*ناقدة وأكاديمية عراقية
08/5/2013 12:00 صباحا
لا ريب أن للكلمة الشعرية وقع الحسام لأنها القادرة جملة وتفصيلا على إحداث التغيير الثقافي واستيعاب التطور المعرفي..
وقد أسهمت المرأة الشاعرة في تأكيد هذا الدور للكلمة بشكل ثوري سواء في الشكل التحديثي الفني للشعر أو في المضمون الانقلابي للفكر..
وإذا كانت الشاعرة لميعة عباس عمارة واقعية في توجهها الشعري ، فانها تكاد أن تبلغ قمة الهرم الشعري في رومانسيتها التي هي حاضرة جنبا إلى جنب واقعيتها ..
وقد وصل صدى صوت لميعة الأنثوي إلى مختلف الأصقاع وقد ذكرتها نتالي حنظل في موسوعتها للنساء الشاعرات.. وممن ذكرت في هذه الموسوعة أيضا من شاعرات العراق : نازك الملائكة ودنيا ميخائيل ومي مظفر وأمل الجبوري.
ويبدو أن نشاطها الشعري كان غزيرا في مقتبل تجربتها الشعرية فبين الأعوام 1963ـ 1972 في الثلاثينيات من عمرها وصدر لها خمسة دواوين ولما وصلت الخمسين من عمرها لم يصدر لها سوى ديوانين اثنين وفي الأعوام التسعينية صدر لها ديوان واحد فقط.
وكانت قد نشرت لميعة أول قصيدة لها عام 1944 حين تخرجت من دار المعلمين العالية وعملت مدرسة للغة العربية وصدرت لها عدة دواوين منها : الزاوية الخالية عام 1966 وعراقية 1971 ويسمونه الحب 1972 وعودة الربيع 1963 ولو انبأني العراف 1980 والبعد الأخير 1988 وأغاني عشتار 1969 وقبل الالفين 2001.
والمميز في هذه الشاعرة انها عاصرت اقرانها من الجيل الحداثي الأول من شعراء التفعيلة وقد رافقتها السمة الرومانسية وغلبت على نظرتها للحياة والإنسان.
وهي أشبه ما تكون بنازك الملائكة في نزعتها الرومانسية ودفقها الواقعي فكلاهما عاشقتان لليل والطبيعة والصبابة وقد تجسدت لديهما نزعة البكاء والكآبة والياس في التعبير عن خيبة الآمال.
ولعل من أهم معالم الصوت الانثوي في شعر لميعة هو أنها مزجت الحب بالسياسة والثورة إذ حاكى شعرها الآم المتعبين والمعدمين في كفاحهم الحياتي من اجل العيش تقول في قصيدة ( عام جديد ) :
يا رنة الفرح الوليد تشق أجواز السماء
كوني الرسول وبلغي عنا شكاة الأبرياء
المتعبين ولا جزاء الصابرين على البلاء
المعرضين عن الفتات الظامئين لغير ماء
إلى أن تقول :
هل زاده العمر الطويل سوى المذلة والعذاب
يجري وقد خارت قواه إلى نعيم من سراب
المجدد باسم المجد كم قادوا النفوس إلى الغناء
لا حبذا مجد يشاد على عظام الأبرياء
يا رنة الفرح الوليد تشق أستار السكون
هزي قلوب الظالمين لعلهم لا يظلمون
وهي تنكر ذاتها مقابل ذوات الآخرين وهذا ما يجعل شعرها غبريا هي لسان حال الناس المعبرة عن آلامهم يقول في قصيدة ( بحث بلا جدوى) :
يا قلب مت كي أرى في الناس هانئة
فأنت سر عذابي أنت يا قلبي
لو لم تكن شاعرا ما كنت بائسة
ناشدتك الله مت يا قلب في جنبي
وتخص الرصافي بقصيدة رثائية لأنه شاعر البؤساء أمضى حياته في سبيل الإصلاح المجتمعي تقول في ( تحية للرصافي):
أمضيت كل العمر بؤسا ساحقا
ماذا ترد معازف العزاف
من نومة فوق الجريد لنومة
تحت التراب بليدة الأطياف
عار على عار لعهد بائد
خلو من التقدير والإنصاف
وهي تحييه لأنه شاعر البؤساء:
يا شاعر البؤساء ألف تحية
لو أنصفتك تحية الآلاف
وهي شديدة التعاطف مع المتعبين والإحساس بجموع الأطفال تقول على لسانهم في قصيدة أخوات كان :
ونحن نلملم دون نهاية
لنأكل خبزا بهذي النفاية
والإحساس السياسي بالواقع والرغبة في تغييره هو الذي يدفعها للثورة والانقلاب والتغني لابطال الثورات.
وكان ديوانها الأول الزاوية الخالية يعج بنفس واقعي تقول :” وبدأت الحياة تلين وتتسع أمامي وكانت ثورة 14 تموز الرائعة التي جعلتني انطلق بجنون إلى النظم والقراءة والدراسة ” وقد كتبت قصيدة عنوانها ( 14 ) تقول:
أحب كل أربع عشر
لأنها ليلة تم البدر
وأنها أروع ما في الدهر
ثورتنا على قيود الغدر
وعينا العظيم عيد النصر
أغنية كل شعب حر
إن هذه الشاعرة تقف في مقدمة الشواعر العربيات في وضوح النزعة الرومانسية فهي تمثل مع نازك الملائكة التيار الرومانسي للشعر النسوي.