحقون منا تفصيلا ً ولا حتى ذكرا ً ، فالكلام فيهم لا معنى له ، كما قال الناقد الأقدم أبو عمرو بن العلاء في شرح قول الأعشى ميمون بن قيس :
وَقدْ غدَوْتُ إلى الحَـانوتِ يَتبَعُنِي شَاو ٍ مشِلٌ شَلوْلٌ شُلشُلٌ شََولُ
***************
هوامش:
1-عجز من بيت شعر سمعته ، لا أذكر شطره ، ولا أعرف قائله ، ويندر هذه الأيام مَن يقول لا أعرف أو لا أذكر ، فالكل عارفونَ متمتعونَ بأقوى درجات الذاكرة ، ناهيك بسعة أفقهم ، وإلمامهم بجميع المصادر وأمهات الكتب ، واطلاعهم أو قراءتهم لكل المراجع !! ! ……… .
2 ـ من منشورات دار المشرق بيروت ــ لبنان ، الطبعة الثلاثون 1988م ، صفحة ( 417 ) .
للتواصل مع الكاتب يرجى الكتابة إلى :
Ramzee_Alobadi@Yahoo.Com
Ramzee_Alobadi@Hotmail.Com